تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (4)

حَدِيثٌ آخَرُ: فِيهِ التَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، قَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هريرة مرفوعًا.

قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رِشْدِينَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ ابْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ ابْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ، أَلَا تَسْأَلُونِي عَنْهُنَّ؟ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.

وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، وَرَفْعُهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ.

وَالصَّوَابُ مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ المنتصر: حَدَّثَنَا يَزِيدُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ ابْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِنِّي لَفِي هَذَا الْمَسْجِدِ -مَسْجِدِ الْكُوفَةِ- وَعَلِيٌّ يَخْطُبُ النَّاسَ على المنبر يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، الْكَبَائِرُ سَبْعٌ. فَأَصَاخَ النَّاسُ، فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ لَا تَسْأَلُونِي عَنْهَا؟ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا هِيَ؟ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.

فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ، التَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، كَيْفَ لَحِقَ هَاهُنَا؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ، وَمَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُهَاجِرَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا وَقَعَ سَهْمُهُ فِي الْفَيْءِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، خَلَعَ ذَلِكَ مِنْ عُنُقِهِ، فَرَجَعَ أَعْرَابِيًّا كَمَا كَانَ!

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حدَّثنا هشامٌ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ -يَعْنِي شَيْبَانَ- عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: أَلَا إنَّما هنَّ أربعٌ: ألَّا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بالحقِّ، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْرِقُوا، قَالَ: فَمَا أَنَا بِأَشَحَّ عَلَيْهِنَّ مِنِّي إِذْ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.

الشيخ: كل هذا مثلما تقدم إخبارٌ عن بعض الكبائر للتَّحذير منها: تارةً كذا، وتارةً كذا، وهي كبائر كثيرة، لكن في بعض الأحيان يذكر كذا، وفي بعض الأحيان يذكر كذا، على حسب المقام للتَّحذير.

حَدِيثٌ آخَرُ: تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ دَاوُدَ ابْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ.

وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ.

حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أمامة: أنَّ أناسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ ذَكَرُوا الْكَبَائِرَ وَهُوَ مُتَّكِئٌ، فَقَالُوا: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَفِرَارٌ مِنَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ، وَالْغُلُولُ، وَالسِّحْرُ، وَأَكْلُ الرِّبَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَأَيْنَ تَجْعَلُونَ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا [آل عمران:77] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَهُوَ حَسَنٌ.

ذِكْرُ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ:

قَدْ تَقَدَّمَ ما رُوِيَ عن عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي ضِمْنِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عونٍ، عن الحسنِ: أنَّ أناسًا سَأَلُوا عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرٍو بِمِصْرَ فَقَالُوا: نرى أشياء من كتاب الله أمر أن يُعمل بها لا يُعْمَلُ بِهَا، فَأَرَدْنَا أَنْ نَلْقَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ. فَقَدِمَ وَقَدِمُوا مَعَهُ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ فَقَالَ: مَتَى قَدِمْتَ؟ فَقَالَ: مُنْذُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: أَبِإِذْنٍ قَدِمْتَ؟ قَالَ: فَلَا أَدْرِي كَيْفَ رَدَّ عَلَيْهِ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ نَاسًا لَقَوْنِي بِمِصْرَ فَقَالُوا: إنَّا نرى أشياء في كِتَابِ اللَّهِ أَمَرَ أَنْ يُعْمَلَ بِهَا فَلَا يُعْمَلُ بِهَا، فَأَحَبُّوا أَنْ يَلْقَوْكَ فِي ذَلِكَ. قال: فاجمعهم لِي. قَالَ: فَجَمَعْتُهُمْ لَهُ.

قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: أَظُنُّهُ قَالَ: فِي بَهْوٍ، فَأَخَذَ أَدْنَاهُمْ رَجُلًا فقال: أنشدك بِاللَّهِ وَبِحَقِّ الْإِسْلَامِ عَلَيْكَ، أَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي نَفْسِكَ؟ فقال: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: وَلَوْ قَالَ: نَعَمْ، لَخَصَمَهُ. قَالَ: فَهَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي بَصَرِكَ؟ فَهَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي لَفْظِكَ؟ هَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي أَمْرِكَ؟ ثُمَّ تَتَبَّعَهُمْ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهِمْ. قَالَ: فَثَكِلَتْ عُمَرَ أُمُّهُ، أَتُكَلِّفُونَهُ أَنْ يُقِيمَ النَّاسَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ؟! قَدْ عَلِمَ رَبُّنَا أَنَّهُ سَتَكُونُ لَنَا سَيِّئَاتٌ. قَالَ: وَتَلَا: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ الآية [النساء:31]. ثُمَّ قَالَ: هَلْ عَلِمَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، أَوْ قَالَ: هَلْ عَلِمَ أَحَدٌ بِمَا قَدِمْتُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: لَوْ عَلِمُوا لَوَعَظْتُ بِكُمْ.

إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَمَتْنٌ حَسَنٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رِوَايَةِ الحسن، عَنْ عُمَرَ، وَفِيهَا انْقِطَاعٌ، إِلَّا أَنَّ مِثْلَ هَذَا اشْتُهِرَ، فَتَكْفِي شُهْرَتُهُ.

الشيخ: هذا فيه نظرٌ؛ لأنَّ الانقطاعَ واضحٌ بين الحسن وبين عمر، والمتن فيه غرابة ونكارة؛ فإنَّ مقصودهم -إن صحَّ مقصودهم- أنَّ هناك مُنكرات في مصر لم يُنْهَ عنها، أو لم يُقْضَ عليها من جهة أمير مصر، فإنها فُتِحَتْ في آخر عهد عمر في سنة عشرين، وهم جاءوا للتَّذكير والنَّصيحة، فيبعد جدًّا أن يُقابلهم عمرُ بهذه المقابلة.

وعلَّته الانقطاع، السند إلى الحسن جيد، والمقصود -إذا صحَّ على محملٍ حسنٍ- أنها أشياء خفيَّة أو دقيقة، ليست من الكبائر كما أشار ..... إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ من هذه الأشياء التي ذكروها من الصَّغائر لو صحَّ.

س: يُحمل على غير الكبائر إن صحَّ؟

ج: أنهم شهدوا أشياء من الصَّغائر يعني.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ -يَعْنِي الزُّبَيْرِيَّ- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ جُوَيْنٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَالسِّحْرُ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَفِرَاقُ الْجَمَاعَةِ، وَنَكْثُ الصَّفْقَةِ.

وَتَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ .

وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ. وَالْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ –كِلَاهُمَا- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْكَبَائِرُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى ثَلَاثِينَ آيَةً مِنْهَا.

وَمِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمِ ابْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْكَبَائِرُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى ثَلَاثِينَ آيَةً مِنْهَا. ثُمَّ تَلَا: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ الْآيَةَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْمُنْذِرُ بْنُ شَاذَانَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَمَنْعُ فُضُولِ الْمَاءِ بَعْدَ الرِّيِّ، وَمَنْعُ طُرُوقِ الْفَحْلِ إِلَّا بِجُعْلٍ.

وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ.

الشيخ: ..... لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ، كما في الحديث الآخر: لا تمنعوا فضلَ الماء لتمنعوا به فضلَ الكلأ، معناه أنَّه يمنع الناس من الشّرب من الماء الذي عنده؛ مخافةَ أن يرعوا عنده، يأتوا بدوابهم ويرعوا حوله، فيمنع هذا وهذا، والواجب السَّماح بهذا وهذا، ولا يجوز منع فضل الماء، ولا منع فضل الكلأ، كلاهما، المسلمون إخوة.

وَفِيهِمَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ يَمْنَعُهُ ابْنَ السَّبِيلِ وذكر تمام الحديث.

وَفِي "مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ" مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: مَنْ مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ وَفَضْلَ الْكَلَأ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَنْبَةَ الْوَاسِطِيُّ: حَدَّثَنَا أبو أحمد، عن سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا أُخِذَ عَلَى النِّسَاءِ مِنَ الْكَبَائِرِ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: يَعْنِي قوله تعالى: عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ [الممتحنة:12].

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا قَالَ: لَمْ أَرَ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ رَبِّنَا تعالى، لَمْ نَخْرُجْ لَهُ عَنْ كُلِّ أَهْلٍ وَمَالٍ. ثم سكت هنيهةً، ثم قال: والله لما كلفنا من ذلك تجاوز لنا عمَّا دون الكبائر، وَتَلَا: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ الْآيَةَ.

الشيخ: رحمه الله، أجاد في جمع الآثار والأحاديث رحمه الله، أجاد وأفاد جزاه الله خيرًا.

س: كيف يكون ..... من الكبائر؟

ج: هذا يُروى في الحديث الصَّحيح: أنَّ رسول الله نهى عن عسب الفحل، نهى عن بيع ضِراب الفحل، ما يجوز أنَّ الإنسان يبيعه ويمنعه، إذا احتجتَ إلى أخيك، إلى بعيره يضرب ناقتك، أو ثورَه يضرب بقرتك، أو تيسَه يضرب عنزك، ما يجوز أن يمنعك؛ لأنَّ هذه من الأمور التي بين المسلمين يتعاطون فيها بدون ثمنٍ، أما كونه من الكبائر ..... هو ممنوع لا يجوز، الرسول نهى عن هذا عليه الصلاة والسَّلام.

س: والذين يأخذون عليه الأجرة؟

ج: ما يجوز، يُعلَّمون.

س: الاكتفاء بشهرة الحديث ولو كانت فيه علّة؟

ج: ما هو بصحيحٍ، ما تكفي الشّهرة، ما تكفي، لا بدَّ من سندٍ صحيحٍ أو حسنٍ، كلام المؤلف في هذا فيه نظر رحمه الله.

س: التَّعرب ما المقصود به؟

ج: يرجع للبادية، بعدما استقرَّ في الهجرة يرجع إلى البادية، هذا إذا كان من غير علَّةٍ، أمَّا إذا كان لعلَّةٍ فلا بأس، مثلما في الحديث الصَّحيح: يقول ﷺ: يُوشِك أن يكون خيرَ مالِ المرء المسلم غنمٌ يتبع بها شَعف الجبال ومواقع القَطْر، يفرّ بدينه من الفتن، إذا كانت البلادُ فيها فتنٌ وشرورٌ، ورأى أنَّ خروجَه إلى الشِّعاب أفضل خرج؛ للحديث الصَّحيح: سُئل النبيُّ: أيّ الناس أفضل؟ قال: مؤمنٌ مجاهدٌ في سبيل الله، قيل: ثم أي؟ قال: مؤمنٌ في شعبٍ من الشِّعاب يعبد الله ويدع الناسَ من شرِّه، رواه البخاري، إذا خرج من غير علَّةٍ هذا ..... التَّحذير، واعتباره كبيرة.

س: تفسير علي بن أبي طالب بأنَّ المقصود إذا جاء الجهادُ رجع إلى الأعراب؟

ج: المقصود يعني: إذا استقرَّ مع المسلمين وخرج، إن صحَّ معناه: أنَّه صار مع المجاهدين، وصار يُسْهَم له في بيت المال، ثم يترك ذلك ويخرج: إمَّا جُبْنًا وخورًا، وإمَّا لأسبابٍ أخرى.

.............

تقدَّم لنا أننا سمعنا روايات كثيرة في الكبائر، وأنَّ الحزمَ والحيطة للمؤمن أن يحذر كلَّ ما نهى الله عنه، كل معصيةٍ يحذرها؛ أولًا: لأنَّ الله نهى عنها، ولأنَّها شرٌّ. ثانيًا: لأنَّها قد تكون كبيرةً وهو لا يشعر، فتكون سببًا في عدم قبول توبته، وعدم سلامته من العذاب إذا مات على حاله ولم يتب، فالحزم هو أن يحذر السَّيئات كلها؛ لأنَّ الله نهى عنها، ولأنها خطيرة، قد تكون كبيرةً وهو لا يظنّها كبيرةً؛ فتكون سببًا لدخوله النار وعدم العفو عنه، فإنَّ أهل الكبائر مُعرَّضون للوعيد، وكثيرٌ منهم يدخل النارَ ويُعذَّب، وربما طال مقامه فيها.

فالعاقل والحازم الذي يُحبّ نفسه ونجاتها يحذر كلَّ ما نهى الله عنه، ويبتعد عن كلِّ ما يعلم أنَّ الله نهى عنه؛ أولًا: لأنَّ الله نهى عنه، ولأنَّه شرٌّ، نقصٌ في إيمانه. ثانيًا: قد يكون أيضًا كبيرةً وهو لا يشعر، يحسب أنها صغيرة.

وفي هذا المعنى يقول ﷺ: ما نهيتُكم عنه فاجتنبوه، هذا عامٌّ في الصَّغائر والكبائر، والله يقول جلَّ وعلا في كتابه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].