تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..}

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59].

قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِاللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ؛ إِذْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي سَرِيَّةٍ.

وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ بِه.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حديث ابن جريجٍ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا خَرَجُوا وَجَدَ عَلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ، قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَكُمْ رسولُ الله ﷺ أن تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: اجْمَعُوا لِي حَطَبًا. ثُمَّ دَعَا بِنَارٍ فَأَضْرَمَهَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَتَدْخُلُنَّهَا. قَالَ: فَهَمَّ الْقَوْمُ أَنْ يَدْخُلُوهَا، قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ شَابٌّ مِنْهُمْ: إِنَّمَا فررتم إلى رسول الله مِنَ النَّارِ! فَلَا تَعْجَلُوا حَتَّى تَلْقَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوهَا فَادْخُلُوهَا. قَالَ: فَرَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: لَوْ دَخَلْتُمُوهَا مَا خَرَجْتُمْ مِنْهَا أَبَدًا، إنما الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ. أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ بِهِ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قال: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ. وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى الْقَطَّانِ.

وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وعُسرِنا ويُسرنا، وأثرةٍ علينا، وأن لا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ. قَالَ: إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانٌ. أَخْرَجَاهُ.

الشيخ: وهذا كلّه يُبين أنَّ الأمراء والملوك والآباء والأمّهات والأزواج وغيرهم لا يُطاعون في معاصي الله ، إنما السمع والطَّاعة في المعروف، يُطيع أميره في المعروف، والسلطان في المعروف، يُطيع أباه في المعروف، وأمّه في المعروف، تُطيع زوجها في المعروف، لكن في المعصية لا، لا سمعَ ولا طاعةَ في المعصية.

قوله: لو دخلتُم فيها لم تخرجوا منها يعني: من عذابٍ إلى عذابٍ؛ لأنَّه مُنكر، إذا أُحرق في النَّار في الدنيا انتقل إلى عذاب النار، وهذا من باب الوعيد والتَّحذير، وعبدالله بن حُذافة كان غضبان فقال هذه المقالة من شدّة الغضب، وبيَّن لهم النبيُّ ﷺ أنَّ الأمرَ ليس على إطلاقه، وإنما هو مُقيَّدٌ بغير المعصية، فمَن أمر بالمعصية فلا، ولو كان الآمرُ السلطان أو الأمير أو الأب أو الأم أو الزوج أو غيرهم ممن يعزّ عليه، فإذا قال: تشرب الخمر. لا، قال: تزني. لا، قال: تقتل فلانًا بغير حقٍّ. لا، ادخل النار، عذِّب نفسَك، لا، إنما الطَّاعة في المعروف؛ ولهذا في آية الممتحنة: ولَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة:12]، يُبين سبحانه أنَّ الطاعةَ بالمعروف، لا في غير المعروف، وعند الاختلاف والاشتباه يُردّ الأمرُ إلى الله ورسوله: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، إذا اختلف: هل هو طاعة أو معصية؟ يُردّ الأمر إلى الله ورسوله، كما قال في الآية الأخرى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10].

س: الإشارات إذا وقفت والإمام يُصلي؟

ج: ولو، لا يتعدَّاها؛ لأنَّ هذه لمصلحة المسلمين؛ لئلا يضرّ بعضُهم بعضًا، لا يتعدَّى بعضُهم بعضًا؛ لأنَّ هذا لمصلحة المسلمين؛ حتى لا يظلم بعضُهم بعضًا، ويصدم بعضُهم بعضًا، ويقتل بعضُهم بعضًا، هذه مصلحة، هذه ما هي معصية، هي معروف.

س: الطاعة في ترك المستحبَّات؟

ج: ما في بأس، المستحبّ ما هو بلازمٍ، تركه ما هو بمعصيةٍ، قد يكون في تركه مصلحة بعض الأحيان.

س: متى تكون الطاعةً شركًا؟

ج: إذا اعتقد أنَّه يُطاع في معاصي الله، إذا اعتقد أنَّه يجوز أن يُطاع في معاصي الله، وأنَّ له التَّغيير في شرع الله، يجوز أن يُغير في شرع الله، أما مجرد طاعته خوفًا من شرِّه، أو يحسب أنَّه يلزمه ذلك؛ يصير معصيةً.

س: لو أمره بمكروهٍ؟

ج: المكروه أمره واسع، ينظر في المصلحة ..... تلزمه الطَّاعة، أو ترك في المستحبّ كذلك، إنما الاستثناء في المعصية خاصَّة.

س: ضابط الكفر البواح؟

ج: الواضح، واضح الدليل، يعني: الذي دليله واضح.

س: معنى: لو دخلوها ما خرجوا منها؟

ج: يعني: من عذابٍ إلى عذابٍ.

س: ينتقل من عذابٍ .....؟

ج: إلى عذاب النار، من باب الوعيد، مثلما جاء في الأحاديث الأخرى وفي الآيات، الوعيد للتَّحذير، ولا يلزم تنفيذه، الوعيد لا يلزم منه تنفيذه: لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ [الزمر:20]، ما قال: لا يخلف الله الوعيد، لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ، الوعد بالخير، أمَّا الوعيد فقد يُخلف:

وإني وإن أوعدتُ أو وعدتُ لمنجز إيعادي ومُخلف وعيدي

فإخلاف الوعيد يُمدح به الشخص، إذا أوعد ثم أخلف وعفا أُثني عليه، نعم، والله جلَّ وعلا قد يُوعد على المعاصي ثم يعفو .

س: ..............؟

ج: ما أتذكر شيئًا، نعم.

وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ: وَلَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبَدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ اسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: عَبْدًا حَبَشِيًّا مَجْدُوعًا.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْوَةَ.

الشيخ: هكذا عندكم: عبدالله بن محمد بن عروة؟

الطالب: نعم.

الشيخ: انظر "التقريب" أو "الخلاصة": عبدالله بن محمَّد.

عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: سَيَلِيَكُمْ بَعْدِي وُلَاةٌ، فيليكم البرُّ ببره، والفاجرُ بِفُجُورِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُمْ وَأَطِيعُوا فِي كُلِّ مَا وَافَقَ الْحَقَّ، وَصَلُّوا وَرَاءَهُمْ، فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: أَوْفُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ. أَخْرَجَاهُ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَن رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. أَخْرَجَاهُ.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عمرو بن العاص جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ؛ إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رسولِ الله ﷺ، فقال: إنَّه لم يكن نبيٌّ من قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتَنٌ يَرْفُقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تنكشف، وتجيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ، هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ منيَّتُه وهو يُؤمن بالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ.

قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ وَقَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي. فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ، وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]؟ قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ.

وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحسين: حدَّثنا أحمدُ بن الفضل.

الشيخ: عندك المفضّل؟

الطالب: نعم، أحسن الله إليك.

طالب آخر: أحمد بن الفُضَيل.

الشيخ: انظر "التقريب".

الطالب: ما ذكر عبدالله بن محمد بن عروة.

الشيخ: أنا أخشى أنَّه وهم، وأنه عبدالله بن محمد بن عقيل المعروف، أخشى أنَّ "عروة" سبق قلمٍ من بعض الكُتَّاب، انظر: أحمد بن الفضل، أو ابن المفضل في "التقريب" أو "الخلاصة".

حدَّثنا أسباط، عن السُّدي في قَوْلِهِ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً عَلَيْهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَفِيهَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَسَارُوا قِبَلَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ، فَلَمَّا بَلَغُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ عَرَّسُوا، وَأَتَاهُمْ ذُو الْعُيَيْنَتَيْنِ فَأَخْبَرَهُمْ، فَأَصْبَحُوا قَدْ هَرَبُوا غَيْرَ رَجُلٍ، فَأَمَرَ أَهْلَهُ فَجَمَعُوا مَتَاعَهُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ حَتَّى أَتَى عَسْكَرَ خَالِدٍ، فَسَأَلَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِنَّ قَوْمِي لَمَّا سَمِعُوا بِكُمْ هَرَبُوا، وَإِنِّي بَقِيتُ، فَهَلْ إِسْلَامِي نَافِعِي غَدًا وَإِلَّا هَرَبْتُ؟ قَالَ عَمَّارٌ: بَلْ هو ينفع، فَأَقِمْ. فَأَقَامَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَغَارَ خَالِدٌ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا غَيْرَ الرَّجُلِ، فَأَخَذَهُ، وَأَخَذَ مَالَهُ، فَبَلَغَ عَمَّارًا الْخَبَرُ، فَأَتَى خَالِدًا فَقَالَ: خَلِّ عَنِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ، وَإِنَّهُ فِي أَمَانٍ مِنِّي. فَقَالَ خَالِدٌ: وَفِيمَ أَنْتَ تُجِيرُ؟ فَاسْتَبَّا وَارْتَفَعَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَجَازَ أَمَانَ عَمَّارٍ، وَنَهَاهُ أَنْ يُجِيرَ الثَّانِيَةَ عَلَى أَمِيرٍ، فَاسْتَبَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فقال خالدٌ: أتترك هذا العبدَ الْأَجْدَعَ يَسُبُّنِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا خَالِدُ، لَا تَسُبَّ عَمَّارًا؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَسُبّ عَمَّارًا يَسُبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يبغضه يبغضه اللَّهُ، وَمَنْ يَلْعَنْ عَمَّارًا يَلْعَنْهُ اللَّهُ، فَغَضِبَ عمَّارٌ فقام، فتبعه خالدٌ، فأخذ بِثَوْبِهِ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَرَضِيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ قَوْلَهُ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.

الشيخ: هذا مُرسلٌ، وفي متنه نكارة، الظَّاهر أنَّه لعله موضوعٌ على خالدٍ ، أقول: لعله موضوعٌ، مراسيل السُّدي ليست بذاك، هذا مُرسلٌ، وفي متنه نكارة.

الطالب: أحمد بن المفضل الحفري -بفتح المهملة والفاء- أبو علي، الكوفي، صدوق، شيعي، في حفظه شيء، من التاسعة، مات سنة خمس عشرة. (أبو داود، والنَّسائي).

الشيخ: مثلما في نسخة الشعب: المفضل، لعله من وضعه، شيعي، لعله من وضعه.

.............

وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقٍ عَنِ السُّدِّيِّ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ ابنُ مردويه من رواية الحكم بن ظُهَيْرٍ.

الشيخ: انظر الحكم بن ظُهير.

الطالب: الحكم بن ظهير بالمعجمة مُصَغَّرًا، الفزاري، أبو محمد، وكنية أبيه: أبو ليلى، ويقال: أبو خالد، متروك، رُمِيَ بالرفض، واتَّهمه ابنُ معين، من الثامنة، مات قريبًا من سنة ثمانين. (الترمذي).

الشيخ: من جنس ذاك الأول، على كل حالٍ المتن هذا ما يصحّ عن خالد ولا عمار، لكن كلام خالد لعمَّار قد أحسن في تنبيهه.

عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عباسٍ: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ يَعْنِي: أَهْلَ الْفِقْهِ وَالدِّينِ.

الشيخ: فقط، انتهى؟

.............

الطالب: لا، فيه متنٌ عن ابن عباسٍ؟

الشيخ: يُعلِّق عليه أنَّ الحكمَ هذا متروك الحديث، الحديث ضعيفٌ، يُعلَّق عليه إشارة الحديث ..... ضعيف ومنكر المتن.

س: موقوفٌ على ابن عباسٍ؟

ج: لا، ضعيفٌ.

س: مع ضعفه؟

ج: حتى لا يصحّ عن ابن عباسٍ.

وَقَالَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ يَعْنِي: أَهْلَ الْفِقْهِ وَالدِّينِ.

وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ يَعْنِي: الْعُلَمَاءُ.

وَالظَّاهِرُ والله أعلم أنها عامَّة في كل أُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ.

الشيخ: وهذا هو الصَّواب: أنَّ الآية عامَّة: أولي الأمر من العلماء والأُمراء في المعروف، لا في المعاصي.

س: لو أمر العالـمُ بأمرٍ مُباحٍ هل تجب طاعته؟

ج: ظاهر النّصوص تجب طاعته ما لم تكن معصية، "أولي الأمر منكم" يعني: في مسائل العبادات من طاعات ..... المباحات معروف، أقول: أمر المباحات، لو قال: كُلْ أو اشرب، سهل. المقصود في الأمور التي يتعبَّد بها، ويُدان بها، يقول: هذا حلالٌ، وهذا حرامٌ، وهذا واجبٌ، وهذا مُحرَّمٌ. هذا المقصود، أما المسائل الأخرى العادية نعم.

س: "الصلاة جامعة" يُدعا بها حتى في الأمور العادية، مثلما دعا النبيُّ ﷺ لما أراد أن يُخبرهم بهذا الخبر؟

ج: نعم، وهذا خبرٌ عظيمٌ.

س: يعني ما يختصّ بصلاةٍ؟

ج: لا، لا، الأمور العظيمة المهمة.

س: ..............؟

ج: مثلها، هذا صحيحٌ مثلما قال ..... لا أب، ولا جدّ، ولا أمير، ولا عالم، ولا غيره، حقُّ الله مُقدَّمٌ، نعم.

س: التَّضجر والتَّأفف يُضاد الصَّبر؟

ج: لا يتكلم ولا يفعل ما لا يجوز، هذا الصَّبر: ألا يتكلم بما لا ينبغي، وألا يفعل ما لا ينبغي، الكلام مثل: السَّب والشَّتم، لماذا أصابني هذا؟ لماذا كذا؟ والفعل مثل: خمش الوجه، والضَّرب، وشقّ الثوب، ونحوها.

س: كيف الجمعُ بين حديث النبي ﷺ: لا تسبّوا أُمراءكم، والحديث الآخر الذي معناه: شرار أئمّتكم الذين تسبُّونهم، ومَن تلعنونهم ويلعنونكم؟

ج: ما هو معناه إباحته، معناه أنَّه يقع من الناس هذا الشَّيء: أنهم إذا أساءوا سبّوا، وإذا أحسنوا مدحوا وأثنوا عليهم، هذا من باب الخبر، وذاك من باب التَّعليم والإرشاد.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ [المائدة:63]، وَقَالَ تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أطاعَ أميري فقد أطاعني، ومَن عصى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي.

فَهَذِهِ أَوَامِرُ بِطَاعَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: أَطِيعُوا اللَّهَ أَيِ: اتَّبِعُوا كِتَابَهُ، وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ أَيْ: خُذُوا بِسُنَّتِهِ، وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ أَيْ: فِيمَا أَمَرُوكُمْ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، لَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ.

س: طاعة الوالد في ترك المستحبّ إذا أمره؟

ج: الظَّاهر أنَّه يُطاع، المستحبّ ما هو بواجبٍ، ولا هو بمعصيةٍ، تركه .....، وفي طاعته تأليف القلوب، وجمع القلوب، والتعاون على الخير.

س: .............؟

ج: ما في شيء.

س: أمير السفر يدخل فيمَن عصى أميري؟

ج: ما هو بظاهرٍ، الظَّاهر الأمير على الناس، سواء عامّ أو خاصّ، لكن من الآداب الشَّرعية، ما داموا أمَّروه من الآداب الشَّرعية أن يتعاونوا معه، ولا يعصونه في معروفٍ، وإلا فسدت الإمارةُ.

س: لو اجتمع ناسٌ لإنشاء جمعية إسلامية مثلًا، ونصبوا مسؤولًا عنها، هل له حكم الأمير في الطَّاعة؟

ج: على كل حالٍ مشروعٌ لهم أن يُطيعوه فيما هو طيب، ويتشاوروا معه، ولكن كونه يعمّه الحديث ما هو بالظاهر؛ لأنَّ هذا معناه من باب التَّعاون والتَّشاور فيما بينهم، أما أن يعمّه الحديث فمحل نظرٍ.

س: الحُكَّام الكفَّار في البلدان غير الإسلامية؟

ج: تُطيعهم في طاعة الله، أمَّا طاعتهم في المعاصي لا يُطاعون في المعاصي.

س: ............؟

ج: من باب تنظيم أمورهم، والتعاون على الخير، من باب تنظيم الأمور، والتعاون على الخير، نعم، هذا من باب التعاون على الخير، نعم.

..............