تفسير قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا..}

وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ۝ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ [الأعراف:44- 45].

يُخْبِرُ تَعَالَى بِمَا يُخَاطِبُ به أهل النّار على وجه التَّقريع والتَّوبيخ إذا استقرُّوا في منازلهم: أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا "أن" هاهنا مُفسّرة للقول المحذوف، و"قد" للتَّحقيق، أي: قالوا لهم: قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ، كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ عَنِ الَّذِي كَانَ لَهُ قَرِينٌ مِنَ الْكُفَّارِ: فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ۝ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ۝ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ۝ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ۝ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [الصافات:55- 59] أَيْ: يُنْكِرُ عَلَيْهِ مَقَالَتَهُ الَّتِي يَقُولُهَا فِي الدُّنْيَا، وَيُقَرِّعُهُ بِمَا صَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَذَابِ والنَّكال، وكذلك تُقَرِّعُهُمُ الْمَلَائِكَةُ، يَقُولُونَ لَهُمْ: هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ۝ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ ۝ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور:14- 16].

وَكَذَلِكَ قَرَّعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَتْلَى الْقَلِيبِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَادَى: يَا أَبَا جَهْلِ ابْنَ هِشَامٍ، وَيَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَيَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ -وَسَمَّى رؤوسهم- هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا، وَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُخَاطِبُ قَوْمًا قَدْ جَيَّفُوا؟! فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُجيبوا.

الشيخ: وهذا مما جاء في سماع الموتى، والأصل في الموتى أنهم لا يسمعون إلَّا ما جاء به النَّص، كما قال جلَّ وعلا: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80]، وقال تعالى: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:22]، ولكن جاءت نصوصٌ تدل على أنهم قد يسمعون شيئًا، كما في حديث الجنازة إذا ولَّى عنها الناسُ، قال النبيُّ ﷺ: إنَّه ليسمع قرعَ نعالهم حين تُردّ إليه روحه، ويُسأل عن ربِّه ودينه ونبيِّه.

وفي هذا قصّة أهل القليب -قليب بدر- لما وقف عليهم النبيُّ ﷺ وقال: هل وجدتم ما وعد ربُّكم حقًّا؟ فإني وجدتُ ما وعدني ربي حقًّا، فقال له عمرُ: يا رسول الله، كيف تُكلِّم قومًا قد جيَّفوا؟! قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، الله أسمعهم كلامَه تقريعًا لهم، وتوبيخًا لهم، وزيادةً في العذاب والنَّكال.

س: ما يُقال أنَّه إذا زِيرت المقبرةُ يوم الجمعة يفرح؟

ج: هذه مرائي منامية.

س: ..............؟

ج: ما في أحاديث صحيحة، في حديث رواه أبو داود بإسنادٍ جيدٍ عن النبي ﷺ أنَّه قال: ما من أحدٍ يُسلِّم عليَّ إلَّا ردَّ اللهُ عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلام، رواه أبو داود بإسنادٍ جيدٍ، هذا يدل على أنَّه تُردّ عليه روحُه حتى يردَّ عليه السلام، هذا سماعٌ خاصٌّ.

س: ما صححه ابنُ عبدالبر: ما من مسلمٍ يعود مسلمًا .....؟

ج: هذا أيضًا إن صحَّ هو يصير من باب المستثنى إن صحَّ، ابن عبدالبر ذكره ويحتاج إلى معرفة إسناده، صحّة إسناده.

وقوله تعالى: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَيْ: أَعْلَمَ مُعْلِمٌ وَنَادَى مُنَادٍ: أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ أَيْ: مُسْتَقِرَّةٌ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أَيْ: يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ وَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَيَبْغُونَ أَنْ تَكُونَ السَّبِيلُ مُعْوَجَّةً، غَيْرَ مُسْتَقِيمَةٍ، حَتَّى لَا يَتَّبِعَهَا أَحَدٌ: وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ أَيْ: وَهُمْ بِلِقَاءِ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ كَافِرُونَ، أَيْ: جَاحِدُونَ، مُكَذِّبُونَ بِذَلِكَ، لَا يُصَدِّقُونَهُ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهِ؛ فَلِهَذَا لَا يُبَالُونَ بِمَا يَأْتُونَ مِنْ مُنْكَرٍ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخَافُونَ حِسَابًا عَلَيْهِ ولا عقابًا، فهم شرُّ الناس أقوالًا وأعمالًا.

وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ۝ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأعراف:46- 47].

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مُخَاطَبَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَعَ أَهْلِ النَّارِ نَبَّهَ أَنَّ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حِجَابًا، وَهُوَ الْحَاجِزُ الْمَانِعُ مِنْ وُصُولِ أَهْلِ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهُوَ السُّورُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تعالى فيه: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13]، وَهُوَ الأعراف الذي قال اللهُ تعالى فيه: وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ.

ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَهُوَ السُّورُ، وَهُوَ الْأَعْرَافُ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَعْرَافُ حِجَابٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، سُورٌ لَهُ بَابٌ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالْأَعْرَافُ جَمْعُ عُرْفٍ، وَكُلُّ مُرْتَفَعٍ مِنَ الْأَرْضِ عِنْدَ الْعَرَبِ يُسَمَّى: عُرْفًا، وَإِنَّمَا قِيلَ لِعُرْفِ الدِّيكِ: عُرْفًا لِارْتِفَاعِهِ.

وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ ابْنِ أَبِي يَزِيدَ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: الْأَعْرَافُ هُوَ الشَّيْءُ الْمُشْرِفُ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَعْرَافُ سُورٌ كَعُرْفِ الدِّيكِ.

وفي روايةٍ عن ابن عباسٍ: الأعراف جمعٌ، تَلٌّ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حُبِسَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: هُوَ سُورٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.

وكذا قَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْأَعْرَافُ أَعْرَافًا؛ لِأَنَّ أَصْحَابَهُ يَعْرِفُونَ النَّاسَ.

وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمُفَسِّرِينَ فِي أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ مَنْ هُمْ؟ وَكُلُّهَا قَرِيبَةٌ تَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ. نَصَّ عَلَيْهِ حُذَيْفَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.

وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ: حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ بْنُ عَبْدِالسَّلَامِ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَنَا يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَبَّادٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَمَّنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ، فَقَالَ: أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الْحُسَامِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَمَّنِ اسْتَوَتْ حسناتُه وسيِّئاتُه مع أصحاب الأعراف، فَقَالَ: إِنَّهُمْ قَوْمٌ خَرَجُوا عُصَاةً بِغَيْرِ إِذْنِ آبَائِهِمْ، فَقُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

الطالب: سعيد بن سلمة ابن أبي الحسام، العدوي مولاهم، أبو عمرو، المدني، وهو أبو عمرو، السّدوسي، الذي روى عنه العقدي، صدوق، صحيح الكتاب، يُخطئ من حفظه، من السابعة. (خت، م، د، س).

الشيخ: صلح ابن أبي الحسام، "ابن" بدل "عن".

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ شِبْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، قال: «هُمْ نَاسٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَعْصِيَةِ آبَائِهِمْ، فَمَنَعَهُمْ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ مَعْصِيَةُ آبَائِهِمْ، ومنعهم من النَّار قتلُهم في سبيل الله».

ورواه ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أبي معشرٍ به.

وكذا رواه ابنُ ماجه مرفوعًا من حديث أبي سعيدٍ الخدري وابن عباسٍ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الْمَرْفُوعَةِ، وَقُصَارَاهَا أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا ذُكِرَ.

الطالب: يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب ابن أبي بلتعة، أبو محمد، أو أبو بكر، المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع ومئة. (م 4).

واحد يحيى بن عبدالرحمن الكوفي، وآخر الكناني.

الشيخ: المدني.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، قَالَ: فَقَالَ: هُمْ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ؛ فَقَعَدَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ، وَخَلَّفَتْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمْ عَنِ النَّارِ. قَالَ: فَوَقَفُوا هُنَاكَ عَلَى السُّورِ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيهِمْ.

وَقَدْ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَبْسَطَ مِنْ هَذَا فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ: حدَّثنا يُونُسُ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَرْسَلَ إِلَيَّ عَبْدُالْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، وَعِنْدَهُ أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ مولى قريشٍ، فإذا هُمَا قَدْ ذَكَرَا مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ ذِكْرًا لَيْسَ كَمَا ذَكَرَا، فَقُلْتُ لَهُمَا: إِنْ شِئْتُمَا أَنْبَأْتُكُمَا بِمَا ذَكَرَ حُذَيْفَةُ. فَقَالَا: هَاتِ. فَقُلْتُ: إِنَّ حُذَيْفَةَ ذَكَرَ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ فَقَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَجَاوَزَتْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمُ النَّارَ، وَقَعَدَتْ بِهِمْ سيِّئاتهم عن الجنَّة.

س: أحسن الله إليك، هل يدخل الأفراطُ من أبناء المشركين والكفرة في أصحاب الأعراف؟

ج: لا، لا، الأفراط تبع أهليهم، في الجنة تبع المؤمنين، وأفراط المشركين الصَّحيح فيهم أنهم أيضًا من أهل الجنة؛ لأنَّهم لا ذنبَ لهم.

الطالب: قال في "القاموس": والعُرف –بالضم- الجود، واسم ما تبذله وتُعطيه، وموج البحر، وضدّ النّكر، واسم من الاعتراف، تقول له: عليَّ ألفٌ عُرْفًا. أي: اعترافًا. وشعر عنق الفرس، ويُضمّ راؤه.

 

{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:47]، فبينما هم كذلك إذ طلع عَلَيْهِمْ رَبُّكَ فَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا فَادْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ».

وَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَهُوَ يُحَدِّثُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يُحَاسَبُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ كَانَتْ سَيِّئَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ النَّارَ. ثُمَّ قَرَأَ قولَ الله: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف:8] الآيتين، ثم قال: الْمِيزَانُ يَخِفُّ بِمِثْقَالِ حَبَّةٍ، وَيَرْجَحُ.

قَالَ: وَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، فَوَقَفُوا عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ عَرَفُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ نَادَوْا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، وَإِذَا صَرَفُوا أَبْصَارَهُمْ إِلَى يسارهم نظروا أهلَ النَّارِ، قالُوا: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، تعوَّذوا بِاللَّهِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ.

قَالَ: فَأَمَّا أَصْحَابُ الْحَسَنَاتِ فإنَّهم يُعطون نورًا يمشون بِهِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ، وَيُعْطَى كُلُّ عَبْدٍ يَوْمَئِذٍ نُورًا، وَكُلُّ أُمَّةٍ نُورًا، فَإِذَا أَتَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللَّهُ نُورَ كُلِّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ، فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْجَنَّةِ مَا لَقِيَ المنافقون قالوا: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التحريم:8]، وأمَّا أصحابُ الأعراف فإنَّ النورَ كان بأيديهم، فَلَمْ يُنْزَعْ، فَهُنَالِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الأعراف:46]، فَكَانَ الطَّمَعُ دُخُولًا.

قَالَ: فقال ابنُ مسعودٍ: أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً كُتِبَ لَهُ بِهَا عَشْرٌ، وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً لَمْ تُكْتَبْ إِلَّا وَاحِدَةً، ثُمَّ يَقُولُ: هَلَكَ مَنْ غَلَبَتْ وَاحِدَتُهُ أَعْشَارَهُ.

رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنِيَ ابْنُ وَكِيعٍ وَابْنُ حُمَيْدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ حَبِيبِ ابْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَعْرَافُ السُّورُ الَّذِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَأَصْحَابُ الْأَعْرَافِ بِذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى إِذَا بَدَا للَّهِ.

الشيخ: يعني: إذا أراد اللهُ، "بدا لله" يعني: أراد اللهُ.

حَتَّى إِذَا بَدَا للَّهِ أَنْ يُعَافِيَهُمُ انْطُلِقَ بِهِمْ إلى نهرٍ يُقال له: نهر الْحَيَاةِ، حَافَّتَاهُ قَصَبُ الذَّهَبِ، مُكَلَّلٌ بِاللُّؤْلُؤِ، تُرَابُهُ الْمِسْكُ، فَأُلْقُوا فِيهِ حَتَّى تَصْلُحَ أَلْوَانُهُمْ، وَتَبْدُوَ في نحورهم شامةٌ بَيْضَاءُ يُعْرَفُونَ بِهَا، حَتَّى إِذَا صَلَحَتْ أَلْوَانُهُمْ أَتَى بِهِمُ الرَّحْمَنُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَقَالَ: تَمَنَّوْا مَا شِئْتُمْ. فَيَتَمَنَّوْنَ حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُمْ قَالَ لَهُمْ: لَكُمُ الَّذِي تَمَنَّيْتُمْ وَمِثْلُهُ سَبْعُونَ ضِعْفًا. فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَفِي نُحُورِهِمْ شَامَةٌ بَيْضَاءُ يُعْرَفُونَ بِهَا، يُسَمَّوْنَ: مَسَاكِينَ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ جَرِيرٍ بِهِ.

وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَبِيبِ ابْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عن مجاهدٍ، وعن عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ قَوْلِهِ، وَهَذَا أصحُّ، والله أعلم.

وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ.

س: سلَّمك الله، الصَّحيح في أهل الأعراف؟

ج: الأقرب مثلما قال: قومٌ استوت ..... أهل العلم تلاقت على هذا، ثم يُؤذن لهم في دخول الجنَّة.

س: ..............؟

ج: هذا غريبٌ، غريبٌ، استوت حسناتهم وسيِّئاتهم، لم يرجح ميزانُ الحسنات، ولا السيئات، ثم يُؤذن لهم في دخول الجنة.

س: أصحاب الأعراف هل هم من كلِّ الأُمم؟

ج: الظَّاهر العموم، ظاهره العموم، نعم من كل الأمم، نعم.

لكن هنا سؤال قد يُورد: كيف يكون بين أهل الجنة وأهل النار حجابٌ –سورٌ- والجنة في أعلى عليين، فوق السَّماوات السَّبع، في غاية الارتفاع، والنار في أسفل سافلين، في غاية السّفول؟ كيف يكون هذا الحجاب؟ النار أسفل، في غاية النزول والسفول، والجنة في غاية الارتفاع، تحت العرش، سقفها عرش الرحمن؟

الجواب: والله أعلم أنَّ هذا السور على الجهة التي تُوازن النار، يعني: سور على نارٍ في الجهة التي إذا هبط منها صار إلى النار، فهم يرونهم ويُشاهدونهم، مثلما في قصة الذي اطَّلع فرأى صاحبَه في النار، يشهدونها وهم في أعلى شيءٍ في الجنة، في أعلى شيءٍ في الجنة، وهم يُشاهدون أهل النار، ويعرفون حالهم، فهناك سورٌ يعرفون به أنَّ هذا السور بينهم وبين أهل النار، فمَن جاوزه سقط فيها، مَن جاوز هذا السّور سقط فيها وإن كانت بعيدةً، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «فإن قعرَ جهنم لسبعون خريفًا، والله لتملأنَّ»، فهي في غاية البُعد والسُّفول، ومع ذلك يطَّلع عليها أهلُ الجنة من فوق، مع نزولها وبُعدها يطَّلعون عليها، وإلا فليست مجاورةً لها، غير مجاورةٍ، هي أسفل، والجنة أعلى، ولكن أهل الجنّة يطَّلعون من مكانٍ لهم يطَّلعون فيه، وهذا السّور في مكان الاطلاع، نسأل الله العافية.

س: النار في الأرض؟

ج: نعم في الأرض، في أسفل الأرض، تكون كلها نار الأرض، وهذه البحار تسجر كلّها نار، نسأل الله العافية، متَّصلة بأسفل.

س: أحسن ما يُقال: أنَّ هذا إذا أُزلفت الجنة يوم القيامة، والنار جيء بها أيضًا؟

ج: النار تُبرز، يراها الناس في المحشر، والجنة تُزلف، يراها الناس؛ لزيادة نعيم أهل الجنة وتبشيرهم، وزيادة عذاب أهل النار، لكنَّها مثلما قال صلى الله عليه وسلم: سقفها عرش الرحمن، الجنة سقفها عرش الرحمن، هي أعلى شيءٍ، نعم.

س: يعني ما يكون هذا السّور على شكل السّقف، مثلما قال أهلُ النار: {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا} [فصلت:29]، يكون سورًا يُرى؟

ج: السور: الحاجب بين الشَّيئين ..... الذي منه يرى أهل الجنة، يرونه أسفل: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:55]، في وسط جهنَّم.

س: ..............؟

ج: نعم، هو فاصلٌ بينهم، مَن سقط منه سقط في النار، نسأل الله العافية.