تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ..}

وَقَوْلُهُ: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11].

قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَوْلُهُ: فَوْقَ زَائِدَةٌ، وَتَقْدِيرُهُ: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً اثْنَتَيْنِ، كَمَا في قوله: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ [الأنفال:12]. وَهَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، لَا هُنَا، وَلَا هُنَاكَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ زَائِدٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ.

ثُمَّ قَوْلُهُ: فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا قَالُوهُ لَقَالَ: فَلَهُمَا ثلثا مَا تَرَكَ. وَإِنَّمَا اسْتُفِيدَ كَوْنُ الثُّلُثَيْنِ لِلْبِنْتَيْنِ مِنْ حُكْمِ الْأُخْتَيْنِ فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ فِيهَا لِلْأُخْتَيْنِ بِالثُّلُثَيْنِ، وَإِذَا وَرِثَ الأختان الثلثين فلأن يرث البنتان الثلثين بالطريق الْأَولَى.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَكَمَ لِابْنَتَيْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بِالثُّلُثَيْنِ، فَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11]، فلو كان للبنتين النصفُ لنصَّ عليه أيضًا، فَلَمَّا حَكَمَ بِهِ لِلْوَاحِدَةِ عَلَى انْفِرَادِهَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْبِنْتَيْنِ فِي حُكْمِ الثَّلَاثِ، وَاللَّهُ أعلم.

الشيخ: وهذا الذي قاله المؤلفُ هو الذي عليه أهلُ العلم، قوله جلَّ وعلا: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ يعني: اثنتين فما فوق، فسَّرتها آيةُ الإخوة في آخر السّورة، فإنَّه أعطى الثِّنتين من الأخوات الثُّلثين، وهذا يُفسّر ما يتعلق بالبنات؛ لأنهنَّ من باب أولى، وهكذا أعطى البنت النِّصف، ولم يذكر البنتين؛ فعُلم أنَّهما كالثلاثة، وهكذا ما في حديث سهل بن الربيع؛ ولهذا استقرَّ أهلُ العلم على أنَّ البنتين تُعطيان الثلثين كالأُختين، وهكذا ما زاد من البنات والأخوات –أربع، عشر- إذا كثرن ليس لهنَّ إلا الثلثان، والواحدة لها النِّصف.

وقوله تعالى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:11] إلى آخره، الأبوان لهما في الإرثِ أَحْوَالٌ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَجْتَمِعَا مَعَ الْأَوْلَادِ، فَيُفْرَضُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ إِلَّا بِنْتٌ وَاحِدَةٌ فُرِضَ لَهَا النِّصْفُ، وَلِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، وَأَخَذَ الْأَبُ السُّدُسَ الْآخَرَ بِالتَّعْصِيبِ، فَيُجْمَعُ لَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بين الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ.

الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَنْفَرِدَ الْأَبَوَانِ بِالْمِيرَاثِ، فَيُفْرَضُ لِلْأُمِّ الثلث وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وأخذ الأب الْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ الْمَحْضِ، وَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ ضِعْفَي مَا حصل لِلْأُمِّ، وَهُوَ الثُّلُثَانِ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا -وَالْحَالَةُ هَذِهِ- زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ؛ أَخَذَ الزَّوْجُ النِّصْفَ، وَالزَّوْجَةُ الرُّبُعَ.

ثُمَّ اخْتَلَفَ العلماءُ: ماذا تَأْخُذُ الْأُمُّ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهَا تَأْخُذُ ثُلُثَ الْبَاقِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ كَأَنَّهُ جَمِيعُ الْمِيرَاثِ بالنسبة إليهما، وقد جعل اللَّهُ لَهَا نِصْفَ مَا جَعَلَ لِلْأَبِ، فَتَأْخُذُ ثلثَ الباقي، ويأخذ الأبُ ثُلثيه. هذا قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ، وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ العلماء.

والثاني: أَنَّهَا تَأْخُذُ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11]، فَإِنَّ الْآيَةَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ أَوْ لَا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ نَحْوُهُ، وَبِهِ يَقُولُ شُرَيْحٌ وداود الظَّاهري، واختاره أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ اللَّبَّانِ الْبَصْرِيُّ فِي كِتَابِهِ "الْإِيجَازُ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ".

وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ؛ لأنَّ ظاهرَ الآية إنما هو إذا استبدَّا بجميع التركة، وأمَّا هنا فَيَأْخُذُ الزَّوْجُ أَوِ الزَّوْجَةُ الْفَرْضَ، وَيَبْقَى الْبَاقِي كَأَنَّهُ جَمِيعُ التَّرِكَةِ، فَتَأْخُذُ ثُلُثَهُ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا تَأْخُذُ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ في مسألة الزَّوجة خاصةً، فَإِنَّهَا تَأْخُذُ الرُّبُعَ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَأْخُذُ الْأُمُّ الثُّلُثَ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، فَيَبْقَى خَمْسَةٌ لِلْأَبِ.

وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ فَتَأْخُذُ ثُلُثَ الْبَاقِي؛ لِئَلَّا تَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنَ الْأَبِ لَوْ أَخَذَتْ ثُلُثَ الْمَالِ، فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ستةٍ: للزَّوج النِّصف ثلاثة، وللأم ثلث الباقي بعد ذلك، وَهُوَ سَهْمٌ، وَلِلْأَبِ الْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ سهمان.

ويُحكى هذا عن ابن سيرين، وهو قولٌ مُرَكَّبٌ مِنَ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَينِ، مُوَافِقٌ كُلًّا مِنْهُمَا فِي صُورَة،ٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْحَالُ الثَّالِثُ مِنْ أَحْوَالِ الْأَبَوَيْنِ: وهو اجتماعهما مع الإخوة، سواء كَانُوا مِنَ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ مِنَ الْأَبِ، أَوْ مِنَ الْأُمِّ، فَإِنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ شَيْئًا، وَلَكِنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ، فَيُفْرَضُ لَهَا مَعَ وُجُودِهِمُ السُّدُسُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ سِوَاهَا وَسِوَى الْأَبِ أَخَذَ الْأَبُ الْبَاقِي. وَحُكْمُ الْأَخَوَيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ كَحُكْمِ الْإِخْوَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

الشيخ: وهذا معناه أنَّهم يحجبونها وهم محجوبون، وهذا هو الحجب بالشَّخص، وأما الحجب بالوصف فوجوده كعدمه، فلو وُجِدَ إخوةٌ أرقّاء، أو قاتلون، أو مُخالفون للدِّين لا يُعتبرون، تُعطى الثلث، لكن وجود إخوة حجبهم الأبُ، فإنَّهم يحجبونها أيضًا؛ لأنَّهم إخوةٌ وارثون في المعنى لولا وجود الحاجب ومَن هو أولى منهم، وهو الأب؛ فتُعطى السدس.

فإذا هلك هالكٌ عن أمٍّ وأخوين وأبٍ، فالمسألة من ستةٍ: للأم السّدس، والباقي للأب، والإخوة محجوبون بالأب، وهكذا في مسألة العُمريتين الصَّواب ما عليه الجمهور؛ تُعطى الزوجة الربع، والزوج النصف، والأم تُعطى الباقي -ثلث الباقي- لأنَّه مالٌ مُستقلٌّ.

وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ -مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: إِنَّ الْأَخَوَيْنِ لَا يَرُدَّانِ الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ، فَالْأَخَوَانِ لَيْسَا بِلِسَانِ قَوْمِكَ إِخْوَةٌ. فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا أَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَ مَا كَانَ قَبْلِي وَمَضَى فِي الْأَمْصَارِ وَتَوَارَثَ بِهِ النَّاسُ.

وَفِي صِحَّةِ هَذَا الْأَثَرِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ شُعْبَةَ هَذَا تَكَلَّمَ فِيهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَلَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَذَهَبَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ الْأَخِصَّاءُ بِهِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْهُمْ خِلَافُهُ.

وَقَدْ رَوَى عَبْدُالرَّحْمَنِ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: الْأَخَوَانِ تُسَمَّى إِخْوَةٌ.

وَقَدْ أَفْرَدْتُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جُزْءًا عَلَى حِدَةٍ.

الشيخ: ويدلّ على أنَّ الإخوةَ يُطلق على الاثنين قوله تعالى: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:176]، سمَّاهم: إخوة، وأقلّهم اثنان، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:11]، فدخل في الآية الذكر والأنثى، الأخ والأخت: فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ، وقال في آخر الآية: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً [النساء:176]، هذا اللَّفظ ينطبق على الاثنين والثلاثة، وهم إخوة أيضًا بنصِّ القرآن.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ الْمُغِيرَةِ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ نحوه.

قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ أَضَرُّوا بِالْأُمِّ وَلَا يَرِثُونَ، وَلَا يَحْجُبُهَا الْأَخُ الْوَاحِدُ مِنَ الثُّلُثِ، وَيَحْجُبُهَا مَا فَوْقَ ذَلِكَ.

وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا حجبوا أُمَّهم عن الثُّلُثِ أَنَّ أَبَاهُمْ يَلِي إِنْكَاحَهُمْ، وَنَفَقَتهُ عَلَيْهِمْ دُونَ أُمِّهِمْ. وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ، لَكِنْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ السُّدُسَ الَّذِي حَجَبُوهُ عَنْ أُمِّهِمْ يَكُونُ لَهُمْ. وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي "تَفْسِيرِهِ" فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السُّدُسُ الَّذِي حَجَبَتْهُ الْإِخْوَةُ الأُمَّ لَهُمْ، إِنَّمَا حَجَبُوا أُمَّهُمْ عَنْهُ لِيَكُونَ لَهُمْ دُونَ أَبِيهِمْ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهَذَا قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ.

وَقَدْ حَدَّثَنِي يُونُسُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْكَلَالَةُ: مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ.

الشيخ: وهذا كما تقدم الذي عليه أهلُ العلم مثلما قال المؤلفُ: السّدس لها، والباقي للأب، وليس للإخوة شيءٌ، والله هو الحكيم العليم جلَّ وعلا فيما شرع، وقد يكون السدسُ الزائدُ يستعين به الأبُ على نفقتهم، ويكون في نفقاته الأخرى، وربُّك هو الحكيم العليم جلَّ وعلا، فالأب هو المسؤول عن كلِّ نفقاتهم ونفقاتها، إن كانت زوجةً فقد أعطاها السّدس مع الأب والإخوة، فيكون جميع الخمسة الأسداس للأب كما هو عليه أهلُ العلم.

س: .............؟

ج: هذا الذي عليه أهلُ العلم: مَن لا ولدَ له ولا والد ذكر –يعني: لا أب ولا جدّ- ولهذا ..... في الكلالة ما تُعطى الأخت النِّصف، ولا يرث الإخوة لأم، وإنما يرثون إن كانت كلالة ليس فيها أبٌ ولا جدٌّ ولا ولدٌ لا ابنٌ ولا ابنُ ابنٍ ولا بنتٌ ولا بنتُ ابنٍ، وهكذا الإخوة الأشقاء والأخوات لا يرثون مع عدم الكلالة إذا كان الموجودُ أبًا أو جدًّا على الصَّحيح .....، أو ذكور من الأولاد، وإنما يرثون الفاضلَ بعد البنات إذا كانوا أشقاء أو لأبٍ، ولا يُفرض للأخوات مع الولد مطلقًا، وإنما قد يرث بالتَّعصيب كما هو معروفٌ، فإنَّ الأخوات يرثن تعصيبًا مع البنات أو بنات الابن.

وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11] أجمع العلماءُ من السَّلف والخلف على أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَذَلِكَ عِنْدَ إِمْعَانِ النَّظَرِ يُفْهَمُ مِنْ فَحْوَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.

وقد روى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَصْحَابُ التَّفَاسِيرِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْأَعْوَرِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قال: إنَّكم تقرؤون: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ، وإنَّ رسولَ الله ﷺ قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، وَإِنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ، يَرِثُ الرَّجُلُ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، دُونَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ.

ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الحارث، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

قُلْتُ: لَكِنْ كَانَ حَافِظًا لِلْفَرَائِضِ، مُعْتَنِيًا بِهَا وَبِالْحِسَابِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: وهذا محل إجماعٍ، وإن كان الحارثُ الأعورُ ضعيفًا، لكن هذا محلّ إجماعٍ، الدليل مُقدَّم، الوصية تكون بعد الدَّين مثلما في حياته ليس له أن يتصدَّق إلا بعد الدَّين، الدَّين مُقدَّمٌ، فليس له أن يُوصي إلا بعد الدَّين، فيخرج الدَّين أولًا ثم الوصية.

س: .............؟

ج: لعله أقرب؛ لأنَّ ابن إسحاق ما أظنّه أدرك الحارث، وإنما المراد: أبو إسحاق السَّبيعي، هو الأقرب.

............

الطالب: الحارث بن عبدالله الأعور، الهمْداني -بسكون الميم- الحُوتي -بضم المهملة وبالمثناة فوق- الكوفي، أبو زهير، صاحب عليٍّ، كذَّبه الشَّعبي في رأيه، ورُمِيَ بالرَّفض، وفي حديثه ضعفٌ، وليس له عند النَّسائي سوى حديثين، مات في خلافة ابن الزبير، وهو من الثانية.

الشيخ: .............

وَقَوْلُهُ: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا [النساء:11] أَيْ: إِنَّمَا فَرَضْنَا للآباء والأبناء، وَسَاوَيْنَا بَيْنَ الْكُلِّ فِي أَصْلِ الْمِيرَاثِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَعَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي ابتداء الإسلام من كون المال للولد، وللأبوين الْوَصِيَّةُ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَى هَذَا، فَفَرَضَ لِهَؤُلَاءِ وَلِهَؤُلَاءِ بِحَسَبِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَأْتِيهِ النَّفْعُ الدُّنْيَوِيُّ أَوِ الْأُخْرَوِيُّ أَوْ هُمَا مِنْ أَبِيهِ مَا لَا يَأْتِيهِ مِنِ ابْنِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بالعكس؛ ولذا قَالَ: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا أَيْ: كَأَنَّ النَّفْعَ مُتَوَقَّعٌ وَمَرْجُوٌّ مِنْ هَذَا، كَمَا هُوَ مُتَوَقَّعٌ وَمَرْجُوٌّ مِنَ الآخر؛ فلهذا فرضنا لهذا وهذا، وَسَاوَيْنَا بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ فِي أَصْلِ الْمِيرَاثِ، وَاللَّهُ أعلم.

وقوله: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:11] أي: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَفْصِيلِ الْمِيرَاثِ وَإِعْطَاءِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ هُوَ فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ حَكَمَ بِهِ وَقَضَاهُ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، الَّذِي يَضَعُ الْأَشْيَاءَ فِي مَحَالِّهَا، وَيُعْطِي كلًّا ما يستحقّه بحسبه؛ وَلِهَذَا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:11].

الشيخ: هو العليم الحكيم فيما يقضي ويقدر، وفيما يشرع سبحانه وتعالى عن علمٍ في مواضع الأمور وحقائقها، وعن حكمةٍ في وضعها مواضعها سبحانه؛ لأنَّه العليم الحكيم في كل شيءٍ جلَّ وعلا؛ ولهذا قال بعد هذا: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا؛ لأنَّه يشرع ويقدر عن علمٍ وحكمةٍ، لا عن جهلٍ، ولا عن سفهٍ .

س: .............؟

ج: كان في الجاهلية، ثم نسخ الله ذلك، كان في أول الإسلام ثم نُسخ ذلك.

س: .............؟

ج: الجدّ أبٌ على الصَّحيح يحجب الإخوة.