تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ..}

ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ:

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ ابْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ إلى رسول الله ﷺ وَهُوَ مَحْزُونٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: يَا فُلَانُ، مَا لِي أَرَاكَ محزونًا؟ فقال: يا نبيَّ الله، شيءٌ فكَّرتُ فيه. فقال: مَا هُوَ؟ قَالَ: نَحْنُ نَغْدُو عَلَيْكَ وَنَرُوحُ نَنْظُرُ إِلَى وَجْهِكَ وَنُجَالِسُكَ، وَغَدًا تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ فَلَا نَصِلُ إِلَيْكَ، فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ ﷺ شَيْئًا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ الآية [النساء:69]، فَبَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ فَبَشَّرَهُ.

وقد رُوِيَ هذا الأثرُ مُرسلًا عن مسروقٍ، وعن عكرمة، وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِهَا سَنَدًا، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: قَوْلُهُ: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ الآية، وقال: إِنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ قَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَهُ فَضْلٌ عَلَى مَنْ آمَنَ بِهِ فِي دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ مِمَّنِ اتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ، وَكَيْفَ لَهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا فِي الْجَنَّةِ أَنْ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ -يَعْنِي هَذِهِ الْآيَةَ- فَقَالَ -يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ الْأَعْلَيْنَ يَنْحَدِرُونَ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ منهم، فيجتمعون في رياضٍ، فَيَذْكُرُونَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَيُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَيَنْزِلُ لَهُمْ أَهْلُ الدَّرَجَاتِ فَيَسْعَوْنَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَشْتَهُونَ وَمَا يَدْعُونَ بِهِ، فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَيَتَنَعَّمُونَ فِيهِ.

وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ فَقَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أُسَيْدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي، وَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي، وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي الْبَيْتِ فَأَذْكُرُكَ، فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيَكَ فَأَنْظُرَ إِلَيْكَ، وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوْتَكَ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مع النَّبيين، وإن دخلتُ الجنةَ خشيتُ أن لا أَرَاكَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى نَزَلَتْ عَلَيْهِ: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69].

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِاللَّهِ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ في صِفَةِ الْجَنَّةِ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْخَلَّالِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ الْعَابِدِيِّ بِهِ. ثُمَّ قَالَ: لَا أَرَى بِإِسْنَادِهِ بَأْسًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: وهذه بشارة، هذه بشارة لأهل الإيمان أنَّ الله جلَّ وعلا يجمعهم بأنبيائه وبالصِّديقين والشُّهداء والصَّالحين وحسُن أولئك رفيقًا، أهل الجنة لهم اجتماعات يرى بعضُهم بعضًا، ويُسرّ بعضُهم ببعضٍ، ويتحدَّث بعضُهم مع بعضٍ، فمَن دخل الجنةَ نال كلَّ مطلوبٍ، ونال كلَّ خيرٍ، فلهم فيها ما يشاءون، لهم فيها ما يطلبون من اللِّقاء والاجتماع وأنواع النَّعيم وأنواع اللَّذات، كما قال جلَّ وعلا: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ۝ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ۝ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:45- 48]، هم يتقابلون، ويرى بعضُهم بعضًا، ويُسرّ بعضُهم ببعضٍ، قال جلَّ وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ۝ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:30- 31] يعني: ما تطلبون، إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ۝ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ۝ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ [يس:55- 57]، ومما يطلبون اللِّقاء بإخوانهم وبالأنبياء وبالصَّالحين، فيسر بعضُهم لبعضٍ، ويأنس بعضُهم ببعضٍ، ويتحدَّث بعضُهم إلى بعضٍ، هذا من جملة النَّعيم.

س: صحّة الأثر هذا؟

ج: هذه يشهد بعضُها لبعضٍ، ولكن نصّ القرآن كافٍ.

.............

س: إنسانٌ يكون عملُه قاصرًا، فتُصيبه مُصيبةٌ فيصبر عليها .....؟

ج: على كل حالٍ هم درجات عند ربهم، لكن لهم لقاءات بمَن هو أعلى منهم.

س: وكثرة اللِّقاء مع النبي عليه الصلاة السلام على حسب العمل؟

ج: كل النَّعيم على حسب الأعمال الصَّالحة، لكلٍّ درجاتهم في الجنّة ونعيمهم على حسب أعمالهم في الدّنيا.

وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابْنُ ثَابِتٍ، عن ابن عَبَّاسٍ الْبَصْرِيِّ.

مُداخلة: أبو بكر ابن ثابت بن عباس المصري؟

الشيخ: انظر "التقريب"، لعله: أبو بكر ابن ثابت في الكنى .....، حطّ عليه إشارة، على ابن عباسٍ.

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لِأُحِبُّكَ، حَتَّى إِنِّي لَأَذْكُرُكَ فِي المنزلِ فَيَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيَّ، وَأُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي الدَّرَجَةِ. فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ شيئًا، فأنزل اللهُ هذه الآية.

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا.

وَثَبَتَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" مِنْ حَدِيثِ هِقْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: سَلْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. فَقَالَ: أَو غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ.

الشيخ: هذا يدل على أنَّ كثرةَ الصلاة من أسباب اللِّقاء بالنبي ﷺ والاجتماع به في دار النَّعيم، في رواية أحمد: أسألك أن تشفع لي. قال: أعنِّي على نفسِك بكثرة السُّجود. فكثرة الصَّلاة في أوقات العبادة -كالضُّحى والليل- من أعظم الأسباب للقاء نبي الله ودخول دار الكرامة.

.............

س: عفا الله عنك، الأولى إذا كان مع الإنسان الوقتُ نحو نصف ساعة أن يُصلي؟ هل الأولى أن يُصلي ركعتين طويلتين، أو أن يُكثر السّجود والركوع ويُخفف الصَّلاة؟

ج: ظاهر الحديث الإكثار ..... مع الركود، ومع الطُّمأنينة.

س: حتى ولو كان في صلاة اللَّيل؟

ج: ظاهره .....، لكن لا يزيد على إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، أفضل ما يكون: ثلاث عشرة، إحدى عشرة، وإذا تيسر له الخشوع والتَّأمل، لا بدَّ من الطُّمأنينة في الخشوع، النبي ﷺ فعل هذا وهذا، فعل هذا: طوَّل في بعض الليالي، وفي بعض الليالي لم يُطوِّل، صلَّى معه حُذيفة ذات ليلةٍ فقرأ بالبقرة والنِّساء وآل عمران، اللهم صلِّ عليه، كان يُطوِّل في السُّجود قريبًا من ذلك، وفي الركوع، ولكن في غالب الليل يُصلي إحدى عشرة، وثلاث عشرة، من غير إطالةٍ، اللهم صلِّ عليه وسلِّم.

س: الركعتان الخفيفتان؟

ج: هذه مفتاح، مفتاح الصلاة ركعتان خفيفتان.

س: تُحسَب من إحدى عشرة ركعة؟

ج: لا؛ ولهذا قالت عائشةُ: يُصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ويُصلي أربعًا ..... من غير الاثنين، من غير مفتاح الصَّلاة، نعم.

س: كونه يسأل النبيَّ ﷺ مُرافقته في الجنَّة، مع العلم بأنَّ دخولَ الجنة بفضل الله لَّ؟

ج: يسأل عن الأسباب، أسباب مُرافقته؛ ولهذا قال: أَعِنِّي، وفي اللَّفظ الآخر: أسألك أن تشفع لي، المقصود الشَّفاعة.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لهيعة، عن عبدالله ابن أبي جعفر، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَصَلَّيْتُ الْخَمْسَ، وَأَدَّيْتُ زَكَاةَ مَالِي، وَصُمْتُ شَهْرَ رَمَضَانَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا -وَنَصَبَ أُصْبُعَيْهِ- مَا لَمْ يَعُقَّ وَالِدَيْهِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.

الشيخ: ..... فضل الاستقامة، والآية الكريمة واضحة: وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69]، فلو صحَّ هذا معناه: يعني مع مُراعاة بقية الأمور، ولكن سنده فيه ابن لهيعة، لو صحَّ فالمراد يعني: مع مُراعاة بقية الواجبات، وترك المحارم، كما في النّصوص الأخرى في فضل التوحيد، وفضل صيام رمضان، وفضل برِّ الوالدين، كلها مع مُراعاة الواجبات الأخرى، وترك المحارم؛ لأنَّ النصوصَ يُفسِّر بعضُها بعضًا، ويشرح بعضُها بعضًا، فإذا جاء فضلُ عملٍ من الأعمال: من صومٍ، أو صلاةٍ، أو صدقةٍ، أو غير ذلك، لا بدَّ من مُراعاة البقية؛ بقية ما أوجب الله، وترك ما حرَّم الله، مثلما قال عليه الصلاة والسلام: الصَّلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفَّارات لما بينهم إذا اجتُنِبَتِ الكبائر، وحديث فضل الوضوء، لما ذكر الوضوء: أنَّه توضأ، ثم صلَّى ركعتين؛ غُفِرَ له. وفي اللَّفظ الآخر قال: ما لم تُصِب المقتلةَ يعني: الكبيرة.

الطالب: عبدالله ابن أبي جعفر، الرازي، صدوق، يُخطئ، من التاسعة. (د).

الشيخ: انظر عبيدالله.

الطالب: عبيدالله ابن أبي جعفر المصري، أبو بكر، الفقيه، مولى بني كنانة، أو أمية، قيل: اسم أبيه يسار -بتحتانية ومهملة- ثقة، وقيل عن أحمد: إنَّه ليَّنه. وكان فقيهًا، عابدًا، قال أبو حاتم: هو مثل يزيد ابن أبي حبيب، من الخامسة، مات سنة اثنتين، وقيل: أربع. وقيل: خمس. وقيل: ستّ وثلاثين. (ع).

الشيخ: أيش السَّند عندك؟ حدَّثنا؟

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لهيعة، عن عبدالله ابن أبي جعفر، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ.

الشيخ: محتمل، محتمل، حطّ نسخة: عبيدالله؛ لأنَّ عبيدَالله تابعيٌّ صغيرٌ، قد يروي عنه.

س: أليس مُرسلًا؟

ج: يظهر أنَّه تابعيٌّ، انظر: عمرو بن مُرَّة.

الطالب: .........

الشيخ: عمرو بن مُرَّة.

الطالب: عمرو بن مُرَّة الجهني، أبو طلحة، أو أبو مريم، صحابي، له حديثٌ، وعنه أبو الحسن الجزري، مات في خلافة عبدالملك.

الشيخ: ما في ثانٍ؟

الطالب: عمرو بن مُرَّة بن عبدالله بن طارق بن الحارث الهمداني، المرادي، الجملي -بفتح الجيم والميم- أبو عبدالله، الأعمى، الكوفي، أحد الأعلام، عن عبدالله ابن أبي أوفى، وأبي وائل، وابن المسيّب، وخلقٍ، وعنه ابنه عبدالله، وأبو إسحاق، ومنصور، وخلق، وثَّقه ابنُ معين، وقال ابن المديني: له نحو مئتي حديثٍ. وقال أبو حاتم: ثقة، يرى الإرجاء. قال أبو نعيم: مات سنة ستّ عشرة ومئة.

الشيخ: واحد صحابي، وواحد تابعي.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي هَاشِمٍ.

الشيخ: مولى بني هاشم.

حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ.

الشيخ: زبان بن فائد –بالفاء- ضعيف.

عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: مَنْ قَرَأَ أَلْفَ آيَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُتِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ والصَّالحين وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبُو حَمْزَةَ اسْمُهُ: عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَابِرٍ، شَيْخٌ بَصْرِيٌّ.

وَأَعْظَمُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ بِشَارَةً مَا ثَبَتَ في الصَّحيح وَالْمَسَانِيدِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ، فَقَالَ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ فَرَحَهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قال: إني لأُحبُّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَأُحِبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَأَرْجُو أنَّ الله يبعثني معهم وإن لم أعمل كعملِهم.

الشيخ: وهذا لا شكَّ أنَّه بشارةٌ عظيمةٌ، فإنَّ كلَّ مؤمنٍ يُحبُّ اللهَ ورسولَه، ويُحبُّ السَّلفَ الصَّالح، لكن الشَّأن في تحقيق هذه المحبَّة: هل تكون دعوى أو حقيقة؟ فإن كانت حقيقةً جدَّ في العمل، ونصح في العمل، أمَّا الدَّعاوى ما تجزي عن أهلها شيئًا، ما تُغني شيئًا: لو يُعطى الناسُ بدعواهم لادَّعى ناسٌ دماءَ رجالٍ وأموالَهم، فالصَّادق في المحبَّة ينصح في العمل، ويجتهد في العمل بما يُرضي المحبوب، وبما جاء عن محبوبه رسول الله عليه الصلاة والسلام، هذا هو الصَّادق؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]، لا بدَّ من الصِّدق، نعم.

س: ............؟

ج: في طاعة الله، لكن ضعيفٌ، والثَّابت مثلما سمعتُم في الآية الكريمة: وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم [النساء:69]، هذا الأساس، المهم هو طاعة الله ورسوله، والاستقامة على دين الله، وأخبار الفُضلاء تُقيد بالنُّصوص الأخرى.

قال الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فوقِهم كما تراءون الكوكبَ الدُّريَّ الغابر في الأُفُق، الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟ قَالَ: بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ. أَخْرَجَاهُ فِي "الصحيحين" من حديث مالك، واللَّفظ لمسلمٍ.

ورواه الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا فَزَارَةُ: أَخْبَرَنِي فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالٍ -يَعْنِي ابْنَ عَلِيٍّ- عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ فِي الْجَنَّةِ كما تراءون -أو ترون- الكوكبَ الدُّري الغابر في الأُفق، الطَّالع فِي تَفَاضُلِ الدَّرَجَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ؟ قَالَ: بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ.

قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.............