تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}

وقوله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:151].

لما أوصى تعالى بالوالدين والأجداد عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد، فقال تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ، وذلك أنَّهم كانوا يقتلون أولادَهم كما سوَّلت لهم الشَّياطين ذلك، فكانوا يئدون البنات خشية العار، وربما قتلوا بعضَ الذكور خشية الافتقار؛ ولهذا ورد في "الصَّحيحين" من حديث عبدالله بن مسعود : أنَّه سأل رسولَ الله ﷺ: أيّ الذَّنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك، قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تُزاني حليلة جارك، ثم تلا رسولُ الله ﷺ: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ الآية [الفرقان:68].

الشيخ: وهذا من رحمة الله جلَّ وعلا: أن أمر العباد بتوحيده والإخلاص له، والحذر من الإشراك به؛ لأنَّ ذلك هو أهم الأمور، وفيه سعادة العباد في الدنيا وفي الآخرة، العباد خُلِقُوا ليعبدوا الله، وهذا هو طريق السَّعادة لهم في الدنيا والآخرة، فإذا عبدوا معه سواه هلكوا وشقوا، فمن رحمة الله أن حذَّرهم من هذا الأمر على ألسنة الرسل جميعًا، وهكذا في جميع الكتب المنزلة من السَّماء حذَّرهم من الشِّرك: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، هذه العبادة بيَّنها القرآنُ العظيم، وبيَّنتها الرسلُ عليهم الصلاة والسلام، وهي توجيه القرب إلى الله، والألسنة والأفعال كلها لله وحده فيما يتعلَّق بالعبادة، وكل الطَّاعات عبادة؛ لأنها ذلٌّ وخضوعٌ لله، والعبادة هي الذّل لله، فسمَّى اللهُ جميعَ الطَّاعة عبادةً؛ لأنَّها ذلٌّ لله وخضوعٌ، كما تقول العربُ: طريقٌ مُعبَّدٌ، أي: مُذلَّلٌ، قد وطأته الأقدامُ، ويقول: بعيرٌ مُعبَّدٌ، يعني: قد شدّ ورُحل.

فالعبادة هي الذّل لله والخضوع لله بطاعة أوامره، وترك نواهيه ، وهذا الذّل هو العزّ، وهو الكرامة، وهو النَّجاة، وهو كمالٌ للعبد أن يكون عبدًا لله، خالصًا لله، ليس لأحدٍ فيه شركة، بل يعبدوا الله وحده، ويخصُّوه بالعبادة دون كلِّ ما سواه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2- 3]، ويقول سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، ويقول جلَّ وعلا: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي: له العبادة وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14].

ثم عليهم مع هذا أن يحذروا ما حرَّم الله عليهم من سائر المعاصي، كما يلزمهم أداء الفرائض، من: صلاةٍ، وزكاةٍ، وصومٍ، وحجٍّ، وغير ذلك، فيلزمهم أيضًا أن يدعوا المحارم الأخرى التي دون الشِّرك حتى تتمَّ لهم أسبابُ السَّعادة، ومن ذلك: الإحسان للوالدين وعدم العقوق، فإنَّ هذا من أهم الفرائض: الإحسان للوالدين وعدم العقوق، فالإحسان إليهم من أهم الفرائض بعد التَّوحيد، وعقوقهم من أهم الذّنوب بعد الشِّرك، العقوقُ من كبائر الذّنوب التي تلي الشِّرك، والإحسان إليهم من الفرائض التي تلي التوحيد.

والوالِدان يشمل الأب والأمّ والأجداد، كلهم آباء، الوالدان القريبان والبعيدان، أبوه وأمّه .....، وكذلك جدّه، يجب الإحسانُ إلى الجميع.

وهكذا الإحسان إلى الأولاد، هم أيضًا القسم الثاني من الأقارب، وهم أقرب الناس إليه بعد الوالدين .....، والصّلة ..... والإحسان إليهما، الأولاد والأحفاد، الأحفاد: أولاد الذّرية؛ أولاد البنين والبنات: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحل:72].

والغالب على أبناء الرجال أن يُقال لهم: حفدة، وعلى أبناء النِّساء: أسباط، وقد يُطلق على الجميع: الحفدة.

فالإحسان يعمّ الآباء والأمّهات والأجداد والجدَّات، والعقوق يعمّ ذلك أيضًا، وهكذا الإحسانُ للأولاد وأولادهم، وتحرم القطيعة ..... ولأولادهم.

وقد جاء في النصوص هذا وهذا؛ جاء في النصوص بيانُ العقوق وشهادةُ الزور، وأنها تلي الشِّرك، وجاء في الحديث أنَّ قتلَ النفس والزِّنا يلي الشِّرك، ويُبين الربُّ بذلك أنَّ هذه من الكبائر العظيمة، وأنها تلي الشِّرك: القتل بغير حقٍّ، والزنا، والعقوق، وشهادة الزور.

في حديث ابن مسعودٍ يقول النبيُّ ﷺ لما سأله: أيّ الذَّنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك، يعني: معبودًا معه تُشرك به: من صنمٍ، أو وثنٍ، أو نبيٍّ، أو غير ذلك، قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تقتل ولدَك خشية أن يطعم معك.

قتل النفس من أعظم الكبائر، وإذا كان للولد صار كبيرةً من جهة الظّلم، وكبيرةً من جهة القطيعة -قطيعة الرحم- والله أطلق القتلَ في الآية الكريمة، ثم أيّ؟ قال: أن تُزاني حليلةَ جارك، جعل الزِّنا بحليلة الجار أيضًا من أكبر الكبائر بعد الشِّرك والقتل، فأنزل اللهُ الآيةَ ، وهي قوله سبحانه: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ هذا الشِّرك، وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ هذا عامٌّ، يعمّ الولد و.....، وَلَا يَزْنُونَ [الفرقان:68] يعمّ الزنا بزوجة الجار وغيرها من الكبائر العظيمة.

وفي "الصحيحين" من حديث أبي بكرة الثَّقفي : أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: ألا أُنبِّئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أُنبِّئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أُنبِّئكم بأكبر الكبائر؟ كررها ثلاثًا، قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان مُتَّكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور.

فجعل في هذا الحديث ما يلي الشِّرك: العقوق وشهادة الزور، فعُلِمَ بذلك أنَّ العقوقَ وشهادةَ الزور والقتلَ بغير حقٍّ والزنا كلها من الكبائر العظيمة التي تلي الشِّرك، وإن كانت ليست مثل الشِّرك، بل دون الشِّرك، تحت المشيئة، لكنَّها من البلاء العظيم، فيجب الحذر منها.

وهكذا الرِّبا من الكبائر العظيمة، وهكذا أكل أموال اليتامى، في الحديث الصَّحيح يقول ﷺ: اجتنبوا السَّبْعَ الموبقات يعني: المهلكات، قلن: ما هنَّ يا رسول الله؟ قال: الشِّرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحقِّ، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتَّولي يوم الزَّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات.

والسِّحر من جملة الشِّرك لأنَّه لا يُتوصل إليه إلا بالشِّرك؛ بعبادة الجنِّ والتَّقرب إليهم؛ ولهذا في الحديث: حدُّ السَّاحر ضربه بالسيف، جاء مرفوعًا وموقوفًا.

فالسَّاحر متى ثبت سحرُه قُتِلَ، لا يُستتاب لعِظَم شرِّه؛ ولهذا أمر عمرُ في خلافته بقتل السَّواحر وعدم استتابتهم.

وقوله تعالى: مِنْ إِمْلَاقٍ قال ابنُ عباسٍ وقتادة والسّدي وغيره: هو الفقر. أي: ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل.

وقال في سورة الإسراء: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ [الإسراء:31] أي: لا تقتلوهم خوفًا من الفقر في الآجل؛ ولهذا قال هاهنا: نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ [الإسراء:31]، فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي: لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم، فهو على الله. وأمَّا في هذه الآية فلمَّا كان الفقرُ حاصلًا قال: نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:151]؛ لأنَّه الأهمّ هاهنا، والله أعلم.

الشيخ: المقصود أنَّه في آية الأنعام قال: نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ لأنَّ الفقر حاصلٌ من إملاقٍ، يعني: من فقرٍ حاصلٍ، فبدأ به، قال: نَرْزُقُكُمْ، ثم قال: وَإِيَّاهُمْ الأولاد، وفي سورة الإسراء لما كان خوفًا من الفقر بدأ بالأولاد: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ، الأولاد الذين تخشون الفقرَ بأسبابهم فالله يرزقهم وآباءهم وأُمَّهاتهم، فالأمر بيده ، وهو الرَّزاق، فلا يجوز القتلُ لأجل خوف الفقر، فالرزق عند الله، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ۝ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ۝ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذَّاريات:56- 58]، وقال سبحانه: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ [العنكبوت:60]، وهو سبحانه الرَّزاق لعباده، عاقلهم وبهيمهم، هذه الدَّابة النَّملة الضَّعيفة الحقيرة يأتيها رزقُها، فكيف بغيرها؟ نعم.

وقوله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام:151] كقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، قد تقدَّم تفسيرها في قوله تعالى: وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ [الأنعام:120].

وفي "الصحيحين" عن ابن مسعودٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: لا أحدَ أغير من الله، من أجل ذلك حرَّم الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن.

وقال عبدُالملك بن عُمير: عن ورَّاد، عن مولاه المغيرة قال: قال سعدُ بن عُبادة: لو رأيتُ مع امرأتي رجلًا لضربتُه بالسَّيف غير مُصفّحٍ. فبلغ ذلك رسولَ الله ﷺ فقال: أتعجبون من غيرة سعد؟ فوالله لأنا أغيرُ من سعدٍ، والله أغير مني، من أجل ذلك حرَّم الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن. أخرجاه.

وقال كاملُ أبو العلاء: عن أبي صالح، عن أبي هريرةَ قال: قيل: يا رسول الله، إنا نغارُ. قال: والله إني لأغار، والله أغير مني، ومن غيرته نهى عن الفواحش.

رواه ابنُ مردويه، ولم يُخرجه أحدٌ من أصحاب الكتب السّتة، وهو على شرط الترمذي، فقد رُوِيَ بهذا السَّند: أعمار أمَّتي ما بين السِّتين إلى السَّبعين.

الشيخ: وسُميت فواحش لما فيها من الفُحش؛ لأنَّ العقولَ السَّليمة تُنكرها وتعرف قبحَها، فهي فاحشة تشمل: الزِّنا، والعقوق، واللِّواط، والخمر، كل ما حرَّم الله، كل فاحشةٍ تُنكرها العقول الصَّحيحة والفِطَر السَّليمة، وتعلم قبحَها؛ ولهذا حرَّمها الله .

وحديث غيرة سعد: "غير مُصفحٍ" يحتمل أنَّه: "غير مُفصح" يعني: غير ضارب بحدِّه العريض، بل حدّه الحديد الذي يقتل، يعني: أضربه بالسيف ضربةَ العامد القاصد؛ لشدّة غيرة سعدٍ .

وقوله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الأنعام:151].

وهذا مما نصَّ تبارك وتعالى على النَّهي عنه تأكيدًا، وإلا فهو داخلٌ في النَّهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فقد جاء في "الصحيحين" عن ابن مسعودٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: لا يحلّ دم امرئٍ مسلمٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسولُ الله إلا بإحدى ثلاثٍ: الثَّيب الزَّاني، والنفس بالنفس، والتَّارك لدينه المفارق للجماعة. وفي لفظٍ لمسلم: والذي لا إله غيره لا يحل دم رجلٍ مسلمٍ وذكره.

قال الأعمشُ: فحدّثت به إبراهيم، فحدَّثني عن الأسود، عن عائشةَ بمثله.

وروى أبو داود والنَّسائي عن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: لا يحل دمُ امرئٍ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاث خصال: زان محصن يُرجم، ورجل قتل متعمِّدًا فيُقتل، ورجل يخرج من الإسلام، حارب الله ورسوله، فيُقتل أو يُصلب أو يُنفى من الأرض. وهذا لفظ النَّسائي.

وعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان أنَّه قال وهو محصورٌ: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: لا يحل دم امرئٍ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاثٍ: رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسًا بغير نفسٍ، فوالله ما زنيتُ في جاهليةٍ ولا إسلامٍ، ولا تمنّيتُ أنَّ لي بديني بدلًا منه إذ هداني الله، ولا قتلتُ نفسًا، فبِمَ تقتلونني؟».

الشيخ: يعني يُخاطب المحاصِرين الذين حاصروه .

رواه الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ والنَّسائيُّ وابنُ ماجه، وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ.

وقد جاء النَّهي والزَّجر والوعيد في قتل المعاهد، وهو المستأمن من أهل الحرب؛ فروى البخاريُّ عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ مرفوعًا: مَن قتل مُعاهدًا لم يرح رائحةَ الجنة، وإنَّ ريحَها ليُوجد من مسيرة أربعين عامًا.

وعن أبي هريرةَ ، عن النبي ﷺ قال: مَن قتل مُعاهدًا له ذمّة الله وذمّة رسوله فقد أخفر بذمّة الله، فلا يرح رائحةَ الجنة، وإنَّ ريحَها ليُوجد من مسيرة سبعين خريفًا. رواه ابنُ ماجه والترمذي، وقال: حسنٌ صحيحٌ.

وقوله: ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام:151].

الشيخ: ومعنى "مُعاهد" أي: له عهد وذمّة، سواء كان جزيةً، أو غير جزيةٍ، أو مُستأمنًا ليس بيننا وبينهم حربٌ، دخل آمنًا لبيعٍ أو شراءٍ، أو لأسبابٍ أخرى، وإنما يجوز قتلُ الكافر إذا كان حربيًّا ليس بيننا وبينه أمانٌ ولا عهدٌ ولا ذمّةٌ.

س: ............؟

ج: هذا له بحثٌ كبيرٌ في أحكام أهل الذمّة.

س: قوله في الحديث: له ذمّة الله وذمّة رسوله ألا يُخْرِج المشرِك؟

ج: يعني قصده: أمَّنه وليُّ الأمر، أو أمَّنه أحدُ المسلمين حتى ..... ذمّة الله ورسوله لكل مُستأمنٍ ولو بعد النبي.

وقوله: ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام:151] أي: هذا مما وصَّاكم به لعلكم تعقلون عن الله أمره ونهيه.

الشيخ: ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرعد:4]، وما أشبهها، حثٌّ للعباد على التَّعقل والنَّظر وعدم الإعراض والغفلة، ولا سيما أهل العلم؛ لأنَّ العلم يأتي من طريق التَّأمل والتَّعقل بجمع النصوص وفهم معناها، فلا بدَّ من العناية بفهم النصوص وعقلها؛ ولهذا قال: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، بعدها: تَذَكَّرُونَ [الأنعام:152]، بعدها: تَتَّقُونَ [الأنعام:153] ..... طالب العلم وكل مؤمنٍ يتعقَّل ويتفهم الأمور، ويتذكر ويُذاكر ويبحث؛ حتى تستقرَّ العلوم في قلبه، وحتى يفهمها جيدًا.