تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا..}

إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ۝ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف:152- 153].

أمَّا الغضب الذي نال بني إسرائيل في عبادة العِجْل فهو أنَّ الله تعالى لم يقبل لهم توبةً حتى قتل بعضُهم بعضًا كما تقدَّم في سورة البقرة: فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:54]، وأمَّا الذّلة فأعقبهم ذلك ذُلًّا وصغارًا في الحياة الدُّنيا.

وقوله: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ نائلة لكل مَن افترى بدعةً، فإنَّ ذُلَّ البدعة ومُخالفة الرَّشاد متّصلة من قلبه على كتفيه، كما قال الحسنُ البصري: إنَّ ذُلَّ البدعة على أكتافهم، وإن هملجت بهم البغلات، وطقطقت بهم البراذين.

وهكذا روى أيوب السَّختياني عن أبي قلابة الجرمي: أنَّه قرأ هذه الآية: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ فقال: هي والله لكل مُفْتَرٍ إلى يوم القيامة.

الشيخ: وهذا وعيدٌ شديدٌ، نسأل الله العافية، وعيدٌ شديدٌ لمن افترى على الله الكذبَ، وابتدع في الدِّين ما لم يأذن به الله، أو يُعاقب مثلما عُوقِب اليهود بالذلة والصَّغار والغضب من الله ، كما قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ، فهم ضُربت عليهم الذِّلَّة والمسكنة مهما بلغت قوتهم، الله كتب عليهم الذلة والمسكنة والفقر في قلوبهم، الفقر الدائم في قلوبهم؛ لأنَّ الغنى ليس عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس، وضرب اللهُ عليهم الذّلة والفاقة إلى يوم القيامة بسبب افترائهم على الله وعنادهم للرسل، وهكذا توعد اللهُ المفترين: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ الذين يكذبون على الله، وهم أهل البدع، يقولون: شرع اللهُ هذا. وهو لم يشرعه، فالذلة لازمةٌ لهم، وصاحبةٌ لهم أينما كانوا، عندما عقل عن الله وعرف عن الله شرعه .

وقال سفيانُ بن عُيينة: كل صاحب بدعةٍ ذليلٌ.

ثم نبَّه تعالى عباده وأرشدهم إلى أنَّه يقبل توبةَ عباده من أي ذنبٍ كان، حتى ولو كان من كفرٍ أو شركٍ أو نفاقٍ أو شقاقٍ؛ ولهذا عقب هذه القصّة بقوله: وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ أي: يا محمد، يا رسول التوبة، ونبي الرحمة مِنْ بَعْدِهَا أي: من بعد تلك الفعلة لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.

الشيخ: وهذا من فضله جلَّ وعلا وإحسانه، وترغيبه لعباده في التَّوبة، يدعوهم إليها، ويُرَغِّبهم فيها: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:119]، ومثل قوله جلَّ وعلا: أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:74]، ومثل قوله سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، ومثل قوله: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود:90]، وقوله جلَّ وعلا: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۝ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135- 136].

فالواجب على مَن اقترف السَّيئة: بدعةً أو معصيةً أو شركًا أو غير ذلك، الواجب عليه البدار بالتَّوبة، لا يقنط، ولا ييأس، بل يجب أن يُبادر بالتَّوبة إلى الله توبةً صادقةً: بالنَّدم على فعل القبيح، وبالإقلاع منه، وبالعزم الصَّادق ألا يعود إليه، هذه التوبة، إن كان زنا ندم وأقلع وحذر وعزم ألا يعود، معاملة ربوية أقلع عنها وندم وعزم ألا يعود، عقوق استرضى والديه وندم وعزم ألا يعود في ذلك ويتوب، هكذا شرب المسكر: يندم ويحذر ويُقلع ويعزم ألا يعود، وهكذا سائر المعاصي والبدع، مَن ابتدع في الدِّين: بدعة الاحتفال بالمولد، بدعة البناء على القبور، إلى غير ذلك، يُبادر بالتَّوبة، يترك الاحتفال بالمولد ويحذر ويندم ويعزم ألا يعود، ويهدم البنية التي على القبر أو غيره، القُبَّة يُزيلها.

وهكذا التوبة تشمل هذا، تشمل النَّدم والحزن على ما مضى، والتَّأسُّف على ما مضى، والإقلاع من ذلك الذَّنب، والحذر منه، والعزم الصَّادق ألا يعود فيه، وهذه الشروط الثلاثة، وهناك شرطٌ رابعٌ في التوبة؛ إذا كان الحقُّ لآدميٍّ لا بدَّ من إعطائه حقَّه، أو التَّحلل من ذلك إذا كان الحقُّ لآدميٍّ، مثل: إنسان أخذ مال آدميٍّ؛ سرقه، أو غصبه غصبًا، لا تتم التَّوبة إلا بالنَّدم والإقلاع والعزم ألا يعود وإعطاء حقّه، إعطاء هذا المظلوم حقّه، يُعطيه حقَّه الذي أخذه منه، أو يستسمح منه، يقول: سامحني. فإذا سامحه فلا بأس.

وإن كان قتل يُسلِّم نفسَه للقصاص، فإذا عفوا عنه فلا بأس، وإلا لا بدَّ من قصاصٍ، ما تتم التوبةُ إلا بأن يُسلم نفسَه حتى يُقتصّ منه، إن كان قتل عمدًا يُسلم نفسَه، أو يستحلّهم، يقول: سامحوني. ويُعطيهم الدِّية أو أكثر منها، ويقول: سامحوني. إن كان غيبة؛ تكلَّم في عِرضه يقول: سامحني، قلتُ في عرضك كذا وكذا. قلتُ: أنَّك بخيلٌ. قلتُ: أنَّك عجل، سامحني. إذا سامحه تمَّت التوبة، وإن كان ما يقدر يدعو له ويذكره بالخير الذي يعلم منه، ما يقدر، يخاف، يقول له شيئًا ..... يدعو له بالخير، ويذكره بالأعمال الطَّيبة التي يعرفها منه، إذا كان يعرف منه الجود يقول: فلان جواد كريم. إن كان يعرف منه أنه يُحافظ على الصَّلوات يقول: فلان جيد في الصَّلوات، محافظٌ على الصَّلوات، إن كان بارًّا بوالديه يقول: فلان بارٌّ بوالديه. يذكره بالحسنات التي يعرفها، بدل ما ذكره بالسّيئات التي اغتابه بها.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أبي: حدَّثنا مسلم بن إبراهيم: حدَّثنا أبان: حدثنا قتادة، عن عزرة، عن الحسن العرني، عن علقمة، عن عبدالله بن مسعود أنَّه سُئِلَ عن ذلك -يعني عن الرَّجل يزني بالمرأة ثم يتزوَّجها- فتلا هذه الآية: وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف:153]، فتلاها عبدُالله عشر مرات، فلم يأمرهم بها، ولم ينههم عنها.

الشيخ: يعني تاب بعد الزِّنا، وتابت، ثم تزوَّجها زواجًا شرعيًّا لا بأس، إن كانت حاملًا بعد أن تضع حملها، وإذا تابت وندمت وتاب وندم جاز أن يتزوَّجها بالعقد الشَّرعي، والتوبة تمحو ما قبلها.

س: لا يجوز أن يتزوَّجها قبل الوضع؟

ج: لا بدَّ بعد الوضع؛ لأنَّ الحمل ما هو بشرعيٍّ، فإذا وضعت تُربيه أو تُعطيه الدولة أو ..... المقصود ولدًا لها.

س: كونه من مائها؟

ج: من ماءٍ ما هو بشرعيٍّ، من ماءٍ فاسدٍ لا يُنسَب إليه، نعم.

س: ..............؟

ج: إيه، لكن ما هو بشرعيٍّ، لا يتزوجها إلا بعد أن تضع.

س: ..............؟

ج: ما هي بفراشٍ، ذاك إذا زنت وهي زوجةٌ له؛ يُلحق به الولد، يُلحق بالزوج إلَّا أن يُلاعن، أمَّا هذا زنا بها وهي أجنبية ما يُنسَب إليه، يُنسب إليها، ولا تتزوج حتى تضع، لا تتزوجه هو ولا غيره حتى تضع وتتوب، أما التي زنت وهي مع الزوج، مثل: قصة عبد بن زمعة وعتبة بن أبي وقاص، هذا يكون الولدُ للفراش، لصاحب الفراش -يعني الزوج- وللعاهر الحجر، إلا أن يُلاعن، يُلاعنها .....، فله الملاعنة، ويُنْسَب إليها بعد ذلك، هذه مسألةٌ أخرى.

وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ [الأعراف:154].

يقول تعالى: وَلَمَّا سَكَتَ أي: سكن عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أي: غضبه على قومه أَخَذَ الْأَلْوَاحَ أي: التي كان ألقاها من شدّة الغضب على عبادتهم العجل؛ غيرةً لله، وغضبًا له، وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ.

الشيخ: وفي هذا أنَّ شدّة الغضب التي تُغير شعور الإنسان بسبب شدّة الغضب لا يُؤاخذ صاحبُها، ولا يكون مُذنبًا؛ لأنَّ إلقاءَ الألواح جريمةٌ، فيها كلام الله، ولكن لما كان اشتدَّ غضبُه لم يُؤاخذه الله بذلك، ولم يعتب عليه بسبب شدّة الغضب لله، غضب لله ، فألقى الألواح من شدّة غضبه على بني إسرائيل وعلى هارون، حتى أخذ رأسَ أخيه يجرّه إليه، مع لحيته، نبيٌّ يجرّ برأسه ولحيته من شدّة الغضب لله، والله سامحه، لما جرى منه من جرِّ أخيه وشدِّه برأسه ولحيته وإلقاء الألواح؛ لما جرى من الغضب الشَّديد الذي أفقده الشعور بما يلزم في هذا الشَّيء، من شدة غضبه لله، وغيرته لله عليه الصلاة والسلام.

فالغضب الشَّديد لا يصحّ معه بيعٌ ولا طلاقٌ ولا غير ذلك، اشتدّ الغضبُ حتى صار الإنسانُ ما يعقل كما ينبغي، ولا يفهم كما ينبغي، واتَّضح ذلك بالأسباب ..... من شدة الغضب، الأسباب تُبين شدّة الغضب، فإنَّ الغضبَ أقسامٌ ثلاثة:

غضبٌ عادي: ما يزول معه الشّعور، وهذا تجري معه الأحكام.

والغضب الثاني شديدٌ جدًّا، وهذا هو محل النَّظر ومحل الخلاف، والصواب أنه أيضًا لا تُؤخذ معه الأحكام: لا طلاق ولا غيره، ولا عتق ولا غيره.

الغضب الثالث الذي يزول معه الشّعور بالكلية، ما عاد يشعر، مجنون يعني، ما عاد يعقل بالكلية، هذا عند جميع أهل العلم لا يُؤاخذ، إن كان لا يعقل ما صدر منه بسبب شدّة الغضب لا يُؤاخذ: لا بطلاقٍ، ولا بعتقٍ، ولا أي كلام، لا بيع، ولا شراء، يصير كالمجانين، كالمعاتيه.

وغضب موسى من النوع الثاني، اشتدَّ به حتى ما ملك نفسه، معه بعض الشعور، لكن ما ملك نفسَه من شدّة غضبه لله، حتى أمسك أخاه وجرَّه بلحيته ورأسه، وألقى الألواح.

س: .............؟

ج: ولو، إذا اشتدَّ غضبه العلّة واحدة.

س: .............؟

ج: إذا كان ما معه عقله لا يُؤاخذ.

س: غضب موسى ولم يُؤاخذه اللهُ، ما يُؤيد القول بأنَّه لا يُؤاخذ القسم الثاني؟

ج: يُؤاخذ الأول، ولا يُؤاخذ الثاني، ولا الثالث.

س: .............؟

ج: ..... واحد كأنَّه لا يعقل، ما عقله، وإلَّا فعليه التَّوبة إلى الله.

س: قوله ﷺ: لا طلاقَ في إغلاقٍ؟

ج: هذا من هذا الباب، من النوع الثاني والثالث.

يقول كثيرٌ من المفسّرين: إنها لما ألقاها تكسّرت، ثم جمعها بعد ذلك؛ ولهذا قال بعضُ السَّلف: فوجد فيها هدًى ورحمة. وأما التَّفصيل فذهب.

الشيخ: "فذهب" تقدَّم يعني، تقدَّم في موطنٍ آخر.

وزعموا أنَّ رضاضها لم يزل موجودًا في خزائن الملوك لبني إسرائيل إلى الدولة الإسلامية، والله أعلم بصحّة هذا، وأما الدَّليل الواضح على أنها تكسّرت حين ألقاها وهي من جوهر الجنّة فقد أخبر تعالى أنَّه لما أخذها بعدما ألقاها وجد فيها هدًى ورحمةً للذين هم لربهم يرهبون، ضمَّن الرَّهبة معنى الخضوع؛ ولهذا عدَّاها باللَّام.

وقال قتادةُ: في قوله تعالى: أَخَذَ الْأَلْوَاحَ [الأعراف:154] قال: ربِّ، إني أجد في الألواح أُمَّةً هي خير أُمَّةٍ أُخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، فاجعلهم أُمَّتي، قال: تلك أُمَّة أحمد، قال: ربِّ، إني أجد في الألواح أُمَّةً هم الآخرون السَّابقون، أي: آخرون في الخلق، سابقون في دخول الجنة، ربِّ، اجعلهم أُمَّتي، قال: تلك أُمَّة أحمد، قال: ربِّ، إني أجد في الألواح أُمَّةً أناجيلهم في صدورهم يقرؤونها، وكان مَن قبلهم يقرؤون كتابهم نظرًا، حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئًا، ولم يعرفوه، وإنَّ الله أعطاهم من الحفظ شيئًا لم يُعطه أحدًا من الأمم، قال: ربِّ، اجعلهم أُمَّتي، قال: تلك أُمَّة أحمد، قال: ربِّ إني أجد في الألواح أُمَّةً يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر، ويُقاتلون فصولَ الضَّلالة حتى يُقاتلون الأعورَ الكذَّاب، فاجعلهم أُمَّتي، قال: تلك أُمَّة أحمد، قال: ربِّ، إني أجد في الألواح أُمَّةً صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ويُؤجَرون عليها، وكان مَن قبلهم من الأمم إذا تصدَّق بصدقةٍ فقُبِلَتْ منه بعث اللهُ عليها نارًا فأكلتها، وإن رُدَّت عليه تُرِكَتْ فتأكلها السِّباع والطَّير، وإنَّ الله أخذ صدقاتهم من غنيِّهم لفقيرهم، قال: ربِّ، فاجعلهم أُمَّتي، قال: تلك أُمَّة أحمد، قال: ربِّ، إني أجد في الألواح أُمَّةً إذا همَّ أحدُهم بحسنةٍ ثم لم يعملها كُتِبَتْ له حسنة، فإن عملها كُتِبَتْ له عشر أمثالها إلى سبعمئة، وإذا همَّ أحدُهم بسيئةٍ لم تُكتب عليه حتى يعملها، فإذا عملها كُتبت عليه سيئة واحدة، فاجعلهم أُمَّتي، فاجعلهم أُمَّتي، قال: تلك أُمَّة أحمد، قال: ربِّ، إني أجد في الألواح أُمَّةً هم المشفوعون والمشفوع لهم، فاجعلهم أُمَّتي، قال: تلك أُمَّة أحمد.

قال قتادةُ: فذُكِرَ لنا أنَّ نبيَّ الله موسى عليه السَّلام نبذ الألواح وقال: اللهم اجعلني من أُمَّة أحمد.

الشيخ: وهذا من أخبار بني إسرائيل، وهذه شواهدها، وموجود في الكتاب العزيز والسنة المطهرة ما أعطاها اللهُ من الخير، كما قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، شرع لهم الزكاة؛ تُؤخذ من أغنيائهم، وتُردّ في فُقرائهم، وشرع لهم حفظ القرآن العظيم والسّنة المطهرة، وضاعف لهم الحسنات جلَّ وعلا، كل هذا من فضله جلَّ وعلا، نسأل الله أن يجعلنا وإيَّاكم .....، وأن يُوفِّقنا لهذا الخير العظيم.

مُداخلة: أحسن الله إليكم، تكلم الحافظُ على هذا الأثر فيما تقدَّم عند قوله تعالى: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ [الأعراف:150]، قال الحافظُ: ثم ظاهر السِّياق أنَّه إنما ألقى الألواحَ غضبًا على قومه، وهذا قول جمهور العلماء سلفًا وخلفًا.

وروى ابنُ جريرٍ عن قتادة في هذا قولًا غريبًا لا يصحّ إسناده إلى حكاية قتادة، وقد ردَّه ابنُ عطية وغير واحدٍ من العلماء، وهو جديرٌ بالردّ، وكأنَّه تلقَّاه قتادةُ عن بعض أهل الكتاب، وفيهم كذَّابون ووضَّاعون وأفَّاكون وزنادقة.

قال في الحاشية: انظر "تفسير الطبري"، وسيُورده ابنُ كثيرٍ عند قوله تعالى: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ [الأعراف:154].

لأنَّ في الأثر أحسن الله إليكم أنَّه ألقى الألواحَ بهذه الأسباب.

.............

الشيخ: هذا غلطٌ، الزيادة هذه، نبذ الألواح عندما وجدهم على الكفر بالله وعبادة العجل، نسأل الله العافية.

.............

الشيخ: هذا هو المستغرب، هذا هو المنكر.