تفسير قوله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ..}

وقوله تعالى: كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [النساء:24] أَيْ: هَذَا التَّحْرِيمُ كِتَابٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَالْزَمُوا كِتَابَهُ، وَلَا تَخْرُجُوا عن حدوده، والزموا شرعَه وما فرضه.

الشيخ: عبيدة، يعني: عبيدة بن عمرو السَّلماني المعروف.

وقال عبيدةُ وَعَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ: كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يَعْنِي: الْأَرْبَعَ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يعني: ما حرم عليكم.

وقوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24] أَيْ: مَا عدا مَن ذُكِرْنَ مِنَ الْمَحَارِمِ هُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ. قَالَهُ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ عُبَيْدَةُ وَالسُّدِّيُّ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ مَا دُونَ الْأَرْبَعِ. وَهَذَا بَعِيدٌ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ عَطَاءٍ كَمَا تَقَدَّمَ.

الشيخ: والمعنى: أنَّ الله جلَّ وعلا كتب عليكم هذا وفرضه عليكم، فالزموه، يعني: الزموا كتابَ الله، يعني: حكمه فيكم فيما يتعلَّق بما أباحه وأحلَّه من النِّساء وحرَّم، وفي كل شيءٍ ما أوجب ، فإنَّ الواجبَ أن يلتزم المؤمنُ بكتاب الله، وأن يقف عند حدِّه في كل شيءٍ، فالعبد مأمورٌ بأن يلزمه، وأن يقف عند الأمر؛ ولهذا قال سبحانه في الآية الأخرى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور:54].

فالواجب على المكلَّفين أن يلزموا كتابَ الله، يعني: حكمه في جميع الأشياء التي حكم بها من طريق القرآن أو السُّنة المطهرة؛ لأنَّها الوحي الثاني: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ وراء ما ذُكِرَ في الآية، واستُثني من ذلك الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمَّتها، والمرأة وخالتها، مُستثنى من هذا الإطلاق؛ لأنَّه جاءت به السُّنة، وأجمع عليه المسلمون: تحريم الجمع بين المرأة وعمَّتها، والمرأة وخالتها، كما حرَّم اللهُ الجمعَ بين الأختين، كذلك تحريم الجمع بين المرأة وعمَّتها، والمرأة وخالتها.

وَقَالَ قَتَادَةُ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ يَعْنِي: مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَنِ احْتَجَّ عَلَى تَحْلِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ.

الشيخ: يعني: من ملك اليمين يعني، وليس الأمر كذلك؛ لأنَّ قوله: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ عامٌّ، يعمّ الأختين في العقد وفي مِلْكِ اليمين.

وَقَوْل مَنْ قَالَ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ، وَحَرَّمَتْهُمَا آيةٌ.

وقوله تعالى: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ [النساء:24] أَيْ: تَحَصَّلُوا بِأَمْوَالِكُمْ مِنَ الزَّوْجَاتِ إِلَى أَرْبَعٍ، أَوِ السَّرَارِي مَا شِئْتُمْ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ؛ وَلِهَذَا قَالَ: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ.

وقوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [النساء:24] أَيْ: كَمَا تَسْتَمْتِعُونَ بِهِنَّ فَآتُوهُنَّ مُهُورَهُنَّ فِي مقابلة ذلك، كما قَالَ تَعَالَى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ [النساء:21].

.............

وكقوله تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4]، وَكَقَوْلِهِ: وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا [البقرة:229].

وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أنَّه أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَ مَرَّتَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا أُبِيحَ مَرَّةً ثُمَّ نُسِخَ، وَلَمْ يُبَحْ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ القول بإباحتها للضَّرورة، وهو رواية عن الإمام أحمد.

وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ يَقْرَؤُونَ: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ. وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَالْعُمْدَةُ مَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ.

وَلِهَذَا الْحَدِيثِ أَلْفَاظٌ مُقَرَّرَةٌ هِيَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ.

وَفِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فقال: يا أيُّها النَّاسُ، إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ من النِّساء، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَلَهُ أَلْفَاظٌ موضعها كتاب الأحكام.

الشيخ: وهذا الذي استقرَّ عليه كلامُ أهل العلم وحكاه غيرُ واحدٍ إجماع أهل العلم في تحريم نكاح المتعة، وأنَّه كان مباحًا ثم نُسِخَ: إما عام الفتح، وإمَّا عام خيبر، وإمَّا في حجّة الوداع، والأقرب أنَّه في حجَّة الوداع.

وقوله: "عام خيبر" يعني: الحمر الأهلية، أمَّا نكاح المتعة فتأخَّر، وبكل حالٍ فهو منسوخٌ، وقد أجمع المسلمون على نسخه، إلا خلافًا شاذًّا لا يُعوَّل عليه، والنص واضحٌ في تحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة، وهو أن ينكحها مؤقَّتًا، ينكح المرأةَ مُؤقَّتًا شهرًا أو شهرين، يتَّفقان على شهرٍ أو شهرين، أو سنةٍ أو سنتين، هذا نكاح المتعة، كثيرٌ من الشِّيعة وبعضهم ينسبه إلى الشِّيعة، كلّهم يرون إباحته، وأنه باقٍ، ولكنَّه قولٌ باطلٌ، والذي عليه أهلُ العلم هو تحريم نكاح المتعة.

وقوله تعالى: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ [النساء:24] مَنْ حَمَلَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالَ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا انْقَضَى الْأَجَلُ أَنْ تَرَاضَوْا عَلَى زِيَادَةٍ بِهِ، وَزِيَادَةٍ لِلْجُعْلِ.

قَالَ السُّدِّيُّ: إِنْ شَاءَ أَرْضَاهَا مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ الْأُولَى، يَعْنِي: الْأَجْرَ الَّذِي أَعْطَاهَا عَلَى تَمَتُّعِهِ بِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ: أَتَمَتَّعُ مِنْكِ أَيْضًا بِكَذَا وَكَذَا، فَازْدَادَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَ رحمَها يوم تنقضي المدّة، وهو قوله تعالى: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ.

قَالَ السُّدِّيُّ: إِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ، وَهِيَ مِنْهُ بَرِيئَةٌ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَبْرِئَ مَا فِي رَحِمِهَا، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ، فَلَا يَرِثُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، ومَن قال بهذا القولِ الْأَوَّلِ جَعَلَ مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4] أَيْ: إِذَا فَرَضْتَ لَهَا صَدَاقًا فَأَبْرَأَتْكَ مِنْهُ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ وَلَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ جريرٍ: حدَّثنا محمدُ بن عبدِالْأَعْلَى: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: زَعَمَ الْحَضْرَمِيُّ أَنَّ رِجَالًا كَانُوا يَفْرِضُونَ الْمَهْرَ، ثُمَّ عَسَى أَنْ يُدْرِكَ أَحَدَهُمُ الْعُسْرَةُ، فَقَالَ: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ. يَعْنِي: إِنْ وَضَعَتْ لَكَ مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ لَكَ سَائِغٌ. وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ وَالتَّرَاضِي أَنْ يُوَفِّيَهَا صَدَاقَهَا ثُمَّ يُخَيِّرَهَا، يعني: في المقام أو الفِرَاق.

وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:24] مُنَاسِبُ ذِكْرِ هذين الوصفين بعد شرع هذه المحرَّمات.

الشيخ: يعني أنها صدرت عن علمٍ وحكمةٍ، هذه الأشياء التي حرَّمها وفصَّلها صدرت عن علمٍ وحكمةٍ ، كما قال في أول الآيات عن المواريث: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا، فهو سبحانه قسم المواريثَ عن علمٍ وحكمةٍ، وحرَّم ما حرَّم من نكاحٍ وأحلَّ عن علمٍ وحكمةٍ، وهو الحكيم العليم جلَّ وعلا: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام:128] .

س: إذا فُرِضَ أنَّه وُلِدَ من نكاح المتعة هل الابنُ يُنْسَب لأبيه؟

ج: نعم يُنْسَب لأبيه.

س: البعثات التي تذهب إلى الخارج وينوي سرًّا أن يتزوج ثم يُطلّق، أليس هذا نيّته متعة؟

ج: لا، ما هي بمتعةٍ عند الجمهور، ما هي بمتعةٍ، هذه نيّة في قلبه بينه وبين الله، الإنسان له أن يُطلِّق إذا شاء، إذا رأى المصلحةَ في ذلك، المتعة أن يتشارطا ويتَّفقا، نعم.