تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2)

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: مَرَّ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ بِشُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ وَهُوَ فِي مُرَابَطٍ لَهُ، وَقَدْ شَقَّ عَلَيْهِ وَعَلَى أصحابه، فقال: أفلا أُحدِّثكم يَا ابْنَ السِّمْطِ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ -أَوْ قَالَ: خَيْرٌ- مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَمَنْ مَاتَ فِيهِ وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ، ونُمِّيَ لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

تَفَرَّدَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةٌ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ، وَابْنُ الْمُنْكَدِرِ لَمْ يُدْرِكْ سَلْمَانَ.

قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَهُ مِنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ ابْنِ عُقْبَةَ –كِلَاهُمَا- عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ -وَلَهُ صُحْبَةٌ- عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ سِيَاقُ مُسْلِمٍ بِمُفْرَدِهِ.

الشيخ: تقدّم أنَّ هذا يُفيد فضل الرِّباط في سبيل الله، وأنَّه لزوم الثَّغر، رابط في المكان: أقام به ولزمه، ورباط يومٍ في سبيل الله وليلة يعني: إقامة ..... في سبيل الله وليلة خيرٌ من صيام شهرٍ وقيامه، يعني: في أي ثغرٍ من الثغور، في أي منزلٍ من المنازل، يُرابط في سبيل الله يعني: يُقيم في الجهاد في سبيل الله، أو لحماية المسلمين من شرِّ عدوهم، هذا هو الرِّباط، خيرٌ من صيام شهر وقيامه، ويجري عليه عمله ورزقه، ويأمن الفتَّان، يعني: أربع فوائد، يُثاب بأربعة أشياء: كونه أفضل من صيام شهرٍ وقيامه، يعني: يُعطى أكثر من أجر مَن صام شهرًا وقامه ابتغاء وجه الله. ويجرى عليه عملُه الذي كان يعمله في الدنيا، يعني: يُعطى ثواب أعماله، تستمرّ له أعماله في الدّنيا: من صلاةٍ، وصومٍ، وجهادٍ، وغير ذلك، يستمرّ إلى يوم القيامة. ويجري عليه رزقُه من الجنَّة، ويأمن الفتَّان: فتَّان القبر.

وثبت في حديثٍ مسلسلٍ بالأئمة عن كعب بن مالكٍ ، عن النبي ﷺ أنه قال: روح المؤمن طائرٌ يعلَق بشجر الجنّة حتى يُرجعه اللهُ إلى جسده، فأرواح المؤمنين في الجنّة تطير في أشجارها وثمارها إلى أن تُعاد إلى أجسادها، وأرواح الشُّهداء في أجواف طيرٍ خُضْرٍ تسرح في الجنّة حيث شاءت، ثم ترجع إلى قناديل مُعلَّقة تحت العرش، يعني: عموم المؤمنين أرواحهم نفسها تطير في الجنة، وتأكل من ثمارها، والشُّهداء يُعوَّضون أجسادًا غير أجسادهم تحمل أرواحهم وتسرح في الجنَّة حيث شاءت هذه الأجساد، في أجواف طيرٍ خُضْرٍ، والمراد من أولئك المؤمنون الذين تجري عليهم أعمالهم، ويجري عليهم رزقُهم من الجنَّة.

س: حديث البراء الطويل أليس فيه: فردّوا روح عبدي، منها خلقتُهم .....؟

ج: تُردّ روحُه للسّؤال والجواب، ثم ترجع إلى الجنّة، تُعاد إليه للسّؤال والجواب، نعم.

س: الخروج للدَّعوة يدخل في هذا الحديث؟

ج: يُرجى للدُّعاة وطلبة العلم أن يدخلوا في هذا الحديث إذا رابطوا في مكان الدَّعوة يومًا أو يومين أو شهرًا أو أكثر، أو لتعليم العلم، أو للأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، أو لمصالح المسلمين؛ لأنَّه رباطٌ في سبيل الله وطاعة الله، لكن الأكثر إذا أُطلق المراد به الجهاد، ويُطلق ويُراد من سبيل الله ما هو أعمّ في طاعة الله وابتغاء مرضاته، وهذا عامٌّ.

س: حراسة المساجد ليلًا يُعتبر رباطًا؟

ج: الله أعلم، الله أعلم.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى السُّلَمِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ صُبْحٍ.

الطالب: عمر بن صبح بن عمر العدوي، أبو نُعيم الخرساني .....

عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَرِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ وَرَاءِ عورةِ المسلمين مُحْتَسِبًا من شَهْرِ رَمَضَانَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ عِبَادَةِ مِئَةِ سَنَةٍ؛ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا، وَرِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ وَرَاءِ عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ مُحْتَسِبًا مِنْ غير شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَعْظَمُ أَجْرًا -أرَاهُ قَالَ- مِنْ عِبَادَةِ أَلْفِ سَنَةٍ؛ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا، فَإِنْ رَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى أَهْلِهِ سَالِمًا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ أَلْف سَنَةٍ، وَتُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ، وَيُجْرَى لَهُ أَجْرُ الرِّبَاطِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، بَلْ مُنْكَرٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَعُمَرُ بْنُ صُبْحٍ مُتَّهَمٌ.

الشيخ: هذا ظاهرٌ فيه البطلان والمبالغة في متنه، وهو من عمل عمر بن صبح هذا -قبَّحه الله- انظر محمد بن إسماعيل بن سمرة، شيخ المؤلف.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ الرَّمْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدِ ابْنِ أَبِي طَوِيلٍ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: حَرْسُ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خيرٌ مِنْ صِيَامِ رَجُلٍ وَقِيَامِهِ فِي أَهْلِهِ أَلْف سَنَةٍ، السَّنَةُ ثَلَاثُمِئَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا، وَالْيَوْمُ كَأَلْفِ سَنَةٍ.

وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَيْضًا، وَسَعِيدُ بْنُ خالدٍ هذا ضعَّفه أبو زُرْعَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: رَوَى عَنْ أَنَسٍ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً.

الشيخ: والمؤلف يذكر مثل هذا للتَّنبيه على عدم صحّته، نعم.

مُداخلة: محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي –بمهملتين- أبو جعفر السّراج، ثقة، من العاشرة، مات سنة ستين، وقيل قبلها. (ت، س، ق).

الشيخ: وابن يعلى؟

الطالب: محمد بن يعلى السّلمي، أبو ليلى، الكوفي، لقبه: زُنْبُور -بضم الزاي والموحّدة بينهما نون ساكنة وآخره راء- ضعيف، من التاسعة، مات بعد المئتين. (ت، ق).

الشيخ: طيب، بارك الله فيك.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ: أَنْبَأَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: رَحِمَ اللَّهُ حَارِسَ الْحَرَسِ. فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: صالح بن محمد بن زائدة ممن يضعف في الحديث، أيش متنه؟

رَحِمَ اللَّهُ حَارِسَ الْحَرَسِ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ.

الشيخ: عمر بن عبدالعزيز يمكن إدراكه؛ لأنَّ عقبةَ تأخَّرت وفاته، انظر عمر بن عبدالعزيز -مولده.

الطالب: صالح بن محمد بن زائدة المدني، أبو واقدٍ اللَّيثي الصَّغير، ضعيف، من الخامسة، مات بعد الأربعين. (الأربعة).

الشيخ: انظر عمر بن عبدالعزيز الأموي الخليفة.

الطالب: عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم ابن أبي العاص الأموي، أمير المؤمنين، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ولي إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان كالوزير، وولي الخلافة بعده، فعُدَّ مع الخلفاء الراشدين، من الرابعة، مات في رجب سنة إحدى ومئة وله أربعون سنةً، ومدّة خلافته سنتان ونصف. (ع).

الشيخ: ما أدرك عقبة، عقبة مات على رأس السِّتين، أو إحدى وستين، وعمر رضيع.

...........

أيش السَّند؟ أعد، أعد.

قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ: أَنْبَأَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: رَحِمَ اللَّهُ حَارِسَ الْحَرَسِ. فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: ابن ماجه انظره، في بعض النُّسخ: عمر بن عبدالرحمن.

الطالب: في الحاشية الأزهرية: عمر بن عبدالرحمن، عن عقبة.

الشيخ: ..........؟

الطالب: عمر بن عبدالعزيز.

الشيخ: يُراجع، حطّ عليه إشارة، والذي عنده عمر بن عبدالرحمن في ..... وإلا حاشية؟ بعض النّسخ؟

الطالب: في الحاشية أحسن الله إليك.

الشيخ: في نسخة الشّعب أحسن الله إليك النَّقل عن نفس "سنن ابن ماجه"؛ لأنَّه ذكر الجزء والصَّفحة والباب والكتاب، أشار إلى موضع ابن ماجه فقال: في كتاب الجهاد، باب الرباط، الحديث رقم كذا، صفحة كذا.

الشيخ: حطّه: عمر بن عبدالرحمن؟

الطالب: لا، عمر بن عبدالعزيز.

الشيخ: يُراجع، حطّ عليه إشارة، تُراجعون ابن ماجه.

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ -يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ- عَنْ زَيْد بن سلام، عن أبي سلام قَالَ: حدَّثني السّلولي: أنَّه حدَّثه سهل ابن الْحَنْظَلِيَّةِ.

مُداخلة: "الحنظية" بدون لامٍ.

الشيخ: لا، هو المعروف: سهل ابن الحنظلية، انظر "التقريب"، ما نعرف إلا سهل ابن الحنظلية، هذا المعروف، صحابي مشهور .

مُداخلة: في "تحفة الأشراف" قال الحافظ المزي: عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم، عن عقبة بن عامر، ولم يلقه، حديث: رحم اللهُ حارسَ الحرس. ابن ماجه في "الجهاد" عن محمد بن الصباح، عن عبدالعزيز بن محمد، عن صالح بن محمد بن زائدة -وهو أبو اللّيثي- عنه به.

الشيخ: نعم، صحيح، تُشطب الحاشية، الحاشية تُشطب، تشوش.

الطالب: سهل ابن الحنظلية صحابي، أنصاري، أوسي، والحنظلية أمه، أو من أمّهاته، واختُلف في اسم أبيه. (بخ، د، س).

الشيخ: هذا المعروف: سهل ابن الحنظلية، الذي عنده حنظية يُصلحها: حنظلية.

أَنَّهُمْ سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَأَطْنَبُوا السَّيْرَ حَتَّى كَانَتْ عَشِيَّة، فَحَضَرت الصَّلَاة مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَارِسٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي انْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ حَتَّى طَلَعْتُ جَبَلَ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أَنَا بِهَوَازِنَ عَلَى بَكْرَةِ أَبِيهِمْ بِظُعُنِهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَشَائِهِمُ اجْتَمَعُوا إِلَى حُنَيْنٍ، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ: تِلْكَ غَنِيمَةُ المسلمين غدًا إن شاء الله، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ قَالَ أَنَسُ ابن أبي مرثد الغنوي: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: فَارْكَبْ، فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اسْتَقْبِلْ هَذَا الشِّعْبَ حتى تكون في أعلاه، ولا نغرّنّ مِنْ قِبَلكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى مُصَلَّاهُ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَحْسَسْتُمْ فَارِسَكُمْ؟ فقال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَحْسَسْنَاهُ. فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ يُصَلِّي يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ، حَتَّى إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ: أَبْشِرُوا؛ فَقَدْ جَاءَكُمْ فَارِسُكُمْ، فَجَعَلْنَا نَنْظُرُ إِلَى خِلَالِ الشَّجَرِ فِي الشِّعْبِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ جَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: إِنِّي انْطَلَقْتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَى هَذَا الشِّعْبِ حيث أمرتني، فلما أصبحتُ اطَّلعتُ الشِّعْبَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَلْ نَزَلْتَ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا مُصَلِّيًا أَوْ قَاضِيًا حَاجَةً. فَقَالَ لَهُ: أَوْجَبْتَ، فَلَا عليك ألَّا تَعْمَلَ بَعْدَهَا. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْحَرَّانِيِّ، عَنْ أَبِي تَوْبَةَ -وَهُوَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ- بِهِ.

الشيخ: وهذا فيه دلالة أيضًا على فضل الحراسة، وأنَّ فضلَها عظيمٌ جدًّا، وهذا الرجل بقي ليلةً ساهرًا يترقَّب أحوال هوازن، وفيه من الفوائد: جواز الالتفات عند الحاجة، وأنَّه لا حرجَ في ذلك، وقوله ﷺ: هو اختلاسٌ يختلسه الشَّيطان من صلاة العبد هذا إذا كان من غير عذرٍ، أمَّا إذا كان لحاجةٍ فلا حرج؛ ولهذا لما أكثر الناسُ التَّصفيقَ حين جاء النبيُّ ﷺ والصِّديق يُصلي بالناس؛ التفت الصديقُ، فلمَّا رأى النبيَّ ﷺ تقهقر، فالمقصود أنَّ الالتفات للحاجة لا بأس به بالرَّأس.

انظر السّلولي.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ شُمَيْرٍ الرُّعَيْنِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَامِرٍ البجيني.

مُداخلة: عندنا أحسن الله إليك: التَّجيبي.

الشيخ: هذا موجود، وهذا موجود: التَّجيبي، والبجيني، انظر أبا عامر التَّجيبي في "الكنى".

الطالب: السَّلولي يا شيخ ذُكر في موضعين:

الأول: السّلولي ..... أبو كبشة، وعبدالله بن ضمرة.

الأول أبو كبشة السّلولي -بفتح المهملة وتخفيف اللَّام- الشَّامي، ثقة، من الثانية. (البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي).

عبدالله بن ضمرة السَّلولي وثَّقه العجلي، من الثالثة. (أبو داود، والنَّسائي، وابن ماجه).

الشيخ: طيب، انظر هذا: أبو عامر التَّجيبي أو البجيني في "الكنى".

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَقَالَ غَيْرُ زَيْدٍ.

الشيخ: (وقال غير زيد) يعني: زيد بن الحباب شيخ الإمام أحمد، يعني: شيخًا آخر للإمام أحمد، قال: أبا علي الجنبي.

وَقَالَ غَيْرُ زَيْدٍ: أَبَا عَلِيٍّ الْحنَفي.

مُداخلة: ذكر أبو عامر الأشعري، وأبو عامر الأشعري صحابي آخر، وأبو عامر الألهاني اسمه: عبدالله بن عامر، وأبو عامر الأنصاري اسمه: رضوان بن عامر، وأبو عامر الحجري، وأبو عامر العقدي اسمه: عبدالملك بن عمر، وأبو عامر الخزاز -بالمعجمات- وهو ..... أبو عامر الهوزري، وهو عبدالله بن لحي.

الشيخ: والذي عندكم؟ نعم، أبو علي الجنبي، هذا يُبين أنَّ .....، نعم أنَّ زيدًا وَهِمَ فيه، وأيش قال؟

الطالب: أبو علي الجنبي هو عمرو بن مالك.

الشيخ: وأيش عندكم أنتم؟ وقال غير زيدٍ.

أبا علي الحنفي.

الشيخ: والذي عنده "الجنبي" مَن هو؟

الطالب: في نسخة الشعب أحسن الله إليك، لكن صاحب الحاشية قال: في "سنن النسائي" في كتاب "الجهاد" فيها: سمعتُ أبا علي التَّجيبي، أحسن الله إليك.

الشيخ: والذي عندك: الحنفي؟

الطالب: إيه، نعم.

الشيخ: انظر أبا عليٍّ.

الطالب: قال عمرو بن مالك الهمداني: أبو علي الجنبي -بفتح الجيم، وسكون النون، بعدها مُوحّدة- مصري، ثقة، من الثالثة، مات سنة ثلاثٍ ومئة، ويقال: سنة اثنتين. (البخاري في "الأدب المفرد"، والأربعة).

الشيخ: انظر في "الكنى": أبا علي الحنفي، أبو علي في "الكنى".

الطالب: أبو علي الحنفي هو عبيدالله بن عبدالمجيد.

الشيخ: عبيدالله مُتأخّر، ما هو بهذا، غيره شيء؟

الطالب: الحنفي، ما في غير هذا.

الشيخ: هذا مُتأخّر، لا، الأقرب أنَّه الجنبي.

الطالب: في "المسند": أبو علي الجنبي.

الشيخ: إيه، حدَّثنا أيش؟

الطالب: قال: حدَّثنا زيدُ بن الحباب، قال: حدَّثني عبدُالرحمن بن شريح، قال: سمعتُ محمد بن شمير الرّعيني يقول: سمعتُ أبا عامر التَّجيبي. قال غيره: الجنبي. يعني: غير زيدٍ، أبو علي الجنبي.

الشيخ: طيب، صلحها على ..... الجنبي بدل: الحنفي.

الطالب: أبو حنفي التَّجيبي.

الشيخ: هذا غلطٌ من رواية زيدٍ يعني ..... وقال غير زيدٍ؟

وَقَالَ غَيْرُ زَيْدٍ: أَبَا عَلِيٍّ الْحنَفي.

الشيخ: صلّحها: الجنبي.

يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا رَيْحَانَةَ يَقُولُ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةٍ، فَأَتَيْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَرَفٍ، فَبِتْنَا عَلَيْهِ، فَأَصَابَنَا بَرْدٌ شَدِيدٌ حَتَّى رَأَيْتُ مَنْ يَحْفِرُ فِي الأرضِ حفرةً يدخل فيها، وَيُلْقِي عَلَيْهِ الْجَحْفَةَ –يَعْنِي: التِّرسَ- فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ النَّاسِ نَادَى: مَنْ يَحْرُسُنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَأَدْعُوَ لَهُ بِدُعَاءٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ فَضْلٌ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: ادْنُ، فَدَنَا، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَتَسَمَّى لَهُ الْأَنْصَارِيُّ، فَفَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالدُّعَاءِ فَأَكْثَرَ مِنْهُ.

فَقَالَ أَبُو رَيْحَانَةَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ مَا دَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قُلْتُ: أَنَا رَجُلٌ آخَرُ. فَقَالَ: ادْنُ، فَدَنَوْتُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَبُو رَيْحَانَةَ. فَدَعَا بِدُعَاءٍ هُوَ دُونَ مَا دَعَا لِلْأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ قَالَ: حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ دَمَعَتْ -أَوْ بَكَتْ- مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَحُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْهُ: حُرِّمَتِ النَّارُ إِلَى آخِرِهِ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ بِهِ. وَعَنِ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ بِهِ. وَأَتَمَّ وَقَالَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ: عَنْ أَبِي عَلِيٍّ البجيني.

الشيخ: الجنبي، الجنبي يعني الذي في الصَّحيح: الجنبي، نعم.

مُداخلة: في النَّسائي: التَّجيبي.

الشيخ: وعندكم أيش؟ البجلي، البجيلي؟

الطالب: التَّجيبي، أبا عليّ التَّجيبي.

الشيخ: النَّسائي نفسه؟

الطالب: إيه، نعم.

مُداخلة: عليه حاشية أحسن الله إليك، هذا ما قبله محرّف، والصواب: التَّجيبي.

مُداخلة: في حاشية: النّجبي.

الشيخ: صلّحها: التَّجيبي.

.............

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ رُزَيْقٍ أَبُو شَيْبَةَ، عن عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عَطَاءِ ابْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ رُزَيْقٍ. قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ وَأَبِي رَيْحَانَةَ.

قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَا، ولله الحمد والمنّة.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن غيلان: حدَّثنا رشدين، عن زبان.

الشيخ: زبان ضعيف، نعم.

عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ مُعَاذِ بن أَنَسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ حَرَسَ مِنْ وَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ مُتَطَوِّعًا، لَا بِأُجْرَةِ سُلْطَانٍ؛ لَمْ يَرَ النَّارَ بِعَيْنَيْهِ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم:71]. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ.

الشيخ: والأحاديث الصَّحيحة كافية في بيان فضل الحرس في سبيل الله، والبكاء في سبيل الله، والسَّهر في سبيل الله، الأحاديث الصَّحيحة كافية، وهذا شاهدٌ وإن كان ضعيفًا.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شفع لم يُشفّع.

فهذا آخر مَا تَيَسَّرَ إِيرَادُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْمَقَامِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى جَزِيلِ الْإِنْعَامِ عَلَى تَعَاقُبِ الْأَعْوَامِ وَالْأَيَّامِ.

الشيخ: الحمد لله، الحمد لله.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِيَ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْمَدَنِيُّ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: كتب أبو عُبيدة إلى عمر بن الخطاب يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مَنْزِلَةِ شِدَّةٍ يَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَهَا فَرَجًا، وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].

وهكذا روى الحافظُ ابنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ أَبِي سُكَيْنَةَ، قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ بِطَرْسُوسَ، وَوَدَّعْتُهُ لِلْخُرُوجِ، وَأَنْشَدَهَا مَعِي إِلَى الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ فِي سَنَةِ سَبْعِينَ وَمِئَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ ومئة: [الكامل]

يَا عَابِدَ الْحَرَمَيْنِ لَوْ أَبْصَرْتَنَا لَعَلِمْتَ أَنَّكَ فِي الْعِبَادَةِ تَلْعَبُ
مَنْ كَانَ يَخْضِبُ خَدَّهُ بِدُمُوعِهِ فَنُحُورُنَا بِدِمَائِنَا تَتَخَضَّبُ
أَوْ كَانَ يُتْعِبُ خيلَه في باطلٍ فخيولنا يَوْمَ الصَّبِيحَةِ تَتْعَبُ
رِيحُ الْعَبِيرِ لَكُمْ وَنَحْنُ عَبِيرُنَا رهَجُ السَّنَابِكِ وَالْغُبَارُ الْأَطْيَبُ

مُداخلة: عندنا بالواو: وهج السَّنابك.

الشيخ: الذي أعرف بالراء: رهج السَّنابك، يعني: غبار السَّنابك؛ سنابك الخيل.

وَلَقَدْ أَتَانَا مِنْ مَقَالِ نَبِيِّنَا قَوْلٌ صَحِيحٌ صَادِقٌ لَا يَكْذِبُ
لَا يَسْتَوِي وَغُبَارُ خَيْلِ اللَّهِ فِي أَنْفِ امْرِئٍ وَدُخَان نَارٍ تَلْهَبُ
هَذَا كِتَابُ اللَّهِ يَنْطِقُ بَيْنَنَا لَيْسَ الشَّهِيدُ بِمَيِّتٍ لَا يَكْذِبُ

قَالَ: فَلَقِيتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ بِكِتَابِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ: صَدَقَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ وَنَصَحَنِي. ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْحَدِيثَ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَاكْتُبْ هَذَا الْحَدِيثَ كِرَاءَ حَمْلِكَ كِتَابَ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ إِلَيْنَا.

وَأَمْلَى عَلَيَّ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي عَمَلًا أَنَالُ بِهِ ثَوَابَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُصَلِّيَ فَلَا تَفْتُرُ، وَتَصُومَ فَلَا تُفْطِرُ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَضْعَفُ مِنْ أَنْ أَسْتَطِيعَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فوالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ طُوِّقْتَ ذَلِكَ مَا بَلَغْتَ المجاهدين في سبيل الله، أَوَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَرَسَ الْمُجَاهِدَ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فيُكتب له بذلك الحسنات؟.

وقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [آل عمران:200] أَيْ: فِي جَمِيعِ أُمُورِكُمْ وَأَحْوَالِكُمْ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لمعاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ.

لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200] أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ: أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَنْبَأَنَا أَبُو صَخْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ : وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ: وَاتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُفلحون غدًا إذا لقيتُموني.

الشيخ: ومعنى "لعلكم" يعني: لتُفلحوا؛ للتَّعليل، يعني: اتَّقوا الله ليحصل لكم الفلاح، والله المستعان، لا شكَّ أنَّ التَّقوى طريقُ الفلاح، ومن التَّقوى التَّوبة، قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، فالأعمال الصَّالحة سبب الفلاح، والأعمال السيئة سبب الخسران.

نسأل الله السَّلامة والعافية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

انتهى تَفْسِيرُ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، نسأله الموتَ على الكتاب والسُّنة، آمين.

الشيخ: رحمه الله، رحمه الله، اللهم اغفر لنا وله.