وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أخبرنا مُغِيرَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ التَّوْأَمِ، عن قيس بن عاصم: أنَّه سأل النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْحِلْفِ، فقال: مَا كَانَ حِلْفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَمَسَّكُوا بِهِ، وَلَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ.
وَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ، وَهُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ.
الشيخ: والمراد بهذا الأحلاف التي لا تُخالف الإسلام: كحلف المطيبين وأشباهه، هذا مُراد النبي ﷺ، قال النبيُّ: ما كان حلفٌ في الجاهلية فإنه يتمسّك به، ولكن لا حلفَ في الإسلام، يعني: جديد، ما في الإسلام من وجوب التَّعاون على البرِّ والتَّقوى، والتَّواصي بالحقِّ والتَّناصُح، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر؛ يكفي عن إحداث حلفٍ جديدٍ، لكن إذا كان حلفُ الجاهلية السَّابق على الخير يُوفى به أيضًا: كالتَّحالف على نصر المظلوم، وعدم قطيعة الرحم، وعلى برِّ الوالدين وعدم العقوق، وعلى إكرام الجار، وعلى إكرام الضَّيف، هذه الأحلاف جاء بها الإسلامُ، فيُؤخذ بها، نعم.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أُمِّ سَعْد بِنْتِ سعد بن الرَّبِيعِ مَعَ ابْنِ ابْنِهَا مُوسَى بْنِ سَعْدٍ، وَكَانَتْ يَتِيمَةً فِي حِجْرِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَرَأْتُ عليها: "والذين عاقدت أَيْمَانُكُمْ"، فَقَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:33]. قَالَتْ: إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ عَبْدِالرَّحْمَنِ حِينَ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ، فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يُوَرِّثَهُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ حِينَ حُمِلَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالسَّيْفِ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ نَصِيبَهُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَأَنَّ هَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ يَتَوَارَثُونَ بِالْحِلْفِ، ثُمَّ نُسِخَ وَبَقِيَ تَأْثِيرُ الْحِلْفِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كانوا قد أُمِرُوا أن يُوفوا بالعهود والعقود والحلف الذي كانوا قد تعاقدوه قبل ذلك.
وتقدم فِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ: لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٌ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً، وهذا نصٌّ في الردِّ على مَن ذَهَبَ إِلَى التَّوَارُثِ بِالْحِلْفِ الْيَوْمَ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بن حنبل.
وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي المشهور عنه؛ ولهذا قال تعالى: وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ [النساء:33] أي: ورثة من قراباته: من أبويه وأقربيه، هم يَرِثُونَهُ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ، كَمَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ أي: اقسموا الميراثَ على أصحاب الفرائض الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي آيَتَيِ الْفَرَائِضِ، فَمَا بقي بعد ذلك فأعطوه للعصبة.
وَقَوْلُهُ: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ أَيْ: قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ أَيْ: مِنَ الْمِيرَاثِ، فَأَيُّمَا حِلْفٌ عُقِدَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَسَخَتِ الحلفَ في المستقبل، وحكم الحلف الْمَاضِي أَيْضًا، فَلَا تَوَارُثَ بِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ الْأَوَدِيُّ: أَخْبَرَنِي طلحةُ بن مُصَرِّف، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ قَالَ: مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرِّفَادَةِ، وَيُوصَى لَهُ وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَبِي مَالِكٍ نَحْوُ ذَلِكَ.
وَقَالَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ أيُّهما مات ورثه الآخرُ، فأنزل الله تَعَالَى: وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا [الأحزاب:6]، يَقُولُ: إِلَّا أَنْ يُوصُوا لِأَوْلِيَائِهِمُ الَّذِينَ عَاقَدُوا وَصِيَّةً، فَهُوَ لهم جائزٌ من ثلث مال الميت، وهذا هو المعروف.
وهكذا نَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جبيرٍ: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ أَيْ: مِنَ الْمِيرَاثِ. قَالَ: وَعَاقَدَ أَبُو بَكْرٍ مَوْلًى فَوَرِثَهُ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: عن ابن المسيّب: نزلت هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَبَنَّوْنَ رِجَالًا غير أبنائهم ويُورثونهم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ، فَجَعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا فِي الْوَصِيَّةِ، وَرَدَّ الْمِيرَاثَ إِلَى الْمَوَالِي فِي ذِي الرَّحم والعصبة، وأبى اللهُ أن يكون للمُدَّعين ميراثٌ مِمَّنِ ادَّعَاهُمْ وَتَبَنَّاهُمْ، وَلَكِنْ جَعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا مِنَ الْوَصِيَّةِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ أَيْ: مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالْمَعُونَةِ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ، حَتَّى تَكُونَ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً، وَلَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حُكْمًا ثُمَّ نُسِخَ، بَلْ إِنَّمَا دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى الْوَفَاءِ بِالْحِلْفِ الْمَعْقُودِ عَلَى النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ فَقَطْ، فَهِيَ مُحْكَمَةٌ، لَا مَنْسُوخَةٌ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ مِنَ الْحِلْفِ مَا كَانَ عَلَى الْمُنَاصَرَةِ وَالْمُعَاوَنَةِ، وَمِنْهُ مَا كَانَ عَلَى الْإِرْثِ، كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَكَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الْمُهَاجِرِيُّ يَرِثُ الْأَنْصَارِيَّ دُونَ قَرَابَاتِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ، حَتَّى نُسِخَ ذلك، فكيف يقولون: إنَّ هذه الآية مُحكمة غير منسوخةٍ؟ والله أعلم.
الشيخ: بكل حالٍ مهما قيل في الآية، سواء قيل: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ من النُّصرة والمواساة والإحسان، أو من الإرث أيضًا، فإنَّ هذا منسوخٌ بما يتعلَّق بالإرث، وما سواه باقٍ.
والخلاصة أنَّ الله جلَّ وعلا شرع لهم التَّحالف أولًا حتى في الإرث؛ تأليفًا لقلوبهم، وجمعًا لشملهم، وإعانةً لهم على الصمود ضدّ أعداء الله، فلمَّا استقرَّ الإسلامُ وانتشر الإسلامُ وقوي جانبُ أهله نسخ اللهُ جلَّ وعلا التَّوارث بالحلف، وبقي التَّوارث بالقرابة وولاء العتق خاصَّة، وهذا في قوله جلَّ وعلا: وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ في سورة الأنفال، وفي سورة الأحزاب، فالحلف الذي فيه التَّوارث نُسخ، أمَّا الحلف الذي فيه النُّصرة والتَّعاون على الخير فهذا باقٍ إلى يوم القيامة، لكن لا يُجدد، ليس هناك حاجة إلى حلفٍ في الإسلام جديد، فالإسلام كافٍ، لكن أيّ حلفٍ وقع في الجاهلية في حال الكفر، ثم أسلم أهلُه؛ لزمهم أن يبقوا على ما دلَّ عليه الإسلام، وما جاء به الإسلام، وأن يُنَفِّذوا من حلفهم ما وافق الشَّرع.
س: يجوز لمجموعةٍ من المسلمين أن يُقيموا حزبًا يتعاونون فيه على البرِّ والتَّقوى والدَّعوة إلى الله؟
ج: هذا ما يُسمَّى: حلفًا، ولا ..... بيعة، هذا من باب التَّعاون، قد يدخل في قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، الجمعيَّات الإسلامية والمراكز الإسلامية من باب التَّعاون على البرِّ والتَّقوى، ما هي من باب الحلف.
س: البيعة لا تكون؟
ج: لا بيعةَ، ولا تحالف.
...........
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34].
يَقُولُ تَعَالَى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ أَيِ: الرَّجُلُ قَيِّمٌ عَلَى الْمَرْأَةِ، أَيْ: هُوَ رَئِيسُهَا وَكَبِيرُهَا وَالْحَاكِمُ عَلَيْهَا وَمُؤَدِّبُهَا إِذَا اعْوَجَّتْ.
بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَيْ: لِأَنَّ الرِّجَالَ أَفْضَلُ مِنَ النِّسَاءِ، وَالرَّجُلُ خَيْرٌ مِنَ الْمَرْأَةِ؛ وَلِهَذَا كَانَتِ النُّبُوَّةُ مُخْتَصَّةً بِالرِّجَالِ.
الشيخ: يعني في الجملة جنس الرجال أفضل من جنس النِّساء وأقوى في الجملة، ولا يلزم من ذلك أنَّ كلَّ فردٍ أفضل من كل فردٍ من النِّساء، لكن في الجملة الرجال هم قوَّامون على النِّساء، أعطاهم الله القوّة، وفضَّلهم على النِّساء بالحلم والعلم والعقل والنَّشاط فيما يعتقدون أنَّه الحقّ، هذا هو الواقع؛ ولهذا جعل اللهُ منهم الرسلَ عليهم الصلاة والسلام، وولاة الأمور، والملوك، والأمراء، كلّهم من الرجال، لكن قد يقع أفرادٌ من النِّساء يكونن أفضل من جنس بعض الأفراد، فالتَّفضيل يكون بالجنس كما تقدَّم، كما ذكر المؤلفُ، كما هو ظاهر قوله: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ؛ لأمرين: أحدهما: بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ يعني: جعلهم أفضل. والثاني: بما يُعطون من أموالهم في مسألة الزَّوجات، بما بذلوا من الأموال، فالرجال أفضل مطلقًا بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وعلى النِّساء بوجهٍ أخصّ، على الزَّوجات لأمرٍ آخر؛ وهو بذلهم من الأموال، لكن قد يكون بعضُ أفراد النِّساء أفضل من بعض أفراد الرجال، مثل في كل زمانٍ، مثل عائشة أفضل من رجالٍ كثيرين، ومريم بنت عمران، وآسيا، وخديجة، هكذا في كل زمانٍ كم لله من امرأةٍ صالحةٍ تقيَّةٍ خيرٌ من كثيرٍ من الرجال بالنسبة إلى التَّقوى والعمل الصَّالح.
وَكَذَلِكَ الْمُلْكُ الْأَعْظَمُ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ. وَكَذَا مَنْصِبُ الْقَضَاءِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَيْ: مِنَ الْمُهُورِ وَالنَّفَقَاتِ وَالْكُلَفِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ لَهُنَّ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ.
فَالرَّجُلُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَرْأَةِ فِي نَفْسِهِ، وَلَهُ الْفَضْلُ عَلَيْهَا وَالْإِفْضَالُ، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ قَيِّمًا عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228].
وَقَالَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ يَعْنِي: أُمراء، عليها أن تُطِيعَهُ فِيمَا أَمَرَهَا بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ، وَطَاعَتُهُ أن تكون مُحسنةً لأهله، حَافِظَةً لِمَالِهِ. وَكَذَا قَالَ مُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ تشكو أنَّ زوجَها لَطَمَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْقِصَاصُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ الْآيَةَ، فَرَجَعَتْ بِغَيْرِ قِصَاصٍ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ أَرْسَلَ هَذَا الْخَبَرَ قَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالسُّدِّيُّ. أَوْرَدَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
الشيخ: نصّ القرآن: وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، له القوامة عليها بما يُصلح حالها ويمنعها من العدوان عليه، وليس له التَّعدي عليها وظلمها، وأمَّا هذا الخبر فهو ضعيفٌ، الخبر ضعيفٌ؛ لأنَّ الرسولَ ﷺ إنما يأمر بوحي الله، لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسَّلام، والرجل له ضربها بنصِّ القرآن، لكن ليس له أن يضربها في وجهها، الضرب على الوجه، يُنهى عن ضربه مطلقًا: لا من الزوج، ولا من غيره، ولا في الحدود، ولا في غيرها، النبي عليه الصَّلاة والسلام قال: إذا ضرب أحدُكم فليتَّقِ الوجهَ، والحديث هذا ضعيفٌ؛ لأنَّ محمد بن علي لم يسمع من جدِّه، فهو مُنقطعٌ، مع الضَّعف في بقية رجاله، لكن لو صحَّ فهو ظاهرٌ في أنَّ الرجلَ له قوامة عليها، كما هو نصّ القرآن الكريم؛ فنصّ القرآن له القوامة، وله التَّأديب إذا رأى التأديب، معنى الحديث صحيحٌ لو صحَّ، لكن ليس له ضرب الوجه، وليس له الضرب المبرح، مثلما في الحديث الصحيح: واضربوهنَّ ضربًا غير مبرحٍ يعني: ضربًا خفيفًا يحصل به المطلوب عند الحاجة إليه، كما قال تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]، فالوعظ والهجر أولًا، فإن لم يُجْدِيَا فالضَّرب الخفيف الذي ..... حصول المقصود، لكن في غير الوجه.
وهكذا الرجل مع بناته، ومع بنيه، ومع الأيتام الذين عنده، يضربهم إذا كانت هناك مصلحة في الضَّرب، لكن لا [يضرب] الوجه، يكون ضربًا خفيفًا يحصل به المطلوب، من دون خطرٍ ولا تعدٍّ، ولا ضربٍ في المحلّ الذي يُنهى عن الضرب فيه؛ ولهذا قال ﷺ: مروا أولادَكم بالصَّلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ ..... والولد إذا بلغ العشر على الصَّلاة، لكن ضربًا غير خطيرٍ، غير مبرحٍ.
...........
الطالب: موسى بن إسماعيل المنقري -بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف- أبو سلمة، التَّبوذكي -بفتح المثناة وضم الموحّدة وسكون الواو وفتح المعجمة- مشهور بكُنيته وباسمه، ثقة، ثبت، من صغار التَّاسعة، ولا التفات إلى قول ابن خراش: تكلم الناسُ فيه. مات سنة ثلاثٍ وعشرين. (ع).
الشيخ: .......
الطالب: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن، الهاشمي، المعروف بالكاظم، صدوق، عابد، من السابعة، مات سنة ثلاثٍ وثمانين. (ت، ق).
الشيخ: ...........
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: الصَّدَاقُ الَّذِي أَعْطَاهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَذَفَهَا لاعنها، ولو قذفته جُلِدَتْ؟
وقوله تعالى: فَالصَّالِحَاتُ أَيْ: مِنَ النِّسَاءِ، قَانِتَاتٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يَعْنِي: مُطِيعَاتٌ لِأَزْوَاجِهِنَّ، حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ، وقال السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: أَيْ تَحْفَظُ زَوْجَهَا فِي غَيْبَتِهِ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ.
وَقَوْلُهُ: بِمَا حَفِظَ اللَّهُ أي: المحفوظ مَن حفظه الله.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: خَيْرُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي نَفْسِهَا وَمَالِكَ، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الْآيَةَ: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ إِلَى آخِرِهَا.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ بِهِ، مِثْلَهُ سَوَاءً.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ ابْنِ أَبِي جَعْفَر: أَنَّ ابْنَ قَارِظٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادخلي الجنةَ من أيِّ الأبواب شِئْتِ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ قَارِظٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.
الشيخ: وبكل حالٍ هي على خيرٍ عظيمٍ، إذا استقامت على دين الله فهي على خيرٍ عظيمٍ؛ لهذا قال: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ، فإذا كانت قانتةً، مُطيعةً لله، مُؤدِّيةً حقّ الله وحقّ زوجها فهي على خيرٍ عظيمٍ، وهذا هو الواجب على المرأة، عليها أن تتَّقي الله، وأن تستقيم على أمر الله، وأن تُطيع زوجَها في المعروف، وأن تحذر معصيته وإيذاءه، فإذا أطاعت الله وأطاعت زوجَها فهي على خيرٍ عظيمٍ، لا شكَّ أنَّها من أهل الجنة.
والسَّند وإن كان ضعيفًا لكن معناه صحيحٌ؛ الله جلَّ وعلا وعد المؤمنين والمؤمنات جميعًا دار الكرامة، وعدهم الجنات لطاعتهم لله ، كما قال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، ثم قال: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التوبة:72]، فالوعد للجميع.
وقال جلَّ وعلا: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35] فالأمر مُشتركٌ، والحكم مُعلَّقٌ بالصِّفات، فالمؤمن والمؤمنة إذا استقاما فلهما الأجر العظيم والعاقبة الحميدة، وإن كان الرجلُ قوَّامًا عليها، ومُقدَّمًا عليها، لكن كلٌّ منهما له الخير العظيم والعاقبة الحميدة إذا استقاما على أمر الله وأدَّيا حقَّ الله.
س: أحسن الله إليك: إذا نظر إليها سرَّته، المقصود الجمال أحسن الله إليك؟
ج: المقصود الجمال وغير الجمال، لكن النَّظر في الجمال، تسرّه للجمال، هذا محل النَّظر، ومن جهة الأدب الصالح في ألفاظها وأعمالها وفي نفسها، وفي غير ذلك؛ لأنَّ الأدبَ له أثرٌ عظيمٌ، الأدب في الخطاب، والأدب في العمل والمعاشرة، لكن النَّظر يتعلَّق بالمرئي، وهو ما يظهر من جمالها؛ ولهذا قال ﷺ: تُنْكَح المرأةُ لأربعٍ: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدِّين تربت يداك، وإن كان المقصود، لكن يجب أن يكون الأهمُّ منه والأعظمُ صلاحَها، أن تكون صالحةً.