تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}

وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۝ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ۝ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ۝ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ۝ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:169- 175].

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الشُّهَدَاءِ بِأَنَّهُمْ وَإِنْ قُتِلُوا فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ حَيَّةٌ مَرْزُوقَةٌ فِي دَارِ الْقَرَارِ.

قَالَ محمد بن جرير: حدَّثنا محمد بن مرزوق: حدَّثنا عمر بْنُ يُونُسَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ في أصحاب رسول الله ﷺ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ إِلَى أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ، قَالَ: لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ، وَعَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ الْجَعْفَرِيُّ، فَخَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَتَوْا غَارًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَاءِ فَقَعَدُوا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَهْلَ هَذَا الْمَاءِ؟ فَقَالَ –أُرَاهُ- ابْن مِلْحَانَ الْأَنْصَارِيّ: أَنَا أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى حَيًّا مِنْهُمْ فَاخْتَبَأَ أَمَامَ الْبُيُوتِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ بِئْرِ مَعُونَةَ، إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَآمِنُوا بالله ورسوله. فخرج إليه رجلٌ من كسر البيت برمحٍ، فضربه فِي جَنْبِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَاتَّبَعُوا أَثَرَهُ حَتَّى أَتَوْا أَصْحَابَهُ فِي الْغَارِ فَقَتَلَهُمْ أجمعين عامرُ بن الطُّفيل.

الشيخ: وهذا من الابتلاء والامتحان، حتى يتبين الصَّادق من الكاذب، وحتى يتبين أهلُ الصبر على طاعة الله من أهل الريب والاختلاف والضَّعف، جاءوهم يدعونهم إلى الله، ويُبلِّغونهم كلام الله ورسالة رسوله، فاستكبروا وقتلوهم ظلمًا وعدوانًا، فأنزل الله فيهم ما أنزل كما يأتي: أن بلِّغوا قومنا أنا قد لقينا ربَّنا فرضي عنا وأرضانا، وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، هذه الأرواح التي أُزهقت في سبيل الله هي عند ربها تُرزق، كما في الحديث الصَّحيح: أنَّ الله عوَّضهم عن أجسادهم طيورًا خضرًا تحمل أرواحهم إلى الجنّة، تسرح في ثمارها وأشجارها، ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش مُعلَّقة، حتى ترجع إلى أجسادها، فليبشّر أهل الإيمان، أهل الشَّهادة، وليصبروا، وليحتسبوا، فإنما هي مدّة يسيرة وتنتهي، ثم يجتمع أهلُ الإيمان في دار الكرامة، ويُساق أهل الكفر والعدوان إلى دار الهوان، دار الجحيم بما كسبت أيديهم، نسأل الله العافية.

مُداخلة: قال أحمد شاكر في حاشية الطبري: فقتلوهم أجمعين كما هو في التاريخ وسائر المراجع، وهو الصَّواب.

الشيخ: والذي عندك أيش هو؟

الطالب: فقتلهم عامرُ بن الطُّفيل.

الشيخ: المعنى واحد، فقتلهم عامرُ بن الطُّفيل، يعني: وجنوده، قتلهم واحدٌ عامر، فقتلوهم أجمعين.

مُداخلة: وكذلك قوله: أبو ملحان، والصواب: ابن ملحان، وهو حرام بن ملحان، أخو عدي بن النَّجار، وهو أخو أم سُليم امرأة أبي طلحة، والدة أنس بن مالك.

الشيخ: هذا أين؟

الطالب: في حاشية الطَّبري.

الشيخ: والذي في الطّبري أيش هو؟

الطالب: في الطَّبري: ابن ملحان الأنصاري.

الشيخ: والذي عندكم؟

الطالب: أبو ملحان.

الشيخ: صوابه: ابن ملحان، ابن ملحان هو الصّواب، أخو أم سُليم، نعم ابن ملحان بالنون، ابن.

قال: وَقَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ فِيهِمْ قُرْآنًا: بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ، ثم نُسخت فرُفعت بعدما قرأناها زمانًا، وأنزل الله تَعَالَى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.

وَقَدْ قَالَ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَاللَّهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ فَقَالُوا: أَيُّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا؟! فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْركُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى. فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لهم حاجة تُرِكُوا.

وقد روى نحوَه من حديث أَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ .

الشيخ: أو "رُوِيَ نحوه" محتمل، لعله: "رُوِيَ"، يعني: روى غيرُ مسلمٍ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا إِلَّا الشَّهِيدُ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى؛ لما يرى من فضل الشَّهادة. تفرَّد بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ.

الشيخ: في روايةٍ أخرى: يرجع فيُقتل عشر مرات؛ لما يرى من فضل الشَّهادة. الله أكبر، وتقدم في الحديث قوله ﷺ: لوددتُ أني أُقْتَلُ، ثم أُحْيَا، ثم أُقْتَل، ثم أُحْيَا، ثم أُقْتَل، ثم أُحْيَا، ثم أُقْتَل؛ لما في الشَّهادة من الفضل العظيم.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْمَدِينِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ السُّلَمِيُّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أعلمتَ أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاكَ، فَقَالَ لَهُ: تَمَنَّ عَلَيَّ. فَقَالَ لَهُ: أُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا فَأُقْتَلُ مرةً أخرى. قال: إِنِّي قَضَيْتُ الْحُكْمَ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ أَبَا جَابِرٍ -وَهُوَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ - قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: عَنْ شُعْبَةَ، عن ابن المنكدر: سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَبْكِي وَأَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ينهوني.

الشيخ: "ينهونني" أحسن، ما في جازم ولا ناصب: "ينهونني".

ينهونني، وَالنَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَنْهَ، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا تبكيه -أو ما تبكيه- ما زالت الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ.

الشيخ: كذا عندكم: لا، أو ما تبكيه؟

الطالب: في البخاري يا شيخ في الأصل: وقال النبيُّ ﷺ: لا تبكه، ما زالت الملائكةُ تُظلّه.

الشيخ: ونسخة الشَّعب؟

الطالب: لا تبكيه، أو ما تبكيه.

الطالب: عندي أحسن الله إليك: لا تبكه، أو ما تبكيه.

الشيخ: هو الأصل: تبكي، أو ما تبكي، ما زالت الملائكة ..... يعني: البكاء وعدمه لا حاجةَ إليه، ولا أثرَ له، فقد حصل له من الخير العظيم ما يُوجب السّلوان والعزى والسّرور؛ لمنزلته عند الله، والملائكة ما زالت تُظلّه بأجنحتها. حط نسخة: لا تبكه. نسخة مثلما في البخاري؛ لأنَّ تبكي أو ما تبكي أمرٌ معروفٌ، الرِّواية معروفة، سواء هذا أو هذا، ما زالت الملائكة .....، نعم.

وَقَدْ أَسْنَدَهُ هُوَ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَأَبْكِي. وَذَكَرَ تَمَامَهُ بِنَحْوِهِ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ.

الشيخ: صلّحها: ابن إسحاق، وقد صرَّح بالسَّماع.

حَدَّثَنَا أَبِي، عَن أبي إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ وَمَأْكَلِهِمْ، وَحُسْنَ مقيلهم قَالُوا: يَا لَيْتَ إِخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ اللَّهُ لَنَا؛ لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَنْكُلُوا عَنِ الْحَرْبِ. فَقَالَ اللَّهُ : أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عنكم. فأنزل الله هذه الْآيَاتِ: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وما بعدها.

مُداخلة: في "المسند": وحُسن مُنقلبهم.

الشيخ: حطّها نسخة: مُنقلبهم.

الطالب: في أبي داود و"المستدرك": وحُسن مقيلهم.

الشيخ: تصير روايةً: المنقلب، والمقيل.

الطالب: عن ابن إسحاق، قرأ الشيخُ عمر عن أبي إسحاق.

الشيخ: وفي "المسند"؟

الطالب: ابن إسحاق.

الشيخ: نعم، صلِّحها: ابن إسحاق، وقد صرَّح بالسَّماع.

الطالب: عن عمرو.

الشيخ: إسماعيل بن عمرو بن أمية معروف، أيش عندكم في "التقريب".

هكذا رواه أَحْمَدُ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. فَذَكَرَهُ، وَهَذَا أَثْبَتُ.

وَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي حَمْزَةَ وَأَصْحَابِهِ: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.

ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يخرجاه.

وكذلك قَالَ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ وَالضَّحَّاكُ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَتْلَى أُحُدٍ.

مُداخلة: قال في نسخة: الأزهر، عن أبي سفيان.

..........

الشيخ: إسماعيل.

الطالب: إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية، الأموي، ثقة، ثبت، من السادسة، مات سنة أربع وأربعين، وقيل قبلها. (ع).

الشيخ: ابن عمرو .....

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْمَدِينِيُّ: أَنْبَأَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ الْفَاكِهِ الْأَنْصَارِيُّ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ خِرَاشِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ خِرَاشِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: نَظَرَ إِلَيَّ رسولُ الله ﷺ ذات يومٍ فقال: يا جابر، ما لي أَرَاكَ مُهْتَمًّا؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي وَتَرَكَ دَيْنًا وَعِيَالًا. قَالَ: فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ؟ مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَإِنَّهُ كَلَّمَ أَبَاكَ كفاحًا. قال علي: الكفاح: المواجهة. قال: سَلْنِي أُعْطِكَ، قال: أسألك أن أُرَدَّ إِلَى الدُّنْيَا فَأُقْتَلَ فِيْكَ ثَانِيَةً، فَقَالَ الرَّبُّ : إنَّه قد سَبَقَ مِنِّي الْقَوْلُ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ قوله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا الْآيَةَ.

ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بن سليمان بن سليط الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ بِهِ نَحْوَهُ.

وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" مِنْ طريق علي بن الْمَدِينِيِّ بِهِ.

وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَهُوَ عِيسَى بْنُ عَبْدِالله -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِجَابِرٍ: يَا جَابِرُ، أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ قَالَ: بَلَى، بَشَّرَكَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ. قَالَ: شَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاكَ.

مُداخلة: في نسخة مضبوطة: "شعرتُ".

الشيخ: محتمل، محتمل.

فَقَالَ: تَمَنَّ عَلَيَّ عَبْدِي مَا شِئْتَ أُعْطِكَهُ. قَالَ: يَا رَبِّ، مَا عَبَدْتُكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، أَتَمَنَّى عَلَيْكَ أَنْ تَرُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا فَأُقَاتِلَ مَعَ نَبِيِّكَ وَأُقْتَلَ فِيْكَ مَرَّةً أُخْرَى. قَالَ: إِنَّهُ سَلَفَ مِنِّي أَنَّهُ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُ.

الشيخ: يعني: الإنسان، يعني: الإنسان أو الميت.

مُداخلة: قال: واستشهد أبي وترك دَيْنًا وعيالًا. كيف يُجمع بينه وبين حديث: أنَّ المسلمَ يُوقَف حتى يُقضى عنه دَيْنُه؟

ج: لا منافاة، يعني: يهتمّ بقضاء الدَّين، المقصود -إن صحَّ الخبرُ- معناه أنَّه مهتمٌّ بالدَّين هذا الهمّ، يحرص على قضاء دَيْنِه، مع ما وراءه من البنات، يعني: جابر مهتمّ .....، وحديث: "نفس المؤمن مُعلَّقة بدَينه" لا يُنافي هذا، يدل على أنَّه تجب العناية بهذا، والحرص على قضاء الدَّين.