الشيخ: وهذا يُبين لنا عظم شأن الغلول والخيانة، وأنَّ خطرها عظيم: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161]، ومَن استُعمِل على شيءٍ من أمر المسلمين -في جباية زكاةٍ أو خراجٍ أو غير ذلك- فالواجب عليه أن يُؤدِّي القليل والكثير، المخيط وما فوقه، فما أُعطي منه أخذ، وما نُهي عنه انتهى، ومتى كتم شيئًا فهو غلولٌ يأتي به يوم القيامة، فالواجب الحذر.
وهكذا مَن كان على مال يتيمٍ، أو على أموالٍ أخرى وُكِّلَ عليها ليحذر الكتمان والغلول والخيانة، وليأتِ بالقليل والكثير، وليتَّقِ الله ولينصح، فما جُعِلَ له أخذه، وما نُهِيَ عنه انتهى، والله يقول سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، والأمانة تشمل الأمانات الدِّينية: كالتوحيد، والصلاة، والزكاة، وغير ذلك، وتشمل الأمانات الدُّنيوية: من ديون، وأمانات الودائع، والرهون، وغير ذلك مما يكون عند الإنسان مُؤتمنٌ عليه من بيت المال، أو من الأيتام، أو من الفقراء، أو لغيرهم من الناس، قال جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27]، وقد وصف أهل الإيمان بقوله سبحانه: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8]، وعظَّم شأنها فقال سبحانه: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72].
فالواجب على كل مؤمنٍ أن يُحاسِب نفسَه لأداء حقِّ الله، وهو أعظم الأمانات، وحقّ العباد أيضًا، فيُخلص لله في أعماله، وليصدق في أعماله، وليُؤدِّها كما شرع الله تامَّةً كاملةً، وليحذر ما حرَّم اللهُ عليه في أداء الأمانة، سواء رآه الناس أم لم يراه الناس، يُحاسِب نفسه، ويتَّقي الله في كل شيءٍ من الفرائض بالفعل لها، والقيام بها على الوجه الأكمل، وترك ما حرَّم الله، في غاية الحذر، مع العناية بحقوق العباد، والحذر من الخيانة فيها، والغشّ فيها في المعاملات وغيرها.
الطالب: منبوذ -بنون ساكنة، وموحدة مضمومة، وآخره معجمة- ابن أبي سليمان، المكي، يقال: اسمه سليمان، ومنبوذ لقبه، مقبول، من السادسة. (س).
الشيخ: انظر الفضل بن عبيدالله.
الطالب: الفضل بن عبيدالله ابن أبي رافع، المدني، مقبول، من السابعة. (س).
عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ رُبَّمَا ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَيَتَحَدَّثُ مَعَهُمْ حتى ينحدر المغرب.
قال أبو رافع: فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُسْرِعًا إِلَى الْمَغْرِبِ إِذْ مَرَّ بِالْبَقِيعِ فَقَالَ: أُفٍّ لَكَ، أُفٍّ لَكَ مَرَّتَيْنِ، فَكَبُرَ فِي ذَرْعِي.
الشيخ: لعله: "كبُر" يعني: عظم الأمرُ عليه، خشي أنَّه يُريده، حطّها نسخة: "فكبر في ذرعي" يعني: عظم بي الأمر، وظنَّ أنه يُريده بقوله: أُفٍّ لك، أُفٍّ لك، وهو يُريد صاحبَ القبر.
س: في ذرعي؟
ج: يعني: في قلبي ونفسي.
س: ما تكون مُصحَّفةً عن: "روعي"؟
ج: لا، لا، ذرعي .....
الشيخ: الحديث فيه انقطاع؛ لأنَّ الفضل ما أدرك أبا رافعٍ جدّه، ومنبوذ هذا مقبول، لكن الغلول معروف من الآية والأدلة الأخرى، نسأل الله العافية، صاحب الشَّملة ..... الحديث الصَّحيح، نعم، والغلول صاحبه متوعَّد بالنار، نسأل الله العافية.
الطالب: ربيعة بن ناجد الأزدي الكوفي، يقال: هو أخو أبي صادق الراوي عنه، ثقة، من الثانية. (س، ق).
عبيدة بن الأسود بن سعيد الهمداني، الكوفي، صدوق، ربما دلَّس، من الثامنة. (ت، ق).
الشيخ: يحتاج إلى تأمُّلٍ، سنده يحتاج إلى تأمُّلٍ، لكن الغلولَ معروفٌ، الغلول وشرّه، والخمس معروف أنَّه لله ولرسوله، كما بيَّن جلَّ وعلا في كتابه العظيم، وولي الأمر يتصرَّف فيه بالمصالح العامَّة.
مُداخلة: الشيخ ناصر قال: هذا إسنادٌ جيدٌ. وذكر له أربعة شواهد، قال: هو حسنٌ، بل صحيحٌ بها.
الشيخ: إيه معك؟
الطالب: قال: أخرجه عبدالله بن أحمد، والضياء في "المختارة"، وابن ماجه عن عبدالله بن سالم المفلوج: حدَّثنا عبيدة بن الأسود، عن القاسم بن الوليد، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد، عن عبادة بن الصامت مرفوعًا. قلت: وهذا إسنادٌ جيدٌ، رجاله ثقات غير ربيعة هذا، فقد وثَّقه الحافظُ فقط تبعًا لابن حبان، لكن رواه أحمدُ وابنُ عساكر من طريق المقدام بن معديكرب: حدَّثنا عُبادة بن الصَّامت. ورواه أحمد من طريقٍ آخر عن أبي سلام، عن أبي أمامة الباهلي، عن عُبادة بن الصَّامت بنحوه، وله عن عبادة طرقٌ أخرى، وشاهدٌ من حديث ابن عمر يأتي عقب هذا، فالحديث بذلك حسنٌ على أقلّ الدَّرجات، بل هو صحيحٌ. ثم تكلَّم عن هذه الشَّواهد.
الشيخ: يحتاج إلى تأمُّلٍ، ابن عبيدة هذا والذي قبله مُدلِّس، وقد عنعن، يحتاج إلى تأمُّلٍ، الغالب فيه ليس فيه ..... بنصِّ القرآن: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41] نصّ الآية .....، ولكن معناه إذا صحَّ يعني: يتصرّف فيه كما أمره اللهُ، ليس معناه أنَّه له من حيث الذَّات فقط، بل من حيث التَّصرف الشَّرعي الذي أوحاه الله إليه، ولكن مع هذا فيه نظر، أعد متنه: عن عبادة بن الصَّامت؟
الشيخ: شواهده ظاهرة في الصحّة، ما عدا كلمة: ليس لي فيه إلا مثل ما لأحدكم، إلا أنها تُحمل على المعنى المعروف المتقدم، وهو أنَّ الذي له فيه على وجه المصلحة والتَّصرف في المصالح.
س: ما تكون فيه نكارة؟
ج: من جهة هذه الكلمة التي في أوله، والباقي معروف، شواهده معروفة.
س: ...............؟
ج: ليس لهم أن يأخذوا إلا ما أعطاهم ولي الأمر، مثلما قال النبي ﷺ: ما أُعْطِيتُم فخذوا، وما لا فلا، ليس لهم الغلول.
حَدِيثٌ آخَرُ: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: رُدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ، فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عن مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي الْجَهْمِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَاعِيًا، ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ أَبَا مَسْعُودٍ، لَا أَلْفَيَنَّكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَجِيءُ عَلَى ظَهْرِكَ بَعِيرٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ لَهُ رُغَاءٌ قَدْ غَلَلْتَهُ، قَالَ: إِذن لَا أَنْطَلِقُ. قَالَ: إِذن لَا أُكْرِهُكَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.
س: الشَّنار أيش معناه؟
ج: الله أعلم، راجع كتب اللّغة.