تفسير قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ..}

قال ابنُ عبدالبر النَّمري رحمه الله في كتاب "الِاسْتِذْكَارِ": إِنَّمَا كَنَّى قَبِيصَة بْن ذُؤَيْبٍ عَنْ علي بن أبي طالب لِصُحْبَتِهِ عَبْدَالْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، وَكَانُوا يَسْتَثْقِلُونَ ذِكْرَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ .

ثم قال أبو عمر: حدَّثني خلف بن أحمد قِرَاءَةً عَلَيْهِ: أَنَّ خَلَفَ بْنَ مُطَرِّفٍ حَدَّثَهُمْ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَسَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ الْمُقْرِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ: حَدَّثَنِي عَمِّي إِيَاسُ بْنُ عَامِرٍ قال: سألتُ عليَّ بن أبي طالبٍ فَقُلْتُ: إِنَّ لِي أُخْتَيْنِ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينِي، اتَّخَذْتُ إِحْدَاهُمَا سُرِّيَّةً فَوَلَدَتْ لِي أَوْلَادًا، ثُمَّ رَغِبْتُ فِي الْأُخْرَى، فَمَا أَصْنَعُ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ : تَعْتِقُ الَّتِي كُنْتَ تَطَأُ، ثُمَّ تَطَأُ الْأُخْرَى. قُلْتُ: فَإِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: بَلْ تُزَوِّجُهَا ثُمَّ تَطَأُ الْأُخْرَى. فَقَالَ عَلِيٌّ: أَرَأَيْتَ إِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، أَلَيْسَ تَرْجِعُ إِلَيْكَ؟ لَأَنْ تَعْتِقَهَا أَسْلَمُ لَكَ.

ثُمَّ أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِي فَقَالَ لِي: إِنَّهُ يحرم عليك مما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْحَرَائِرِ إِلَّا الْعَدَدَ. أَوْ قَالَ: إِلَّا الْأَرْبَعَ، وَيَحْرُمُ عَلَيْكَ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ النَّسَبِ.

ثُمَّ قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا الْحَدِيثُ رِحْلَةٌ، لَوْ لَمْ يُصِبِ الرَّجُلُ مِنْ أقصى المغرب أو المشرق إِلَى مَكَّةَ غَيْرَهُ لَمَا خَابَتْ رِحْلَتُهُ.

قُلْتُ: وقد رُوِيَ عن عليٍّ نحو ما رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حدَّثنا محمدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العباس: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمُخَرِّمِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ غَزْوَانَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: حَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَأَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ. يَعْنِي الْأُخْتَيْنِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُحَرِّمْهُنَّ عَلَيَّ قَرَابَتِي مِنْهُنَّ، وَلَا يُحَرِّمْهُنَّ عَلَىَّ قَرَابَةُ بَعْضِهِنَّ مِنْ بَعْضٍ -يَعْنِي: الْإِمَاءَ- وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ يُحَرِّمُونَ مَا تُحَرِّمُونَ إِلَّا امْرَأَةَ الْأَبِ وَالْجَمْعَ بَيْنَ الأُختين، فلمَّا جاء الإسلامُ أنزل اللَّهُ: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ [النساء:22]، وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:23] يَعْنِي: فِي النِّكَاحِ.

ثُمَّ قَالَ أَبُو عُمَرَ: رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَحْرُمُ مِنَ الْإِمَاءِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْحَرَائِرِ إِلَّا الْعَدَدَ. وعن ابن مسعودٍ والشَّعبي نحو ذلك.

الشيخ: يعني: إلا العدد، فلا بأس أن يتسرَّى عددًا كثيرًا، أكثر من أربعٍ، لكن لا يجمع بين المرأة وعمَّتها، ولا بين المرأة وأختها، ولا بين المرأة وبنتها، أي: لا يطأهما جميعًا.

قال أبو عمر: وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ عُثْمَانَ عَنْ طَائِفَةٍ من السَّلف منهم ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتُلِفَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَالْحِجَازِ، ولا العراق، وَلَا مَا وَرَاءَهُمَا مِنَ الْمَشْرِقِ، وَلَا بِالشَّامِ، وَلَا الْمَغْرِبِ، إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ، وَنَفْيِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ تَرَكَ مَنْ يَعْمَلُ ذَلِكَ مَا اجْتَمَعْنَا عَلَيْهِ.

وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْوَطْءِ، كَمَا لَا يَحِلُّ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ.

وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ على أنَّ معنى قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ [النساء:23] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ: أَنَّ النِّكَاحَ وَمِلْكَ الْيَمِينِ فِي هَؤُلَاءِ كُلِّهِنَّ سَوَاءٌ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ نَظَرًا وَقِيَاسًا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَأُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبِ، وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ، وَهُمُ الْحُجَّةُ الْمَحْجُوجُ بِهَا مَنْ خَالَفَهَا وَشَذَّ عَنْهَا.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24] أي: وحرم عليكم من الْأَجْنَبِيَّاتِ الْمُحْصَنَاتُ، وَهُنَّ الْمُزَوَّجَاتُ، إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ يَعْنِي: إِلَّا مَا مَلَكْتُمُوهُنَّ بِالسَّبْيِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَكُمْ وَطْؤُهُنَّ إِذَا اسْتَبْرَأْتُمُوهُنَّ، فَإِنَّ الْآيَةَ نزلت في ذلك.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ -هُوَ الثَّوْرِيُّ- عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَصَبْنَا نِسَاءً مِنْ سَبْيِ أَوْطَاسَ، وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَكَرِهْنَا أَنْ نَقَعَ عَلَيْهِنَّ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ ﷺ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، فاستحللنا بها فُرُوجَهُنَّ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، عَنْ هُشَيْمٍ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ. ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ أشعث بن سوّاري، عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ.

الشيخ: والمعنى: بعد الاستبراء، السَّبايا يُستبرأنَ: الحامل حتى تضع، وغير الحامل حتى تحيض حيضةً؛ لأنَّ سبيهنَّ قطع صلتهنّ بأزواجهنَّ؛ ولهذا قال سبحانه: وَالْمُحْصَنَاتُ يعني: والمزوَّجات مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ يعني: بالسَّبي، فإنَّها تُستبرأ بحيضةٍ إن كانت حائلًا، أو بوضع الحمل إن كانت حاملًا، أمَّا التي تُشترى ..... تبقى على عصمة زوجها حتى يُطلِّقها زوجُها؛ لقصة بريرة.

س: والتي لا تحيض، كالصَّغيرة في السَّبايا؟

ج: شهر، مدّتها شهر، والآيسة كذلك.

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ –كِلَاهُمَا- عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ صَالِحِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. فَذَكَرَهُ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الخليل، عن أبي سعيدٍ الخدريِّ بِهِ.

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ أبي سعيدٍ الخدري. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَصَابُوا سَبَايَا يَوْمَ أَوطَاسَ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَكَأَنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَفُّوا وَتَأَثَّمُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَّ، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24].

وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. زَادَ مُسْلِمٌ: وَشُعْبَةُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى. ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ نحوه. وقال الترمذي: هذا حديثٌ حَسَنٌ، وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا ذَكَرَ أَبَا عَلْقَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا مَا ذَكَرَ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ -كَذَا قَالَ- وَقَدْ تَابَعَهُ سَعِيدٌ وَشُعْبَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ من حديث الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي سَبَايَا خَيْبَرَ. وَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ.

وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ يَكُونُ طَلَاقًا لَهَا مِنْ زَوْجِهَا؛ أخذًا بعموم هَذِهِ الْآيَة.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ مُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْأَمَةِ تُبَاعُ وَلَهَا زَوْجٌ، قَالَ: كَانَ عَبْدُاللَّهِ يَقُولُ: بَيْعُهَا طَلَاقُهَا. وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24].

وَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ وَمُغِيرَةَ، وَالْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: بَيْعُهَا طَلَاقُهَا. وَهُوَ مُنْقَطِعٌ.

الشيخ: لأنَّ إبراهيم ما أدرك ابنَ مسعودٍ، إبراهيم من صغار التَّابعين، وهو إبراهيم النَّخعي، لم يُدرك ابنَ مسعودٍ، فهو منقطعٌ، والصَّواب أنَّ بيعها لا يكون طلاقًا لها، ولا فسخًا لها، بل تبقى على عصمة زوجها حتى يُفارقها بطلاقٍ أو فسخٍ بمسوغٍ شرعيٍّ؛ لقصة بريرة أنها بِيعت وبقيت في عصمة زوجها حتى عتقت، نعم.

س: سبي المشركات .....؟

ج: من باب أولى أنَّه لا بدَّ من استبرائهنَّ بحيضةٍ، أو وضع الحمل إن كانت حاملًا؛ لئلا يجمع ماءين.

ورواه سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا بِيعَتِ الْأَمَةُ وَلَهَا زَوْجٌ فَسَيِّدُهَا أَحَقُّ بِبُضْعِهَا.

وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إِنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ وَابْنَ عَبَّاسٍ قَالُوا: بَيْعُهَا طَلَاقُهَا.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: طَلَاقُ الْأَمَةِ سِتٌّ: بَيْعُهَا طَلَاقُهَا، وَعِتْقُهَا طَلَاقُهَا، وَهِبَتُهَا طَلَاقُهَا، وَبَرَاءَتُهَا طَلَاقُهَا، وَطَلَاقُ زَوْجِهَا طَلَاقُهَا.

الشيخ: هذه خمسٌ؟

الطالب: ذكر حاشيةً: قوله: "ستّ" المعدود خمسٌ، فلتُحرر الرواية.

الشيخ: هذا فيه نظر، والصواب أنه لا يكون طلاقًا: لا بيعها، ولا هبتها، ولا عتقها، وإنما طلاقها طلاق زوجها إذا كانت غير مسبِيَّة، أما المسبيَّة فلها اختصاصٌ؛ سبيُها طلاقٌ لها بالنص، وأمَّا إذا أعتقها فليس طلاقًا لها، ولكن تُستبرأ، تصير حرَّةً، وله أن يعتقها، ويجعل عتقَها صداقها، لا يكون طلاقًا، نعم، كما فعل النبيُّ بصفية؛ النبي أعتق صفيةَ وجعل عتقَها صداقها، تزوَّجها، ولم يكن عتقُها فراقًا لها.

وَقَالَ عَبْدُالرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: قَوْلُهُ: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ، قَالَ: هُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ، حَرَّمَ اللَّهُ نِكَاحَهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يمينُك، فبيعها طلاقها.

قال مَعْمَرٌ: وَقَالَ الْحَسَنُ مِثْلَ ذَلِكَ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عن الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ قَالَ: إِذَا كَانَ لَهَا زوجٌ فبيعها طلاقها.

الشيخ: هؤلاء الذين قالوا: "بيعها طلاقها" خفيت عليهم قصة بريرة، لم تكن على بالهم؛ فلهذا عملوا بالظاهر، ومَن أنكر ذلك فعنده النص.

وروى عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ: بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا، وَبَيْعُهُ طلاقها.

فهذا قول هؤلاء من السَّلف، وَقَدْ خَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا؛ فَرَأَوْا أَنَّ بيعَ الأمة ليس طلاقًا لها؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ نَائِبٌ عَنِ الْبَائِعِ، وَالْبَائِعُ كَانَ قَدْ أَخْرَجَ عَنْ مِلْكِهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ وَبَاعَهَا مَسْلُوبَةً عَنْهَا، وَاعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ عَلَى حَدِيثِ بَرِيرَةَ الْمُخَرَّجِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اشْتَرَتْهَا وَنَجَّزَتْ عِتْقَهَا، وَلَمْ يَنْفَسِخْ نكاحها من زوجها مغيث، بل خيَّرها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْبَقَاءِ، فَاخْتَارَتِ الْفَسْخَ، وَقِصَّتُهَا مَشْهُورَةٌ، فَلَوْ كَانَ بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقَهَا كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ ما خَيَّرَهَا النَّبِيُّ ﷺ، فَلَمَّا خَيَّرَهَا دَلَّ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ الْمَسْبِيَّاتُ فَقَطْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: وهذا هو الصَّواب، قول الجمهور هو الصَّواب.

وَقَدْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ يَعْنِي: الْعَفَائِفَ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَمْلِكُوا عِصْمَتَهُنَّ بِنِكَاحٍ وَشُهُودٍ وَمُهُورٍ وَوَلِيٍّ: وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثلاثًا أو أربعًا. حكاه ابنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَطَاوُسٍ وَغَيْرِهما.

وَقَالَ عُمَرُ وَعُبَيْدَةُ: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ مَا عَدَا الْأَرْبَعِ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.