تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ..} (2)

الْحَدِيثُ السَّادس: قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي "مُسْنَدِهِ": حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ قَالَ: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ، تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

الشيخ: وهذا من الوجه ضعيفٌ لأجل ابن أبي ليلى، مُضعف في الحديث الفقيه محمد، لكن هذا الحديث ثبت في "صحيح مسلم" من حديث جابرٍ أيضًا: أنَّ النبي عليه السَّلام قال: مَن لقي اللهَ لا يُشرك به شيئًا دخل الجنة، ومَن لقيه يُشرك به شيئًا دخل النار.

وهذا يدل على فضل التَّوحيد، وأنَّ مَن مات عليه فله الجنَّة، وعلى غلظ تحريم الشِّرك، وأنَّ مَن مات عليه فله النَّار مُخلَّدًا فيها، نعوذ بالله من ذلك.

لكن مَن مات على التوحيد وهو غير مُصرٍّ على سيئاته دخل الجنة من أول وهلةٍ، أما مَن مات على التَّوحيد، لكن له سيئات ومعاصٍ لم يتب منها، فهو تحت مشيئة الله، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فمَن مات لا يُشرك بالله، لكن عنده معاصٍ: من الزِّنا، أو السَّرقة، أو الظلم، أو قطيعة الرحم، أو عقوق الوالدين، أو الربا، أو غير هذا من المعاصي ولم يتب؛ فإنَّه تحت مشيئة الله عند أهل السُّنة والجماعة، كما هو نصّ الآية الكريمة في سورة النِّساء في موضعين، إن شاء اللهُ غفر له بتوحيده وإيمانه، وإن شاء عذَّبه على قدر معاصيه.

والعُصاة يتفاوتون في عذابهم، دلَّت الأحاديثُ المتواترةُ وإجماع أهل العلم على أنَّ بعضَ أهل المعاصي يُعذَّبون، لا يُعفا عنهم، بل يُعذَّبون، ويشفع فيهم الشُّفعاء، ويشفع فيهم النبيُّ عليه الصلاة والسلام، ويحدّ اللهُ له حدًّا في عدّة شفاعات، ويشفع المؤمنون والملائكة والرسل والأفراط، وتبقى بقيةٌ من العُصاة، بعد الشَّفاعات تبقى بقيةٌ من العُصاة في النار، يُخرجهم اللهُ من النار بفضل رحمته، من غير شفاعة أحدٍ ، بعدما احترقوا، بعدما جُوزوا على سيِّئاتهم، فيُلقون في نهرٍ يُقال له: نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبَّةُ في حميل السَّيل، وإذا تمَّ خلقهم أدخلهم اللهُ الجنةَ.

فلا يبقى في النَّار إلا الكفّار، لا يبقى فيها إلا الكفَّار، هم المخلَّدون فيها، أما العُصاة وإن طال مكثُهم فإنَّهم يخرجون، وهم على درجاتٍ، يتفاوتون في معاصيهم، وفي عذابهم.

وهذا كلّه عند أهل السُّنة والجماعة، خلافًا للخوارج والمعتزلة، الخوارج يقولون: مَن مات على معصيةٍ دخل النار، ويُخلَّد فيها. والمعتزلة كذلك يقولون: يُخلَّد فيها. قد خالفوا في هذا أهل السّنة والجماعة، وخالفوا النّصوص من الكتاب والسّنة، فقولهم باطلٌ، وقول الخوارج أشدّ؛ لأنَّهم يُكفِّرون بالمعاصي والكبائر، فقولهم أشدّ، ولكنَّهم يشتركون مع المعتزلة في تخليد العُصاة في النار.

وقولهما باطلٌ وضلالٌ عند أهل السّنة، والحقُّ ما قاله أهل السّنة، الحقُّ عند أهل السُّنة أنَّ العاصي لا يُخلد، إذا مات على التوحيد فله الجنة، لكن قد يُعفا عنه فيدخل من أول وهلةٍ، وقد يُعذَّب كما هو حال كثيرٍ منهم، يُعذَّبون ثم بعد التَّطهير والتَّمحيص يُخرجهم الله، ولا يبقى في النَّار إلا الكفَّار، نعم.

طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَلَّادٍ الْحَرَّانِيُّ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْقُرَشِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بن عبيدة الرّبذي: أخبرني عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَا تُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا حَلَّتْ لَهَا الْمَغْفِرَةُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَذَّبَهَا، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهَا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا تَزَالُ الْمَغْفِرَةُ عَلَى الْعَبْدِ مَا لَمْ يَقَعِ الْحِجَابُ، قِيلَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَمَا الْحِجَابُ؟ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، قَالَ: مَا مِنْ نَفْسٍ تَلْقَى اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا إِلَّا حَلَّتْ لَهَا الْمَغْفِرَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، إِنْ يَشَأْ أَنْ يُعَذِّبَهَا، وَإِنْ يَشَأْ أَنْ يَغْفِرَ لَهَا غَفَرَ لَهَا، ثُمَّ قَرَأَ نَبِيُّ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ.

الشيخ: انظر عبدالله بن عبيدة في "التقريب".

عمل المؤلف رحمه الله في هذا غريبٌ؛ لأنَّ الأحاديث الضَّعيفة تُغني عنها الأحاديث الصَّحيحة، فهذا المقام وأشباهه لو اقتصر المؤلفُ رحمه الله على الأحاديث الصَّحيحة لكانت فيها الكفاية والخير، مع نصِّ الآية: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ، لكنَّه أراد الفائدةَ للقارئ، وإلا فلو اقتصر على الأحاديث الصَّحيحة لكفت عن أحاديث موسى بن عبيدة وأشباهه.

الطالب: عبدالله بن عبيدة بن نشيط، الحميري، القرشي، الرّبذي -بفتح الراء المهملة والموحدة- عن سهل بن سعد وعلي بن الحسين، وعنه صالح بن كيسان وغيره، وثَّقه الدَّارقطني، وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ. وضعَّفه ابنُ عدي، قال الواقدي: قتلته الحرورية بقديد سنة ثلاثين ومئة، له عنده فرد حديثٍ. (البخاري).

الشيخ: يكفي، نعم، المقصود أنه ثقة، بخلاف أخيه.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُبَيْلٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ نَاشِرٍ -مِنْ بَنِي سَرِيعٍ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رُهْمٍ -قَاصَّ أَهْلِ الشَّامِ- يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ رَبَّكُمْ خَيَّرَنِي بَيْنَ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَفْوًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَبَيْنَ الْخَبِيئَةِ عِنْدَهُ لِأُمَّتِي، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يا رسول الله، أيُخبِّئ ذَلِكَ رَبُّكَ؟ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ خَرَجَ وَهُوَ يُكَبِّرُ، فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي زَادَنِي مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفًا وَالْخَبِيئَةُ عِنْدَهُ، قَالَ أَبُو رُهْمٍ: يَا أَبَا أَيُّوبَ، وَمَا تَظُنُّ خَبِيئَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَأَكَلَهُ النَّاسُ بِأَفْوَاهِهِمْ، فَقَالُوا: وَمَا أَنْتَ وَخَبِيئَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: دَعُوا الرَّجُلَ عَنْكُمْ، أُخْبِركُمْ عَنْ خَبِيئَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَمَا أَظُنُّ، بَلْ كَالْمُسْتَيْقِنِ، إِنَّ خَبِيئَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَقُولَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ مُصَدِّقًا لِسَانَهُ قلبُه أدخله الجنَّةَ.

الشيخ: وهذا أمرٌ معلومٌ من الأحاديث الصَّحيحة، مَن أتى بالتوحيد دخل الجنة، لكن على حسب حاله من جهة المعاصي.

الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. (ح) وَأَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ الْحَرَّانِيُّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نَفْسُهُ عَنْ وَاصِلِ بْنِ السَّائب الرّقاشي، عَنْ أَبِي سَوْرَةَ ابْنِ أَخِي أَبِي أَيُّوبَ الأنصاري، عن أبي أيوب قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ لِي ابْنَ أَخٍ لَا يَنْتَهِي عَنِ الْحَرَامِ. قَالَ: وَمَا دِينُهُ؟ قَالَ: يُصَلِّي وَيُوَحِّدُ اللَّهَ تَعَالَى. قَالَ: اسْتَوْهِبْ مِنْهُ دِينَهُ، فَإِنْ أَبَى فَابْتَعْهُ مِنْهُ، فَطَلَبَ الرَّجُلُ ذَاكَ مِنْهُ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: وَجَدْتُهُ شَحِيحًا على دِينِهِ، قَالَ: فَنَزَلَتْ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الضَّحَّاكِ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا مَسْتُورٌ أَبُو هَمَّامٍ الْهُنَائِيُّ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَرَكْتُ حَاجَةً وَلَا ذَا حَاجَةٍ إِلَّا قَدْ أَتَيْتُ.

الشيخ: المعروف: "حاجة ولا داجة"، يعني: ما تركت شيئًا من المعاصي إلا أتيتُها، هذا معروفٌ حتى الآن: "حاجة ولا داجة"، إشارة، يعني: ما خليتُ شيئًا.

انظر أبا همام الهنائي.

حطّ عليها إشارة، لعلها "داجة" بالدال المهملة.

قَالَ: أَلَيْسَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ ذَلِكَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ.

الشيخ: يعني أنَّ الله يغفر لك، وهذا معناه إذا مات على التوحيد والتّوبة والنَّدم، إن صحَّ، إن سلم من أبي همام، المعنى أنَّ الله يغفر لك إذا متَّ على التوحيد وترك المعاصي، فالله جلَّ وعلا يغفر لمن أناب إليه وتاب إليه، وهذه من أحاديث فضل التوحيد، فإنَّ مَن مات على التوحيد غير مُصرٍّ على السَّيئات غفر اللهُ له، وهكذا مَن مات على توبةٍ صادقةٍ غفر اللهُ له.

س: مُراده بقوله: "استوهب منه دينَه"؟

ج: ظاهره معناه: يطلب منه دينه من جهة ترك دينه، وعدم الصَّلاة، وعدم العبادة، هذا مما يدل على ضعف الحديث، وأنه غير صحيحٍ، يُقال له: اترك دينك؟! كيف يُقال له هذا؟!

س: ..... منافق؟

ج: ولو، المتن مُنكر، أقول: المتن مُنكر، والمؤلف رحمه الله مثلما جاء في الحديث: "حاجة ولا داجة"، جمع الضَّعيفَ والصَّحيح، الله يغفر لنا وله، ويعفو عنا وعنه.

س: حقوق الناس مثل: القتل والأموال إذا مات وهي عنده؟

ج: ما يُغفر له منها شيء، لا بدَّ أن يُعطي حقوقَهم من حسناته، وإلا من سيئاتهم تُحْمَل عليه، لكن إذا مات على التوبة تحمَّل اللهُ عنه.

س: هل النار تفنى أو تبيد؟

ج: النار باقيةٌ، دائمةٌ، نسأل الله العافية، كالجنة، هذا عند أهل السّنة والجماعة، دائمتان، باقيتان، وأهلهما مخلَّدون فيهما إلا العُصاة إذا دخلوها لا يُخلَّدون.

الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عن ضمضم بن جوش الْيَمَامِيِّ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا يمامي، لا تقولون لِرَجُلٍ: لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، أَوْ لَا يُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ أَبَدًا. قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّ هَذِهِ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا أَحَدُنَا لِأَخِيهِ وَصَاحِبِهِ إِذَا غَضِبَ. قَالَ: لَا تَقُلْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ.

الشيخ: قف، قف على هذا، انظر حديث: استوهبه دينه. علَّق عليه أحدٌ؟ مَن رواه؟

الطالب: ابن أبي حاتم، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. (ح) وَأَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ الْحَرَّانِيُّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نَفْسُهُ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ السَّائبِ الرّقاشي، عَنْ أَبِي سَوْرَةَ ابْنِ أَخِي أَبِي أَيُّوبَ الأنصاري، عن أبي أيوب قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: إِنَّ لِي ابْنَ أَخٍ لَا يَنْتَهِي عَنِ الْحَرَامِ. قَالَ: وَمَا دِينُهُ؟ قَالَ: يُصَلِّي وَيُوَحِّدُ اللَّهَ تَعَالَى. قَالَ: اسْتَوْهِبْ مِنْهُ دِينَهُ، فَإِنْ أَبَى فَابْتَعْهُ مِنْهُ، فَطَلَبَ الرَّجُلُ ذَاكَ مِنْهُ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: وَجَدْتُهُ شَحِيحًا فِي دِينِهِ، قَالَ: فَنَزَلَتْ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

الشيخ: وجدتَ أبا همَّام؟

الطالب: أحسن الله إليك، ثلاثة.

الشيخ: "التقريب" حاضر؟ ما هو بحاضرٍ؟ انظر: واصل بن السَّائب الرّقاشي.

الطالب: أحسن الله إليك، الأول: محمد بن الزبرقان الأهوازي، أبو همام، عن سليمان التَّيمي موسى بن عقبة، وعنه محمد بن بشار وابن المديني، ووثَّقه.

هذا الأول.

الشيخ: والثَّاني؟

الطالب: والثاني: الوليد بن شجاع بن الوليد، أبو همام، الكوفي، عن شريك ..... وعلي بن مسفر وخلق، وعنه مسلم وأبو داود.

الشيخ: غيره؟

الطالب: الثالث: محمد بن محبب.

مُداخلة: في نسخة الشعب أحسن الله إليك: مستور، في نسخة الشعب: مستور أبو همام الهنائي، يعني ذكر اسمه.

الشيخ: حديثه أيش متنه؟

الطالب: السَّند.

الشيخ: في "التقريب": مستور؟

الطالب: لا، في الإسناد أحسن الله إليك في نسخة الشعب: قال الحافظ أبو يعلى: حدَّثنا ..... الضَّحاك: حدَّثنا أبي: حدَّثنا مستور أبو همام الهنائي.

الشيخ: إيه، عن؟

الطالب: ذكر أنَّ اسمه مستور.

الشيخ: عن؟

الطالب: حدَّثنا ثابت، عن أنسٍ.

الشيخ: أيش؟

الطالب: أنَّه جاء رجلٌ إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، ما تركتُ حاجة ولا ذا حاجةٍ.

الشيخ: طيب، انظر: مستور أبو همَّام.

الطالب: نبحث عنه.

الشيخ: انظر الثالث.

الطالب: الثالث: محمد بن محبب، قال: محمد بن محبب -بفتح المهملة والموحدة الأولى كمعظم- القرشي، أبو همام، الدلال، المصري، صاحب الدقيق، عن الثوري وإسرائيل، وعنه أبو داود ووثَّقه.

الشيخ: انظر مستور في "التقريب" عندك .....

الطالب: واصل بن السَّائب الرّقاشي، قال البخاري: مُنكر الحديث. مات سنة أربعٍ وأربعين ومئة.

الشيخ: "التقريب".

الطالب: "الخلاصة".

طالبٌ آخر: هذا "التقريب": واصل بن السَّائب الرّقاشي، أبو يحيى، البصري، ضعيفٌ، من السَّادسة، مات سنة أربعٍ وأربعين ومئة. (ت، ق).

الشيخ: انظر أبا سورة ابن أخي أبي أيوب، سورة أو صبرة، شيخ واصل؟

الطالب: شيخ واصل، عن أبي سورة ابن أخي أبي أيوب.

س: أيش معنى: "استوهب منه دينه"؟

ج: ظاهر السِّياق معناه: يعني يترك الدِّين وأعطه كذا وكذا، اترك دينَك ما له لزوم وأُعطيك كذا وكذا، لكن هذا لا يصدر من المؤمن لأخيه؛ لأنَّ معناه الدَّعوة إلى الباطل –للشِّرك- وهذا يدل على بطلان الحديث وعدم صحّته، هل يشحّ في دينه أو يرضا بالردّة؟!

الطالب: أبو سورة الأنصاري، عن عمِّه أبي أيوب، وعنه يحيى بن جابر، قال البخاري: مُنكر الحديث. (أبو داود، والترمذي، وابن ماجه).

الشيخ: حطّ عليه: إسناده ضعيف. حطّ عليه يا عمر، على هذا: "استوهب منه دينه": إسناده ضعيفٌ، ومتنه مُنكر. إسناده ضعيفٌ لضعف واصل بن السَّائب وأبي سورة، مع نكارة المتن، والعجب من المؤلف كيف يسكت؟! يسوقه ويسكت! غفر اللهُ لنا وله.

س: ما يكون المعنى: "استوهب منه دينَه، فإن أبى فابتعه" أي: يترك الحرام؟

ج: لا، هذا ليس معناه، لو كان هذا المعنى لقال: انصحه لعله ينتهي، لكن لما كان يُصلي علامة أنَّه فيه خير، إن كان تركُ دينه سهلًا عليه مثلما وقع في الحرام؛ لأنَّ هذا ما هو بمُستوهب، المعاصي ما تُستوهب، قد أقدم عليها.

............