تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ..} (2)

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عُمَرُ ابْنُ أَبِي خَلِيفَةَ.

الشيخ: انظر: عمر ابن أبي خليفة.

سَمِعْتُ أَبَا بَدْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَذْنَبْتُ ذَنْبًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أَذْنَبْتَ فَاسْتَغْفِرْ رَبَّكَ، قَالَ: فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ ثُمَّ أَعُودُ فَأُذْنِبُ؟ قَالَ: فَإِذَا أَذْنَبْتَ فَعُدْ فَاسْتَغْفِرْ رَبَّكَ، فَقَالَهَا في الرَّابعةِ: اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ حَتَّى يَكُونَ الشَّيْطَانُ هُوَ الْمَحْسُور.

وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

مداخلة: عمر ابن أبي خليفة، حجاج، العبدي، البصري، مقبول، من الثامنة، مات سنة تسعٍ وثمانين. (س).

الشيخ: طيب، صلحه: ابن أبي خليفة، انظر: أبا بدر.

وهذا مثلما تقدّم في الحديث الصَّحيح يدل على أنَّ الواجبَ على العبد التّوبة كلما أذنب، وألا ييأس، بل يجب أن يتوب حتى يكون الشيطانُ هو المهزوم والأسيف، وهو المبعد، لا ييأس، ولا يقنط، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، أجمع العلماءُ على أنها في التَّائبين، وحذَّرهم اللهُ من القنوط ولو كثرت الذّنوب من الشرك وما دونه، الواجب التوبة ولزومها، وإذا بُلِيَ العبدُ بالذَّنب ثانيًا كذلك بادر بالتوبة، وهكذا ثالثًا ورابعًا وخامسًا، ليس بمعصومٍ، ولكن عليه أن يكون قويًّا ضد عدو الله الشَّيطان، حسن الظنِّ بربه، مُسارعًا للتوبة، مسارعًا للحذر، مُبتعدًا عن أسباب الذّنوب، وعن مُجالسة الدُّعاة إليها، يأخذ بالأسباب ويجتهد، فإذا غُلِبَ بادر بالتوبة، ولا ييأس، ولا يجعل للشيطان عليه سلطانًا، بل يجب أن يكون قويًّا ضد عدو الله حتى يهزمه، حتى يبتعد عنه: كل بني آدم خطَّاء، في الحديث الصَّحيح: كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التَّوابون، والله يقول سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] يعني: من جميع الذّنوب ولو كثرت، فحقّ الله أعظم، وجوده أكثر ، لكن المهم أن تكون جازمًا بالتوبة، توبة صحيحة، لا بدَّ من النَّدم والإقلاع والعزم الصَّادق ألا تعود، فإذا كانت توبةً صادقةً مُحِيَ الذَّنب، أما إذا كانت توبةً باللِّسان، والقلب مُقيمٌ على المعصية؛ ما هي توبة، الله يقول: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا [آل عمران:135]، لا بدَّ من توبةٍ صادقةٍ، معها العزم الصادق ألا تعود، فإذا مُحِيَ الذَّنب لن يعود، وإذا جاء ذنبٌ جديدٌ فهكذا يُعالجه بالتوبة: بالندم، والإقلاع، والخوف من الله، وحُسن الظنّ به .

مُداخلة: ............

الشيخ: لعله الأول ..... هذا يعرف بالتَّهذيب، مراجعة "التَّهذيب" حتى تعرف شيوخه، الظاهر أنَّه الأول ..... هو الذي روى عن ثابتٍ، ومن المحتمل أن يكون هناك آخر ليس في رجال السّتة، "التعجيل" موجود؟ "تعجيل المنفعة".

س: السَّند؟

ج: لا بأس به، إذا كان أبو بدر هذا ..... جيد، والحديث الأوّل الصَّحيح كافٍ.

...........

وَقَوْلُهُ تعالى: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:135] أَيْ: لَا يَغْفِرُهَا أَحَدٌ سِوَاهُ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ: حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ وَالْمُبَارَكُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِأَسِيرٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ، وَلَا أَتُوبُ إِلَى مُحَمَّدٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: عَرَفَ الْحَقَّ لِأَهْلِهِ.

الشيخ: يعني التّوبة إلى الله من الذّنوب والمعاصي المتعلّقة بالله، توبة إلى الله، فإذا كانت لها تعلّق بالمخلوق يُتاب إلى المخلوق، بمعنى: طلب المغفرة من المخلوق، مثلما تقدم في حديث عائشة: "أتوب إلى الله وإلى محمدٍ" يعني: إذا كان الذنبُ يتعلّق بالمخلوق يطلب منه العفو، يُتاب إليه، يعني: بطلب العفو منه، إذا كان الذنبُ يتعلّق بالله فالتوبة إلى الله وحده؛ ولهذا قال: عرف الحقَّ لأهله؛ لأنها توبة من الكفر.

أعد السَّند.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ: حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ وَالْمُبَارَكُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِأَسِيرٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ، وَلَا أَتُوبُ إِلَى مُحَمَّدٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: عَرَفَ الْحَقَّ لِأَهْلِهِ.

وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَيْ: تَابُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَرَجَعُوا إِلَى اللَّهِ عَنْ قَرِيبٍ، وَلَمْ يَسْتَمِرُّوا عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَيُصِرُّوا عَلَيْهَا غَيْرَ مُقْلِعِين عَنْهَا، وَلَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُمُ الذَّنْبُ تَابُوا عَنْه.

الشيخ: انظر محمد بن مصعب، وسلام بن مسكين.

كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ": حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرُهُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى عَبْدُالْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِي نُصَيْرَةَ، عَنْ مَوْلًى لِأَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ، وَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ بِهِ، وَشَيْخُهُ أَبُو نُصَيْرَةَ الْوَاسِطِيُّ، وَاسْمُهُ: مُسْلِمُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَثَّقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَوْلُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ: (لَيْسَ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ بِذَاكَ) فالظَّاهر أنَّه لِأَجْلِ جَهَالَةِ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلَكِنَّ جَهَالَةَ مِثْلِهِ لَا تَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ، وَيَكْفِيهِ نسبته إلى أبي بكرٍ، فَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: ومن حيث المعنى صحيح، وإلا فمجرد كونه مولى لأبي بكر ما يكفي في توثيقه، حتى ولو هو مولى للرسول ﷺ، إذا كان ما هو بصحابيٍّ ما يكفي، هذا من المؤلف تسامح رحمه الله، الصَّواب أنها علّة؛ لأنه مُبهم ولا يُعرف، لو قصده أنه حديثٌ ضعيفٌ بهذا السَّند، ولكنَّ معناه صحيحٌ: مَن تاب ولو أذنب مئة مرة، إذا تاب توبةً صحيحةً تاب اللهُ عليه، كما تاب الكفَّارُ من .....، ثم تاب الله عليهم، قاتلوا النبيَّ ﷺ يوم بدرٍ، وقاتلوه يوم أحدٍ، وقاتلوه يوم الأحزاب، ثم تابوا وتاب اللهُ عليهم، مَن تاب توبةً صادقةً تاب اللهُ عليه، ولو عمل ألف ذنبٍ، ولو آلاف، التوبة الصَّادقة النّصوح يمحو الله بها ما مضى، كما قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ الآية [التحريم:8]، ويقول ﷺ: التائب من الذَّنب كمَن لا ذنبَ له، وأبلغ من هذا قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، وهو سبحانه لا يتعاظم أن يغفر ويعفو لمن تاب وأصلح.

س: .............؟

ج: إذا لم يفعلها لم تُكتب عليه، وإذا تركها من أجل الله كُتبت حسنة، إذا همَّ بالسَّيئة ولكن خاف وتركها، أو حيل بينه وبينها ولم يفعل شيئًا لم تُكتب عليه، فإن كان فعل شيئًا ..... في البيت: كسر الباب، ولكنَّه ما تمكّن عليه إثم ما فعل، والتوبة بابها مفتوح، أما مجرد الهمّ إذا تركها ولم يفعل شيئًا لا شيء عليه، فإن تركها من أجل الله كُتبت حسنةً، كما في الحديث الصَّحيح: إنما تركها من جرَّائي.

س: .............؟

ج: فيه الحسن، عن الأسود، وقد يتساهل في التَّدليس رحمه الله، سنده: حدَّثنا محمد بن مصعب؟

الطالب: نعم، أحسن الله إليك، قال: حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ وَالْمُبَارَكُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ.

الشيخ: محمد بن مصعب له أغلاط، وفيه ضعفٌ، لكن حديث عائشة أصحّ منه: "أتوب إلى الله، وإلى رسوله"، ..... فعلت حديث عائشة المتقدم في البخاري، نعم، إذا كان الذنبُ يتعلّق بالمخلوق لا بأس أن يُتاب إليه، بمعنى: طلب العفو، وإذا كان الذنبُ يتعلّق بالله فالتّوبة إلى الله وحده سبحانه.

س: ..............؟

ج: الله أعلم، قد يكون شرع مَن قبلنا؛ لأنهم عزموا على منع المساكين فعُوقبوا، نسأل الله العافية.

وَقَوْلُهُ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135]، قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَير: وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ.

وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ [التوبة:104]، وَكَقَوْلِهِ: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110]، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا.

وقال الإمامُ أحمدُ: حدَّثنا يزيدُ: أنبأنا جَرِيرٌ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيُّ.

..........

عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، واغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ، وَيْلٌ لأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.

الطالب: ............

الشيخ: يُقال: قماع، وقمع، مثل: ضلاع، وضلع، لغتان، وهو .....

س: .............؟

ج: الله أعلم، معناه التَّحذير من التَّساهل في الكلام، ..... الكلام قد يتساهل فيه الإنسانُ ويُلقيه على غير صيغته، فيجب الحذر، وألا يتكلم إلا عن بصيرةٍ؛ لأنَّه قد يزلّ بكلمات ..... فيها مُتطرفة، مثل: القمع في طرف الإناء، في طرف القارورة، لا يحسب لها حسابًا؛ ولهذا قال: ويلٌ للمُصرّين الذين يُصرّون على ما فعلوا وهم يعلمون، يعني: يتساهل بكلمات تضرّه، لا يتفطن لها، ولا يُبالي بها، تجري في عرض الكلام، أو في أثناء الكلام.

أعد سنده.

وقال الإمامُ أحمدُ: حدَّثنا يزيد: أنبأنا جَرِيرٌ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ -هُوَ ابْنُ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيُّ- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.

الشيخ: سنده جيد، كمل.

عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، واغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ، وَيْلٌ لأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، وَيْلٌ للْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصرّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.

الشيخ: وهذه من جوامع الكلم، يقول ﷺ: ارحموا تُرحموا، الجزاء من جنس العمل، واغفروا يُغفر لكم، كما قال تعالى: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60]، فينبغي للمؤمن أن يكون ذا رحمةٍ، ذا عفوٍ، ذا مغفرةٍ، لا يكن في طبيعته الشّدة والقسوة والعنف، ينبغي للمؤمن أن تكون الخصالُ الحميدةُ تغلب عليه: يرحم، يغفر، يحذر السّيئات من الأقوال والأعمال، يحذر الإصرار على السّيئات، الحذر من شرِّ قوله، ومن شرِّ عمله، حريصًا على القول الطَّيب، والفعل الطيب، هكذا المؤمن أقرب الناس إلى الخيرات، وأبعدهم عن الشّرور؛ ولهذا قال ﷺ على المنبر: ارحموا تُرحموا، واغفروا يُغفر لكم، ويلٌ لأقماع القول يعني: ويلٌ للكلمات التي تُلقى عن غير تثبتٍ، قد تضرّه، ويلٌ للمُصرِّين على ما فعلوا وهم يعلمون، المصرُّون على السّيئات، المصرُّون عليها يعني: المقيمين عليها، لا يتوبون منها.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ وَصْفِهِمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ: أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ أَيْ: جَزَاؤُهُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ مَغْفِرَةٌ مِن رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أَيْ: مِنْ أَنْوَاعِ الْمَشْرُوبَاتِ، خَالِدِينَ فِيهَا أَيْ: مَاكِثِينَ فِيهَا، وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:136] يَمْدَحُ تَعَالَى الْجَنَّةَ.

الشيخ: هذا جزاء مَن تاب ..... الجنة، جزاء التَّائبين من الذّنوب الصَّادقين المغفرة والجنّة، يعني: غفران الذنوب ومحوها، ودخولهم الجنة، والنَّجاة من النار: أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ المتقين، المستقيمين، الكاظمين الغيظ، العافين عن الناس، المنفقين في السَّراء والضَّراء، والتَّائبين من الذنوب، كلما فعلوا ذنبًا بادروا بالتوبة، ولم يُصرّوا، هذا جزاؤهم على أعمالهم الطّيبة وتقواهم لله، وعلى توبتهم الصَّادقة، جزاؤهم المغفرة من ذنوبهم، والجنة التي هي أعظم سلعة، وأعظم نعمة، جزاؤهم الجنة: دار الإقامة والنَّعيم المقيم، ودار الخلد في جوار الربّ الكريم جلَّ وعلا.