وَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو سَلَمَةَ ابْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ: يَا ابْنَ أَخِي، هَلْ تَدْرِي فِي أَيِّ شَيْءٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا [آل عمران: 200]؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: إِنَّهُ لم يكن يا ابن أخي فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَزْوٌ يُرَابَطُ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ.
رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ سياقُ ابن مردويه له، وأنَّه من كلام أبي هريرة ، والله أَعْلَمُ.
الشيخ: هذا الأثرُ ليس بجيدٍ؛ لأنَّ الرسولَ ﷺ وقع في زمانه غزوات كثيرة ومُرابطة كثيرة عليه الصلاة والسلام، فهو جهلٌ من قائله، فقد رابط المسلمون رباطًا عظيمًا يوم الأحزاب حتى أعزَّهم الله، وأذلّ عدوّهم خاسرين، وكذلك رابطوا يوم أحد وصبروا وصابروا، وهكذا يوم بدرٍ، وهكذا في غزوة الفتح، وهكذا يوم خيبر، كل هذا، وهكذا غزوة تبوك حصل رباطٌ عظيمٌ وصبروا.
ثم المقصود من المرابطة الثّبوت في مواضع الحرب، والاستقامة، والصبر، وعدم الخجل والضَّعف، وعدم الجزع، ويدخل في ذلك المرابطة في كل خيرٍ: في الصَّلوات، وطلب العلم، والمرابطة في الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، والدَّعوة إلى الله.
المرابطة هي الثَّبات والاستمرار في الحقِّ، والصَّبر عليه، وعدم الضَّعف، وعدم النّكوص على العقبين، يعني: يستمرّ، يلزم الحقّ، نعم.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمُرَابَطَةِ هَاهُنَا مُرَابَطَةُ الْغَزْوِ فِي نُحورِ الْعَدُوِّ، وَحِفْظُ ثُغور الْإِسْلَامِ وَصِيَانَتُهَا عَنْ دُخُولِ الْأَعْدَاءِ إِلَى حَوْزَةِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِالتَّرْغِيبِ فِي ذَلِكَ، وذِكْر كَثْرَةِ الثَّوَابِ فِيهِ؛ فرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: رباطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَلمان الفارسيِّ، عن رسول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: رباطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وأُجْرِيَ عَلَيْهِ رزْقُه، وأُمِنَ الفَتَّانُ.
الشيخ: يعني: فتَّان القبر، هذا من ثواب المرابط في سبيل الله: رباطٌ في سبيل الله خيرٌ من صيام شهرٍ وقيامه، ويجري عليه عملُه. يعني: عمله الذي كان يعمله في الدنيا يجري عليه ثوابُه، يستمرّ، وهو خيرٌ عظيمٌ، وفضلٌ كبيرٌ، ويجري عليه رزقُه من الجنّة، ويأمن الفتَّان، هذا من ثواب المرابط في سبيل الله إخلاصًا لله، وتعظيمًا لله، ومحبةً لله، وطاعةً لرسوله ﷺ؛ ولهذا قال: رباط يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، كل هذا الفضل لمن أخلص لله وصدق، وعمل ذلك ابتغاء وجه الله على الوجه الذي يرضاه الله.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوةَ بْنِ شُرَيحٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ الجَنْبيّ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ فُضالةَ بْنَ عُبيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الَّذِي مَاتَ مُرَابطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَنْمى لَهُ عملُه إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هَانِئٍ الْخَوْلَانِيِّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" أَيْضًا.
الشيخ: وما ذاك إلا والله أعلم إلا لعظم الأمر؛ لأنَّ المرابطة في ثغور المسلمين فيها مصالح عظيمة، وفيها أخطار: قد يكون فيها غربة وفراق الأهل، وفيها الأخطار من هجوم العدو، وفيها مصلحة في حفظ أطراف المسلمين وحماية بلادهم، ففيها مصالح للمسلمين، وفيها خطر على المرابط من هجوم العدو، وفيها الغربة، قد يكون غريبًا ليس معه أهله، قد لا يتيسّر له نقل أهله في مواضع الرباط؛ فلهذا ولغيره من الأسباب حصل له هذا الفضل العظيم والجزاء العظيم لمن أخلص لله نيّته، وصدق في هذا الخير العظيم وصبر، نعم.
الطالب: مِشْرَح -بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه وآخره مهملة- ابن هاعان المعافري –بفتحتين وفاء- المصري، أبو مصعب، مقبول، من الرابعة، مات سنة ثمانٍ وعشرين. (عخ، د، ت، ق).
الشيخ: صوابه: هاعان، كما في "المسند" و"التقريب".
سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ لَهُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الْمُرَابِطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ عَمَلُهُ حَتَّى يُبْعَثَ وَيَأْمَنَ مِنَ الفَتَّان.
وَرَوَى الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ أَبِي أُسَامَةَ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنِ الْمَقْبُرِيِّ -وَهُوَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ يَزِيدَ- بِهِ، إِلَى قَوْلِهِ: حَتَّى يُبْعَثَ، دُونَ ذِكْرِ "الْفَتَّانِ"، وَابْنُ لَهِيعة إِذَا صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الشَّوَاهِدِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قال ابنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ": حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِالْأَعْلَى: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِيَ اللَّيْثُ، عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قال: مَن مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ الصَّالحُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ مِنَ الْفَتَّانِ، وَبَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا مِنَ الْفَزَعِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُوسَى: أَنْبَأَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ وِرْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ، وَأَمِنَ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَغَدَا عَلَيْهِ وَرِيحَ بِرِزْقِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَكُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْمُرَابِطِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدّيلِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ -تَرْفَعُ الْحَدِيثَ- قَالَتْ: مَنْ رَابَطَ فِي شَيْءٍ مِنْ سَوَاحِلِ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَجْزَأَتْ عَنْهُ رِبَاطَ سَنَةٍ.
الشيخ: انظر محمد بن عمرو بن حلحلة.
الطالب: محمد بن عمرو بن حلحلة -بمُهملتين بينهما لامٌ ساكنة- الدِّيلي -بكسر الدال وسكون التَّحتانية- المدني، ثقة، من السادسة. (البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائي).
الشيخ: محمد بن عمرو من الثِّقات، اتَّضح أنه حجازي، وإسماعيل بن عياش عن الحجازيين والعراقيين ضعيفٌ، بخلافه عن الشَّاميين، لكن شواهد الحديث مُتقدّمة، المستغرب في هذا: ثلاثة أيام تُعتبر رباط سنةٍ، وفضل الله واسع، لكن السَّند فيه هذا: إسماعيل عن الحجازيين. في الفضائل السَّابقة الخير العظيم.
س: أمّ الدَّرداء روت عنه عليه الصلاة والسَّلام؟
ج: أم الدَّرداء ثنتان: واحدة تابعية، وواحدة صحابية، يُنظر في التي روى عنها إسحاق، يُنظر في هذه التي روى عنها إسحاق بن عبدالله ابن أبي طلحة ابن أخي أنس، هل هي تابعية؟ إن كانت تابعيةً فهو مُرسل، وإن كانت صحابيةً فهو متَّصل.
مداخلة: يقول في "الدر المنثور": عن أبي الدَّرداء يرفع الحديث.
الشيخ: بدل: أم الدَّرداء؟
الطالب: إيه نعم.
الشيخ: ..... رواية أخرى.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِهِ: إِنِّي مُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ بِهِ إِلَّا الضِّنُّ بِكُمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: حَرْسُ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ لَيْلَةٍ يُقَامُ لَيْلُهَا، وَيُصَامُ نَهَارُهَا.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ رَوْحٍ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عُثْمَانَ.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُصْعَبِ بن ثابتٍ، عن عبدالله بن الزبير قَالَ: خَطَبَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ النَّاسَ فَقَالَ: يا أيُّها الناس، إني سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حديثًا لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ بِهِ إِلَّا الضِّنُّ بِكُمْ وَبِصَحَابَتِكُمْ، فَلْيَخْتَرْ مُخْتَارٌ لِنَفْسِهِ أَوْ لِيَدَعْ، سمعتُ رسولَ الله ﷺ يَقُولُ: مَنْ رَابَطَ لَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ كَأَلْفِ لَيْلَةٍ: صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا.
الشيخ: هذا الحديث في سنده ضعفٌ، ولكن الأحاديث الماضية كافية، شافية؛ لأنَّ مصعب بن ثابت لينٌ، والظاهر أنه لم يسمع من عثمان، منقطعٌ يعني، والسَّند الآخر فيه عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ليس عندهم بشيءٍ في الرِّواية، انظر: مصعب بن ثابت.
مُداخلة: تكلّم عليه أحمد شاكر قال: إسناده ضعيفٌ، فيه ضعفٌ، ومصعب بن ثابت ضعَّفه أحمدُ وابنُ معين وغيرهما، ثم هو مُنقطعٌ أيضًا.
الشيخ: الظَّاهر أنَّه لم يلقه، انظر: "التقريب"، الظاهر أنَّه لم يلقَ عثمان، نعم.
الطالب: مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير بن العوام، الأسدي، لين الحديث، وكان عابدًا، من السابعة، مات سنة سبعٍ وخمسين وله ثلاثٌ وسبعون. (أبو داود، والنَّسائي).
الشيخ: من السَّابعة، يعني: من أتباع التابعين، يكون ما أدرك عثمان، ولا أدرك الصَّحابة، نعم.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ عُثْمَانَ : قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِالْمَلِكِ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ -مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: إِنِّي كَتَمْتُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَرَاهِيَةَ تَفَرُّقِكُمْ عَنِّي، ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ لِيَخْتَارَ امْرُؤٌ لِنَفْسِهِ مَا بَدَا لَهُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ.
ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، قَالَ محمَّدٌ -يعني البخاريَّ- أَبُو صَالِحٍ مَوْلَى عُثْمَانَ اسْمُهُ: بُرْكَانُ. وَذَكَرَ غيرُ الترمذيِّ أنَّ اسمَه: الحارث، والله أَعْلَمُ.
الشيخ: هذه الرِّواية ليس فيها: يُصام نهارها، ويُقام ليلها ..... فيما سواه مطلقًا، انظر أبو صالح مولى عثمان.
الطالب: أبو صالح مولى عثمان مقبول، من الثالثة، اسمه: الحارث، ويقال: تركان –بمُثنّاة في أوله ثم راء ساكنة. (الترمذي، والنَّسائي).
الشيخ: مع ما تقدّم يلحق من قبيل الحسن لغيره.
س: تعرف هذه الأيام أنَّ الصّور التي عمَّت بها البلوى، والذي يحتاج إلى صوره إذا ذهب إلى الاستديو ما يُصوّر له بقدر حاجته، يقول: لا بدَّ أن يصور ستَّ صورٍ. فتبقى معه مثلًا صورتان أو ثلاثٌ، فيُبقيها في جيبه، فهل يجوز أن يُبقيها للحاجة وهو يكرهها، أو لا بدَّ أن يمزّقها، وإذا احتاج صورًا مرةً أخرى؟
ج: الأقرب والله أعلم أنَّه لا يُبقِ شيئًا، بقدر الضَّرورة: تابعية، أو الجواز، ونحو ذلك؛ لعموم قوله ﷺ: لا تدع صورةً إلا طمستها، والحديث صحيحٌ؛ رواه مسلمٌ، مع عموم الأدلة الأخرى، إنما يأخذ الصّورة التي تدعو إليها الضَّرورة: كجوازه، وتابعيته.
س: لو احتفظ بها لغرضٍ آخر؟
ج: يُعينه الله، إذا جاءت الحاجةُ أعانه الله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، لا يُبْقِ شيئًا.
س: .............؟
ج: صحيحٌ، لكنَّ هذا مقصود النبي ﷺ: أنَّ المرابطَ أعماله كلها تبقى له، أمَّا غيره من الميّتين فيبقى شيءٌ معين من أعمال الناس، أو وقف أجراه صدقةً جاريةً، يعني: وقفًا أجراه، أو علمٌ يُنتفع به علَّمه الناس، أو كتبٌ خلَّفها، أو ولدٌ صالحٌ يدعو له؛ لأنَّ ولد الإنسان من كسبه: إنَّ أولادكم من كسبِكم.
لكن المرابطَ له فضلٌ عظيمٌ، يبقى له ثواب صلاته مستمرّ، وثواب صيامه وجهاده، وثواب حجِّه، وثواب قيام الليل، أعماله كلها تبقى له، فضلٌ عظيمٌ .....، هذا شيءٌ عظيمٌ جدًّا: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21].