تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ..} (1)

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمران:135] أَيْ: إِذَا صَدَرَ مِنْهُمْ ذَنْبٌ أَتْبَعُوهُ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ. فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَبْدِي عَمِلَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي. ثُمَّ عَمِلَ ذَنْبًا آخَرَ فقال: ربِّ إني عملتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، قَدْ غفرتُ لعبدي. ثم عمل ذَنْبًا آخَرَ فَقَالَ: رَبِّ إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي. فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَلِمَ عَبْدَيْ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي. ثم عمل ذنبًا آخر فقال: ربِّ إني عَمِلْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ. فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: عَبْدِي عَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، فَلْيَعْمَلْ ما شاء. أخرجاه في "الصحيحين" مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ بِنَحْوِهِ.

الشيخ: في هذه الآيات الكريمات بيان صفة المتّقين الذين وعدهم اللهُ بالمغفرة والجنّة في قوله سبحانه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:133- 134]، هذه صفاتهم العظيمة كما تقدم، المتقون اتَّقوا الله جلَّ وعلا بترك محارمه، والقيام بحقِّه؛ ولهذا سمَّاهم متقين : أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، هذه من صفاتهم؛ المتَّقي لله هو الذي أدَّى ما أوجب الله عليه، وترك ما حرَّم الله عليه، واتَّقى غضبَ الله بأداء ما أوجب، وترك ما حرَّم.

ومن صفاتهم العظيمة أنهم يُنفقون في السَّراء والضَّراء، يُنفقون في وجوه الخير، الصَّدقة على الفقراء، والمشاريع الخيرية في الجهاد، وفي تعمير المساجد، إلى غير ذلك: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ تقدم هذا أنَّ من صفاتهم كظم الغيظ، عندما يُؤْذَون ويُجْهَل عليهم يَكْظِمُون الغيظَ، يتصبَّرون ويتحمَّلون فيما تقدّم من كظم الغيظ، كذلك يعفون إذا ظُلِمُوا واعتُدِيَ عليهم، من صفاتهم العفو في محلِّه، كما قال الله : وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40].

وفي الحديث الصَّحيح يقول ﷺ: ما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلَّا عِزًّا.

ثم من صفاتهم صفة خامسة: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [آل عمران:135] من صفاتهم: التوبة، عندما يقع منهم ذَنْبٌ يُبادرون بالتَّوبة، الإنسان ما هو بمعصومٍ، ليس معصومًا من الخطأ: كلُّ بني آدم خطَّاء، ما عدا الرسل عليهم الصلاة والسلام فيما يُبَلِّغون عن الله.

وقد أجمع العلماءُ على أنهم معصومون في كلِّ ما يُبلِّغون عن الله ، والله وعد هؤلاء بالمغفرة إذا ذكروا الله واستغفروا لذنوبهم، يعني: ذكروا الله مُعظِّمين له، مُقَدِّسين له، خائفين منه، راجينه، بادروا بالتَّوبة، استغفروا وتابوا، الاستغفار يعني: طلب المغفرة، مع الندم، مع الإقلاع، مع العزم الصَّادق ألا يعودوا، والله يغفر لهم جلَّ وعلا ولو تعددت الذنوب، كما في هذا الحديث: إنَّ الله جلَّ وعلا يقول: أذنب عبدي ذنبًا فقال: يا ربي، أذنبتُ ذنبًا فاغفره لي، ويقول الله: علم عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ ويأخذ به يعني: يغفر ويُعاقب، فيتوب عليه ، هكذا كلما .....، ثم قال: فليفعل عبدي ما يشاء يعني، ما دام بهذه الصِّفة، ما دام توَّابًا مُسْتَغْفِرًا، إذا زلَّت قدمه فإنَّه يتوب عليه، ليس معناه أنَّه ..... الذنوب، لا، يعني: ما دام بهذه الصِّفة؛ كلما أذنب بادر بالتَّوبة والإقلاع والنَّدم، والله يتوب عليه جلَّ وعلا.

فالواجب على المؤمن الحذر من الذنوب، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71]، وقال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، المؤمن يحذر السَّيئات، ويُجاهد نفسَه حتى لا يُقارفها، يحذر ويُجاهد، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، عليه أن يحذر، فإذا زلَّت قدمُه ووقع منه ذنبٌ فلا ييأس، ولا يقنط، ويُبادر بالتوبة والاستغفار ولو كثرت الذنوب، ولو تعددت، فضل الله أوسع، ورحمته أعظم، ما دمت رجَّاعًا إليه، توَّابًا إليه، غير مُصِرٍّ، تاب توبةً صادقةً ثم بُلِيَ، وهكذا تاب ثم بُلِيَ، فالله يتوب عليه.

أما المتلاعب فما يصلح أن يُسمَّى: تائبًا، المتلاعب ما يُسمَّى: تائبًا، الذي يقول: أستغفر الله، وهو مُصِرٌّ على المعصية غير نادمٍ، ما يُسمَّى: تائبًا، التَّائب بالإجماع مَن لم يُصِرّ، قال تعالى: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135]، هذا من عزمٍ صادقٍ على عدم العودة، مع النَّدم على الماضي، الندم توبة، ولا ينبغي لعاقلٍ أن يغترَّ بعفو الله ورحمته، وبجوده وكرمه بالإقدام على المعاصي فيهلك، ولكن ليحذر، فإذا وقعت البليةُ فليُبادر بالتوبة وهو صادقٌ، نادمٌ، مُقْلِعٌ، عازمٌ ألا يعود، فالله يتوب عليه، وعده سبحانه هذا، وعده جلَّ وعلا.

...........

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ وَأَبُو عَامِرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُدِلَّةِ -مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ- سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا رَأَيْنَاكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا، وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ، وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا، وَشَمَمْنَا النِّسَاءَ وَالْأَوْلَادَ. فَقَالَ: لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ بِأَكُفِّهِمْ، وَلَزَارَتْكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَيْ يَغْفِرَ لَهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا؟ قَالَ: لَبِنَةُ ذَهَبٍ، وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ، مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ وَلَا يَبْأَسُ، وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ، ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ؛ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ له الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّك وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.

الشيخ: ويقول له؟

الطالب: ...........

الشيخ: المعروف: ويقول: "لأنصرنَّكِ"، خطابٌ للدَّعوة.

.............

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخر من حديث سعدٍ به.

............

وَيَتَأَكَّدُ الْوُضُوءُ وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ التَّوْبَةِ؛ لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ: حدَّثنا مسعر وسفيان الثَّوْرِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الفزاري، عن عليٍّ قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُ، وَإِذَا حدَّثني عنه غيرُه اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ  حَدَّثَنِي -وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ -قَالَ مِسْعَرٌ: فَيُصَلِّي، وَقَالَ سُفْيَانُ: ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ- فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا غفر له.

الشيخ: وهذا سندٌ جيدٌ، وهو يدل على ما قال المؤلفُ: يُشرع للعبد في التَّوبة أن يتوضأ ويُحسن الوضوء وُيصلي ركعتين، ويضرع إلى ربِّه في طلب التوبة والمغفرة، نادمًا، مُقْلِعًا، عازمًا ألا يعود، هذا من أسباب قبول التوبة، والله المستعان.

س: ..............؟

ج: سنة الوضوء من ذوات الأسباب، وسنة الطواف، وصلاة الكسوف، وتحية المسجد، كلها من ذوات الأسباب، تُفْعَل في كل وقتٍ على الصَّحيح.

وهكذا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَالْحُمَيْدِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَهْلُ السُّنَنِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَالْبَزَّارُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا طُرُقَهُ وَالْكَلَامَ عَلَيْهِ مُسْتَقْصًى فِي "مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ".

وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب، عن خليفة النبي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

الشيخ: وتقدّم للمؤلف أنَّه جمع أحاديث الصِّديق، وأحاديث عمر، وفتاويهما، وما رُوِيَ عنهما في مجلدات ثلاثة، جمع أحاديثَهما وفتاويهما في ثلاث مجلدات، لكن ما أدري عنه: هل هو موجودٌ أو غيرُ موجودٍ؟ هل أحدٌ منكم اطَّلع عليه؟ ........

وَمِمَّا يشهد بصحّة هَذَا الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغَ -أَوْ فَيُسْبِغَ- الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ.

الشيخ: وهذا فضلٌ عظيمٌ، جديرٌ بالمؤمن أن يُحسِن ظنَّه بربه، وأن يرجو هذا الخير، إذا توضَّأ وأحسن الوضوء بادر بصلاة ركعتين، ويشهد بهذه الشَّهادة، الإتيان بهذه الشَّهادة من أسباب دخول الجنة، وصلاة ركعتين كذلك، المقصود أنَّ هذا خيرٌ عظيمٌ، وفضلٌ كبيرٌ، وفضل الله واسعٌ جلَّ وعلا.

زاد الترمذي رحمه الله بعده: اللهم اجعلني من التَّوَّابين، واجعلني من المتطهرين، يتوضأ فيُسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التَّوابين، واجعلني من المتطهرين، ويُصلي ركعتين، هذا من أسباب المغفرة: الوضوء والشَّهادة وصلاة الركعتين، كل هذه أسبابٌ للمغفرة.

...........

وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه أَنَّهُ تَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيْهِمَا نَفْسَهُ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.

فَقَدْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عَنْ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَرَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الْمُبِينُ مِنْ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مِنَ الذَّنْبِ يَنْفَعُ الْعَاصِينَ.

وَقَدْ قال عبدُالرزاق: أنبأنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بلغني أنَّ إبليس حين نزلت هذه الآية: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ الْآيَةَ [آل عمران:135] بَكَى.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا مُحْرِزُ بْنُ عَوْنٍ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَر: حَدَّثَنَا عَبْدُالْغَفُورِ، عَنْ أَبِي نَضرةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ.

............

عَنْ أَبِي بَكْرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالِاسْتِغْفَارِ، فَأَكْثِرُوا مِنْهُمَا، فَإِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ: أَهْلَكْتُ النَّاسَ بِالذُّنُوبِ، وَأَهْلَكُونِي بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالِاسْتِغْفَارِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ أَهْلَكْتُهُمْ بِالْأَهْوَاءِ، فَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ.

الشيخ: الأهواء يعني: البدع، أشغلهم بالبدع حتى لا يتوبوا، ويحسبون أنهم مُهتدون.

عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ وَشَيْخُهُ ضعيفانِ.

الشيخ: هذا يحتاج إلى تأمُّلٍ؛ لأنَّ أبا نضرةَ المعروف ..... ثقة، من رجال مسلم، وهذا يقول: نصيرة .....، حطّ عليه إشارة، يُراجع من جهة سنده ..... رواه عن أبي رجاء .....، أبو نضرة، أو أبو نصيرة، الذي عندنا: أبو نضرة، ثقة، معروف، وأبو نصيرة .....

مُداخلة: .............

الشيخ: ثقة، صارت العلّة من عثمان ومن شيخه، هذا مشهورٌ يذكرونه ..... عن الشَّيطان أنه قال: أهلكتُ بني آدم بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار. وهذا مهما كان -وإن ضعف سندُه- هو لا شكَّ أنَّه من نعم الله على العبد: أن يُكثر من الاستغفار والذكر، فالإكثار من الاستغفار والذكر لا شكَّ أنَّه من أسباب المغفرة، ومما يُحزن عدو الله الشيطان إذا صدر عن صدقٍ، وعن توبةٍ ..... هو دواء الذنوب: الذكر مع الاستغفار، والتوبة والندم، هذا هو الدَّواء، لكن الخبيث زيَّن للناس البدع التي يُصرّون عليها ويحسبون أنَّهم على شيءٍ .....

..........

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو ابْنِ أَبِي عَمْرٍو وَأَبِي الْهَيْثَمِ الْعُتْوَارِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ إِبْلِيسُ: يَا رَبِّ، وَعِزَّتِكَ لَا أَزَالُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ تعالى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي».

الشيخ: وهذا حقٌّ، سواء صحَّ الحديثُ أو لم يصحّ، هذا حقٌّ، فالخبيث حريصٌ على إغواء بني آدم بنصِّ القرآن؛ قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6]، فهو حريصٌ على إضلال الناس، والله جلَّ وعلا هو الغفور الرحيم، وعدهم بالمغفرة ما استغفروه: «فاستَغْفِرُوني أغفرْ لكم»، وفي الحديث الصحيح: «يا عبادي، كلكم ضالٌّ إلا مَن هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، إنَّكم تُخْطِئون بالليل والنَّهار، وأنا أغفر الذنوبَ جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم» رواه مسلمٌ.

فينبغي للمؤمن أن يكون عنده عناية بالاستغفار والتوبة، ويكون استغفارًا معه ندمٌ، معه إقلاعٌ، وعن صدقٍ، ما هو مجرد قول اللسان ..... يستغفر نادمًا، مُقْلِعًا، صادقًا، والله .....

............