تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (2)

وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي الْمُؤَذِّنِينَ وَفِي غَيْرِهِمْ، فَأَمَّا حَالُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْأَذَانُ مَشْرُوعًا بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ، وَالْأَذَانُ إِنَّمَا شُرِعَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ حِينَ أُرِيهِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عبدربِّه الأنصاري فِي مَنَامِهِ، فَقَصَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُلْقِيَهُ عَلَى بلالٍ ؛ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي موضعه.

فالصَّحيح إذن أَنَّهَا عَامَّةٌ كَمَا قَالَ عَبْدُالرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الآية: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33]، فَقَالَ: هَذَا حَبِيبُ اللَّهِ، هَذَا وَلِيُّ اللَّهِ، هَذَا صَفْوَةُ اللَّهِ، هَذَا خِيرَةُ اللَّهِ، هَذَا أَحَبُّ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَى اللَّهِ، أَجَابَ اللَّه فِي دَعْوَتِهِ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى مَا أَجَابَ اللَّه فِيهِ مِنْ دَعْوَتِهِ، وَعَمِلَ صَالِحًا فِي إِجَابَتِهِ: وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا خَلِيفَةُ الله.

الشيخ: وعلى رأسهم الرسل، على رأس هذه الآية هم الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم علماء الحقّ ودُعاة الهدى.

وقوله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ أَيْ: فَرْقٌ عَظِيمٌ بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [فصلت:34] أَيْ: مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ فَادْفَعْهُ عَنْكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ : مَا عَاقَبْتَ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِيكَ بِمِثْلِ أَنْ تُطِيعَ اللهَ فيه.

وقوله : فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34]، وَهُوَ الصَّدِيقُ، أَيْ: إِذَا أَحْسَنْتَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ قَادَتْهُ تِلْكَ الْحَسَنَةُ إِلَيْهِ إِلَى مُصَافَاتِكَ وَمَحَبَّتِكَ وَالْحُنُوِّ عَلَيْكَ؛ حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ لَكَ حَمِيمٌ أَيْ: قَرِيبٌ إِلَيْكَ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَيْكَ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْكَ.

ثُمَّ قَالَ : وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا أَيْ: وَمَا يقبل هذه الوصية وَيَعْمَلُ بِهَا إِلَّا مَنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَشُقُّ عَلَى النُّفُوسِ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35] أَيْ: ذُو نَصِيبٍ وَافِرٍ من السَّعادة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

قَالَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَمَرَ اللَّهُ المؤمنين بالصَّبر عِنْدَ الْغَضَبِ، وَالْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ، وَالْعَفْوِ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ: كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.

الشيخ: لأنَّ الصَّبر على الأذى صعبٌ على النفوس، فإذا رزق اللهُ العبدَ الصَّبرَ والحلمَ، وقابل السَّيئةَ بالحسنةِ فهذا فضلٌ عظيمٌ من الله جلَّ وعلا؛ ولهذا قال سبحانه: وَمَا يُلَقَّاهَا يعني: هذه الوصية وهذا التَّوجيه إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، ما كل أحدٍ يقوى بنفسه أن يُقابل الإساءةَ بالإحسان، بل الغالب على النفوس مُقابلة الإساءة بأكثر وأشدّ، لكن مَن وفَّقه الله ورحمه وبصَّره قابلها بالعفو والصَّفح والصَّبر والتَّحمّل، حتى يكون المسيئ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وبهذا تكثر الخيرات، وتزول الشَّحناء، وتحلّ المودّة بدل العداوة بسبب هذا الصَّبر وهذا الإحسان وهذه المجازاة.

وقوله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [فصلت:36] أَيْ: إِنَّ شَيْطَانَ الْإِنْسِ رُبَّمَا يَنْخَدِعُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، فَأَمَّا شَيْطَانُ الْجِنِّ فَإِنَّهُ لَا حِيلَةَ فِيهِ إِذَا وَسْوَسَ إِلَّا الِاسْتِعَاذَة بِخَالِقِهِ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَيْكَ، فَإِذَا اسْتَعَذْتَ بِاللَّهِ وَلَجَأْتَ إِلَيْهِ كَفَّهُ عَنْكَ وَرَدَّ كَيْدَهُ.

الشيخ: والمعنى أنَّ شياطين الإنس فيهم حيلة بالصَّبر والتَّحمل والإحسان إليهم، لكن شيطان الجنِّ لا حيلةَ فيه إلا التَّعوذ بالله؛ لأنَّه عدو عظيم، لا يسرّه إلا هلاكك وإلا إيقاعك في كلِّ ما يضرّك، فلا حيلةَ فيه إلا باللُّجوء إلى الله والتَّعوذ بالله من شرِّه، والحذر من مكائده، وعدم طاعته في المعصية.

وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْمَقَامَ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ عند قوله تَعَالَى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ۝ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:199- 200]، وَفِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ قَوْلِهِ: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ۝ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ۝ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون:96- 98].

الشيخ: المقصود أنَّ المؤمنَ ينبغي له أن يتحرَّز من عدو الله بالاستعاذة بالله من الشَّيطان، وبالحذر من مكائده في المعاصي التي يكيد بها، فالحذر من المعاصي من أسباب السَّلامة من مكائده، والتَّعوذ بالله من الشَّيطان، والإلحاح في ذلك، والصِّدق؛ من أسباب السَّلامة أيضًا.

س: حديث تقييد مغفرة الله للمُؤذنين بثلاثٍ، هل هو صحيحٌ؟

ج: يحتاج إلى تأمُّلٍ.

س: المسابقات في العلم التي فيها جوائز ماليَّة؟

ج: إذا كان فيها بحثٌ، أعطى كذا في بحث كذا أو كذا؛ هذه من باب الجعالة، أو المسابقات التي على حسب الأرقام: مَن وافق رقم كذا، من دون عملٍ، هذه مسألة القمار، لكن إذا كان عملٌ: سؤالات عن نصوصٍ، عن معلومات، مَن قدَّم فيها بحثٌ يُعْطَى كذا، لا بأس، من دون أن يقدّم دراهم؛ فإنَّه ما يكون قمارًا، أمَّا أن يُقدّم دراهم ويأخذ دراهم فهذا قمار، لكن إذا كان مَن قدَّم بحثًا في كذا يُعطى جائزة كذا، ومَن قدَّم بحثًا في كذا يُعطى جائزة كذا، هذا من باب الجعالة.

س: بعضهم .......؟

ج: المقصود إذا كان من باب الأجرة، ما هو من باب المقامرة؛ لا بأس.

س: المسابقات في الأسئلة، ثم يقولون: مَن أجاب الإجابة الصَّحيحة فله جائزة. وبعضهم ينقل من بعضٍ .....؟

ج: محل نظرٍ، لكن فيه تشجيعٌ على العلم، مَن أجاب على الأسئلة الجوابَ الصَّحيح، هذا جعلٌ من باب الجعالة، ما هو من باب القمار.

س: حديث .......؟

ج: لا بأس به، جيد، والأفضل أن يكون مُتبرِّعًا، أو من بيت المال، أو بالأوقاف، أمَّا كونه استأجر كذا وكذا فتركه أولى، ما نهى عنه النبيّ قال: لا يأخذ أجرًا. ولم يقل: لا تأخذوا. لكن الأفضل للمُؤذن أنَّه ما يأخذ أجرًا.