تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..} (3)

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُالْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الْحَجَرَ لَيُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّمَ فَيَهْوِي سَبْعِينَ خَرِيفًا مَا يَبْلُغُ قَعْرَهَا، وَيُؤْتَى بِالْغُلُولِ فَيُقْذَفُ مَعَهُ، ثُمَّ يُقَالُ لِمَنْ غَلَّ: ائْتِ بِهِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161].

الشيخ: وهذا الحجر الذي روى ابنُ مردويه أنه يُلقى به في شفير جهنم فيبلغ سبعين خريفًا ما وصل إلى قعرها، هذا ثابتٌ معناه، في الحديث الصَّحيح: أنَّ قعرَ جهنم سبعون خريفًا، والله لتُملأنَّ. المقصود أنَّ قعرها بعيدٌ، نعوذ بالله منها، وقد ثبت في الأحاديث الصَّحيحة ما يدل على ذلك.

أما الغلول فقد تبين بيانه: أنه يأتي بما غلَّ يوم القيامة يحمله، نسأل الله العافية: إن كان بعيرًا له رُغاء، وإن كانت بقرةً لها ثغاء، وإن كانت شاةً تيعر، ويقول للنبي: أغثني. فيقول: لا أملك لك شيئًا، قد بلغتك.

والمقصود من هذا كلِّه التَّحذير من الخيانة، فإنَّ الغلولَ هو الخيانة من بيت المال، من المغنم، من الأمانات الأخرى، مَن خان الأمانةَ فقد غلَّ، وأعظم ذلك الغلول من الغنائم من إخوانه، اشترك بينه وبين إخوانه فيغلّ ويُخفي شيئًا، وهكذا إذا غلَّ من بيت المال، من مالٍ تحته لشركةٍ أو لأيتامٍ أو لغيرهم، وخان في ذلك، فهذا فيه الوعيد الشَّديد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27]، صاحب الخيانة تُلقى له أمانته يوم القيامة في النار، فيقال: اذهب فأتِ بها. فإذا أتى بها يحملها سقطت، ثم تبعها، المقصود أنَّ الخيانةَ شرّها عظيم، وعاقبتها وخيمة، نسأل الله العافية.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنِي سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ أَبُو زُمَيْلٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فقالوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، وَفُلَانٌ شَهِيدٌ. حَتَّى أَتَوْا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَلَّا، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا -أَوْ عَبَاءَةٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ: إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ: أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ.

وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

الشيخ: وهذا وعيدٌ شديدٌ يدل على أنَّ المقتولَ في سبيل الله يُسمّى: شهيدًا، ولا يُغسَّل، ولا يُصلَّى عليه، كما ثبت في قصّة شُهداء أحد، وأنَّ الغلولَ يمنع الشَّهادة، صاحبه مُتوعَّدٌ بالنار؛ ولهذا في حديث عمر هذا الذي رواه مسلمٌ في "الصَّحيح" والإمامُ أحمد والترمذي وغيرهم عن ابن عباسٍ: أنَّ عمر أخبر عن النبي ﷺ أنَّ الناس كانوا يقولون: فلان شهيد، فلان شهيد. فذكروا رجلًا، فقال النبيُّ ﷺ: كلَّا، إني رأيتُه في النار في بُردةٍ -أو عباءةٍ- غلَّها، ثم أمره أن يُنادي في الناس أنَّه لا يدخل الجنّة إلا المؤمنون، وهكذا في حجّة الوداع بعث مَن يُنادي في الناس: لا يدخل الجنةَ إلا نفسٌ مُؤمنة.

فهذا فيه التَّحذير من المعاصي والغلول والخيانة، وأنَّ ذلك من أسباب دخول النار، فالمعاصي من أسباب دخول النار، والإيمان الصَّحيح الكامل من أسباب دخول الجنة بغير حسابٍ، يجب الحذرُ من المعاصي التي منها الغلول والخيانة، وهذا من باب الوعيد، وليس معناه أنَّ العاصي مُخلَّدٌ في النار، ولا يدخل الجنةَ أبدًا، لا، كما تقول المعتزلةُ والجهميةُ، أو المعتزلة والخوارج، الخوارج قد ضلّوا في هذا، والمعتزلة كذلك، ومَن سلك سبيلَهم في حكمهم على العُصاة بأنَّهم مُخلَّدون في النار، وزادت الخوارجُ في تكفيرهم، هذا باطلٌ، أهل المعاصي تحت المشيئة، ولكنَّهم مُتوعَّدون بعدم دخول الجنة من أول وهلةٍ، وإلا فمصيرهم إلى الجنّة، وجاءت الآيةُ بالإطلاق للتَّحذير والتَّرهيب، وإلا فهم وإن دخلوا النَّار فإنهم لا يُخلَّدون، بل لهم أمدٌ ينتهون إليه، ثم يخرجون من النار عند أهل السنة والجماعة، ولا يخلّد في النار إلا الكفَّار، يعني: الخلود الدَّائم، لا يخلّد فيها إلا الكفّار، أمَّا العاصي فقد يخلّد خلودًا مُؤقَّتًا، كما قال الله جلَّ وعلا في المشرك والزاني والقاتل: وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:69]، هذا خلودٌ تامٌّ في المشرك أبد الآباد، وأما القاتل والزاني فخلوده مؤقت، كما جاءت به النصوص.

وهكذا قوله في القاتل سبحانه: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، قال أبو هريرة : هذا جزاؤه إن جازاه، لكن قد يُعفا عنه. كما قال سبحانه لما ذكر الشِّرك وأنَّه لا يُغفر لأهله قال: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ يعني: ما دون الشِّرك لِمَن يَشَاءُ [النساء:48]، فما دون الشِّرك تحت المشيئة عند أهل السّنة بإجماع أهل السّنة، خلافًا للخوارج والمعتزلة.

فالمؤمنون الكُمّل محفوظون من النار، ولهم الجنة من أول وهلةٍ، والعاصون تحت مشيئة الله: قد يُعفا عنهم بشفاعة الشُّفعاء، وبأعمال صالحةٍ كثيرة، أو بمصائب أصابتهم، أو بغير هذا مما يعفو الله، وقد يعفو سبحانه فضلًا منه عليهم؛ لحكمته العظيمة، وقد يُعذَّبون في النار على قدر معاصيهم، ثم بعد التَّطهير والتَّمحيص يُخرجهم اللهُ من النَّار بفضله ورحمته إلى الجنة؛ لتوحيدهم وإيمانهم وإسلامهم الذي ماتوا عليه، كما هو معروفٌ من أحاديث الشَّفاعة وغيرها المتواترة.

س: مَن قُتِلَ اليوم مع المجاهدين يُسمَّى: شهيدًا؟

ج: مَن قُتِلَ يُسمَّى: شهيدًا، أمَّا فيما بينه وبين الله الله أعلم بحاله، لكن مَن قُتِلَ في المعركة فهو شهيدٌ؛ لا يُغسّل، ولا يُصلَّى عليه.

س: لكن يُسمَّى: شهيدًا؟

ج: يُسمَّى: شهيدًا نعم، كل القتلى في سبيل الله يُسمّون: شهداء، إلا مَن كان الله جلَّ وعلا عرف أنه غلَّ أو شيء، هذا شيء بينه وبين الله .

س: لكن ليس بتزكيةٍ؟

ج: يُسمّون: شهداء، وهو تزكية لهم، إذا قُتلوا في سبيل الله هم شُهداء، أما كونهم يدخلون الجنةَ هذا شيءٌ آخر، الأصل دخولهم الجنة، هذا الأصل في الشُّهداء إلا ما منعه مانعٌ.

س: الغالّ إذا عُوقب في النار يرجع إلى منازل الشّهداء أم .....؟

ج: الله أعلم.

س: الاستهزاء بالمعصية من المكفّرات؟

ج: الاستهزاء بالمعصية ما هو من المكفّرات، لا، كونه يتساهل في المعصية ما هو من المكفّرات، لا، لكن يعظم الإثم، ليس الناس على حدٍّ سواء في الإثم في المعصية، نعم.

س: مرَّ علينا في البخاري باب: لا يُقال: فلانٌ شهيدٌ؟

ج: إيه، إذا كان يُدرى عنه غلول ما يُسمَّى: شهيدًا، يدرى عنه أنَّه غلَّ، نسأل الله العافية.

س: إذا قلنا بأنَّه شهيدٌ فهو في الجنَّة؟

ج: ما هو بلازمٍ، ليس من اللَّازم، فيما بينه وبين الله، ظاهره الجنّة، الشُّهداء يُسمّون: بالشّهداء، ولهم الجنّة، موعودون بالجنّة، إلا إذا منع مانعٌ يعلمه الله .

س: الإصرار على الصَّغائر؟

ج: الإصرار على الصَّغائر يجعلها كبائر، كما قال ابن عباسٍ: لا كبيرةَ مع استغفارٍ، ولا صغيرةَ مع الإصرار. الله شرط في التوبة: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا [آل عمران:135]، نسأل الله العافية.

س: .............؟

ج: السّخرية بالدِّين ردّة، إذا استهزأ بأنَّ الله حرَّم هذا، يستهزئ بالله أنَّ الله حرَّمها ..... ردّة عن الإسلام، أو بالطاعة كذلك، نسأل الله العافية.

س: .............؟

ج: المقصود إذا استهزأ بتحريم الله لها، يتنقّص الله في ذلك.

حديثٌ آخرُ عن عمرَ : قال ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بن وهبٍ: حدَّثني عَبْدُاللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ: أَنَّ مُوسَى بْنَ جُبَيْرٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْحُبَابِ الْأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ تَذَاكَرَ هُوَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يومًا الصَّدقة، فقال: ألم تسمع قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ ذَكَرَ غُلُولَ الصَّدَقَةِ: مَنْ غَلَّ مِنْهَا بَعِيرًا أَوْ شَاةً فَإِنَّهُ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: بَلَى.

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَوَادٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ وَهْبٍ بِهِ.

مداخلة: عمرو بن سوّاد -بتشديد الواو- ابن الأسود بن عمرو، العامري، أبو محمد، البصري، ثقة، من الحادية عشرة، مات سنة خمسٍ وأربعين. (مسلم، وأبو داود، وابن ماجه).

وَرَوَاهُ الْأُمَوِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: عُقُوبَةُ الْغَالِّ أَنْ يُخْرَجَ رَحْلُهُ وَيُحْرَقَ عَلَى مَا فِيهِ.

ثُمَّ رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عليٍّ قَالَ: الْغَالُّ يُجْمَعُ رَحْلُهُ فَيُحْرَقُ وَيُجْلَدُ دُونَ حدٍّ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ.

الشيخ: الأحسن فيها الأُموي، نسبة إلى أمية، مثل: جهني جُهينة، ومثل: ضبعي ضبيعة.

أمَّا الأَموي نسبة إلى أمة.

حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ مُصَدِّقًا، فقال: إيَّاك يَا سَعْدُ أَنْ تَجِيءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ تَحْمِلُهُ لَهُ رُغَاءٌ، قَالَ: لَا آخُذُهُ، وَلَا أَجِيءُ بِهِ. فَأَعْفَاهُ. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِاللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ بِهِ نَحْوَهُ.

حَدِيثٌ آخر: قال أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِالْمَلِكِ فِي أَرْضِ الرُّومِ، فَوُجِدَ فِي مَتَاعِ رَجُلٍ غُلُولٌ، قَالَ: فَسَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُاللَّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ وَجَدْتُمْ فِي مَتَاعِهِ غُلُولًا فَأَحْرِقُوهُ، قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَاضْرِبُوهُ. قَالَ: فَأَخْرَجَ مَتَاعَهُ فِي السُّوقِ فَوَجَدَ فِيهِ مُصْحَفًا، فَسَأَلَ سَالِمًا، فَقَالَ: بِعْهُ وَتَصَدَّقْ بثمنه.

وكذا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ من حديث عبدالعزيز بن محمد الأدراوردي. زَادَ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ –كِلَاهُمَا- عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيثِيِّ الصَّغِيرِ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ بِهِ.

وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بنُ المديني وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي وَاقِدٍ هَذَا.

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ فَتْوَى سَالِمٍ فَقَطْ.

وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ بِمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ.

وقد رواه الْأُمَوِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: عُقُوبَةُ الغالِّ أن يُخرج رحلُه فيُحْرَق عَلَى مَا فِيهِ.

ثُمَّ رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عن أبيه، عن عليٍّ قَالَ: الْغَالُّ يُجْمَعُ رَحْلُهُ فَيُحْرَقُ، وَيُجْلَدُ دُونَ حدِّ المملوك.

وَخَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ فَقَالُوا: لَا يُحْرَقُ مَتَاعُ الْغَالِّ، بَلْ يُعَزَّرُ تَعْزِيرَ مِثْلِهِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَدِ امْتَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الغالِّ، ولم يحرق متاعَه، والله أعلم.

س: مَن وجد في متاع رجلٍ غلولًا ما فيه تجسّس؟

ج: غلولًا معنى: غلَّ، نعم، الصَّواب في هذا أنَّه يُعزر؛ لأنَّ التَّحريقَ لم يثبت عن النبي ﷺ، وفي ثبوته عن عليٍّ نظر؛ لأنَّ عثمان هذا ليس بذاك.

س: معاوية عن أبي إسحاق؟

ج: الظاهر أنَّه معاوية بن عمرو ..... أبي إسحاق الفزاري يعني.

مداخلة: عثمان بن عطاء ابن أبي مسلم الخرساني، أبو مسعود، المقدسي، ضعيف، من السابعة، مات سنة خمسٍ وخمسين، وقيل: سنة إحدى.

الشيخ: غيره أحد؟

الطالب: ............

الشيخ: المقصود أنَّ الصَّواب في هذا قول الجمهور: يُعزَّر بما يراه من التَّعزيرات الرَّادعة من ضربٍ ونحوه، وإذا رأى وليُّ الأمر تحريقَ متاعه من باب التَّعزير فهذا من باب التَّعزير بالمال، إن رأى تحريقَ متاعه واجتهد في ذلك فلا بأس، هذا من التَّعزير.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: أنبأنا إسرائيلُ، عن أبي إسحاق، عن جبير بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أُمِرَ بِالْمَصَاحِفِ أَنْ تُغَيَّرَ. قَالَ: فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَغُلَّ مُصْحَفًا فَلْيَغُلَّهُ، فَإِنَّهُ مَنْ غَلَّ شَيْئًا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ قَالَ: قَرَأْتُ مِنْ فَمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَبْعِينَ سُورَةً، أَفَأَتْرُكُ مَا أَخَذْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟!

الشيخ: هذا حين أمر عثمانُ بإحراق المصاحف الأخرى، لما كتب مصاحف الأئمّة أمر أن تُحرق المصاحف، وجاء عن ابن مسعودٍ أنَّه حفظ مصحفه اجتهادًا منه ، والصَّواب مع عثمان والصَّحابة في هذا؛ حذرًا من الخلاف.

س: ..............؟

ج: يعني يحفظ مُصحفه، معناه: المصحف الذي عنده لا يُحرق، مراد ابن مسعود يعني: خلّ المصحف معك، تجيء يوم القيامة بمصحفٍ، لا تحرقه لأجل أنَّ عثمان أمر بتحريقه. واجتهاد ابن مسعودٍ أنها لا تُحرق، يقرأ بالقراءات كلّها، وعثمان والصَّحابة اجتمع رأيُهم على حرفٍ واحدٍ؛ حذرًا من الخلاف، كما أشار حُذيفة بذلك، واجتمع عليه رأي الصَّحابة في عهد عثمان، فجمعوها على حرفٍ واحدٍ، وهو الذي بين أيدي الناس اليوم.

وَرَوَى وَكِيعٌ فِي "تَفْسِيرِهِ" عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: لَمَّا أُمِرَ بِتَحْرِيقِ الْمَصَاحِفِ قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ، غُلُّوا الْمَصَاحِفَ، فَإِنَّهُ مَنْ غَلَّ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنِعْمَ الْغُلُّ الْمُصْحَفُ يَأْتِي بِهِ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

مداخلة: خمير بن مالك، ويقال: خمرة، الهمداني، الكوفي، عن عليٍّ وابن مسعودٍ، وعنه أبو إسحاق السَّبيعي وعبدالله بن قيس، وثَّقه ابنُ حبان، وقال ابنُ سعدٍ: له حديثانِ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا غَنِمَ غَنِيمَةً أَمَرَ بِلَالًا فَيُنَادِي في الناس، فيجيئون بغنائمهم، فيُخمِّسه وَيُقَسِّمُهُ.

س: في قول ابن مسعودٍ: مَن استطاع أن يغلّ مصحفًا؟

ج: يعني: لا يُعطيهم إيَّاه، لا يحرقونه، ما هو مقصوده من الغنيمة، مقصوده الذي معه في الكوفة لا يُحرق.

س: لكن ما فيه مخالفة لأمر ولي الأمر؟

ج: هذا اجتهادٌ منه غلطٌ، والصَّواب ما فعله الصَّحابة، الصواب أنَّه غلط في اجتهاده هو.

فَجَاءَ رَجُلٌ يَوْمًا بَعْدَ النِّدَاءِ بِزِمَامٍ مِنْ شَعْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا كَانَ مِمَّا أَصَبْنَا مِنَ الْغَنِيمَةِ. فَقَالَ: أَسَمِعْتَ بلالًا يُنادي؟ ثلاثًا. قال: نعم. قَالَ: فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَجِيءَ؟ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: كَلَّا، أَنْتَ تَجِيءُ بِهِ يومَ القيامة، فلن أقبلَه منك.

س: في سؤال حمّلتني إياه إحدى الأخوات، تقول: عندنا في المدرسة طالبة نصرانية، وهي عربية، وعندها حفظ، تُطالب بحفظ شيءٍ من القرآن، وتُعطى القرآن وتُمكَّن منه، فتقول: هل أُمَكِّنها من المصحف وقراءته؟ وكذلك أُطالبها بحفظ القرآن في المنهج أم لا؟

ج: عندهم فتوى من اللَّجنة السَّابقة: اللجنة الدائمة، قبل تولي دار الإفتاء، فتوى بأن لا مانعَ من إعطاء الطالب والطَّالبة القرآن؛ رجاء أن ينفع اللهُ بذلك وأن يُسلم؛ لأنَّ في هذه الحالة ما يُخشى من الامتهان، إذا كان لا يخشى امتهانَه؛ لأنَّ الرسول ﷺ نهى عن السَّفر بالقرآن إلى أرض العدو، قال: لئلا تناله أيديهم يعني: خشية امتهانه، فإذا رأى مديرُ المدرسة أو مديرةُ المدرسة أنَّ هذا ليس فيه امتهانٌ ولا خطرٌ فلعلَّ الله أن يهديها بذلك، أو يهديه بذلك، نرجو أن يكون خيرًا إن شاء الله.

س: مسّ المصحف؟

ج: هو من هذا الباب، من باب رجاء الإسلام، ولو جُعِلَ في أوراقٍ كان أسلم، لو جعل ما يتعلّق بذلك ..... المنهج فيكون أسلم.

س: ..............؟

ج: ..............

س: لكن مسَّه وهي غير طاهرةٍ؟

ج: لأنَّها كافرة، ما هي مسلمة، ما تنفعها الطَّهارة، رجاء الإسلام، والفتوى الأولى لهذا القصد؛ لأنَّ النَّهي عن السَّفر به لئلا تناله أيديهم فيمتهنوه ويُمزِّقوه، وهذا إنما طلبه الطالبُ ليقرأ ويستفيد ويمتحن مع زملائه من أجل الاختبار، ولو جُعِلَ في أوراقٍ أحوط، لو جعلته المدرسةُ حصّتها في ورقةٍ كان أسهل، لعله أسهل.

س: عمر قبل إسلامه ما أتى على أخته وهي مسلمة فقالت: إنَّك مُشركٌ لا تمسّ القرآن؟

ج: يُروى هذا في الأخبار مع أخته فاطمة وزوجها خباب.

س: ما يُخشى أن تُشوش على بعض الطَّالبات؟

ج: إذا كان منها تشويشٌ تُمنع، تُخرج، يجب إخراجها، ما تقرب.