تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ..}

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ الآية [آل عمران:172]، قلتُ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي، كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمُ: الزُّبَيْرُ، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

الشيخ: لأنَّ أبا بكر هو جدّه، أبو أمه؛ لأنَّ أُمَّه أسماء بنت أبي بكر، أخت عائشة، فأبو بكر أبوه من جهة الأم، والزبير أبوه الأساسي.

لَمَّا أَصَابَ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ ما أصابَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ؛ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا فَقَالَ: مَنْ يَرْجِعُ فِي إِثْرِهِمْ؟ فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُنْفَرِدًا بِهِ بِهَذَا السِّيَاقِ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "مستدركه" عن الأصم، عن عباس الدُّورِيِّ.

الشيخ: عباس بن محمد الدُّوري.

عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ. ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. كَذَا قَالَ.

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، وهدبة بْنِ عَبْدِالْوَهَّابِ.

مُداخلة: عندنا أحسن الله إليك: وهدية بن عبدالوهاب.

الشيخ: لعلها الصّواب، ما هو هدبة، لعلها: هدية، "التقريب" حاضر؟ انظر هدية، ما أذكر هدبة بن عبدالوهاب، لعله بالياء.

عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ فِي "مسنده" عن سفيان به.

وقد رواه الحاكمُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ البهي، عن عروة قال: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ أَبَاكَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ [آل عمران:172].

ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخرِّجاه.

الشيخ: والحاكم يغلط كثيرًا في قوله: (لم يُخرِّجاه)، قد يكونان أخرجاه ولم يفطن لذلك، وقد يكون أخرجه أحدُهما كهذا الحديث؛ أخرجه البخاري عن عائشة، ومع هذا قال: (لم يخرجاه). غاب عنه ذلك، فالإنسان هكذا، كل عالمٍ تفوته أشياء، يجتهد ولكن تفوته أشياء.

مُداخلة: هدية: بفتح أوله، وكسر ثانيه، وتشديد التَّحتانية، ابن عبدالوهاب، المروزي، أبو صالح، صدوق، ربما وهم، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين. (ق).

الشيخ: فيه هدبة بن عبدالوهاب؟

الطالب: هدبة بن خالد، ما في ابن عبدالوهاب.

الشيخ: إذن صلّحوها: هدية، بالياء.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ: أَنْبَأَنَا سَمَوَيْهِ: أَنْبَأَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ الجعد بن الزُّبَيْرِ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ: أَنْبَأَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنْ كَانَ أَبَوَاكِ لَمِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ: أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

وَرَفْعُ هَذَا الْحَدِيثِ خَطَأٌ مَحْضٌ مِنْ جِهَةِ إِسْنَادِهِ؛ لِمُخَالَفَتِهِ رِوَايَةَ الثِّقَاتِ مِنْ وَقْفِهِ عَلَى عائشةَ رضي الله عنها كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمِنْ جِهَةِ مَعْنَاهُ؛ فَإِنَّ الزُّبَيْرَ لَيْسَ هُوَ مِنْ آبَاءِ عَائِشَةَ، وَإِنَّمَا قَالَتْ ذلك عائشةُ لعروة بن الزبير.

الشيخ: هذا هو الصَّواب، نعم.

لِأَنَّهُ ابْنُ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.

مُداخلة: أيضًا في إسناد الحاكم الذي تقدّم عندهم، ورواه أيضًا من حديث إسماعيل ابن أبي خالد، عن التَّيمي في نسخة الشَّعب، عن البهي.

الشيخ: حطّ نسخة: البهي، حطّ نسخة: البهي؛ حتى يُراجع الحاكم، نسخة: البهي، الذي عنده التَّيمي يحطّ نسخة: البهي، نسخة.

مُداخلة: تقريبًا أنَّ بهيًّا مولى آل الزبير؟

ج: ولو، يُراجع الحاكم، الحاكم موجود.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي أَبِي: حَدَّثَنِي عَمِّي: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَذَفَ فِي قَلْبِ أَبِي سُفْيَانَ الرُّعْبَ يَوْمَ أُحُدٍ بَعْدَمَا كَانَ مِنْهُ مَا كَانَ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ أَصَابَ مِنْكُمْ طَرَفًا، وَقَدْ رَجَعَ وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الرُّعْبَ.

وَكَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ، وَكَانَ التُّجَّارُ يَقْدَمُونَ الْمَدِينَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَيَنْزِلُونَ بِبَدْرٍ الصُّغْرَى فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُمْ قَدِمُوا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ، وَكَانَ أَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ الْقَرْحُ، وَاشْتَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَصَابَهُمْ.

وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَدَبَ النَّاسَ لِيَنْطَلِقُوا مَعَهُ وَيَتَّبِعُوا مَا كَانُوا مُتَّبِعِينَ، وَقَالَ: إِنَّمَا يَرْتَحِلُونَ الْآنَ فَيَأْتُونَ الْحَجَّ، وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى مِثْلِهَا حَتَّى عَامٍ مُقْبِلٍ، فَجَاءَ الشَّيْطَانُ فَخَوَّفَ أَوْلِيَاءَهُ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ. فَأَبَى عَلَيْهِ النَّاسُ أَنْ يَتْبَعُوهُ، فَقَالَ: إِنِّي ذَاهِبٌ وَإِنْ لَمْ يَتْبَعْنِي أَحَدٌ لِأَحْضُضَ النَّاسَ، فَانْتَدَبَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ ابْنُ الْجَرَّاحِ فِي سَبْعِينَ رجلًا، فساروا في طلب أبي سفيان، فطلبوه حتى بلغوا الصَّفراء، فأنزل الله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ الآية [آل عمران:172].

ثُمَّ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى انْتَهَى إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وَهِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَأَقَامَ بِهَا الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَدْ مَرَّ بِهِ -كَمَا حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ ابْنُ أَبِي بَكْرٍ- مَعْبَدُ ابْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيُّ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ -مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ- عَيْبَةَ نُصْحٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِتِهَامَةَ، صَفْقَتُهُمْ مَعَهُ، لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِهَا، وَمَعْبَدٌ يَوْمَئِذٍ كَانَ مُشْرِكًا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَزَّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَكَ فِي أَصْحَابِكَ، وَلَوَدِدْنَا أَنَّ اللَّهَ عَافَاكَ فِيهِمْ. ثُمَّ خَرَجَ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ حَتَّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ ابْنَ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ بِالرَّوْحَاءِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا الرَّجْعَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالُوا: أَصَبْنَا محمدًا وأَصْحَابَهُ وَقَادَتَهُمْ وَأَشْرَافَهُمْ ثُمَّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ؟! لنكرّنَّ على بقيَّتهم، ثم فَلَنَفْرُغَنَّ مِنْهُمْ. فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ مَعْبَدًا قَالَ: مَا وَرَاءَكَ يَا مَعْبَدُ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ وأصحابُه يطلبكم في جمعٍ لم أرَ مثلهم، يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكُمْ تَحَرُّقًا، قَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي يَوْمِكُمْ، وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا، فِيهِمْ مِنَ الْحَنَقِ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطُّ. قَالَ: وَيْلَكَ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَى أَنْ تَرْتَحِلَ حتى أرى نواصي الخيل. قال: فوالله لَقَدْ أَجْمَعْنَا الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهُمْ. قَالَ: فإني أنهاك عن ذلك، فوالله لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَى أَنْ قُلْتُ فِيهِمْ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ. قَالَ: وَمَا قُلْتَ؟ قال: قلتُ: [البسيط]

كَادَتْ تُهَدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي إِذْ سَالَتِ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ
تَرْدَى بِأُسْدٍ كِرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ
فَظَلْتُ أعدُوا أَظُنُّ الْأَرْضَ مَائِلَةً لَمَّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ
فَقُلْتُ: وَيْلُ ابْنِ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِكُمُ إذا تغطمطت البطحاء بالخيل
إني نذيرٌ لأهل السَّيل ضَاحِيَةً لِكُلِّ ذِي إِرْبَةٍ مِنْهُمْ وَمَعْقُولُ
مِنْ جَيْشِ أَحْمَدَ لَا وَخْشٍ تَنَابِلَةٍ وَلَيْسَ يُوصَفُ مَا أَنْذَرْتُ بِالْقِيلِ

قَالَ: فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ، وَمَرَّ بِهِ رَكْبٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نريد المدينة. قال: ولم؟ قالوا: نُريد الميرة. قال: فهل أنتم مُبلغون عني محمدًا رسالةً أُرسلكم بها إليه، وأحمل لكم هذه غدًا زبيبًا بعكاظ إذا وَافَيْتُمُونَا؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِذَا وَافَيْتُمُوهُ فَأَخْبِرُوهُ أَنَّا قَدْ أَجْمَعْنَا الْمَسِيرَ إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهُمْ. فَمَرَّ الرَّكْبُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، فَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابه، فَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ بَلَغَهُ رُجُوعُهُمْ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ سُوِّمَتْ لَهُمْ حِجَارَةٌ لَوْ أصبحوا بها لكانوا كأمس الذَّاهب.

مُداخلة: "صبحوا"، في نسخة الشّعب: لو صبحوا بها.

الشيخ: محتمل، أصبحوا محتمل، محتمل ..... محتمل هذا وهذا، لو أصبحوا مكانهم لأُصيبوا، ولو صبحوا لأُنزلت عليهم. حطّ نسخة، الذي عنده "أصبحوا" يحطّ نسخة "صبحوا"، والذي عنده "صبحوا" يحطّ نسخة "أصبحوا".

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ [آل عمران:172]: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ أَصَابُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابُوا وَرَجَعُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ رَجَعَ، وَقَدْ قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الرُّعْبَ، فَمَنْ يَنْتَدِبُ فِي طَلَبِهِ؟ فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وعليٌّ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَاتَّبَعُوهُمْ، فَبَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَطْلُبُهُ، فَلَقِيَ عِيرًا مِنَ التُّجَّارِ فَقَالَ: رُدُّوا مُحَمَّدًا وَلَكُمْ مِنَ الْجُعْلِ كَذَا وَكَذَا، وَأَخْبِرُوهُمْ أَنِّي قَدْ جَمَعْتُ لهم جموعًا، وأني راجعٌ إليهم. فجاء التُّجَّارُ فأخبروا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.

وَهَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّ هذا السِّياق نزل في شأن حَمْرَاءِ الْأَسَدِ.

وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ الْمَوْعِدِ. والصَّحيح الأول.

وقوله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا الآية [آل عمران:173] أَيِ: الَّذِينَ تَوَعَّدَهُمُ النَّاسُ بِالْجُمُوعِ، وَخَوَّفُوهُمْ بِكَثْرَةِ الْأَعْدَاءِ، فَمَا اكْتَرَثُوا لِذَلِكَ، بَلْ تَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ وَاسْتَعَانُوا بِهِ، وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173].

وقال البخاري: حدَّثنا أحمدُ بن يونس، قال -أُرَاهُ قَالَ- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ ﷺ حين قَالَ لَهُمُ النَّاسُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَهَارُونَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى ابْنِ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ -وَهُوَ ابْنُ عَيَّاشٍ- بِهِ.

وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَاكِمَ أَبَا عَبْدِاللَّهِ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخرجاه.

الشيخ: من جنس وهمه السَّابق، وقد أخرجه البخاري.

ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي غَسَّانَ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

وَقَالَ عَبْدُالرَّزَّاقِ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَأَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: هِيَ كَلِمَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حين أُلْقِيَ في النَّار. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

الشيخ: هذه كلمةٌ عظيمةٌ، ينبغي أن تُقال عند كل كربٍ: حسبنا الله ونعم الوكيل، وهو الكافي جلَّ وعلا لمن هو وكيله سبحانه؛ ولهذا قالها إبراهيمُ عند الشّدة، وقالها محمدُ عند الشّدة: حسبنا الله ونعم الوكيل، يعني: كافينا الله .....، لكن مع الأخذ بالأسباب، يقولها الإنسانُ مع الأخذ بالأسباب والعناية بالأسباب.