تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ..}

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هَلْ نُسِخَ مِنْ حُكْمِهَا شَيْءٌ أَمْ لَا؟

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهِيَ مُحْكَمَةٌ فِيمَا عنيت به. وعلى هذا قول مجاهد وعامَّة أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَا: قَالَ اللَّهُ: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ [الأنعام:118]، وَقَالَ: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121]، فَنسخَ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5].

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قُرِئَ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ مَزِيدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ: أَخْبَرَنِي النُّعْمَانُ -يَعْنِي ابْنَ الْمُنْذِرِ- عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ نَسَخَهَا الرَّبُّ وَرَحِمَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5]، فَنَسَخَهَا بِذَلِكَ، وَأَحَلَّ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ حِلِّ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَبَيْنَ تَحْرِيمِ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ، وَمَنْ أَطْلَقَ مِنَ السَّلَفِ النَّسْخَ هَاهُنَا فَإِنَّمَا أَرَادَ التَّخْصِيصَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: والمقصود من هذا أنَّ ترك ذكر اسم الله عليه إذا كان مُتعمِّدًا، أو سمَّى لغير الله؛ هذا يحرم، أمَّا إذا ترك التَّسمية ناسيًا أو جاهلًا فهو معفوٌّ عنه؛ لأجل أنَّ هذا يغلب على الناس، يكثر منهم؛ ولهذا عفا اللهُ عن هذا بقوله جلَّ وعلا: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، فإذا ذبح ناسيًا التَّسمية أو جاهلًا بالحكم فلا حرجَ في ذلك، والذَّبيحة صحيحة.

وهكذا ذبيحة أهل الكتاب وإن لم يُسمّوا ذبيحتهم حلٌّ لنا؛ لأنَّ الله أباح طعامَهم لنا، سمّوا أو لم يُسمّوا، لا نسأل إلا إذا علمنا أنهم تعمَّدوا ترك التَّسمية، أو علمنا أنها ذُبحت لغير الله تركنا ذلك، أو أنها ذُبحت ذبحًا غير شرعيٍّ: كالخنق والصَّعْق، وإلا فالأصل الحلّ، فذبيحة المسلم وذبيحة أهل الكتاب حلٌّ لنا، إلا أن نعلم أنها وقعت على غير الوجه الشَّرعي.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ [الأنعام:121].

قال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّ الْمُخْتَارَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ. قَالَ: صَدَقَ. وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ.

وَحَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَجَّ الْمُخْتَارُ ابْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، فَجَاءَهُ رجلٌ فقال: يا ابن عباس، زعم أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ اللَّيْلَةَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَدَقَ. فَنَفَرْتُ وَقُلْتُ: يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَدَقَ؟! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمَا وَحْيَانِ: وحي الله، ووحي الشَّيطان؛ فوحي الله إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ، وَوَحْيُ الشَّيْطَانِ إِلَى أَوْلِيَائِهِ. ثُمَّ قَرَأَ: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام:112] نحو هذا.

الشيخ: وهذا واضحٌ؛ لأنَّ الرسولَ ﷺ ختم اللهُ به الرِّسالات، فالوحي الذي من الله قد انقطع بموت محمدٍ ﷺ، وانتهت الرسالةُ، والنبوةُ ختمها اللهُ بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام، فمَن ادَّعى بعده النبوة والرِّسالة أو معه –كمُسيلمة- فذلك من وحي الشيطان، فما ادَّعاه مُسيلمة والأسود العنسي والمختار ابن أبي عبيدٍ وأشباههم كل هذا من قوله تعالى: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ، وقوله جلَّ وعلا: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا، فما يدَّعيه الكَذَبَة كلّه من وحي الشَّيطان.

وقوله: لِيُجَادِلُوكُمْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبيرٍ قَالَ: خَاصَمَتِ الْيَهُودُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالُوا: نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلْنَا، وَلَا نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلَ اللَّهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام:121]، هَكَذَا رَوَاهُ مُرْسَلًا.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مُتَّصِلًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَتِ الْيَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالُوا: نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلْنَا، وَلَا نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلَ اللَّهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ الآية.

وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالْأَعْلَى، وَسُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ.

وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْحَرَشِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ:

أَحَدِهَا: أَنَّ الْيَهُودَ لَا يَرَوْنَ إِبَاحَةَ الْمَيْتَةِ حَتَّى يُجَادِلُوا.

الثَّانِي: أَنَّ الْآيَةَ مِنَ الْأَنْعَامِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.

الثَّالِثِ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْحَرَشِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْبَكَّائِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: أَتَى نَاسٌ النَّبِيَّ ﷺ. فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: حسنٌ غريبٌ. ورُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلًا.

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَان، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121] أَرْسَلَتْ فَارِسُ إِلَى قُرَيْشٍ: أَنْ خَاصِمُوا مُحَمَّدًا وَقُولُوا لَهُ: فما تَذْبَحُ أَنْتَ بِيَدِكَ بِسِكِّينٍ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا ذَبَحَ اللَّهُ بِشِمْشِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ -يَعْنِي الْمَيْتَةَ- فَهُوَ حَرَامٌ؟! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام:121] أي: وإنَّ الشَّياطين من فارس ليُوحون إلى أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ.

الشيخ: وهذا من الدَّلائل على أنَّ مَن استحلَّ ما حرَّم اللهُ كفر، ما حرم الله ما عُلم من الدِّين بالضَّرورة إذا استحلَّه كفر؛ ولهذا قال: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ يعني: استحللتم الميتة إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام:121]، فمَن استحلَّ ما حرَّم الله أشرّ مما هو معروفٌ ومجمَعٌ عليه: كاستحلال الزنا، والخمر، والربا بجميع أنواعه، وعقوق الوالدين، وترك الصلاة، إلى غير ذلك، إذا استحلّ أمرًا مُحَرَّمًا مُجْمَعًا عليه قامت عليه الأدلةُ كفر، نعم: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ، إن استحلُّوا الميتةَ التي حرَّم اللهُ التي لا شُبهةَ فيها كفروا، مثل مَن استحلّ الشِّرك، واستحلَّ الزنا، واستحلَّ اللِّواط، أو استحلَّ العقوق للوالدين، نعم.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ: حَدَّثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ يَقُولُونَ: مَا ذَبَحَ اللَّهُ فَلَا تَأْكُلُوهُ، وَمَا ذَبَحْتُمْ أَنْتُمْ فَكُلُوهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

الشيخ: وهذه من عادة أهل الباطل: التَّشبيه والتَّلبيس؛ لأنَّ أهلَ الباطل في مكّة حريصون على الاعتراض على النبي ﷺ والصَّحابة؛ لحرصهم على التَّكذيب والإنكار، فبين الله جلَّ وعلا هذا الأمر، وأنَّ الواجبَ طاعةُ الله ورسوله في كل شيءٍ، والحذر من معصيته سبحانه، ولو دعا الناس إلى ذلك وقالوا: افعلوا كذا، وافعلوا كذا. فلا سمعَ ولا طاعةَ، الواجب التَّمسك بما أمر الله به، وبما أباح اللهُ، وبما حرَّم، والحذر من طاعة أعداء الله في ترك الأوامر، أو ارتكاب النَّواهي.

عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ بِهِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.

الشيخ: أيش السَّند الذي قبله؟

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ: حَدَّثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ يَقُولُونَ: مَا ذَبَحَ اللَّهُ فَلَا تَأْكُلُوهُ، وَمَا ذَبَحْتُمْ أَنْتُمْ فَكُلُوهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ بِهِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.

الشيخ: جيد عن سماك، عن عكرمة، وسماك عن عكرمة فيه كلامٌ لأهل العلم: منهم مَن ضعَّفه؛ لأنَّ روايةَ سماكٍ عن عكرمةَ فيها اضطرابٌ، ولكن بكل حالٍ معنى الآية واضحٌ.

وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ اليهود، فهذا هو المحفوظ؛ لأنَّ الآيةَ مكيَّة، واليهود لا يُحبّون الميتة.

الشيخ: حطّ عليه إشارة: إما لا يُبيحون، وإلا لا يُحلّون، وإنما الكلام مع الوثنيين.

وعلى كل حالٍ (يُحبّون) تصحيفٌ من (يُبيحون)، أقرب (يُبيحون)؛ لأنَّها أولى مَن (يحلّون)؛ لأنَّ ..... تصحيفٌ، فقط تقديم، تقدم الحاء، (يبيحون) الباء قبل الحاء.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عباسٍ: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إلى قوله: لِيُجَادِلُوكُمْ قال: يُوحي الشَّياطينُ إلى أوليائهم: تأكلون مما قتلتُم، ولا تأكلون مما قتل الله؟! وفي بعض ألفاظه عن ابن عباسٍ: أنَّ الذي قتلتم ذُكِرَ اسمُ الله عليه، وأنَّ الذي قد مات لم يُذكر اسمُ الله عليه.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: عَنْ عِكْرِمَةَ: إِنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ كَاتَبُوا فَارِسَ على الروم، وكاتبتهم فارس، فكتبت فارسُ إليهم: أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ أَمْرَ اللَّهِ، فَمَا ذَبَحَ اللَّهُ بِسِكِّينٍ مِنْ ذَهَبٍ فلا يأكلونه، وما ذبحوه هم يأكلونه. فكتب بذلك المشركون إلى أصحاب رسول الله ﷺ، فَوَقَعَ فِي أَنْفُسِ نَاسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ، وَنَزَلَتْ: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام:112].

وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِ هذه الآية: إنَّ المشركين قالوا للمسلمين: كيف تزعمون أنَّكم تتبعون مرضاةَ الله، فما قتل اللهُ فلا تأكلونه، وما ذبحتم أنتم تأكلونه؟! فقال الله تعالى: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ فَأَكَلْتُمُ الْمَيْتَةَ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ. وَهَكَذَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ أَيْ: حَيْثُ عَدَلْتُمْ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَكُمْ وَشَرْعِهِ إِلَى قَوْلِ غَيْرِهِ فَقَدَّمْتُمْ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، فَهَذَا هو الشِّرك، كقوله تَعَالَى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] الآية.

وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ما عبدوهم. فقال: بَلَى، إِنَّهُمْ أَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ فاتَّبعوهم، فذلك عبادتهم إيَّاهم.

الشيخ: وهذا معنى قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني: يُحلّون ما حلّوا، ويُحرِّمون ما حرَّموا، من غير مُبالاةٍ بشرع الله.

س: قوله: الذّبح بسكينٍ من ذهبٍ .....؟

ج: هذا من باب المجادلة، ما عندهم سكين من ذهبٍ، ولا هناك سكين من ذهبٍ، قال الله لها: موتي؛ فماتت، يعني: فقط من باب المجادلة، سكّينكم من حديدٍ، وسكين الله من ذهبٍ، يعني: أفضل منكم، وإلا ما هناك سكين، ماتت بأمر الله من دون سكينٍ، من باب المجادلة.

س: السُّدي هنا هو الكبير أو الصَّغير؟

ج: الكبير، إذا أُطلق السُّدي هنا فهو الكبير، هو المفسّر إسماعيل بن عبدالرحمن السُّدي، ثقة، والصغير ليس بشيءٍ.

س: إذا أطلقه ابنُ كثير؟

ج: السُّدي الكبير.

س: درجة حديث .....؟

ج: فيه بعض الضَّعف، لكن المعنى صحيحٌ.

س: مَن قال: إنَّ لكل ديانةٍ صفةً في التَّذكية؟

ج: الله أعلم، ما عندي خبرٌ في هذا.