ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [آل عمران:161]، وَهَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ، وَقَدْ وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْمَلِكِ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ -يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي مالكٍ الأشجعيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَعْظَمُ الْغُلُولِ عِنْدَ اللَّهِ ذِرَاعٌ مِنَ الْأَرْضِ، تَجِدُونَ الرَّجُلَيْنِ جَارَيْنِ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي الدَّارِ، فَيَقْطَعُ أَحَدُهُمَا مِنْ حَظِّ صَاحِبِهِ ذِرَاعًا، فَإِذَا اقْتَطَعَهُ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ إِلَى يوم القيامة.
حديثٌ آخر: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ وَالْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُسْتَوْرِدَ بْنَ شَدَّادٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ وَلِيَ لَنَا عَمَلًا وَلَيْسَ لَهُ مَنْزِلٌ فَلْيَتَّخِذْ مَنْزِلًا، أَوْ لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةٌ فَلْيَتَزَوَّجْ، أَوْ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَتَّخِذْ خَادِمًا، أَوْ لَيْسَتْ لَهُ دَابَّةٌ فَلْيَتَّخِذْ دَابَّةً، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ. هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
مداخلة: قال في الحاشية: في المخطوطة: حدَّثنا موسى بن داود: حدثنا ابن نمير: حدثنا ابن لهيعة. والمثبت على المسند.
الشيخ: ممكن يعرف من هذا من شيوخ موسى، وتلاميذ ابن لهيعة، انظر: ابن نمير.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ آخَرَ وَسِيَاقٍ آخَرَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا المعافى: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ كَانَ لَنَا عَامِلًا فَلْيَكْتَسِبْ زَوْجَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَكْتَسِبْ خَادِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَكْتَسِبْ مَسْكَنًا.
قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنِ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ -أَوْ سَارِقٌ.
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ مَرْوَانَ، فَقَالَ: عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، بَدَلَ: جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ. وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ بِشْرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ شَاةً لَهَا ثُغَاءٌ، فَيُنَادِي: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ. فَأَقُولُ: لَا أملك لك مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُكَ. وَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ جَمَلًا لَهُ رُغَاءٌ، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ. فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُكَ. وَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ فَرَسًا لَهُ حَمْحَمَةٌ يُنَادِي: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ. فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُكَ. وَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُ قسمًا مِنْ أُدْمٍ يُنَادِي: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ. فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُكَ. لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ.
الشيخ: والمقصود من هذا التَّحذير من الغُلول: دقيقه وجليله، الغلول هو الأخذ من الغنيمة أو غيرها مما تحت يد الإنسان على سبيل الخيانة، له أموال من بيت المال أو من غيرها لغيره، فيخون، هذا غلولٌ، فيأتي به يوم القيامة، والمقصود التَّحذير: لأعرفنَّ يحتمل أنه خبرٌ، أنه سوف يجد هذا، وهو ظاهر السياق، ويحتمل أنَّه أي: لا أعرفن، يعني: يُحذرهم، مثلما في اللَّفظ الآخر: لا ألفينّ أحدًا منكم يأتي يوم القيامة فيقول: كذا وكذا، احذروا أن ألقاكم بهذا المقام، أو بمعنى الخبر أنه سوف يقع هذا، سوف تأتون يوم القيامة وتقولون هذا الكلام، فهو خبرٌ بمعنى النَّهي، يعني: احذروا أن تأتوا يوم القيامة بهذه الأموال تحملونها؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئًا، قد أبلغتُكم في الدنيا.
والغلول في الأراضي من أعظم الغلول؛ ولهذا في الحديث الصَّحيح المتّفق عليه: مَن ظلم شبرًا من الأرض طوَّقَه اللهُ إيَّاه يوم القيامة من سبع أرضين، وفي حديث عليٍّ عند مسلمٍ: لعن اللهُ مَن غيَّر منارَ الأرض.
فالواجب على المؤمن -بل على كل مُكلَّفٍ- أن يحذر الخيانةَ والظلم والغلول، فإنَّ عاقبته وخيمة، وسوف يفتضح به يوم القيامة، ويحمله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد؛ عقوبةً مُعجَّلةً على رؤوس الأشهاد، نسأل الله العافية.
وليحذر أيضًا مَن كان عنده مال يتيمٍ، أو أمانات للناس، أو للأوقاف، أو لغيرها فيخونها، فإنَّ الغلولَ عامٌّ: وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161]، هو أخذ المال على غير وجه الشَّرع، على وجه الاختفاء والخيانة، وإذا كان نهبةً فله شرٌّ عظيمٌ أيضًا، فالنّهبة والغصب له وعيده، والخيانة لها وعيدها، نسأل الله العافية.
س: ............؟
ج: أعد السَّند.
الشيخ: من أدم، الأدم بالفتح الجلد، والأُدم: الدّهن؛ الشَّحم، واللحم، والسّمن.
الشيخ: لعله من هذا الطريق ..... بعضها إلى بعضٍ، وإلا أصله في الصَّحيح، التَّحريم من الغلول بهذا المعنى ثابتٌ في "الصَّحيحين" وفي غيرهما.
س: قوله: يا محمد، يا محمد؟
ج: يستغيث به، يحسب أنه يملك هذا الشَّيء، فأخبر أنَّه لا يملكه يوم القيامة، ليس الأمرُ إليه، يُحذّرهم أن يقولوا هذا، فإنَّه يوم القيامة بين أيديهم حاضرٌ، موجودٌ بين أيديهم، يحسبون أنَّه يستطيع ذلك، فأخبرهم أنَّه لا يستطيع.
س: رجال سند أبي داود، السَّند الذي قبله؟
ج: نعم، حدثنا؟
الشيخ: انظر موسى بن مروان، والحارث بن يزيد.
مُداخلة: الألباني ذكره في "صحيح أبي داود".
الشيخ: ما يكفي، أيش عندكم في أبي موسى؟ على كل حالٍ الغالب تصحيحه، جيد، وفَّقه الله، وقد يغلط في التَّصحيح.
الطالب: موسى بن مروان أبو عمران التّمار البغدادي، نزيل الكوفة، مقبول، من العاشرة، مات في الرّقة سنة ستٍّ وأربعين. (أبو داود، والنَّسائي، وابن ماجه).
الشيخ: والحارث بن يزيد لعله صحّحه من حيث الشَّواهد –يعني- لأنَّ موسى بن مروان مقبول، والمقبول إنما يُقبل إذا تابعه غيرُه مثله أو أحسن منه، المقبول يحتجّ به إذا تابعه غيرُه.
الطالب: الحارث بن يزيد الحضرمي، أبو عبدالكريم، المصري، ثقة، ثبت، عابد، من الرابعة، مات سنة ثلاثين. (مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه).
الشيخ: في غيره الحارث بن يزيد؟
الطالب: الحارث بن يزيد العكري، الكوفي، ثقة، فقيه، من السادسة، إلا أنه قديم الموت. (البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه).
الشيخ: غيره؟
الطالب: ما في يا شيخ.
الشيخ: جيد، موسى بن مروان الشَّواهد تجبره، نعم.
س: قوله: فليتَّخذ مسكنًا، فليتَّخذ خادمًا؟
ج: يعني من المال الذي معه، من بيت المال، له رخصة من بيت المال، يعني: إذا أراد أن يتزوّج يعفّ نفسَه، وخادم يخدمه، ومركب يركبه –فرس، بغل، مطية- وسكن يسكنه من بيت المال.
س: يجوز له أن يتَّخذ من بيت المال هذا؟
ج: نعم، إذا أذن له وليُّ الأمر؛ لأنها تختلف، هذا إذنٌ من النبي ﷺ، فإذا تولّى استأذن إذا كانت الولايةُ تمنعه، لا يكون خائنًا لهم، يُخبرهم.
س: يطلب أحسن الله إليك؟
ج: يطلب ولا بأس، يُطالبهم حتى لا يُتَّهم بالخيانة.
س: هذا الحكم في الإمارة أم في كل ولايةٍ؟
ج: الظاهر أنها الإمارة، المقصود الإمارة، هذا المقصود ..... جباية الأموال والغنائم والخراج وغيره.
س: ثابت الحديث هذا؟
ج: لا بأس به، جيد، وله طرقٌ أيضًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عن الزُّهري، سمع عروةَ يقول: حدَّثنا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَجَاءَ فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ على الْمِنْبَرِ فَقَالَ: مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَجِيءُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ: إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ ثَلَاثًا.
وَزَادَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: فقال أبو حميدٍ: بصرتُه بعيني، وسمعتُه بأذني، واسألوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ. أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بن عُيينة.
وعند البخاريِّ: واسألوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ. وَمِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَمِنْ طَرِيقٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عُرْوَةَ، بِهِ.
الشيخ: في بعضها: وعلى رقبته رقاعٌ تخفق. مثلما ذكر في ..... من أدمٍ، نعم.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ: أنَّ رسولَ الله ﷺ قَالَ: هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ أَحْمَدَ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ، وَكَأَنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشيخ: والمعنى صحيحٌ، إسماعيل بن عيّاش عن الحجازيين ليس بجيدٍ، ويحيى بن سعيد حجازي، لكن حديث أبي حميد وما جاء في معناه شاهدٌ له؛ ولهذا أمر النبيُّ ﷺ بأن يُؤدّي العاملُ الخيطَ والمخيطَ، ولا يقل: هذا لكم، وهذا أُهدي لي.
س: .............؟
ج: لا الأخذ، ولا الإهداء إليه؛ لأنَّه أُهدي إليه طمعًا في أن يدع لهم شيئًا، وإمَّا ليمنعوا ظلمه، ما أهدوا إليه محبةً، وإنما طمعًا في شيءٍ: إمَّا أن يضع شيئًا عنهم بغير حقٍّ، وإمَّا أن يكفّوا شرَّه، فيكفي أن يأخذ الحقَّ فقط منهم: زكاة أو غيرها؛ حتى لا يظلمهم.
س: لكن الدَّافع إذا كان يريد دفعَ ظلمٍ؟
ج: الواجب عليه ألا يأخذ شيئًا، فإذا أخذ يكون في بيت المال، إذا كان ولا بدّ فليكن في بيت المال، مثلما قال: هلَّا جلس في بيت أبيه أو أمّه فينظر هل يُهْدَى إليه؟ يعني: ما أُهدي إليه إلا من أجل ولايته؛ خوفًا منه، أو طمعًا في حيفه ..... ما يردّها، ولا يقبلها ..... لأسبابٍ، أو لأمرٍ مُوجب لذلك، جعلها في بيت المال، ولكن ينبغي ألا يقبل؛ لئلا يتّهم، ينبغي له ألا يقبل الهدايا؛ تنزيهًا لعرضه، وإبعادًا عن التُّهمة، مَن ذا الذي سيقول أنَّه سيضعها في بيت المال؟ ومَن ذا الذي يُصدّقه في ذلك؟ المقصود البُعد عن هذا.
ثم أيضًا الغالب أنَّ الذي ليس عن محبةٍ، ولا عن رغبةٍ: إمَّا أن تكون لدفع ظلمٍ، وإمَّا أن تكون لطمعٍ في إسقاط بعض الحقِّ الذي عليه، إذا كان مثلًا عنده حقّه يطمع أنه إذا أهدى إليه .....، أو عنده ..... ويطمع أنَّه يرضى بواحدةٍ، وما أشبه ذلك من الجور.
س: بالنسبة للمُهدي هل يأثم؟
ج: والمهدي يأثم إذا أراد إسقاط الحقِّ، أما إن أراد دفع الظلم قد لا يأثم إذا كان قصدُه دفع الظلم؛ لأنَّ الوالي ظالم وأراد أن يدفع بهذا الظلم قد لا يأثم؛ لأنَّه يدفع عن نفسه الشَّر.
س: هذا يعمّ جميع الوظائف؟
ج: محل نظرٍ، أقول: محل نظرٍ، أمَّا ما يتعلق بالإمارات، سواء الإمارات على الأقاليم والبلدان، أو على الزكاة، أو على الخراج، أو شبهه، الذي فيه مالٌ، فيه أخذٌ وعطاءٌ، هذا واضحٌ، أمَّا المظالم العادية التي ..... ولا عقد فالأمر فيها أسهل، كونه يقبل من أقاربه، من أصحابه، ويُكافئهم، كان النبيُّ يقبل الهديةَ ويُثيب عليها عليه الصلاة والسلام؛ لأنَّه لا يتّهم في ..... اللهم صلِّ عليه.
فالحاصل أنها إذا كانت وظيفة ليس لها تعلّق بالناس ولا بالأموال، لا يخاف شرّه، ولا يُرجى خيره، عامل وليس بيده شيء، كونه يقبل من أقاربه ومن أصحابه وأصدقائه لا يظهر لي في هذا شيء، غير داخلٍ في هذا، نعم، مع أنه يُشرع له أن يُثيب، كان النبيُّ يقبل الهديةَ ويُثيب عليها.
س: بعض الطلاب يُهدي لبعض المدرسين؛ لأنه بيده حلّ وعقد رفع الدَّرجات؟
ج: ما ينبغي للمدرس أن يقبل؛ لأنَّ المدرس بيده أشياء كثيرة، وهو من جنس الأمير.
س: ظاهر الحديث أنه ما يستأذن من ولي الأمر -العامل؟
ج: هذا واضح؛ هذا لأنَّ فيه إذنًا من النبي ﷺ، لكن إذا خشي أن يتّهم بالخيانة والغلول يستأذن؛ لأنَّه قد يكون في عُرف الأمير الذي يعمل له ..... فيتّهمونه بذلك فيسألهم، أمَّا إذا كان عُرْفًا لهم، معروفٌ أنَّ أميرهم يستخدم ويتزوج من المال؛ ما يحتاج استئذانًا، لكن إذا كان في وقتٍ، أو في إمارةٍ، وقد تأخذ عليه هذه الأمر وتتّهمه بالشَّر أو تُعاقبه ينبغي أن يستأذن، نعم.
الشيخ: انظر داود بن يزيد، والمغيرة بن شبل، والمعنى واضحٌ والله المستعان، تصريحٌ مثلما تقدّم، لا بدَّ من الإذن.
الطالب: داود بن يزيد بن عبدالرحمن الأودي، الزَّعَافِري -بزاي مفتوحة ومهملة وكسر الفاء- أبو يزيد، الكوفي، الأعرج، عمّ عبدالله بن إدريس، ضعيفٌ، من السادسة، مات سنة إحدى وخمسين. (البخاري في "الأدب المفرد"، والترمذي، وابن ماجه).
الشيخ: غيره أحد؟
الطالب: ما في غيره.
الشيخ: انظر المغيرة بن شبل، ولو كان ضعيفًا داود، لكن الأحاديث التي قبله كلها وما جاء في المعنى كلها معناها واحد، كلها تحذيرٌ من الغلول، وما كان بيد ولي الأمر على وجهٍ يُوافق الشّرع ولا يُخالف الشّرع لم يكن من الغلول.
الطالب: المغيرة بن شِبْل -بكسر المعجمة، وسكون الموحّدة- ويُقال بالتَّصغير، البجلي، الأحمسي، أبو الطّفيل، الكوفي، ثقة، من الرابعة.
الشيخ: طيب، طيب، نعم. علّته داود بن يزيد، لكنَّ الأحاديث التي قبله وما في معناه كلّها تشهد له بالصحّة.
الشيخ: ولهذا حسَّنه الترمذي؛ لأجل الشَّواهد رحمه الله.
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ، وَبُرَيْدَةَ، وَالْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ، وَأَبِي حميدٍ، وابن عُمَر.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عُلَيَّةَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ابْنِ عُمَر بْنِ جَرِيرٍ.
الشيخ: عن أبي زرعة ابن عمرو بن جرير. أيش عندكم؟
الطالب: عن أبي زرعة ابن عمر بن جرير.
الشيخ: الظاهر أنَّه بالواو: عمرو بن جرير، انظر: أبو زرعة، أو عمرو، انظر واحدًا منهم.
الشيخ: الذي أحفظ: ابن عمرو، بالواو، نعم.
س: الترمذي سلّمك الله إذا قال عن حديثٍ: (حسنٌ غريبٌ) فهو في الأصل ضعيفٌ، ولكن رقّي إلى الحسن بالشَّواهد؟
ج: الترمذي له اصطلاحاته، وهو حسنٌ من جهة طرقه، وغريبٌ قد يكون بهذا السَّند، له اصطلاحاته، إذا كان ما فيها غريبٌ اصطلاحًا ما جاء من طريقين فأكثر، وليس في روايته متّهم بالكذب، وليس شاذًّا يُسميه: حسنًا.
الطالب: أبو زرعة ابن عمرو بن جرير بن عبدالله البجلي، الكوفي، قيل: اسمه ..... وقيل: عمرو، وقيل: عبدالله، وقيل: عبدالرحمن، وقيل: جرير. ثقة، من الثالثة، (الجماعة).
الشيخ: طيب، انظر أباه: عمرو بن جرير.
الشيخ: صامت يعني: ما هو بحيوانٍ، شيء من الأموال غير الحيوان: كالذهب والفضّة والأموال الأخرى.
س: قبل قوله: (صامت) قال: لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاعٌ تخفق؟
ج: هي من الصَّامت، نعم.
مُداخلة: يقول ابنُ جرير: صوابه: أبو زرعة ابن عمرو بن جرير.
الشيخ: فقط؟
الطالب: نعم، نفس الذي ذكرناه.
الشيخ: ما ذكر: عَمْرًا؟
الطالب: ما ذكره.
الشيخ: نعم، كأنَّه ما لأبيه رواية، نعم.
الشيخ: عندكم زيادة: رقاع، قبل: صامت؟
الطالب: إيه، أحسن اللهُ إليك.
الشيخ: هي ثابتة في الحديث الصَّحيح، رقاع ثابت، نعم، يقول: رواه البخاري؟
الطالب: أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَيَّان بِهِ.
الشيخ: عندكم كلكم: رقاع؟
الطالب: "المسند" فقط فيه: رقاع.
الشيخ: يُراجع، حطّ عليه إشارة، أنت عندك نسخة الشَّعْب: رقاع؟
الطالب: إيه، نعم.
الشيخ: حطّها نسخة، يُراجع.
الطالب: ذكر في الحاشية أنَّ في التفسير بعض الاختصار، قال: وفيما أثبته ابنُ كثير بعض الاختصار. والحديث رواه البخاري في كتاب "الجهاد"، ومسلم في كتاب "الإمارة"، وأراد بالرِّقاع ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرِّقاع، خفوقها: حركتها.
الشيخ: ما هو بلازمٍ، الرقاع اسم للجلود، واسم لغيرها مما يخفق، جلود أو عبي يأخذها، أو فرش ما هو لازم، أوراق مكتوبة، رقاع أعمّ من هذا كلّه، والصَّامت أعمّ كذلك.
س: حديث الموظف؟
ج: مثلما تقدم، الموظف له أحوال: إن كان موظفًا له تصرف، أمير، أو نحوه، أو مدرس، أو نحوه، أما الموظف العادي ما في يده شيء، بينه وبين أصحابه ما نعلم فيها شيء؛ لأنَّ النبي قال: عمّال، والعمّال هم الأُمراء ونحوهم.
س: لكن إذا أنجز له عملًا ثم أراد أن يهديه هديةً؟
ج: وكّله يعني.
س: لا، مثلًا معاملة، استخرج معاملة، أو بحث عن رقم معاملة، أو هكذا، ثم أراد أن يهديه هديةً؟
ج: تركها أحوط؛ لأنَّ هذا بيده شيء، قد يُقدّم، وقد يُؤخّر، وقد .....
س: ..... الانتدابات وهو ما ذهب، أو الذهاب للخارج وهو ما عمل، هل يُعتبر من الغلول؟
ج: الظاهر أنَّه من الغلول، ما يجوز؛ لأنها خيانة .....، في الحقيقة غلول.
س: بعض الناس يحتجّ يقول: مُرتّبي قليل، وقد يصرف، وأنا محتاجٌ؟
ج: وإذا كان مُرتبه قليلًا يخون أو يسرق! ما يجوز، يطلب من الله الرِّزق.
س: وإن كان رئيسُه راضيًا؟
ج: ولو، إذا خان الرئيسُ لا يخون، هذه خيانة من الرئيس، إلا أن يكون معروفًا عند الدّولة، قد أعطتهم صلاحيات ..... علنية.
س: .............؟
ج: إذا كان شيئًا معروفًا يعني ..... من الدولة، وهو معروفٌ، مكافأة معروفة، ما هي خلسة، يعرفونها، لا بأس.
س: .............؟
ج: إذا كان شيئًا معروفًا من الدولة، معروف ما يُكتفى به، يعرفونه من الدولة، ليس ..... من المدير أو الرئيس، ولا من الموظف؛ فلا بأس.
س: يعني قد يجد الرّؤساء يكون عنده بعضُ الموظفين لهم نشاط وقُدرة وكذا، فما يستطيع أن يُعطيهم مكافأةً، فيكتب لهم خارج الدَّوام؟
ج: ما يظهر لي أنَّه يجوز هذا إلا بإذنٍ.
س: أُهدي أستاذٌ شيء من الطِّيب، واحتجّ عليه بأنَّه لا يُردّ؟
ج: الطِّيب طيب، إن قال: يتطيب، يتطيب، وإن كان يُعطيه قارورةً قد تكون بألفٍ أو ألفين لا .....
س: إذا كُلِّف بحضور الدَّوام ويحضر، ولكن ليس هناك عملٌ يعمله؟
ج: يحضر وينتظر العمل، وإلا فالحمد لله يحضر ويُنفذ، إن جاء عملٌ وإلا ما عليه.
س: ولو ما في عمل؟
ج: ولو، يحضر، قد يجيء عملٌ في وقتٍ، يحضر ..... الموظفون الآخرون، قد يبقى عنده بعض الوقت ما عنده عمل؛ يقرأ ويُسبح ويُهلل، هذا عملٌ طيبٌ: التَّسبيح، والتَّهليل، والقراءة حتى يأتيه الشّغل.
س: إذا كلّف أكثر من واحدٍ في خارج الدَّوام، فيتَّفقون على أن يبقى واحدٌ، ويخرج البقية، وهذا يقوم مكانهم؟
ج: الظَّاهر ما يصلح، لا بدَّ أن يحضروا، قد يتعاونون، قد يتحمّل هذا ما لا يتحمّل هذا، قد يتأخّر بعض الشيء، ويعجز عن بعض الشيء، عليهم أن يُنفذوا ما أوكل إليهم.