تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً..}

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ۝ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:92- 93].

يَقُولُ تَعَالَى: لَيْسَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ بوجهٍ من الوجوه، وكما ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ، ثُمَّ إِذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ آحَادِ الرَّعِيَّةِ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ.

الشيخ: والمعنى أنَّ هذه الأمور يحكم ولاةُ الأمور ونوَّابهم فيها؛ لئلا تقع الفوضى والفساد، فعلى ولي الأمر إذا ثبت الزنا أن يأمر بالحدِّ، وإذا ثبت العدوان وقتل النفس بغير حقٍّ أن يأمر بالقصاص إذا لم يسمح الورثةُ بالدية، وليس ذلك بأيدي أفراد الناس، إنما هذا لولي الأمر في البلد أو نائبه.

وَقَوْلُهُ: إِلَّا خَطَأً قَالُوا: هو استثناءٌ مُنقطعٌ، كقول الشَّاعر: [الطويل]

مِنَ الْبِيضِ لَمْ تَظْعَنْ بَعِيدًا وَلَمْ تَطَأْ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا رَيْطَ بُرْدٍ مُرَحَّلِ

وَلِهَذَا شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ.

الشيخ: يعني ليس له إلا أن يقع ذلك خطأً منه، ليس للمؤمن والمؤمنة العدوان على أخيهما إلا أن يقع هذا خطأ منه، الخطأ قد يقع، وأمَّا في الشَّرع فليس له قتله عمدًا، بل ذلك من أكبر الكبائر، وأعظم الجرائم، أمَّا الخطأ فيقع؛ قد يرمي صيدًا فيُصيب إنسانًا، قد يرمي هدفًا فيُصيب إنسانًا، قد يشتغل في آلةٍ لإصلاحها فتسقط من يده فتُصيب إنسانًا، إلى غير هذا من أنواع الخطأ.

س: أول ما يُقضى يوم القيامة في الدِّماء؟

ج: نعم، هكذا جاء في الحديث، بين الناس، نعم.

فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: نَزَلَتْ فِي عَيَّاشِ ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَخِي أَبِي جَهْلٍ لِأُمِّهِ -وهي أسماء بنت مخرمة- وذلك أنَّه قتل رجلًا يُعَذِّبُهُ مَعَ أَخِيهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الْحَارِثُ بن يزيد الغامدي.

الشيخ: الذي عنده "الغامدي" يحطّ نسخة: العامري؛ لأنَّ العامري نسبة إلى نسب، والغامدي نسبة إلى الجهة، القبيلة.

الطالب: الحارث بن يزيد ابن أنيسة، ويقا:ل ابن نبيشة، ويقال: ابن أبي أنيسة، من بني معيص بن عامر بن لؤيّ، القرشي، العامري.

ذكر ابنُ إسحاق في "السيرة" عن عبدالرحمن بن الحارث بن عبداللَّه بن عيّاش، قال: قال لي القاسمُ بن محمّد: نزلت هذه الآية: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92] في جدِّك عياش ابن أبي ربيعة، والحارث بن زيد أخي بني معيص بن عامر، وكان يُؤذيهم بمكّة وهو كافرٌ، فلمَّا هاجر الصّحابةُ أسلم الحارث ولم يعلموا بإسلامه، وأقبل مُهاجرًا، حتى إذا كان بظاهر الحرّة لقيه عيّاش ابن أبي ربيعة، وظنَّه على شركه فعلاه بالسَّيف حتى قتله.

فَأَضْمَرَ لَهُ عَيَّاشٌ السُّوءَ، فَأَسْلَمَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَهَاجَرَ، وَعَيَّاشٌ لَا يَشْعُرُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ رَآهُ، فَظَنَّ أَنَّهُ عَلَى دِينِهِ؛ فَحَمَلَ عليه فقتله، فأنزل اللهُ هذه الْآيَةَ.

قَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي الدَّرْدَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا وقد قال كلمةَ الإيمان حين رفع عليه السَّيْفَ، فَأَهْوَى بِهِ إِلَيْهِ فَقَالَ كَلِمَتَهُ، فَلَمَّا ذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّمَا قَالَهَا مُتَعَوِّذًا. فَقَالَ لَهُ: هَلْ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟.

وَهَذِهِ الْقِصَّةُ فِي الصَّحِيحِ لِغَيْرِ أَبِي الدَّرْدَاءِ.

الشيخ: هذه القصّة لأسامة بن زيد رضي الله عنهم جميعًا.

وَقَوْلُهُ: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ هَذَانِ وَاجِبَانِ فِي قَتْلِ الْخَطَأ: أَحَدُهُمَا: الْكَفَّارَةُ لِمَا ارْتَكَبَهُ مِنَ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً، وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ عِتْقَ رَقَبَةٍ مؤمنةٍ، فلا تُجزئ الكافرةُ.

وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يُجْزِئُ الصَّغِيرُ حَتَّى يَكُونَ قَاصِدًا لِلْإِيمَانِ.

وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِالرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: في حرفٍ: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لَا يُجْزِئُ فِيهَا صَبِيٌّ.

واختار ابنُ جريرٍ أنَّه إِنْ كَانَ مَوْلُودًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَجْزَأَ، وَإِلَّا فَلَا، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ مُسْلِمًا صَحَّ عِتْقُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، سَوَاءٌ كان صغيرًا أو كبيرًا.

الشيخ: وهذا هو الصّواب، العبرة به نفسه، العتيق إذا كان مسلمًا أجزأ، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، وسواء كان أبواه مؤمنين أو كافرين أو أحدهما، العبرة به نفسه؛ لأنَّ الله قال: رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فلا تجوز الزيادة على ذلك، نعم.

س: مَن اشترط أن تكون الرقبةُ سليمةً من العيب؟

ج: ما هو ببعيدٍ، القول بهذا ليس ببعيدٍ، كما يُقال في الضَّحايا والهدايا .....، ما هو ببعيدٍ.

س: وإن كان القاتلُ لم يبلغ يُقتل؟

ج: لا، لا، هذا يُعتبر خطأ، القتل الخطأ إذا كان القاتلُ صغيرًا، ما يصير عمدًا، يصير خطأً.

قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَنْبَأَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَّهُ جَاءَ بِأَمَةٍ سَوْدَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عليَّ عتقَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَإِنْ كُنْتَ تَرَى هَذِهِ مُؤْمِنَةً أعتقتُها؟ فقال لها رسولُ الله: أتشهدين أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قال: أتشهدين أني رسول الله؟ قالت: نعم. قال: أتُؤمنين بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: أَعْتِقْهَا.

وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وجهالة الصَّحابي لا تضرّه.

وفي "موطأ" مالك و"مسند" الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَ"صَحِيحِ" مُسْلِمٍ وَ"سُنَنِ" أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ هِلَالِ ابْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ: أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ بِتِلْكَ الْجَارِيَةِ السَّوْدَاءِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيْنَ اللَّهُ؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ. قَالَ: مَن أنا؟ قالت: رسول الله ﷺ. قال: أَعْتِقْهَا؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ.

وَقَوْلُهُ: وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ هُوَ الْوَاجِبُ الثَّانِي فِيمَا بَيْنَ الْقَاتِلِ وَأَهْلِ الْقَتِيلِ؛ عِوَضًا لَهُمْ عَمَّا فَاتَهُمْ مِنْ قتيلهم.

وَهَذِهِ الدِّيَةُ إِنَّمَا تَجِبُ أَخْمَاسًا كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ خَشْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي دِيَةِ الْخَطَأ عِشْرِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرِينَ بَنِي مَخَاضٍ ذُكُورًا، وَعِشْرِينَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرِينَ جذعة، وعشرين حقَّة. لفظ النَّسائي.

قال التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ مَوْقُوفًا، كما رُوِيَ عن عليٍّ وطائفةٍ. وقيل: تجب أرباعًا. وهذه الدّية على العاقلة، لَا فِي مَالِهِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ حَدِيثِ الْخَاصَّةِ. وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ؛ فَمِنْ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ حكمَ عمد الخطأ حكم الخطأ الْمَحْضِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ.

الشيخ: حكم الخطأ المحض، يعني: شبه العمد، عمد الخطأ يعني: شبه العمد؛ لأنَّها رمتها بحجرٍ، وهذا شبه العمد، لكنَّه لا يقتل غالبًا، فقتلها، هذا حكمه شبه العمد، تكون الديةُ على العاقلة في الخطأ وشبه العمد من العصبة، أقرب العصبة يُوزع بينهم على المستطيعين، على الأغنياء منهم، نعم.

س: قول الترمذي: أجمع أهلُ العلم على أنَّ الدّية تُستوفى في ثلاث سنين .....، ما مُستنده؟

ج: عندك: قال الترمذي؟

الطالب: ما ذكره، ليس موجودًا عندي.

الشيخ: المشهور في الخطأ أنها في أربع سنين، هي في ثلاث سنين، لكن تُوزّع أربعًا، قضى به الصَّحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، عمر وغيره، نعم.

لَكِنَّ هَذَا تَجِبُ فيه الدِّية أثلاثًا لشُبهة العمد.

وَفِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ" عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عمر قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جُذَيْمَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنَا، صَبَأْنَا. فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ، وَبَعَثَ عَلِيًّا فَوَدَى قَتْلَاهُمْ وَمَا أُتْلِفَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، حَتَّى مِيلَغَةَ الْكَلْبِ.

الشيخ: خالد غلط فيهم، ما فهم قولهم: صبأنا، ظنَّ أنهم يقولون: كفرنا، كفرنا. فقتلهم خطأً، فبين النبيُّ ﷺ براءته من هذا الخطأ، ووداهم، ولم يعزله ، دلَّ على أنَّ الأمير الصَّالح والموظف الصَّالح إذا أخطأ يُبيّن له الخطأ، ولا يستدعي عزله إذا كان فيه كفاية؛ ولهذا لم يعزله عليه الصلاة والسلام وبيَّن الخطأ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ خَطَأَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ يَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ.

وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا أَيْ: فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَتَصَدَّقُوا بِهَا فَلَا تَجِبُ.

الشيخ: يعني: إلا أن يسمحوا ويعفوا، إلا أن يعفوا عنها، تسقط، نعم.

وَقَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ أَيْ: إِذَا كَانَ الْقَتِيلُ مُؤْمِنًا وَلَكِنْ أَوْلِيَاؤُهُ مِنَ الْكُفَّارِ، أَهْلَ حَرْبٍ، فَلَا دِيَةَ لَهُمْ، وَعَلَى الْقَاتِلِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لَا غَيْرَ.

وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ الْآيَةَ، أَيْ: فَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ أَوْلِيَاؤُهُ أَهْلَ ذِمَّةٍ.

الشيخ: قوله: "أهل حرب" الظاهر ليس بشرطٍ، إن كانوا عدوًّا لنا، وهم كفَّار؛ فإنَّه لا ديةَ، إنما عليه الكفَّارة، القاتل عليه الكفَّارة؛ لأنَّ الكفَّار لا يرثونه، فليس لهم دية، إنما تجب الكفَّارةُ في قتل المؤمن الذي ليس له وارثٌ مؤمنٌ.

أَوْ هُدْنَةٍ، فَلَهُمْ دِيَةُ قَتِيلِهِمْ، فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَكَذَا إِنْ كَانَ كَافِرًا أَيْضًا عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ: يَجِبُ فِي الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ. وَقِيلَ: ثُلُثُهَا. كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي كِتَابِ "الْأَحْكَامِ".

الشيخ: هذا إذا كان القتيلُ له عهدٌ وأمانٌ، هذا تُعطى الدِّية ورثته، أمَّا إذا كان القتيلُ مؤمنًا وأقاربه كفَّار فليس فيه إلا الكفَّارة.

وَيَجِبُ أَيْضًا عَلَى الْقَاتِلِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَيْ: لَا إِفْطَارَ بَيْنَهُمَا، بَلْ يَسْرُدُ صَوْمَهُمَا إِلَى آخِرِهِمَا، فَإِنْ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ اسْتَأْنَفَ، وَاخْتَلَفُوا فِي السَّفَرِ: هَلْ يَقْطَعُ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.

الشيخ: والمعنى أنه يسردها سردًا ستين يومًا، شهرين، توبةً من الله جلَّ وعلا، إلَّا إذا قطعها بعذرٍ شرعيٍّ؛ كالمرأة يُصيبها الحيض، أو يُصيبه المرض، فله عذرٌ في هذا، إذا برئ أو طهرت من الحيض تُكمل الشَّهرين، يكون عذرًا شرعيًّا، والصواب أنَّ السفر عذرٌ إذا كان له مُوجِب، ما هو بالتَّحيل، إذا كان السفرُ ليس تحيلًا، ولكن دعت الحاجةُ إلى السَّفر فعذرٌ للقطع.

س: .............؟

ج: الأقرب فيه النِّصف، ظاهر الأحاديث الصَّحيحة في هذا النِّصف.

س: على العاقلة؟

ج: العاقلة، العصبة، أقرب العصبة الأغنياء، نعم.

س: تقسيمها على العاقلة؟

ج: في المحكمة، ولي الأمر، نائب ولي الأمر ينظر فيهم، ويسأل عنهم، ويتبصَّر عنهم، ويعرف أحوالهم، ويقسمها عليهم.

س: قتل الصَّغير هل تبقى الكفَّارة في رقبته حتى يبلغ؟

ج: الصواب ما عليه كفَّارة؛ لأنَّه لا ذنبَ عليه، الصواب ليس عليه كفَّارة، إذا كان صغيرًا لا قصاصَ ولا كفَّارة ..... الدية.

س: ............؟

ج: الذي جامع زوجته في شهر رمضان، والذي يُظاهر من زوجته شهرين مُتتابعين كالقتل.

س: لكن يُفطر ليومٍ واحدٍ لعذرٍ؟

ج: إذا أفطر بغير عذرٍ يُعيدها كلّها، أمَّا إذا كان بعذرٍ شرعيٍّ يبني.

س: يقضي هذا اليوم بعد الشَّهرين؟

ج: يبني، يُكمل ستين يومًا.

وَقَوْلُهُ: تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا أَيْ: هَذِهِ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ خَطَأً؛ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْعِتْقَ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.

واختلفوا فيمَن لا يستطيع الصِّيَامَ: هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا كَمَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ؟

عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُذْكَرْ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ هَذَا مَقَامُ تَهْدِيدٍ وَتَخْوِيفٍ وَتَحْذِيرٍ، فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ الْإِطْعَامُ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّسْهِيلِ والتَّرخيص.

والقول الثاني: لا يعدل إلى الطَّعام؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا أَخَّرَ بَيَانَهُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.

الشيخ: وهذا هو الصَّواب، ليس فيه إطعامٌ: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم:64] ، والمقام مقامٌ عظيمٌ، مقام قتلٍ، فليس فيه كفَّارة إطعامٍ، وإنما العتق، فمَن عجز فالصّيام، فإذا عجز يبقى في ذمّته حتى يستطيع العتق أو الصيام ..... حتى يستطيع.

وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ.

الشيخ: معنى "عليم" عليم بأحوال عباده، وعليم بما يُصلحهم، حكيمٌ فيما يشرعه ويقدّره ، ليس بعابثٍ، أحكامه كلّها على العدل والحكمة جلَّ وعلا؛ لأنها تصدر عن علمٍ بأحوال عباده، وعن عدلٍ، فهو الحكيم العليم جلَّ وعلا فيما يفرضه على عباده، وفيما يُعاقبهم به، له الحكمة البالغة، والعلم الكامل ﷺ.

س: .............؟

ج: مثلما قال ﷺ: مَن مات وعليه صيامٌ صام عنه ولِيُّه إذا تيسَّر.

س: بعض مَن يقع في قتل الخطأ يأتي بصكوكٍ ويجمع أموالًا، هل يُعطى ..... من غير العاقلة؟

ج: إذا كان الصَّك حكم عليه بالدّية هو، قد يكون لا عاقلةَ له، قد يكون له عاقلة فقراء، تكون عليه الدّية هو، إلا أن يُسلمها بيت المال، وإذا كان معه صكّ من ..... يُساعَد إذا كان فقيرًا، نعم؛ لأنَّ الصَّحيح أنَّه إذا كان لا عاقلةَ له، أو عاقلته فُقراء يُلزم بالدّية هو إذا ما وجد البديل، إلا أن يتولى بيتُ المال أداءها عنه.