وَقَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن موسى الثَّوري: حدَّثنا عَبْدُالرَّحِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ السُّكَّرِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران:173]، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَرَوَى أَيْضًا بِسَنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ الرَّافِعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَجَّهَ عَلِيًّا فِي نَفَرٍ مَعَهُ فِي طَلَبِ أَبِي سُفْيَانَ، فلقيهم أعرابيٌّ من خُزاعة فقال: إنَّ القومَ قد جمعوا لكم. فقالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا دَعْلَجُ بْنُ أحمد: حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ: أَنْبَأَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ.
الشيخ: خُثيمة.
الطالب: في نسخة الشَّعب عندنا: خيثمة.
الشيخ: أيش عندك؟ تقديم الثاء: خُثيمة؟
الطالب: نعم.
الشيخ: أيش بعده؟
الشيخ: كذا عندكم: ابن مصعب؟
الطالب: أَبُو خيثمة مصعب بن سعيد.
الشيخ: وأَنتم: أَبو مصعب ابن سعد.
الطالب: في نسخة الشعب: مصعب بن سعيد.
الشيخ: حطّ عليه إِشارة، انظر "التقريب": خيثمة، أَو خثيمة. وفي مصعب .....
الشيخ: أعد السَّند.
الشيخ: تقدم أنَّ إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام قالها حين أُلْقِيَ في النار، وقالها النبيُّ ﷺ حين قال الناسُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل عمران:173]، والآية الكريمة واضحة في أنَّ هذه الكلمة لها شأنٌ عظيمٌ، وأنها تُقال عند الشَّدائد والكروب: حسبنا الله ونعم الوكيل؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة:129]، هاتان الكلمتان عظيمتان عند الشّدة، وعند الكروب: حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]، فهاتان الآيتان كافيتان في عظم شأن هذه الكلمة.
أمَّا هذا الحديث فيحتاج إلى تأمُّلٍ من جهة أبي خيثمة هذا، أو خثيمة، وباقي سنده لا بأس به، وإن كان فيه الأعمش وعنعنته، لكن الغالبَ على عنعنته السَّلامة: إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، المعنى صحيح، تُقال عند الأمور العظيمة والشَّدائد، نعم.
الطالب: أبو خثيمة ما ذكره.
الشيخ: ما ذكره.
الطالب: أبو خيثمة، ولم يُقدّم الثاء على الياء.
الشيخ: أبو خيثمة معروف ..... زهير بن حرب، لكن هذا ما ذكره في مُصعب.
الطالب: مصعب بن سعد .....
الشيخ: ولا مصعب بن سعيد.
الطالب: ولا مصعب بن سعيد، ما ذكره.
الشيخ: يُراجع في كلامه على موسى بن أَعين، والذي قبله الحكم بن سفيان تلميذه.
الطالب: نعم.
الشيخ: يُراجع في ترجمة الحكم بن سفيان، وترجمة موسى بن أَعين.
الشيخ: نعم.
الطالب: في نسخة الشعب: حدَّثنا بحير أَو بجير بن سعد.
الشيخ: بحير معروف، أَعد حدَّثنا.
الشيخ: هذا محل يحيى بن سعيد، عندكم: بحير بن سعد؟
الطالب: قال في "التَّقريب": بحير بن سعد السّحولي -بكسر المهملة- أبو خالد، الحمصي، ثقة، ثبت، من السَّادسة. (البخاري في "الأدب المفرد").
الشيخ: عندكم نفس المسند؟
الطالب: نعم.
الشيخ: بحير بن سعد تصحَّفت بحير إِلى يحيى، استنكر بحير .....
الشيخ: كذا عندكم سيف فقط؟
الطالب: نعم.
عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَا أَدْبَرَ: حَسْبِيَ اللهُ ونِعم الوكيل. فقال النبيُّ ﷺ: رُدُّوا عَلَيَّ الرَّجُلَ، فَقَالَ: مَا قُلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعم الوكيل. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ، عَنْ يحيى بن خَالِدٍ.
الطالب: عن بحير، عن خالد.
الشيخ: عن بحير، عن خالد، صرَّح فيه بقيّةُ بالسَّماع.
الشيخ: انظر: سيف الشَّامي، وهذا يدل على أنَّ الإنسان ما يعتمد على مجرد القدر والتَّوكل، بل يأخذ بالأسباب؛ ولهذا قال النبيُّ: عليك بالكيس، حسبي الله ونِعْمَ الوكيل، لما برز في الخصومة، ما هي مُتَّكأً، عليك بالكيس في حفظ حقِّك، والتَّحرز مما يضرّك، فإذا غلبك أمرٌ وليس باختيارك فقل: حسبي الله ونِعْمَ الوكيل. وإلا فإنَّ الواجبَ أنَّ الإنسان يأخذ بالاحتياط، يأخذ بالأسباب حتى لا يُغلب.
وهكذا في الجهاد: يعدّ العُدّة، ويحتاط، ويأخذ حذره، ويعمل ما يلزم، فإذا غُلِبَ يقول: حسبنا الله ونِعْمَ الوكيل. أمَّا أن يتساهل ويقول: "حسبنا الله ونِعْمَ الوكيل"، لا، ما يجوز هذا، الله قال جلَّ وعلا: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، وقال: خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71]، وقال: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ إلى آخر الآية [النساء:102].
ولما فرَّط الرُّماةُ يوم أحدٍ جرى ما جرى من الأمر العظيم، والنبي موجودٌ عليه الصلاة والسلام والصَّحابة، لما فرَّط أولئك الرُّماة سبَّبوا شرًّا على المسلمين ومصيبةً كبيرةً على المسلمين بعجزهم وتفريطهم.
فالله يلوم على العجز، ولا يلوم على الكيس، والكيس هو الحزم، ومنه الحديث المروي عن النبي ﷺ أنَّه قال: الكيِّس مَن دان نفسَه وعمل لما بعد الموت، يعني: حازمٌ، فَطِنٌ، قويٌّ، وهذا في جميع الأمور: في أمور الدنيا، والدين، الإنسان يكون كيسًا، حازمًا، جيدًا في أمر دِينه ودُنياه، يبتعد عن التَّفريط والتَّساهل والعجز: في مُعاملاته يحرص على الكتابة والشّهود، وفي عباداته يحرص على أدائها كما أمر اللهُ، وفي سلوكه مع الناس يحرص على الحيطة والبُعْد عن مواقف التُّهَم، والحرص على صُحبة الأخيار، هكذا يكون كيِّسًا في جميع أموره، أمَّا أن يتعاطى لما لا ينبغي ثم يقول: حسبي الله، هذا غلطٌ.
مُداخلة: سيف الشَّامي وثَّقه العجلي، من الثالثة. (أبو داود، والنَّسائي).
الشيخ: طيب، حسنٌ، لا بأس به. أعد سنده، أعد هذا الحديث، الحديث الذي فيه: عليكَ بالكيس.
الشيخ: وهذا سندٌ حسنٌ.
س: توثيق العجليّ؟
ج: لا بأس به إذا لم يُعارض، يقرب من توثيق ابن حبّان.
س: ويُروى عن إبراهيم لما أُلْقِيَ في النَّار أتاه جبريلُ فقال: ألك حاجةٌ؟ فقال: أما إليك فلا؟
ج: ما هو بثابتٍ، المعروف أنَّه قال: حسبنا الله ونِعْمَ الوكيل، هذا المعروف، أمَّا ما يُروى: أمَّا إليك فلا، وأمَّا إلى الله فنعم. مرويٌّ، لكن ليس له أساسٌ.
وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ، عَنْ بَحِيرٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَيْفٍ -وَهُوَ الشَّامِيُّ، وَلَمْ يُنْسَبْ- عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْبَاط: حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَسْمَعُ مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ؟ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: فَمَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ.
الشيخ: عطية ضعيفٌ، لكن إذا كانت له طرقٌ أخرى، وهذا هو عطية بن سعد العوفي، ليس بحُجَّةٍ، لكن مثلما قال المؤلفُ: لعلَّ له طرقًا أخرى، ومثلما تقدّم؛ لأنَّ هذه أمور عظيمة ليس للإنسان فيها طولٌ، فإذا قال: على الله توكلنا، حسبنا الله ونِعْمَ الوكيل، مع الأخذ بالكيس، ومع الجدِّ في طاعة الله، ويقول: حسبنا الله ونِعْمَ الوكيل، يعني: مع الجدِّ والنَّشاط والقوّة والصَّبر والمصابرة.
س: حديث ابن عباس، الحديث الضَّعيف؟
ج: رواية عطية، نعم، لكن يقول المؤلفُ: له طرقٌ.
الشيخ: عن أُمّي المؤمنين.
عن أُمّي المؤمنين عائشة وزينب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا تَفَاخَرَتَا، فَقَالَتْ زَيْنَبُ: زَوَّجَنِي اللَّهُ، وَزَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: نَزَلَتْ بَرَاءَتِي مِنَ السَّمَاءِ فِي الْقُرْآنِ. فَسَلَّمَتْ لَهَا زَيْنَبُ. ثُمَّ قَالَتْ: كَيْفَ قُلْتِ حِينَ رَكِبْتِ رَاحِلَةَ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ؟ فَقَالَتْ: قُلْتُ: حَسْبِيَ اللهُ ونِعْمَ الوكيل. قالت زَيْنَبُ: قُلْتِ كَلِمَةَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ [آل عمران:174] أَيْ: لَمَّا تَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ كَفَاهُمْ مَا أَهَمَّهُمْ، وَرَدَّ عَنْهُمْ بَأْسَ مَنْ أَرَادَ كَيْدَهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى بَلَدِهِمْ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ.
الشيخ: لأنَّهم قد قاموا بما يلزم، قد جدُّوا في طاعة الله، وجاءهم البلاءُ من جهة الرُّماة الذين قصَّروا، وهم بعد هذا قالوا: حسبنا الله، واستعدُّوا للقتال، واتَّبعوا الجيشَ الظالم؛ فلهذا انقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ.
لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ مِمَّا أَضْمَرَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ، وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ.
وقال البيهقيُّ: حدَّثنا أَبُو عَبْدِاللَّهِ الْحَافِظُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ دَاوُدَ الزَّاهِدُ.
الشيخ: كذا: أبو بكر ابن داود، بدون: أبي؟
الطالب: بدون: أبي.
الشيخ: انظر في "التقريب" إن كان له ذكرٌ.
الشيخ: تعرفون أبو عبدالله الحافظ؟
الطالب: إيه نعم.
الشيخ: مَن هو؟
الطالب: الحاكم.
الشيخ: هذا من شيوخه، مُتأخِّر، قد لا يكون له ذكرٌ في "التهذيب" وغيره، أبو عبدالله الحافظ هو الحاكم: محمد بن عبدالله النَّيسابوري، صاحب "الصحيح"، والبيهقي هكذا يقول: أبو عبدالله الحافظ؛ لأنَّه من شيوخه.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ: حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ رَزِينٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ قَالَ: النِّعْمَةُ أَنَّهُمْ سَلِمُوا، وَالْفَضْلُ أَنَّ عِيرًا مَرَّتْ، وَكَانَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ، فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَرَبِحَ فِيهَا مَالًا، فَقَسَّمَهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قول الله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران:173]، قَالَ: هَذَا أَبُو سُفْيَانَ قَالَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: مَوْعِدُكُمْ بَدْرٌ حَيْثُ قَتَلْتُمْ أَصْحَابَنَا. فَقَالَ مُحَمَّدٌ ﷺ: عَسَى، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمَوْعِدِهِ حَتَّى نَزَلَ بدرًا، فوافقوا السّوقَ فيها، فابتاعوا، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ : فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ الآية [آل عمران:174]، قَالَ: وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الصُّغْرَى. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَرَوَى أَيْضًا عَنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: لَمَّا عَهد رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لموعد أبي سُفيان، فجعلوا يلقون المشركين فيسألونهم عَنْ قُرَيْشٍ، فَيَقُولُونَ: قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ. يَكِيدُونَهُمْ بِذَلِكَ، يُرِيدُونَ أَنْ يُرْعِبُوهُمْ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. حَتَّى قَدِمُوا بَدْرًا، فَوَجَدُوا أَسْوَاقَهَا عَافِيَةً لَمْ يُنَازِعْهُمْ فِيهَا أَحَدٌ، قَالَ: فقدم رجلٌ من المشركين أخبر أَهْلَ مَكَّةَ بِخَيْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ فِي ذَلِكَ: [الرَّجز]
نَفَرَتْ قَلُوصِي مِنْ خُيُولِ مُحَمَّدٍ | وَعَجْوَةٍ مَنْثُورَةٍ كالعنجدِ |
واتّخذت ماء قديد موعدِ
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هَكَذَا أَنْشَدَنَا الْقَاسِمُ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ:
قَدْ نَفَرَتْ مِنْ رِفْقَتَيْ محمدٍ | وعجوة من يثرب كالعنجدِ |
تهزي عَلَى دِينِ أَبِيهَا الْأَتْلَدِ | قَدْ جَعَلَتْ مَاءَ قديد موعدِ |
وَمَاءَ ضَجْنَانَ لَهَا ضُحَى الْغَدِ
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:175] أَيْ: يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ، وَيُوهِمُكُمْ أَنَّهُمْ ذَوُو بَأْسٍ وَذَوُو شِدَّةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] أي: إذا سوَّل لكم وأوهمكم فتوكَّلوا عليَّ، والجؤوا إليَّ، فإني كَافِيكُمْ وَنَاصِرُكُمْ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِلَى قَوْلِهِ: قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ [الزمر:36- 38]، وَقَالَ تَعَالَى: فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:76].
الشيخ: وهذا نهيٌ عن الخوف الذي لا وجهَ له ولا أسبابَ له، أو خوفٌ يحمل على ترك الواجب، أو فعل المحرّم، هذا هو المنهيّ عنه: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، لا تخافوهم الخوف الذي يُثَبِّطكم عن الجهاد، أو عن الإعداد له، أو يحملكم على ما لا تُحمد عقباه، هذا هو المنهيّ عنه: فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ [المائدة:44]، أمَّا الخوف الذي يحمل على الاستعداد والحذر وجمع الجموع وإعداد العُدَّة هذا مطلوبٌ مأمورٌ به؛ لأنَّ الله قال: وَأَعِدُّوا [الأنفال:60]، وَخُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:102].
فالخوف الذي يحمل على العناية بالأمن، والحزم له، وإعداد العدّة الكافية، هذا مأمورٌ به ومشروعٌ وعبادةٌ، ومن هذا قوله جلَّ وعلا في قصة موسى: فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ [القصص:21]، خرج من مصر خائفًا يترقَّب؛ لأنَّه واضح الأسباب: قتل نفسًا، وليس معه جنودٌ، وليس معه أنصارٌ، فخرج منها خائفًا يترقَّب شرَّ فرعون وجماعته، هذا من الأسباب، خروجه منها خائفًا من أسباب السَّلامة، ومثل خوف الإنسان من قُطَّاع الطريق، ولا يحمل السلاح، ولا يكون مع رفقةٍ جيدةٍ عند وجود قُطَّاع الطريق، هذا خوفٌ مشروعٌ، ومثل خوفه من السُّرَّاق، كونه يُغلق الباب، ويتَّخذ الحروز لأمواله هذا أمرٌ مطلوبٌ.
والخوف خوفان:
خوفٌ منهيٌّ عنه، وهو الخوف بلا سببٍ، خوفٌ عن عجزٍ وجبنٍ.
والخوف المأمور به، وهو الخوف الذي يحمل على الأخذ بالأسباب، والحيطة للأمر، والإعداد له.
ومن هذا الخوف العادي الطَّبعي: خوف المعديات؛ من العقرب، والحيَّة، والبعوض، ويلتحف .....، والبعوض، وخوف البرد فيلتحف، ويتّخذ المراوح عن شدّة الحرِّ خوفًا من الحرِّ، هذه أمور طبيعية لا أثرَ لها في الدِّين.