تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ..}

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ -قَالَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ عَبْدُاللَّهِ ابن الْإِمَامِ أَحْمَدَ: وَاسْمُهُ سَلَمَةُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ صُهَيْبٍ- مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قال: كنا إذا حضرنا مع النبي عَلَى طَعَامٍ لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رسولُ الله فَيَضَعُ يَدَهُ، وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ طَعَامًا، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّمَا تُدْفَعُ، فَذَهَبَتْ تَضَعُ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِهَا، وَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ، فَذَهَبَ يَضَعُ يَدَهُ فِي الطَّعَامِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ إِذَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا، وَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بيده، إنَّ يدَه في يدي مع يديهما يَعْنِي: الشَّيْطَانَ.

وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ بِهِ.

الشيخ: وهذا فيه الحثُّ على العناية بالتَّسمية على الطَّعام عند الأكل والشُّرب؛ ولهذا لما كان عمرُ ابن أبي سلمة -ربيب النبي ﷺ- تطيش يدُه في القصعة، وربما يجهل التَّسمية، قال له النبيُّ: يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك.

فدلَّ الحديثُ هذا -حديث حُذيفة- على أنَّ الشيطانَ يستحلُّ الطَّعام الذي لم يُذكر اسمُ الله عليه؛ ولهذا جاء في الجارية والأعرابي ليستحلَّ بهما؛ لأنَّهما جاهلان سيأكلان من دون تسميةٍ.

وفيه أنَّ تسمية الغير ما تكفي، ليست فرض كفايةٍ، ولا سنة كفايةٍ، بل لا بدَّ لكلِّ واحدٍ أن يُسمِّي، هذه السُّنة، لو كانوا عشرةً كل واحدٍ يُسمِّي، عشرين كل واحدٍ يُسمِّي، لا تُغني تسميةُ أحدٍ عن الآخر، ولو كانت تُغني لم يضرّ مجيء الجارية والأعرابي، فدلَّ ذلك على أنَّ كلَّ واحدٍ يُسمِّي، وأنَّه إذا وضع يدَه -أحد الآكلين- بغير تسميةٍ فقد ساهم في وضع الشَّيطان يده في أكل الشَّيطان مع النَّاس.

س: لمس يد الجارية؟

ج: قد تكون صغيرةً، وقد يكون من وراء حائلٍ، قد تكون صغيرةً، محتمل.

س: الطِّفل الذي لا ينطق لو سمَّى أبوه أو أمُّه على طعامه هل في ذلك حرجٌ؟

ج: الظاهر أنَّه يكفي إن شاء الله، إذا كان طفلًا أو طفلةً وسمَّى أبوهما أو أمُّهما وقال: كلوا، وسمَّى، هذا طيبٌ، من باب التَّعليم، وأبوه يقوم مقامه، وأُمُّه تقوم مقامه.

س: .............؟

ج: ظاهر العموم يعمّه.

س: إذا شخص لم يُسمِّ يضرّ الذين سمُّوا؟

ج: هذا ظاهر الحديث الصَّحيح هذا؛ ولهذا جاء بالأعرابي، وجاء بالجارية ليستحلَّ بهما الطَّعام.

س: .............؟

ج: هذه السُّنة مع المقدم، ومع أمير القوم، يضعون أيديهم بعدما يضع تأدُّبًا، يتأدَّبون معه، فإذا وضع يدَه وضعوا أيديهم ويسبقونه، ومثله أمير القوم، وأمير الجماعة، وكبير الجماعة، لا يتقدَّمون عليه، من الأدب أن يصبروا حتى يتقدَّم.

س: العادة عند الناس اليوم إذا جاءه ضيفٌ أنهم لا يُسمُّون حتى يُسمِّي الضيفُ؟

ج: الأمر واسعٌ، الضَّيف يُشبه أن يكون كبير القوم؛ لأنَّه صاحب الوليمة، هو أشبه شيءٍ بكبير الجماعة، أو أمير الجماعة، من الأدب، كون الضيف يبدأ هذا حسنٌ؛ لأنَّه هو المقصود، المقصود بالوليمة هو الضَّيف.

س: هل التَّسمية واجبة؟

ج: المعروف عند أهل العلم أنها سنة، والقول بالوجوب قولٌ قويٌّ؛ لأنَّ النبيَّ قال للغلام: سَمِّ الله، والله يقول: وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ [المائدة:4] .....، فالقول بالوجوب قولٌ قويٌّ للأوامر؛ لأنَّ الأصلَ في الأمر الوجوب، والمعروف عند أهل العلم أنها سنة.

س: .............؟

ج: ظاهر الأوامر الوجوب، إلا أن يوجد صارفٌ، نعم.

س: معنى "يستحلّ بهما"؟

ج: يعني: يأكل معهما؛ ولهذا في الحديث الصَّحيح: إذا دخل الإنسانُ بيتَه وسمَّى الله قال: لا مبيتَ لكم. وإذا سمَّى عند الأكل قال: لا مبيتَ، ولا عشاء. وهذا يُفيد أنَّ كثيرًا من الناس عشاءهم في الليل، في أول الليل: لا مبيتَ، ولا عشاء. التَّسمية تمنع مبيتَه، وتمنع العشاء، مُشاركته في العشاء.

س: إذا دخل بيتَه ثم سمَّى الله يكفي ذلك؟

ج: يكفي في منع الشَّيطان من المبيت، أمَّا الأكل فيحتاج إلى تسميةٍ أخرى.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بيتَه فذكر اللهَ عند دخوله وعند طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عشاء، وإذا دخل ولم يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، فَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِرَبِّهِ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ. قَالَ: فَلَعَلَّكُمْ تَأْكُلُونَ مُتَفَرِّقِينَ، اجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الوليد بن مسلم.

الشيخ: هذا ظاهر القرآن: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا [النور:61]، لكن الاجتماع يكون أفضل مع التَّسمية، انظر "التقريب" على وحشي بن حرب.

الطالب: عندنا تعليق، قال عن وحشي: مستور، من الثامنة، وحرب والده مقبول، من الثالثة.

الشيخ: وفيه تدليس، فيه عنعنة الوليد أيضًا، فالحديث ضعيفٌ بهذا السَّند، ولكن القرآن الكريم يُوضح أنَّه لا حرج أن يأكلوا جميعًا وأشتاتًا، لا بأس، أهل البيت كل واحدٍ يأكل وحده، أو يجتمعون، لكن فعل النبي ﷺ وفعل الصَّحابة يدل على أنَّ الاجتماعَ أفضل على ما يدل عليه هذا الحديث الضَّعيف، كون النبي يأكل مع أصحابه جميعًا هذا يدل على أنَّ الاجتماع على الطَّعام مع التَّسمية أفضل، وهو من أسباب البركة، من أسباب الشِّبَع.

س: .............؟

ج: بلى، هو في الباب، في المعنى، نعم، شاهد في السُّنية.

س: كذلك الحكم ينطبق على مَن لم يُسَمِّ عند الجماع؟

ج: هذا بالنَّص، جاء فيه النَّص: لو أنَّ أحدَكم أراد أن يأتي أهلَه فقال: بسم الله، اللهم جنِّبنا الشَّيطان، وجنِّب الشيطانَ ما رزقتنا، فإنَّه إن يُكتَب بينهما ولدٌ لم يضرّه الشيطانُ أبدًا، إن يُقدّر بينهما ولدٌ لم يضرّه الشيطان أبدًا، التَّسمية عند الجماع يقول: اللهم جنِّبنا الشَّيطان، وجنِّب الشَّيطان ما رزقتنا. من أسباب سلامة الولد وصلاحه.

س: .............؟

ج: الخطاب مع الرجل: لو أنَّ أحدَكم أراد أن يأتي أهلَه يدل على أنَّ التَّأكد في الرَّجل.

س: لكن لو ما سمَّى الرجل؟

ج: على كلٍّ يُرجى الخير، لكن النَّص في الرَّجل.

الطالب: وحشي -بفتح أوله وسكون المهملة ثم مُعجمة- بن حرب بن وحشي بن حرب، الحبشي، الحمصي، مستور، من الثامنة. (د، ق).

والده: حرب بن وحشي بن حرب، الحبشي، الحمصي، مقبول، من الثالثة. (د، ق).

الشيخ: هذا ..... طيب، الله المستعان.

س: وُجدت الآن طريقة في الأكل: تُوضع جميع أنواع الطَّعام في إناءٍ، فيأخذ كلُّ إنسانٍ في صحنٍ مُستقلٍّ، يقولون: حتى لا يمسّ فيفسد. هل يُقال هذه ..... الاجتماع؟

ج: كونهم يأكلون جميعًا أحسن، لكن كل واحدٍ يأخذ له صحنًا لحاله.

س: يعني كونه في صحنٍ واحدٍ أولى؟

ج: ما في شكّ، يجتمعون عليه أولى.

س: .............؟

ج: الأمر واسعٌ، الأمر واسعٌ، لكن إذا تحرَّى الألفاظ الشَّرعية طيب: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم، أكل طعامَكم الأبرارُ، وأفطر عندكم الصَّائمون، وصلَّت عليكم الملائكة، طيب، وإذا قال مع هذا ..... وزادك الله من فضله، كثَّر اللهُ خيرَك، كلّه طيب، الحمد لله: مَن صنع إليكم معروفًا فكافئوه، وإن لم تجدوا فادعوا له حتى .....، الحمد لله.

الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5].

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا حَرَّمَهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْخَبَائِثِ، وَمَا أَحَلَّهُ لَهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، قَالَ بَعْدَهُ: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ، ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَقَالَ: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو أُمَامَةَ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَمَكْحُولٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ والسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: يَعْنِي ذَبَائِحَهُمْ. وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.

الشيخ: يعني المراد الطَّعام الذي هو الذَّبائح، أمَّا الفاكهة وأشباهها فهي حلٌّ من أهل الكتاب ومن غير أهل الكتاب، ما فيها ذبح، ما فيها تعرض للميتة، وما يُوجد من فاكهةٍ وأشباهها من أنواع الطعام حلّ، سواء كان ورد من أهل الكتاب، أو ورد من أصنافٍ أخرى من الكفرة، إنما الكلام في الذَّبائح فقط، هو محل البحث، فذبائح أهل الكتاب من اليهود والنَّصارى حلٌّ لنا ما لم نعلم مُوجبًا لتحريمها؛ من كونهم ذبحوها لغير الله، أو ذبحوها على غير اسم الله، فتكون داخلةً في قوله: وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة:173]، فإذا جهلنا ذلك أو ذبحوها للحم ..... فلا بأس.

س: .............؟

ج: مَن كان ظاهره الإسلام ويُصلي مع المسلمين الحمد لله، إلَّا إذا علمنا فيه ناقضًا من نواقض الإسلام يمنع.

س: .............؟

ج: أهل الكتاب هم أهل النَّصرانية واليهودية، واختلف الناسُ، اختلف العلماءُ فيما إذا تدين بدينهم غيرهم من العرب، كبني تغلب؛ فقومٌ ألحقوهم بهم حتى في الذَّبائح، وقومٌ قالوا: لا يُلحقون بهم، في الجزية فقط. والأقرب والله أعلم أنهم يُلحقون بهم في كل شيءٍ.

س: .............؟

ج: لا، ليسوا بأهل كتابٍ؛ ولهذا لم تحل ذبائحهم ولا نساؤهم، وإنما تُؤخذ منهم الجزية فقط.

س: أكثر أهل الكتاب اليوم مُشركون بالله؟

ج: هم أهل الكتاب ولو أشركوا ..... ينتسبون إلى النَّصرانية واليهودية، هم مشركون يعبدون عيسى، ويعبدون عُزيرًا، لكن يغلب عليهم وصفُ أهل الكتاب، وهم كفَّار.

س: ذبائح الرَّافضة؟

ج: لا تحل ذبائحُ الرافضة، وثنية، وثنيون.

أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ حَلَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَ الذَّبْحِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَا يَذْكُرُونَ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ إِلَّا اسْمَ اللَّهِ، وَإِنِ اعْتَقَدُوا فِيهِ تعالى ما هو مُنَزَّهٌ عنه تَعَالَى وَتَقَدَّسَ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عبدالله بن مغفل قال: أُدلي بجرابٍ من شحمٍ يوم خيبر، فحضنته وَقُلْتُ: لَا أُعْطِيَ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا أَحَدًا، وَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ ﷺ يبتسم. فَاسْتَدَلَّ بِهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَنَاوُلُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.

وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْفُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي مَنْعِهِمْ أَكْل مَا يَعْتَقِدُ الْيَهُودُ تَحْرِيمَهُ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ، كَالشُّحُومِ وَنَحْوِهَا مِمَّا حَرُمَ عَلَيْهِمْ، فَالْمَالِكِيَّةُ لَا يُجَوِّزُونَ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْلَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ، قَالُوا: وَهَذَا لَيْسَ مِنْ طَعَامِهِمْ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِمُ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ عينٍ، ويحتمل أن يكون شَحْمًا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ: كَشَحْمِ الظَّهْرِ وَالْحَوَايَا وَنَحْوِهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَجْوَدُ مِنْهُ فِي الدَّلَالَةِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ أَهْدَوْا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَاةً مَصْلِيَّةً، وَقَدْ سَمُّوا ذِرَاعَهَا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ الذِّرَاعُ، فَتَنَاوَلَهُ، فَنَهَشَ مِنْهُ نَهْشَةً، فَأَخْبَرَهُ الذِّرَاعُ أَنَّهُ مسمومٌ؛ فلفظه، وأثَّر ذلك فِي ثَنَايَا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَفِي أبْهَرِهِ، وَأَكَلَ مَعَهُ مِنْهَا بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فَمَاتَ، فَقَتَلَ الْيَهُودِيَّةَ الَّتِي سَمَّتْهَا، وَكَانَ اسْمُهَا زَيْنَبَ.

وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى أَكْلِهَا وَمَنْ مَعَهُ، وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ: هَلْ نَزَعُوا مِنْهَا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ مِنْ شَحْمِهَا أَمْ لَا؟

وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَضَافَهُ يَهُودِيٌّ عَلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ. يَعْنِي: وَدَكًا زَنِخًا.

الشيخ: هذا هو الصَّواب وإن حرمت عليهم الشّحوم، ولكنَّها حلٌّ لنا، حرمت عليهم عقوبةً لهم، وإلا هي حلٌّ لنا، فإذا أهدوا إلينا أو ذبحوا وليمةً أو باعوا نأكل؛ لأنها من طعامهم، ولو في الشَّحم، إلا ما عُلِمَ أنهم أَهَلُّوه لغير الله، أو ذكروا عليه اسم غير الله.

قول المؤلف: إنهم لا يذبحون إلا لله، ولا يذكرون اسمَ غير الله على ذبائحهم. هذا محل نظرٍ، والأقرب والله أعلم أنهم قد يُشركون، وقد يُهلُّون بذبائحهم لغير الله من عزيرٍ أو المسيح، فالحاصل أنَّ ما كان من ذبائحهم ونحن لا نعلم حاله فهو حلٌّ لنا، نعم.

س: ..............؟

ج: إذا علمت محرَّمًا لا تأكل، حرمت عليك، إذا علمت أنها أُهِلَّت لغير الله، أو ذُكِرَ اسمُ غير الله عليها، أو ذُبِحَتْ بالصَّعق أو بالخنق أو غير ذلك لا تحلّ؛ لأنها مُحرَّمةٌ عليك بنص القرآن.

س: الإخوان الذين يذهبون إلى فرنسا وأمريكا يجدون المسلمين الذين عندهم ورعٌ لا يأكلون من تلك اللّحوم؛ لعلمهم أنَّ الذي يشتغل في المصانع من العرب يعرفون أنَّ لحومهم على غير الشَّريعة، حتى المسلمين المقيمين هناك لا يأكلون من لحوم تلك البلاد لعلمهم بهذا؟

ج: الذي يعرف لا يأكل، الذي يعلم أنَّها ..... لغير الله، أو أنها مذبوحة بالخنق أو نحوه لا يأكل، ولا يحرم على غيره ما أباحه الله؛ لأنها حلٌّ لنا، ومَن عرف مُوجبًا للتَّحريم وجب عليه الامتناع، ولا يكون امتناعُه هو محرِّمًا لغيره.

س: ............؟

ج: إذا كانت محصنةً.

س: تُوجد محصنات الآن؟

ج: الأصل الإحصان، إن كانوا كفَّارًا قد تكون محصنةً، ما ترغب في الزنا ولا تُريده.

س: قول ابن عمر: أنهن مُشركات لا يجوز نكاحهنَّ، لا أعلم أحدًا أشرك بالله مثلهنَّ؟

ج: وابن عمر يعني يُحتجّ به ضدّ القرآن يعني؟! إذا اجتهد ابنُ عمر في شيءٍ وغلط يكون حُجَّةً؟! الصَّحابي إذا غلط ما هو بحُجَّةٍ، الحجَّة النَّص، رضي الله عنه وأرضاه.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قُرِئَ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَد.

الطالب: العباس بن الوليد بن مزيد -بفتح الميم وسكون الزاي وفتح المثناة التحتانية- العُذْري -بضم المهملة وسكون المعجمة- البيروتي -بفتح الموحدة وآخره مُثناة- صدوق، عابد، من الحادية عشرة، مات سنة تسعٍ وستين وله مئة سنة. (د، س).

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ: أَخْبَرَنِي النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، ثُمَّ نسخه الرَّبُّ وَرَحِمَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ، فَنَسَخَهَا بِذَلِكَ، وَأَحَلَّ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ.

وَفِي هَذَا الَّذِي قَالَهُ مَكْحُولٌ رَحِمَهُ اللَّهُ نَظَرٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِبَاحَتِهِ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِبَاحَةُ أَكْلِ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ وَقَرَابِينِهِمْ، وَهُمْ مُتَعَبّدُونَ بِذَلِكَ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُبِحْ ذَبَائِحَ مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ ومَن شابههم؛ لأنَّهم لا يذكرون اسْمَ اللَّهِ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ، بَلْ وَلَا يَتَوَقَّفُونَ فِيمَا يَأْكُلُونَهُ مِنَ اللَّحْمِ عَلَى ذَكَاةٍ، بَلْ يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَمَنْ شَاكَلَهُمْ من السَّامرة والصَّابئة ومَن يتمسَّك بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ وَشِيثَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ وَنَصَارَى الْعَرَبِ: كَبَنِي تَغْلِبَ وتنوخ وبهرا وَجُذَامٍ وَلَخْمٍ وَعَامِلَةَ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ، لَا تُؤْكَلُ ذبائحُهم عند الجمهور.

س: .............؟

ج: على الخلاف، بنو تغلب تنصَّروا وأُلحقوا باليهود والنَّصارى، يذكر المؤلفُ عن الجمهور أنَّهم لا يُلحقونهم في أكل ذبائحهم؛ لأنَّهم يغلب عليهم الوثنية.

س: .............؟

ج: صواب، نعم، إباحة طعام أهل الكتاب، لا يبيح الطَّعام الذي لم يذكر اسم الله .....، هذا شيءٌ، وهذا شيءٌ، إذا تعمَّد ترك اسم الله.

س: يدل على أنَّ السَّامرة والصَّابئة يذكرون اسمَ الله؟

ج: أعد كلامَ المؤلف.

فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِبَاحَتِهِ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِبَاحَةُ أَكْلِ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ وَقَرَابِينِهِمْ، وَهُمْ مُتَعَبّدُونَ بِذَلِكَ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُبِحْ ذَبَائِحَ مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ ومَن شابههم؛ لأنَّهم لا يذكرون اسْمَ اللَّهِ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ، بَلْ وَلَا يَتَوَقَّفُونَ فِيمَا يَأْكُلُونَهُ مِنَ اللَّحْمِ عَلَى ذَكَاةٍ، بَلْ يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَمَنْ شَاكَلَهُمْ من السَّامرة والصَّابئة ومَن يتمسَّك بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ وَشِيثَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ وَنَصَارَى الْعَرَبِ: كَبَنِي تَغْلِبَ وتنوخ وبهرا وَجُذَامٍ وَلَخْمٍ وَعَامِلَةَ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ، لَا تُؤْكَلُ ذبائحُهم عند الجمهور.

الشيخ: لأنَّهم ليسوا من أهل الكتاب في كل شيءٍ، إنما انتسابٌ للنَّصرانية، وليسوا على دينهم من كل الوجوه، هذا وجه قول الجمهور: أنها لا تحلّ ذبائحُهم.

............

وقال أَبُو جَعْفَرِ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عن عُبَيْدَةَ.

الشيخ: عن عَبيدة، يعني: عبيدة السَّلماني.

مُداخلة: عندنا محمد بن عبيدة.

الشيخ: لا، عن محمد، عن عبيدة، نعم: محمد بن سيرين، عن عَبيدة السَّلماني.

عن محمدٍ، عن عبيدة، عن عليٍّ : لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ بَنِي تَغْلِبَ؛ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَمَسَّكُونَ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ.

وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْخَلَفِ وَالسَّلَفِ.

وَقَالَ سَعِيدُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ: أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِذَبِيحَةِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ. وَأَمَّا الْمَجُوسُ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ أُخِذَتْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ تَبَعًا وَإِلْحَاقًا لِأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ، خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ الْكَلْبِيِّ، أَحَدِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ وَاشْتَهَرَ عَنْهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ عَنْهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَبُو ثَوْرٍ كَاسْمِهِ. يَعْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِعُمُومِ حَدِيثٍ رُوِيَ مرسلًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ" عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أنَّ رسول الله ﷺ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. وَلَوْ سُلِّمَ صِحَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ فَعُمُومُهُ مَخْصُوصٌ بِمَفْهُومِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ، فَدَلَّ بِمَفْهُومِهِ -مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ- عَلَى أَنَّ طَعَامَ مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ لَا يَحِلُّ.

الشيخ: وهذا الذي قاله المؤلفُ هو الحقُّ؛ فإنَّ المجوسَ وثنيون مُشركون، ولا تحلّ ذبائحهم، ولا نساؤهم، وإنما الذي يحلّ طعام أهل الكتاب، ونساء أهل الكتاب بنصِّ الآية، وأمَّا أخذ الجزية منهم فهذا شيءٌ خاصٌّ في الجزية فقط، تُؤخذ منهم الجزية كاليهود والنَّصارى، لكن لا تُؤكل ذبائحُهم، ولا تحلّ نساؤهم.

س: حديث: "سنُّوا بهم سُنَّةَ أهل الكتاب" لا يصحّ؟

ج: الحديث ضعيفٌ، المحفوظ أنَّه ﷺ أخذ الجزيةَ من مجوس هجر، كما روى عبدُالرحمن بن عوف.

س: بنو تغلب أين موقعهم؟

ج: الظَّاهر أنهم في جهة الشَّام، في أطراف الشَّام.

س: المحصنة من أهل الكتاب إذا تزوَّجها المسلمُ ولم تُسلم بعد ذلك يُبقيها معه؟

ج: ولو ما أسلمت، نعم.

وقوله تعالى: وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ أَيْ: وَيَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تُطْعِمُوهُمْ مِنْ ذَبَائِحِكُمْ، وَلَيْسَ هَذَا إِخْبَارًا عَنِ الْحُكْمِ عِنْدَهُمْ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْأَكْلِ مِنْ كُلِّ طَعَامٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ أَوْ غَيْرِهَا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى، أَيْ: وَلَكُمْ أَنْ تُطْعِمُوهُمْ مِنْ ذَبَائِحِكُمْ كَمَا أَكَلْتُمْ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمُكَافَأَةِ وَالْمُقَابَلَةِ وَالْمُجَازَاةِ، كَمَا أَلْبَسَ النَّبِيُّ ﷺ ثَوْبَهُ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ حِينَ مَاتَ وَدَفَنَهُ فِيهِ، قَالُوا: لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ كَسَا الْعَبَّاسَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ثَوْبَهُ، فَجَازَاهُ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ بِذَلِكَ.

فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ: لَا تَصْحَبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: والآية الكريمة في طعامنا حلٌّ لهم من باب أولى، كون طعامهم حلًّا لنا وهم كفَّار، من باب أولى أن يكون طعامُهم حلًّا لنا؛ لأننا مسلمون على دين محمدٍ عليه الصَّلاة والسلام، هذا هو وجه الكلام، والله سبحانه أباح لنا طعامَهم، وطعامنا من باب أولى حلٌّ لهم؛ لأنَّه أشرف من طعامهم، وفوق طعامهم، فيكون حلًّا لهم ولو ما أسلموا، أما إذا أسلموا فلهم حكم المسلمين، نعم.

س: شحم الخنزير حلالٌ أم حرامٌ؟

ج: الخنزير كلّه حرامٌ عند أهل العلم، كله حرام: شحمه ولحمه.

س: كون اللَّحم ذُكِرَ في القرآن؟

ج: الشَّحم تبعٌ؛ لأنَّ اللَّحمَ هو المقصود، والشَّحم والمصران تبعٌ، كلّه نجسٌ، كلّه خبيثٌ.

س: .............؟

ج: نعم، على الاستحباب، النبي أكل طعامَ الكفَّار، وردُّوا عليه، واستضافهم عليه الصَّلاة والسَّلام.

س: بالنسبة للكتابية يُلزمها بالحجاب؟

ج: إيه، نعم، يُلزمها بالحجاب وبكل شيءٍ يسترها ويصونها عن البلاء، ويدعوها إلى الإسلام، ويُشجِّعها على الإسلام، ويُرغِّبها في الإسلام أيضًا.

س: قوله: وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ هل هو نسخٌ لتحريم الشُّحوم على اليهود؟

ج: ..... ذبائحهم التي يذبحونها هم، أمَّا ذبائحنا نحن فحلٌّ لهم مطلقًا.

س: ............؟

ج: نعم، ولو يدخل فيه طعامنا حلٌّ لهم، كلّه بنصِّ الآية الكريمة.

س: ..... قال بأنَّ المشركَ إذا سمَّى الله تجوز ذبيحته، وقال بأنَّ الآية: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ، هذه ..... دلالة مفهوم، ودلالة المفهوم ضعيفة؟

ج: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ مفهوم؟ اللهم اهده، هذا صريحٌ جزاك الله خيرًا، ما هو مفهوم: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ؟ نصٌّ صريحٌ، وطعامنا حلٌّ لهم صريحٌ، اللهم اهدنا فيمَن هديت.

س: حديث: لا تُصاحِب إلا مؤمنًا صحيحٌ؟

ج: ما أعلمه أنَّه لا بأسَ به، لكن يحمله العلماءُ على معنى الأكثرية، كونه لا يكون صاحبًا لك ولا يغلب على طعامك إلَّا الأتقياء، أما وجود الضَّيف والأشياء العارضة فلا بأس بها، كما كان الضيوفُ يأتون إلى النبي ﷺ وهم كفَّار فيُطعمهم، الذي أعرفه أنَّه لا بأس به، ولو جمعت أسانيدَه طيِّب.

مُداخلة: في تعليق على الحديث، يقول: أخرجه أبو داود والترمذي، باب "ما جاء في صُحبة المؤمن"، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ، إنما نعرفه من هذا الوجه، وأخرجه الدَّارمي في "سننه"، والإمام أحمد في "مسنده" من طريق ..... بن غيلان، عن الوليد بن قيس، عن أبي سعيدٍ. وعن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ وسالم، هذا لا بأس به، والوليد مقبول، وقد رُوِيَ عن أبي سعيدٍ. وعن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ، والحديث من أجله ضعيفٌ.

الشيخ: على كل حالٍ تُجْمَع طرقُه، أحسن واحد منكم يجمعه الشيخ عبدالعزيز، وإلا ..... تجمع طرقه إن شاء الله.

س: ما في فرق بين أهل الكتاب والمشركين في طعامِهم؟

ج: طعام المشرِك، ذبيحته ما تحلّ، إنما تحلّ ذبيحة أهل الكتاب.