تفسير قوله تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ..}

وقال سعيدُ بْنُ دَاوُدَ: حَدَّثَنِي جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ابنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، قَالَ: هُمْ آخِرُ مَنْ يُفْصَلُ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعِبَادِ، فَإِذَا فرغ ربُّ العالمين من الفصل بَيْنَ الْعِبَادِ قَالَ: أَنْتُمْ قَوْمٌ أَخْرَجَتْكُمْ حَسَنَاتُكُمْ مِنَ النَّارِ، وَلَمْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَأَنْتُمْ عُتَقَائِي، فَارْعَوْا مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتُمْ. وَهَذَا مُرْسَلٌ حسنٌ.

وقيل: هم أولاد الزِّنا. حكاه القرطبي، وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْوَلِيدِ بن موسى، عن شيبة بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ لَهُمْ ثَوَابٌ، وَعَلَيْهِمْ عِقَابٌ.

الشيخ: هذا ما له تعلّق بأولاد الزِّنا، سبحان الله!

فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ثَوَابِهِمْ وعن مُؤمنيهم، فَقَالَ: عَلَى الْأَعْرَافِ، وَلَيْسُوا فِي الْجَنَّةِ مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ. فَسَأَلْنَاهُ: وما الأعراف؟ فقال: حائط الجنَّة، تجري فيه الأنهار، وتنبت فيه الأشجار والثِّمار.

ورواه الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ بِشْرَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُوسَى بِهِ.

مُداخلة: أحسن الله إليك، ما يحتمل أن يكون هناك سقطٌ بعد: "وقيل: هم أولاد الزنا"، وقيل ..؟

الشيخ: لا بدَّ فيه سقط بعد قوله: "وقيل: هم أولاد الزنا".

الطالب: وقيل: هم أولاد الزنا. وقيل: هم مؤمنو الجنِّ.

الشيخ: محتمل، محتمل؛ لأنَّ السَّند الأخير ما يُطابق، حطّ عليه إشارة.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ صَالِحُونَ، فُقَهَاءُ، عُلَمَاءُ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ [الأعراف:46] قَالَ: هُمْ رِجَالٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ، قَالَ: وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ۝ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ۝ وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ۝ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ [الأعراف:46- 49]. قال: فيُقال حين يدخل أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الأعراف:49].

وَهَذَا صَحِيحٌ إِلَى أَبِي مِجْلَزٍ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ، أَحَدِ التَّابِعِينَ، وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَخِلَافُ الظَّاهِرِ مِنَ السِّيَاقِ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِهِ بِدَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَكَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ: "إِنَّهُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ، عُلَمَاءُ، فُقَهَاءُ" فِيهِ غَرَابَةٌ أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: والأقرب مثلما تقدَّم أنَّهم قومٌ استوت حسناتُهم وسيِّئاتهم، وُقِفُوا ثم أُذِنَ لهم بدخول الجنَّة، فهم على الأعراف بين الجنَّة والنار، ثم أُذِنَ لهم بدخول الجنَّة.

س: إسناد الحافظ ابن عساكر صحيحٌ؟

ج: ما هو؟

الطالب: وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْوَلِيدِ بن موسى، عن شيبةَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

الشيخ: هذا يحتاج إلى نظرٍ، أقول: يحتاج إلى تأمُّلٍ.

وَقَدْ حَكَى الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِمُ اثْنَيْ عَشَرَ قَوْلًا، مِنْهَا: أَنَّهُمْ شهدوا أنَّهم صُلحاء، تهرعوا من فزع الآخرة.

الشيخ: كذا عندكم: تهرعوا؟

.........

الشيخ: نسخة: فهرعوا؟

الطالب: في نسخةٍ بدون شيءٍ: "هرعوا" فقط.

الشيخ: منها، منها؟

مِنْهَا أَنَّهُمْ شهدوا أنَّهم صُلحاء تهرعوا من فزع الآخرة، وخلق يَطَّلِعُونَ عَلَى أَخْبَارِ النَّاسِ، وَقِيلَ: هُمْ أَنْبِيَاءُ. وقيل: هم مَلَائِكَةٌ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ [الأعراف:46].

قَالَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عباسٍ قَالَ: يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِبَيَاضِ الْوُجُوهِ، وَأَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ. وَكَذَا رَوَى الضَّحَّاكُ عَنْهُ.

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ تلك الْمَنْزِلَةِ لِيَعْرِفُوا مَنْ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَلِيَعْرِفُوا أَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ، وَيَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ أَنْ يجعلوهم مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يُحَيُّونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِالسَّلَامِ: لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ [الأعراف:46] أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَهُمْ دَاخِلُوهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وكذا قال مجاهدٌ والضَّحاك والسّدي والحسنُ وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وغيرهم.

وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ الْحَسَنِ: إِنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا جَعَلَ ذَلِكَ الطَّمَعَ فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا لِكَرَامَةٍ يُرِيدُهَا بِهِمْ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: قَدْ أَنْبَأَكُمُ اللَّهُ بِمَكَانِهِمْ مِنَ الطَّمَعِ.

وَقَوْلُهُ: وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأعراف:47].

قَالَ الضَّحَّاكُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ إِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ النَّارِ وَعَرَفُوهُمْ: قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ -يَعْنِي بِأَصْحَابِ الْأَعْرَافِ- بِزُمْرَةٍ يُذْهَبُ بِهَا إِلَى النَّارِ: قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: تُحَدَّدُ وُجُوهُهُمْ للنَّار، فَإِذَا رَأَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ذَهَبَ ذَلِكَ عَنْهُمْ.

وَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ فَرَأَوْا وُجُوهَهُمْ مُسْوَدَّةً، وَأَعْيُنَهُمْ مُزْرَقَّةً قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ  ۝ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الأعراف:48- 49].

يقول الله تعالى إخبارًا عَنْ تَقْرِيعِ أَهْلِ الْأَعْرَافِ لِرِجَالٍ مِنْ صَنَادِيدِ الْمُشْرِكِينَ وَقَادَتِهِمْ يَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِسِيمَاهُمْ: مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ أَيْ: كَثْرَتُكُمْ، وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَيْ: لَا يَنْفَعُكُمْ كَثْرَتُكُمْ وَلَا جُمُوعُكُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، بَلْ صِرْتُمْ إِلَى مَا أنتم فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ.

أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ، قَالَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي أَبِي: حَدَّثَنِي عَمِّي: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ الْآيَةَ، قَالَ: فَلَمَّا قَالُوا لَهُمُ الَّذِي قَضَى اللَّهُ أَنْ يَقُولُوا، يَعْنِي أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ لِأَهْلِ الجنَّة وأهل النَّار، قال اللهُ لِأَهْلِ التَّكَبُّرِ وَالْأَمْوَالِ: أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.

وَقَالَ حُذَيْفَةُ: إِنَّ أصحابَ الأعراف قومٌ تكاثفت أَعْمَالُهُمْ، فَقَصَّرَتْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ، وَقَصَّرَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ عَنِ النَّارِ، فَجُعِلُوا عَلَى الْأَعْرَافِ يَعْرِفُونَ النَّاسَ بِسِيمَاهُمْ، فَلَمَّا قَضَى اللَّهُ بَيْنَ الْعِبَادِ أُذِنَ لَهُمْ فِي طَلَبِ الشَّفَاعَةِ، فَأَتَوْا آدَمَ فَقَالُوا: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُونَا فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ. فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَحَدًا خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَسَبَقَتْ رَحْمَتُهُ إِلَيْهِ غَضَبَهُ وَسَجَدَتْ لَهُ الملائكةُ غَيْرِي؟ فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقُولُ: مَا عَلِمْتُ كُنْهَهُ، مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَشْفَعَ لَكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا ابني إِبْرَاهِيمَ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ ﷺ، فَيَسْأَلُونَهُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، فَيَقُولُ: تَعْلَمُونَ مِنْ أَحَدٍ اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا؟ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَحَدًا أَحْرَقَهُ قَوْمُهُ بِالنَّارِ فِي اللَّهِ غَيْرِي؟ فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقُولُ: مَا عَلِمْتُ كُنْهَهُ، مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَشْفَعَ لَكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا ابْنِي مُوسَى. فَيَأْتُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَحَدٍ كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا غَيْرِي؟ فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقُولُ: مَا عَلِمْتُ كُنْهَهُ، مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَشْفَعَ لَكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى. فَيَأْتُونَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقُولُونَ لَهُ: اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ. فَيَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَحَدًا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ أبٍ غَيْرِي؟ فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَحَدٍ كَانَ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ غَيْرِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقُولُ: أَنَا حَجِيجُ نَفْسِي، مَا عَلِمْتُ كُنْهَهُ، مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَشْفَعَ لَكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا ﷺ. فيأتوني، فَأَضْرِبُ بِيَدِي عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ أَقُولُ: أَنَا لَهَا. ثُمَّ أَمْشِي حَتَّى أَقِفَ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ، فَآتِي رَبِّي ، فَيَفْتَحُ لِي مِنَ الثَّنَاءِ مَا لَمْ يَسْمَعِ السَّامِعُونَ بِمِثْلِهِ قَطُّ، ثُمَّ أَسْجُدُ، فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رأسي، ثم أُثني على ربي ، ثم أخرُّ ساجدًا، فيُقال لي: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: رَبِّي أُمَّتِي. فَيَقُولُ: هُمْ لَكَ. فَلَا يَبْقَى نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ إِلَّا غَبَطَنِي بِذَلِكَ الْمَقَامِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ، فَآتِي بِهِمُ الْجَنَّةَ فَأَسْتَفْتِحُ فَيُفْتَحُ لِي وَلَهُمْ، فَيُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ: نَهْرُ الْحَيَوَانِ، حَافَّتَاهُ قَصَبٌ مُكَلَّلٌ بِاللُّؤْلُؤِ، وتُرَابُهُ الْمِسْكُ، وَحَصْبَاؤُهُ الْيَاقُوتُ، فَيَغْتَسِلُونَ مِنْهُ، فَتَعُودُ إِلَيْهِمْ أَلْوَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَرِيحُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَصِيرُونَ كَأَنَّهُمُ الْكَوَاكِبُ الدُّرِّيَّةُ، وَيَبْقَى فِي صُدُورِهِمْ شَامَاتٌ بِيضٌ يُعرفون بها، يُقال: مساكين أهل الجنَّة.

الشيخ: أمر الأعراف غريبٌ جدًّا في اختلاف الناس، سبحان الله! ما أعظم شأنه! عبرة.

س: الأثر موقوفٌ على حُذيفة، ما رفعه؟

ج: نعم، أحاديث الشَّفاعة معروفة.

س: ............؟

ج: محمد ﷺ كلَّمه الله تكليمًا، واتَّخذه خليلًا، كما كلَّم موسى، واتَّخذ إبراهيم خليلًا.

س: أحسن الله عملك، يقول: فلمَّا قضى اللهُ بين العباد أَذِنَ لهم بإقامة الشَّفاعة؟

ج: فيه نظر، أقول: المعروف أنَّ الشَّفاعة قبل، العباد يذهبون إلى آدم، إلى آخره، وأيش سند حُذيفة هذا؟

الطالب: ما له إسناد: وقال حُذيفة.

الشيخ: نعم، فيه غرابة ..... المحفوظ في أحاديث الشَّفاعة أنَّه يشفع فيهم عند شدّة الكرب قبل أن يُقضى بينهم، ثم بعد الشَّفاعة يُقضى بينهم، ثم يشفع أخرى في أهل الجنة حتى يدخلوها، نعم، هذا المعروف في الأحاديث الصَّحيحة المتواترة.

س: .............؟

ج: هذا الأثر كأنَّه خاصٌّ بالأعراف، على كل حالٍ غريبٌ، ولا سندَ له.

المعروف أنَّ أهل الموقف جميعًا عندما يشتدّ بهم الأمر وتعظم الكربة يذهب المؤمنون إلى آدم فيقولون ما يقولون، ثم آدم يُحيلهم إلى نوحٍ، إلى آخره، هذا هو المعروف في الأحاديث المتواترة؛ لأنَّ الشفاعة حين شدّة الكرب، قبل أن يُقضى بين الناس، وأنَّ المؤمنين يتقدَّمون إلى آدم، إلى آخره.