تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ..}

حديثٌ آخر عن عبدالله ابن أبي أوفى: قال ابنُ مردويه: حدَّثنا محمدُ بن علي بن دُحيم: حدَّثنا أحمدُ بن حازم: حدَّثنا ضرارُ بن صرد: حدَّثنا ابنُ فُضيل، عن سليمان بن يزيد، عن عبدالله ابن أبي أوفى قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: ليأتينَّ على الناس ليلةٌ تعدل ثلاث ليالٍ من لياليكم هذه، فإذا كان ذلك يعرفها المتنفِّلون، يقوم أحدُهم فيقرأ حزبَه ثم ينام، ثم يقوم فيقرأ حزبَه ثم ينام، فبينما هم كذلك إذ صاح الناسُ بعضُهم في بعضٍ فقالوا: ما هذا؟ فيفزعون إلى المساجد، فإذا هم بالشَّمس قد طلعت، حتى إذا صارت في وسط السَّماء رجعت وطلعت من مطلعها، قال: حينئذٍ لا ينفع نفسًا إيمانها.

هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه، وليس هو في شيءٍ من الكتب السِّتَّة.

الشيخ: المعروف في الأحاديث الصَّحيحة أنها تطلع من مغربها طلوعًا كاملًا، ويعرف الناسُ حينئذٍ قرب الساعة؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، فطلوعها من مغربها عَلَمٌ عظيمٌ من أعلام السَّاعة، ليس بعد ذلك إسلامٌ لمن كان كافرًا، ولا توبة لمن كان عاصيًا، كل شيءٍ على حاله، ليس له إلَّا ما قدَّم.

وهذا يُوجب الحذر، وأن يستمرَّ العبدُ على طاعة الله، ويحذر المعصية قبل أن تأتي هذه الآية، أو يهجم به الأجلُ ويموت على معصيته، ليحذر، وليكن على توبةٍ وعملٍ صالحٍ حتى إذا هجم الأجلُ عليه فإذا هو على حالةٍ طيبةٍ، أو خرجت الشمسُ من مغربها إذا هو كذلك، نعم.

س: ورد في الحديث: ثلاثٌ إذا خرجت لا ينفع نفسًا إيمانها؟

ج: لكن العُمدة على الشمس من مغربها، فخروج الدَّابة وغيرها كلّ ذلك ما لا يترتب عليه شيءٌ، إلا خروج الشمس؛ طلوع الشمس من مغربها، وإن كانت الدَّابةُ في الغالب قد تطلع قربها، لكن الحكم يترتب على الشَّمس، والدَّابة تخرج قبل ذلك. نعم.

س: التَّكليف هل هو باقٍ بعد طلوع الشَّمس من مغربها؟

ج: الظَّاهر أنَّ الثانية والثالثة قبل الشمس، الشمس هي التي يتعلَّق بها الحكمُ.

س: يسأل عن التَّكليف بعد طلوع الشمس من مغربها؟

ج: التَّكليف نعم، باقٍ التكليف، لكن التوبة مما سلف لا تُقبل، هو على ما هو عليه، فعليه أن يُؤدِّي ما أوجب الله عليه، ويترك ما حرَّم الله عليه، ولكن إسلامه بعد ذلك لا ينفعه.

الطالب: سليمان بن زيد بن ثابت الأنصاري، مقبول، من الثالثة. (البخاري في "الأدب").

وهناك واحدٌ آخر من الخامسة.

الشيخ: سليمان بن زيدٍ آخر؟

الطالب: نعم.

الشيخ: أيش؟

الطالب: سليمان بن زيد المحاربي، أو الأزدي، أبو إدام الكوفي، ضعيف، رماه يحيى بن معين، من الخامسة. (البخاري في "الأدب").

الشيخ: الخامسة محتمل، الخامسة من التابعين الصِّغار، محتمل.

الطالب: سُلَيْمَان بن زيدٍ الْمُحَاربي، أَبُو آدم الْكُوفِي، عَن عبدالله ابن أبي أوفى، وَعنهُ حَفْصُ بن غياثٍ ووكيع، كذَّبه ابنُ معِينٍ.

الشيخ: هذا هو المحاربي، ليس بشيءٍ، كذَّبه ابنُ معينٍ.

س: التوبة من المعاصي فيما دون الشِّرك بعد طلوع الشَّمس؟

ج: ظاهر القرآن ما في شيء: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، لكن قد يظهر من الآية أنَّ الإنسان الذي على إيمانٍ سابقٍ، ثم زاد إيمانُه أنه تنفعه زيادةُ الإيمان بسبب إيمانه السَّابق .....: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، هذا آمن من قبل وكسب في إيمانه خيرًا، لعله ينفعه، أمَّا الكافر ما ينفعه إسلامُه.

س: خروج المهدي قبل الشَّمس؟

ج: المهدي من أول الآيات، قبل الدَّجال، يخرج الدَّجال والمعروف أنَّ المهدي موجود، ثم ينزل عيسى فيقتل الدَّجال، ويخرج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى، المهدي من أول الآيات.

حديثٌ آخر عن عبدالله بن عمرو: قال الإمامُ أحمد: حدَّثنا إسماعيلُ بن إبراهيم: حدَّثنا أبو حيان، عن أبي زرعة ابن عمرو بن جرير قال: جلس ثلاثةُ نفرٍ من المسلمين إلى مروان بالمدينة، فسمعوه وهو يُحدِّث عن الآيات يقول: إنَّ أوَّلها خروج الدَّجال. قال: فانصرفوا إلى عبدالله بن عمرو فحدَّثوه بالذي سمعوه من مروان في الآيات، فقال: لم يقل مروان شيئًا؛ حفظتُ من رسول الله ﷺ يقول: إنَّ أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدَّابة ضُحًى، فأيَّتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها.

ثم قال عبدُالله -وكان يقرأ الكتب- وأظنّ أوّلها خروجًا طلوع الشمس من مغربها، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش وسجدتْ واستأذنتْ في الرجوع، فأذن لها في الرجوع، حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها فعلت كما كانت تفعل؛ أتت تحت العرش فسجدتْ واستأذنتْ في الرجوع، فلم يُرَدَّ عليها شيءٌ، ثم تستأذن في الرجوع فلا يُرَدَّ عليها شيءٌ، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب، وعرفت أنَّه إذا أذن لها في الرجوع لم تُدرك المشرق؛ قالت: ربِّ ما أبعد المشرق! مَن لي بالناس؟ حتَّى إذا صار الأفقُ كأنَّه طوقٌ استأذنت في الرجوع فيُقال لها: من مكانك فاطلعي. فطلعت على الناس من مغربها. ثم تلا عبدُالله هذه الآية: لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ الآية.

وأخرجه مسلمٌ في "صحيحه"، وأبو داود وابن ماجه في "سُننيهما" من حديث أبي حيان التَّيمي، واسمه: يحيى بن سعيد بن حيان، عن أبي زرعة ابن عمرو بن جريرٍ به.

الشيخ: وهذا المعنى: خروج الدَّابة مع الشمس، يعني: قبلها، يعني: الشمس هي التي يترتب عليها الحكم، لكنَّها قريبة منها، وإلا فأول الآيات ..... يعني: الآيات التي معها عدم قبول الإسلام، فمُراد مروان: أول الآيات من حيث الجملة -أشراط الساعة- الدَّجال، مثلما قال مروان، وقال آخرون قبله: المهدي. لكن آية الدَّجال أمرها عظيمٌ، فالدَّجال والمهدي مُتقارنان، لكن الآيات العظيمة التي معها عدم قبول العمل هي طلوع الشمس من مغربها، نسأل الله العافية.

حديثٌ آخر عنه: قال الطبرانيُّ: حدَّثنا أحمدُ بن يحيى بن خالد بن حيان الرَّقي: حدَّثنا إسحاقُ بن إبراهيم بن زُريق الحمصي: حدَّثنا عثمانُ بن سعيد بن كثير بن دينار: حدَّثنا ابنُ لهيعة، عن يحيى بن عبدالله، عن أبي عبدالرحمن الحبلي، عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال النبيُّ ﷺ: إذا طلعت الشمسُ من مغربها خرَّ إبليسُ ساجدًا يُنادي ويجهر: إلهي مُرني أن أسجد لمن شئتَ، قال: فيجتمع إليه زبانيتُه فيقولون كلهم: ما هذا التَّضرع؟ فيقول: إنما سألتُ ربي أن يُنظرني إلى الوقت المعلوم، وهذا الوقت المعلوم، قال: ثم تخرج دابةُ الأرض من صدعٍ في الصَّفا، قال: فأول خطوةٍ تضعها بأنطاكيا، فتأتي إبليس فتلطمه.

هذا حديثٌ غريبٌ جدًّا، وسنده ضعيفٌ، ولعلَّه من الزَّاملتين اللَّتين أصابهما عبدُالله بن عمرو يوم اليرموك، فأمَّا رفعه فمُنكر، والله أعلم.

الشيخ: نعم، في إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيفٌ؛ اختلط رحمه الله.

حديثٌ آخر عن عبدالله بن عمرو، وعبدالرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين:

قال الإمامُ أحمد: حدَّثنا الحكمُ بن نافع: حدَّثنا إسماعيلُ بن عياش، عن ضمضم بن زُرعة، عن شُريح بن عبيد، يُردّه إلى مالك بن يُخامر، عن ابن السَّعدي: أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: لا تنقطع الهجرةُ ما دام العدو يُقاتل. فقال معاويةُ وعبدُالرحمن بن عوف وعبدُالله بن عمرو بن العاص: أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: إنَّ الهجرة خصلتان: إحداهما تهجر السَّيئات، والأخرى تُهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع ما تقبّلت التوبة، ولا تزال التّوبة تُقبل حتى تطلع الشمسُ من مغربها، فإذا طلعت طُبِعَ على كل قلبٍ بما فيه، وكُفِيَ الناسُ العملَ.

هذا الحديث حسنُ الإسناد، ولم يُخرجه أحدٌ من أصحاب الكتب السِّتة، والله أعلم.

الشيخ: كُفِيَ الناسُ العملَ المراد يعني: العمل الزّائد، إن صحَّت هذه الزِّيادة، يعني: العمل الزائد، يعني: ما يُقبل منهم إلا الذي كانوا يعملون سابقًا، أما الشَّيء يُحدثونه: توبةٌ يُحدثونها، عملٌ يُحدثونه، لا؛ لأنَّ الشَّيء الزَّائد إنما أحدثوه بسبب الشَّمس.

حديثٌ آخر عن ابن مسعودٍ : قال عوفٌ الأعرابي: عن محمد بن سيرين: حدَّثني أبو عبيدة، عن ابن مسعودٍ أنَّه كان يقول: ما ذُكِرَ من الآيات فقد مضى غير أربعٍ: طلوع الشَّمس من مغربها، والدَّجال، ودابّة الأرض، وخروج يأجوج ومأجوج.

قال: وكان يقول: الآية التي تُختم بها الأعمال طلوع الشَّمس من مغربها، ألم تر أنَّ الله يقول: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ الآية [الأنعام:158] كلها؟ يعني: طلوع الشمس من مغربها.

حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما رواه الحافظُ أبو بكر ابن مردويه في "تفسيره" من حديث عبدالمنعم بن إدريس، عن أبيه، عن وهب بن منبه، عن ابن عباسٍ مرفوعًا. فذكر حديثًا طويلًا غريبًا مُنْكَرًا رفعه، وفيه: أنَّ الشمسَ والقمرَ يطلعان يومئذٍ من المغرب مقرونين، وإذا انتصفا السَّماء رجعا، ثم عادا إلى ما كانا عليه.

وهو حديثٌ غريبٌ جدًّا، بل مُنكرٌ، بل موضوعٌ، إن ادَّعى أنه مرفوعٌ، فأمَّا وقفه على ابن عباسٍ أو وهب بن منبه -وهو الأشبه- فغير مدفوعٍ، والله أعلم.

وقال سفيانُ: عن منصورٍ، عن عامر، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: إذا خرج أول الآيات طُرحت الأقلامُ، وحُبست الحفظةُ، وشهدت الأجسادُ على الأعمال. رواه ابنُ جريرٍ رحمه الله تعالى.

فقوله تعالى: لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [الأنعام:158] أي: إذا أنشأ الكافرُ إيمانًا يومئذٍ لا يُقبل منه، فأمَّا مَن كان مؤمنًا قبل ذلك فإن كان مُصلحًا في عمله فهو بخيرٍ عظيمٍ، وإن لم يكن مُصلحًا فأحدث توبةً حينئذٍ لم تُقبل منه توبته، كما دلَّت عليه الأحاديث المتقدِّمة، وعليه يُحمل قوله تعالى: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158] أي: ولا يُقبل منها كسبُ عملٍ صالحٍ إذا لم يكن عاملًا به قبل ذلك.

وقوله تعالى: قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ [الأنعام:158] تهديدٌ شديدٌ للكافرين، ووعيدٌ أكيدٌ لمن سوَّف بإيمانه وتوبته إلى وقتٍ لا ينفعه ذلك، وإنما كان هذا الحكمُ عند طلوع الشمس من مغربها؛ لاقتراب السَّاعة وظهور أشراطها، كما قال: لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ، وقوله تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ۝ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا الآية [غافر:84- 85].

الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم سلِّم سلِّم.