تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}

وقال أَبُو عُبَيْدٍ في "الْغَرِيبِ".

الشيخ: هو أبو عبيد القاسم بن سلام، له كتاب "الغريب"، غير أبي عُبيدة معمر بن المثنَّى، إذا أُطلق أبو عبيد يعني: القاسم بن سلام، له كتاب "الغريب".

حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أمية، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عُمَرَ: أَنَّ غُلَامًا ابْتَهَرَ جَارِيَةً فِي شِعْرِهِ، فَقَالَ عُمَرُ : انْظُرُوا إِلَيْهِ. فَلَمْ يُوجَدْ أَنْبَتَ، فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ابْتَهَرَهَا أَيْ: قَذَفَهَا، وَالِابْتِهَارُ أَنْ يَقُولَ: فَعَلْتُ بِهَا، وَهُوَ كَاذِبٌ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَهُوَ الِابْتِيَارُ، قَالَ الْكُمَيْتُ فِي شعره: [المتقارب]

قَبِيحٌ بِمِثْلِي نَعْتُ الفَتَاةِ إِمَّا ابْتِهَارًا وَإِمَّا ابتيارًا

وقوله : فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6].

قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْنِي صَلَاحًا فِي دِينِهِمْ، وَحِفْظًا لِأَمْوَالِهِمْ.

وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ.

وَهَكَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: مَتَى بَلَغَ الْغُلَامُ مُصْلِحًا لِدِينِهِ وَمَالِهِ انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ، فَيُسَلَّمُ إِلَيْهِ مَالُهُ الَّذِي تَحْتَ يَدِ وَلِيِّهِ بِطَرِيقِهِ.

وَقَوْلُهُ: وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [النساء:6] يَنْهَى تَعَالَى عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى مِنْ غَيْرِ حاجةٍ ضروريَّةٍ، إِسْرَافًا وَبِدَارًا أي: مُبادرة قَبْلَ بُلُوغِهِمْ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ [النساء:6] مَنْ كَانَ فِي غُنْيَةٍ عَنْ مَالِ الْيَتِيمِ فليستعفف عنه، ولا يأكل منه شيئًا.

وقال الشَّعْبِيُّ: هُوَ عَلَيْهِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ. وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:6].

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْأَشَجُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ نَزَلَتْ فِي مَالِ الْيَتِيمِ.

وَحَدَّثَنَا الْأَشَجُّ وَهَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن عائشة: وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ نَزَلَتْ فِي وَالِي الْيَتِيمِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ وَيُصْلِحُهُ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ.

وَحَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي وَالِي الْيَتِيمِ. وقوله: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ بِقَدْرِ قِيَامِهِ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ بِهِ.

الشيخ: إسحاق بن راهويه عن عبدالله بن نمير المعروف.

قَالَ الْفُقَهَاءُ: لَهُ أَنْ يَأْكُلَ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ: أُجْرَةَ مِثْلِهِ، أَوْ قَدرَ حَاجَتِهِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَرُدُّ إِذَا أَيْسَرَ؟

الشيخ: "هل يردّ" يعني: هل يقضي ما عليه؟ ما أكل يعني.

عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ، وَكَانَ فَقِيرًا. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ أَبَاحَتِ الأكلَ من غير بدلٍ.

الشيخ: هذا هو الصَّواب: أنَّه يأكل بالمعروف الشَّيء الذي لا يُجحف مالَ اليتيم، ولا يضرّه، متعارف بقدر تعبه وعمله؛ ولهذا قال: بِالْمَعْرُوفِ يعني: بالمتعارف الذي لا يضرّ اليتيم، والأحوط أنَّ القاضي يضرب له، قاضي البلد يضرب له شيئًا مُعينًا؛ حتى لا يتجاوزه، من باب الحيطة لمال اليتيم، والحيطة للولي أيضًا إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك، أمَّا إذا كان الوليُّ لا يحتاج إليه، ويُحبّ أن تكون أعمالُه كلّها تطوعًا فالحمد لله.

قال أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَهَّابِ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جدِّه: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: لَيْسَ لِي مَالٌ وَلِي يَتِيمٌ؟ فَقَالَ: كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ، وَلَا مُبَذِّرٍ، وَلَا مُتَأَثِّلٍ مَالًا، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ تَقِيَ مَالَكَ -أَوْ قَالَ: تَفْدِيَ مَالَكَ- بِمَالِهِ، شَكَّ حُسَيْنٌ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ: حَدَّثَنَا حُسَيْن الْمُكْتِبُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ.

الشيخ: انظر حسين المكتب في "التقريب"، أو في "الخلاصة".

إِنَّ عِنْدِي يَتِيمًا عِنْدَهُ مَالٌ، وليس لي مالٌ، آكُلُ مِنْ مَالِهِ؟ قَالَ: كُلْ بِالْمَعْرُوفِ غَيْرَ مُسْرِفٍ.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حسين المعلم.

وروى ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِيمَ أَضْرِبُ يَتِيمِي؟ قَالَ: مَا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ، غَيْرَ وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِهِ، وَلَا مُتَأَثِّلٍ مِنْهُ مَالًا.

الشيخ: وهذا شيءٌ قد يغلط فيه بعضُ الناس من جهة اليتيم؛ من جهة تأديبه، في هذا الحديثِ يضربه مما يضرب منه ولده -يعني: يُؤدِّبه- اليتيم يُؤدَّب إذا فعل ما يقتضي التَّأديب، لا يُترك يعبث، مثلما تُؤدِّب ولدك تُؤدِّب اليتيم؛ حتى يخرج أديبًا جيدًا صالحًا، لا يتساهل معه لأنَّه يتيم، لا، يُمنع مما لا ينبغي، ويُؤمَر بما ينبغي؛ يُؤمَر بالصَّلاة، ويُؤمَر بالأخلاق الفاضلة، ويُمنع من الأشياء التي منع منها أولاده، أو أنَّه يظنّ أنَّ اليتيم يُرحم ولو عبث، ولو فعل ما يُوجب التَّأديب تركه رحمةً له، هذا غلطٌ، بل يُلاحَظ ويُؤدَّب ويُعلَّم ويُوجَّه كما تُعلم ولدك أو أشدّ.

الطالب: الحسين بن ذكوان المعلم، المكتب، العَوذي -بفتح المهملة وسكون الواو بعدها مُعجمة- البصري، ثقة، ربما وهم، من السادسة، مات سنة خمسٍ وأربعين. (الجماعة).

الشيخ: طيب، نعم.

س: ..............؟

ج: تُراجع المحكمة، تُراجع المحكمة حتى تُعين لك النّصف أو الثلث أو الربع، هذا هو الأحوط، وإن كان في بلادكم عرفٌ ماشٍ بالنّصف، بالثلث، فأنت مثلهم في مال اليتيم، لكن مُراجعة الحاكم، إذا كان من باب المحكمة يكون أحوط؛ حتى تأخذ الشَّيء الذي يضربه لك الحاكم: بالنصف، بالثمن، بالربع، والحاكم ينظر في الغالب في البلد: إذا كانوا يتَّجرون بالنّصف فبالنّصف، أو يتَّجرون بالثّلث فبالثلث، وهكذا.

س: صحّة حديث جابرٍ هذا صحيحٌ؟

ج: ما ذكر أول السَّند، وفيه يعلى بن مهدي هذا، انظر يعلى بن مهدي، بكل حالٍ سواء صحَّ السَّند أو ما صحَّ السَّند الواجب على ولي اليتيم أن يجتهد في إصلاحه؛ لأنَّه مأمورٌ بالإصلاح، عليه أن يجتهد في إصلاح اليتيم، ويعمل ما يرجو به صلاحه، هذا هو الواجب عليه، ولا يتساهل معه لأنَّه يتيم.

...........

الشيخ: حطّ عليه نسخة: معلى.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنَّ فِي حِجْرِي أَيْتَامًا، وَإِنَّ لَهُمْ إِبِلًا، وَلِي إِبِلٌ، وَأَنَا أَمْنَحُ من إِبِلِي الفُقَرَاء، فَمَاذَا يَحِلُّ لِي مِنْ أَلْبَانِهَا؟ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَبْغِي ضَالَّتَهَا، وَتَهْنَأُ جَرْبَاهَا، وَتَلُوطُ حَوْضَهَا، وَتَسْقِي عَلَيْهَا؛ فَاشْرَبْ غَيْرَ مُضِرٍّ بِنَسْلٍ، وَلَا نَاهِكٍ فِي الْحَلْبِ.

وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي "مُوَطَّئِهِ" عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ.

وَبِهَذَا الْقَوْلِ -وَهُوَ عَدَمُ أَدَاءِ الْبَدَلِ- يَقُولُ عَطَاءُ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.

وَالثَّانِي: نَعَمْ؛ لِأَنَّ مَالَ الْيَتِيمِ عَلَى الْحَظْرِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ، فَيَرُدُّ بَدَلَهُ: كَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ لِلْمُضْطَرِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ.

الشيخ: وهذا القول ضعيفٌ، القول بأنَّه يردّ ما أكل بالمعروف قولٌ ضعيفٌ مخالفٌ لظاهر القرآن الكريم، ومخالفٌ للقواعد الشَّرعية؛ لأنَّه أخذه بحقٍّ، وهو القائم عليه، والعامل في مصلحته، فإذا أخذه لأنَّه ضربه له وليُّ الأمر، أو لأنَّه فقيرٌ وأخذه بالمعروف؛ فلا يردّ شيئًا.

وَقَدْ قال ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا ابْنُ خَيْثَمَةَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ وَإِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عن حارثةَ بن مضرب قال: قال عُمَرُ : إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ هَذَا الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي الْيَتِيمِ؛ إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ، وَإِنِ احْتَجْتُ اسْتَقْرَضْتُ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ قَضَيْتُ.

الشيخ: هذا في صحّته نظر؛ أولًا من جهة أبي إسحاق وعنعنته، والثاني من جهة حارثة: هل سمع من عمر أم لا؟ ثم لو صحَّ هذا من باب الاحتياط، من باب الورع، وإلا فلولي الأمر أن يأخذ من بيت المال حاجته، لا مسرفًا، ولا مُقترًا، مثلما قال جلَّ وعلا: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [الفرقان:67]، وقال سبحانه: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ [الإسراء:29]، هو مثل ولي اليتيم يأكل؛ لأنَّه قائمٌ بالعمل، بل أعظم من ولي اليتيم؛ يأكل حاجته، ويأخذ حاجته ومصلحته، من غير إسرافٍ، ولا تبذيرٍ.

طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البراءِ قال: قال عُمَرُ : إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي الْيَتِيمِ؛ إِنِ احْتَجْتُ أَخَذْتُ مِنْهُ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ رَدَدْتُهُ، وَإِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ. إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.

الشيخ: هذا جيدٌ إذا كان أبو إسحاق سمع من البراء.

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:6] يَعْنِي: الْقَرْضَ.

قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عُبَيْدَةَ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ نَحْوُ ذَلِكَ.

وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قَالَ: يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ.

ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ: حَدَّثَنَا ابنُ مهديٍّ، عن سُفْيَانَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قَالَ: يأكل من ماله، يقوت على نفسه حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إِلَى مَالِ الْيَتِيمِ.

قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ فِي إحدى الرِّوايات والحكمِ نَحْوُ ذَلِكَ.

الشيخ: والحكم يعني: ابنَ عُتيبة.

وَقَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: لَا يَأْكُلْ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ كَمَا يُضْطَرُّ إلى الْمَيْتَةِ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَضَاهُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حدَّثنا نَافِعُ ابْنُ أَبِي نُعَيْمٍ الْقَارِئُ قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ وَرَبِيعَةَ عَنْ قَوْلِ الله تعالى: وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ الآية، فقالا: ذَلِكَ فِي الْيَتِيمِ؛ إِنْ كَانَ فَقِيرًا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ فَقْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ مِنْهُ شَيْءٌ. وَهَذَا بَعِيدٌ مِنَ السِّيَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ يَعْنِي: مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا أَيْ: مِنْهُمْ فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ أَيْ: بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ [الأنعام:152] أي: لا تقربوه إلا مُصلحين له، فإِنِ احْتَجْتُمْ إِلَيْهِ أَكَلْتُمْ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ.

وَقَوْلُهُ: فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ يَعْنِي: بَعْدَ بُلُوغِهِمُ الْحُلُمَ، وإيناسكم الرُّشدَ منهم، فحينئذٍ سلِّموا إليهم أَمْوَالَهُمْ، فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ، وهذا أمرٌ من اللَّهِ تَعَالَى لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُشْهِدُوا عَلَى الْأَيْتَامِ إِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ وَسَلَّمُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ؛ لِئَلَّا يَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ جُحُودٌ وَإِنْكَارٌ لِمَا قَبَضَهُ وَتَسَلَّمَهُ.

ثُمَّ قَالَ: وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا أَيْ: وَكَفَى بِاللَّهِ مُحَاسِبًا وَشَهِيدًا وَرَقِيبًا عَلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي حَالِ نَظَرِهِمْ لِلْأَيْتَامِ، وَحَالِ تَسْلِيمِهِمْ لِلْأَمْوَالِ، هَلْ هِيَ كَامِلَةٌ مُوَفَّرَةٌ، أَوْ مَنْقُوصَةٌ مَبْخُوسَةٌ؟

الشيخ: وهذا من رحمته ؛ أرشد عباده إلى ما فيه مصلحة الجميع، فالأولياء أُرشِدوا إلى الإحسان والعناية بأموال اليتامى، ثم أُرشِدوا إلى ما فيه خلاصهم، وهو أن يُسلِّموا الأموالَ إلى الأيتام، مع الإشهاد؛ حتى لا يرجع اليتيمُ ويدَّعي أنَّه ما تسلَّم ماله، وتقع الخصومات، مثلما قال تعالى: وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [البقرة:282]، وقال تعالى: إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، فهو سبحانه يأمر العباد بما فيه مصالحهم، فالكتابة في الدَّين، والإشهاد في البيع، والإشهاد على الأيتام، كل هذا من مصالح العباد، ومن حفظ أموالهم، ومن أسباب قلّة النِّزاع والخصومات.

الطالب: نافع بن عبدالرحمن ابن أبي نعيم القارئ، المدني، مولى بني ليث، أصله من أصبهان، وقد يُنسَب لجدِّه، صدوق، ثبت في القراءة، من كبار السابعة، مات سنة تسعٍ وستين.

الشيخ: ..........

س: ..............؟

ج: لا، هذا قولٌ ضعيفٌ، كونه إذا استغنى يردّ ما أخذه من مال اليتيم هذا قولٌ ضعيفٌ مثلما بيَّن المؤلفُ، إذا أكل بالمعروف فلا يردّ شيئًا.

مُرَوَّجٌ حِسَابُهَا، مُدَلَّسٌ أُمُورُهَا؟ اللَّهُ عَالِمٌ بِذَلِكَ كُلِّهِ؛ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ على اثنين، ولا تَلِيَنَّ مالَ يتيمٍ، والله أعلم.

س: .............؟

ج: هذا فيه تفصيلٌ؛ إذا كانت زكاة يُخرجها في وقتها في أصنافها، في أهلها، أمَّا إذا كانت غير زكاةٍ ..... فيها أهلها ليُنفقها في وجوه البرِّ، ينظر ما هو الأصلح، يُعطي اليتيم قدر حاجته، ويُعطي الفقير الأجير، ومن وجوه الخير الأخرى، ويحرص على تعجيلها وعدم حبسها؛ حتى يصل الثَّوابُ إلى أهلها مُعجَّلًا، وحذرًا من الحوادث والموانع والقواطع، يعمل بما هو أصلح.

س: .............؟

ج: لا، يعني: أعطوه ليقوم بكفالة اليتيم؟

س: اذا اعطوه مال أيتام على أن يضعه في مصرف ما وبدا له أن يضعه في مصرف أخر هل له ذلك.

ج: لا يُغير شيئًا على ما قيل له؛ لأنَّه وكيلٌ مُفوَّضٌ، فليس له أن يُغير.