تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (2)

حَدِيثٌ آخرُ: روى ابنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْيَمَانِيِّ -وَهُوَ ضَعِيفٌ- عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ.

قَالَ: وَكَانَ فِي الْكِتَابِ: إِنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِشْرَاكٌ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْفِرَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَةِ، وَتَعَلُّمُ السِّحْرِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ.

حَدِيثٌ آخَرُ فِيهِ ذِكْرُ شَهَادَةِ الزُّورِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حدَّثنا شعبةُ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُاللَّهِ ابْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْكَبَائِرَ، أَوْ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ، فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قلنا: بلى. قَالَ: الإشراك بالله، وقَوْلُ الزُّورِ -أَوْ شَهَادَةُ الزُّورِ. قَالَ شُعْبَةُ: أَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ.

أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، بِهِ.

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ غَرِيبَيْنِ عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ.

الشيخ: انظر "التقريب": عبدالله ابن أبي بكر.

الطالب: عبدالله ابن أبي بكر ابن زيد بن المهاجر، مجهول، من السادسة. (ت، ص).

عبدالله ابن أبي بكر ابن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، المدني، صدوق، من السادسة. (س، ق).

عبدالله ابن أبي بكر السّكن بن الفضل بن المؤتمن، العتكي، الأزدي، أبو عبدالرحمن، البصري، صدوق، من التاسعة، مات سنة أربعٍ وعشرين. (بخ).

عبدالله ابن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم، الأنصاري، المدني، القاضي، ثقة، من الخامسة، مات سنة خمسٍ وثلاثين وهو ابن سبعين سنة. (ع).

الشيخ: هذا هو الأحرى .......

الطالب: في الحاشية على نسخة الشّعب يقول: في المخطوطة يقول: محمد ابن أبي بكر. وهو خطأ، يُنظر "المسند" ..... وعبدالله هذا حفيد أنس بن مالك .....

الشيخ: ..... عبدالله بن أبكر بن أنس.

الطالب: في عبيدالله: عبيدالله ابن أبي بكر ابن أنس بن مالك، أبو معاذ، ثقة، من الرابعة. (ع).

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سكتَ.

الشيخ: وما ذاك إلا لعظم الفساد في شهادة الزور، معلومٌ أنَّ الشرك أعظم الذنوب، وعقوق الوالدين كذلك من أعظم الكبائر، لكن شهادة الزور كررها للتَّحذير منها، لا لأنها أكبر من الشِّرك، لكن لأنَّ شرَّها عظيمٌ، وفسادَها كبيرٌ، فالدَّوافع لها كثيرة: المال، والعداوة، والصَّداقة، كلها تدفع إلى شهادة الزور.

وهذه الأحاديث الكثيرة كلّها تدل على أنَّ الكبائرَ لا حصرَ لها في سبعٍ، ولا في سبعين، ولا في عشرٍ، الكبائر كثيرة، وهي الذنوب العظيمة التي يكون فيها الوعيد، يُقال لها: كبائر، فإذا جاء في بعض الرِّوايات: سبع، أو عشر، أو كذا، فالمراد أنَّها منها، ليس المراد الحصر، وهكذا قوله: اجتنبوا السَّبعَ الموبقات، قيل: وما هنَّ؟ يعني: أنَّها من الموبقات، وليس المرادُ أنَّها فقط هذه السَّبع، ولكن متى جاء الذَّم في وعيدٍ، في غضبٍ، في لعنةٍ، في نارٍ؛ فهذه من علامات الكبيرة عند أهل الحقِّ، وكذا الذّنوب التي فيها حدود: كالزنا، والخمر، والسَّرقة، وقطع الطريق، كلها من الكبائر، وجنس الظّلم من الكبائر.

وهذا يُوجب للإنسان الحذر، يُوجب للمؤمن الحذر؛ لأنَّ المغفرةَ المعلَّقة بالأعمال الصَّالحات مُقيدة باجتناب الكبائر، كما في أحاديث الصَّلاة وغيرها، وحديث الوضوء، فإذا كانت سيِّئاتك إنما تُكفَّر باجتناب الكبائر عرفت أنَّ الأمر عظيمٌ، وأنَّ الواجبَ الحذر منها غاية الحذر كما تقدم في حديث أبي هريرة في "الصحيح": الصَّلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفَّارات لما بينهنَّ إذا اجتنب الكبائر، الصَّلوات الخمس هي عمود الإسلام، فإذا كانت لا تُكفّر إلا باجتناب الكبائر، فكيف بغيرها؟ وهكذا رمضان إلى رمضان، وفي حديث عثمان لما ذكر الوضوء، وأنَّه من أسباب غفران الخطايا قال: ما لم تصب المقتلة يعني: الكبيرة.

حَدِيثٌ آخَرُ فِيهِ ذِكْرُ قَتْلِ الْوَلَدِ: وَهُوَ ثَابِتٌ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ وَفِي رِوَايَةٍ: أَكْبَرُ. قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ أيُّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ، ثُمَّ قَرَأَ: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِلَى قَوْلِهِ: إِلَّا مَنْ تَابَ [الفرقان:68- 70].

حَدِيثٌ آخَرُ فِيهِ ذِكْرُ شُرْبِ الْخَمْرِ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِالْأَعْلَى: أَخْبَرَنَا ابْنُ وهبٍ: حدَّثني ابنُ صخرٍ: أنَّ رجلًا حدَّثه عن عمارة بْنِ حَزْمٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العاص وهو بالحجر بمكّة، وسأله رجلٌ عَنِ الْخَمْرِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ عَظِيمًا عِنْدَ اللَّهِ الشَّيْخُ مِثْلِي يَكْذِبُ فِي هَذَا الْمُقَامِ على رسول الله ﷺ. فَذَهَبَ فَسَأَلَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْخَمْرِ، فَقَالَ: هِيَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ، وَأُمُّ الْفَوَاحِشِ، مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ تَرَكَ الصَّلَاةَ، وَوَقَعَ عَلَى أُمِّهِ وَخَالَتِهِ وَعَمَّتِهِ. غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

مُداخلة: في السَّند السَّابق: حدَّثني أبو صخرٍ.

الشيخ: قد يكون ابنُ صخرٍ وأبو صخرٍ يكنى: بأبي، ويُنسب إلى أبيه، علَّق عليه؟

الطالب: ذكر في نسخةٍ: أبو.

الشيخ: يكفي، يكفي، نعم.

طَرِيقٌ أُخْرَى رَوَاهَا الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَأُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ جَلَسُوا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرُوا أَعْظَمَ الْكَبَائِرِ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مَا يَنْتَهُونَ إِلَيْهِ، فَأَرْسَلُونِي إِلَى عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَعْظَمَ الْكَبَائِرِ شُرْبُ الْخَمْرِ، فَأَتَيْتُهُمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَوَثَبُوا إِلَيْهِ حَتَّى أَتَوْهُ فِي دَارِهِ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ تَحَدَّثُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَنَّ مَلِكًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخَذَ رَجُلًا فَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا، أو يقتلَ نفسًا، أو يزني، أَوْ يَأْكُلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ، أَوْ يَقْتُلَهُ. فَاخْتَارَ شُرْبَ الْخَمْرِ، وَإِنَّهُ لَمَّا شَرِبَهَا لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍ أَرَادَهُ مِنْهُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَنَا مُجِيبًا: مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْرَبُ خَمْرًا إِلَّا لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَلَا يَمُوتُ أحدٌ وفي مَثَانَتِهِ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَإِنْ مَاتَ فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ جِدًّا، وداود بن صالح هذا هُوَ التَّمَّارُ، الْمَدَنِيُّ، مَوْلَى الْأَنْصَارِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا جَرَحَهُ.

الشيخ: المقصود أنَّ فيه غرابةً، والمعنى لو صحَّ يعني: أنها من أعظم الكبائر، أو المراد بأعظم الكبائر المتعلّقة بذهاب العقول، تغيير العقول، أو أعظم الكبائر بعد الشِّرك بالله، والمقصود أنَّه ليس المعنى أنها أعظم من الشرك، مُراده لو صحَّ أنها من أعظم الكبائر، ولا شكَّ؛ لخُبثها، فإنَّه امتنع من الزنا والقتل، ولكن لما شرب الخمرَ فعل كل شيءٍ، ذهب عقله فزنا وقتل وفعل غير ذلك، فإنَّ شرَّها عظيمٌ، وفسادَها كبيرٌ، والواقع من أهل الخمر شاهدٌ بذلك، نسأل الله العافية؛ ولهذا يقول ﷺ: لا يشرب الخمرَ حين يشربها وهو مؤمن، ولعن الخمرَ وشاربها وساقيها، إلى آخره؛ لخُبثها العظيم، وشرِّها الكبير.

س: هل هذا الأمر يخفى على الصِّديق وعلى عمر؟

ج: كذلك هذا من أسباب الغرابة ..... الدَّراوردي له فيما يظهر أوهام، والمؤلف ما ذكر أول السَّند -سند ابن مردويه- قد يكون في أول السَّند أيضًا مَن يُتكلم فيه ..... الدَّراوردي، وداود بن صالح أول السَّند، ما ذكره المؤلفُ، وسند ابن مردويه طويلٌ، قد يكون حذف ثلاثةً أو أربعةً من السَّند، نعم حدَّثني ..... الدَّراوردي، قد تكون له أوهام من رجل مسلم، نعم.

الطالب: عبدالعزيز بن محمد بن عبيد الدَّراوردي، أبو محمد، الجهني مولاهم، مدني، صدوق، كان يُحدِّث من كتب غيره فيُخطئ، قال النَّسائي: حديثٌ عن عُبيدالله العُمري مُنكر، من الثامنة، مات سنة ستٍّ أو سبعٍ وثمانين. (الجماعة).

الشيخ: هذا عن عبيدالله؟ رواه عن عبيدالله وإلا عن داود؟

الطالب: عن داود.

الشيخ: المقصود أنَّ له أخطاءً، وقد يكون هذا من أخطائه وأوهامه، انظر داود بن صالح؛ لأنَّ متنَه فيه نكارة.

الطالب: داود بن صالح بن دينار التَّمَّار، المدني، مولى الأنصار، صدوق، من الخامسة. (أبو داود، وابن ماجه).

الشيخ: والذي قبله صدوق، كذلك عبدالعزيز بن محمد، والصَّدوق دون الثِّقة، نعم.

س: في هذا الأثر –يعني- يُشكل نوع الخمر، مثل: الحبوب والكولونيا، هل يشمل ذلك؟

ج: كل ما أسكر دخل في الخمر، كل شيءٍ يُسكر يدخل في الخمر، الخمر ما خامر العقل، مثلما قال عمرُ ، الرسولُ ﷺ يقول: كل مُسْكِرٍ خمرٌ، كل ما غيَّر العقلَ سواء كان من تمرٍ، أو من ذرةٍ، أو من إسبرتو، أو غيرها، نعم.

س: ما وجه النَّكارة غير كونه خفي على الصَّحابة؟

ج: كونها أعظم الكبائر.

حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَفِيهِ ذِكْرُ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، أَوْ قَتْلُ النَّفْسِ -شُعْبَةُ الشَّاكُّ- وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ.

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شعبة، وزاد البخاري: وشيبان. كلاهما عن فراسٍ بِهِ.

حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ -كَاتِبُ اللَّيْثِ- حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زيدِ بْنِ مُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَمَا حَلَفَ حَالِفٌ بِاللَّهِ يَمِينَ صَبْرٍ فَأَدْخَلَ فِيهَا مِثْلَ جَنَاحِ الْبَعُوضَةِ إِلَّا كَانَتْ وَكْتَةً فِي قَلْبِهِ إِلَى يَوْمِ القيامة.

وهكذا رواه أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي "تَفْسِيرِهِ"، كِلَاهُمَا عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عن عبد بن حميدٍ به، وقال: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَأَبُو أُمَامَةَ الْأَنْصَارِيُّ هَذَا هُوَ ابْنُ ثَعْلَبَةَ، وَلَا يُعْرَفُ اسْمُهُ، وَقَدْ رَوَى عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ أَحَادِيثَ.

قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ: وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَدَنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ ابْنِ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ. فَزَادَ عَبْدَاللَّهِ ابْنَ أَبِي أُمَامَةَ.

قُلْتُ: هَكَذَا وَقَعَ فِي "تَفْسِيرِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ"، وَ"صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ" مِنْ طَرِيقِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا، فَسَّحَ اللَّهُ فِي أَجَلِهِ.

الشيخ: رحم الله الجميع، وهذا يُفيد أنَّه كتب التفسير في حياة أبي الحجاج المزي رحمه الله، اللهم اغفر لهم جميعًا.

اليمين الغموس فيها أخبار عظيمة، اليمين الغموس من أكبر الكبائر، وفيها أحاديث في "الصحيحين" عظيمة، منها قوله ﷺ: مَن حلف على يمين صبرٍ يقتطع بها مالَ امرئٍ مسلمٍ بغير حقٍّ لقي الله وهو عليه غضبان، حديث أبي أُمامة: فقد أوجب اللهُ له النَّار، وحرَّم عليه الجنة، نسأل الله العافية.

حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي التَّسَبُّبِ إِلَى شَتْمِ الْوَالِدَيْنِ:

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْأَوَدِيُّ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ. وَسُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. رَفَعَهُ سُفْيَانُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَوَقَفَهُ مِسْعَرٌ عَلَى عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ يَشْتُمَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ، قَالُوا: وَكَيْفَ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟! قَالَ: يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، ويسبّ أُمَّه، فيسبّ أمَّه.

أخرجه الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ، قَالُوا: وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟! قَالَ: يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ وَيَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبراهيم مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ.

الشيخ: وهذا يُفيد الحذر من التَّسبب في سبِّ الوالدين، إذا كان هذا الشَّأن في التَّسبب، فكيف بالمباشرة؟ كيف بمَن يلعنهما مباشرةً؟ فإنَّ الإثمَ يكون أكبر، إذا كان التَّسبب جريمةً وكبيرةً، فالمباشرة أعظم وأعظم؛ ولهذا يقول ﷺ: من الكبائر شتمُ الرجل والديه، قيل: يا رسول الله، وهل يسبّ الرجلُ والديه؟! استنكروه؛ لأنَّ هذا مُستنكرٌ فطرةً، كما هو محرَّمٌ شرعًا، فالله فطر العبادَ على محبَّة الوالدين وتقديرهما وعدم سبِّهما، قال: يسبّ أبا الرجل، فيسب أباه، ويسبّ أمَّه، فيسب أمه، إذا شتم الناس أو شتم والديهم شتموهما، شتموا والديه.

وَثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ": أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ.

س: اليمين الغموس لا بدَّ أن يكون فيها اقتطاعُ مالٍ أو مجرد اليمين الكاذبة؟

ج: الغموس تعمّ الكاذبة كلها، لكن إذا كان فيها مالٌ أو سفك دمٍ يكون أشدّ، نسأل الله العافية.

س: إذا دخل الإنسانُ في مجلسٍ وأراد أن يُصافح، أو لديه شراب، أو ما أشبه ذلك، فهل يبدأ من اليمين مطلقًا، أو إذا كان هناك كبيرٌ في السن وله منزلةٌ يبدأ منه، ثم يبدأ عن يمينه؟

ج: يبدأ بكبير المجلس، مثلما كانوا يقصدون النبيَّ ويُسلِّمونه في يده، ثم هو يبدأ بمَن عن يمينه، كبير المجلس هو الذي يبدأ به، رئيس المجلس، المسؤول عن المجلس يبدأ به، ثم هو يبدأ بمَن عن يمينه.