تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ..}

إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ۝ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ۝ فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ۝ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:97- 100].

قال البخاريُّ: حدَّثنا عبدُالله بن يزيد المقرئ: حدَّثنا حيوة وغيره، قالا: حدَّثنا محمد بن عبدالرحمن أبو الأسود، قال: قطع على أهل المدينة بعث، فاكتتبتُ فيه، فلقيتُ عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته، فنهاني عن ذلك أشدّ النَّهي، قال: أخبرني ابنُ عباسٍ أنَّ ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يُكثرون سوادهم على عهد رسول الله ﷺ، يأتي السَّهمُ يُرمى به فيُصيب أحدَهم فيقتله، أو يضرب عنقَه فيقتل، فأنزل الله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ. رواه الليثُ عن أبي الأسود.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أحمد بن منصور الرَّمادي: حدَّثنا أبو أحمد -يعني الزبيري- حدَّثنا محمد بن شريك المكيّ: حدَّثنا عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ قال: كان قومٌ من أهل مكّة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدرٍ معهم، فأُصيب بعضُهم بفعل بعضٍ، قال المسلمون: كان أصحابُنا هؤلاء مُسلمين وأُكرهوا، فاستغفروا لهم. فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ الآية.

قال عكرمة: فكتب إلى مَن بقي من المسلمين بهذه الآية: لا عذرَ لهم. قال: فخرجوا، فلحقهم المشركون، فأعطوهم التَّقية، فنزلت هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ الآية [البقرة:8].

قال عكرمة: نزلت هذه الآية في شباب من قريش كانوا تكلموا بالإسلام بمكّة، منهم علي بن أمية بن خلف، وأبو قيس ابن الوليد بن المغيرة، وأبو العاص ابن منبه بن الحجاج، والحارث بن زمعة.

قال الضَّحاك: نزلت في ناسٍ من المنافقين تخلَّفوا عن رسول الله ﷺ بمكّة، وخرجوا مع المشركين يوم بدرٍ فأُصيبوا فيمَن أُصيب، فنزلت هذه الآيةُ الكريمة عامَّة في كل مَن أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادرٌ على الهجرة، وليس مُتمكِّنًا من إقامة الدِّين، فهو ظالمٌ لنفسه، مُرتكبٌ حرامًا بالإجماع، وبنصِّ هذه الآية.

الشيخ: هذا ذكر المنافقين هنا ليس بجيدٍ؛ فإنَّ النِّفاقَ إنما كان في المدينة، أمَّا مكة ففيها إسلامٌ صريحٌ، أو كفرٌ صريحٌ، أو إخفاءٌ للإسلام وعدم إظهارٍ له، أما النِّفاق فإنما نجم وصار في المدينة، فالآية الكريمة نزلت في أناسٍ أظهروا إسلامهم وأوذوا في الله ، وفي قومٍ كتموا إسلامهم، ثم خرجوا مع المشركين، فعاب اللهُ عليهم بقاءهم؛ لأنهم يستطيعون الهجرة.

والواجب على مَن استطاع الهجرة أن يخرج وأن يُهاجر إذا كان لا يُظهر دينه، ولا يستطيع إظهار دينه، ولا يأمن؛ وجبت عليه الهجرة إذا استطاع ذلك، فإنَّ جلوسَهم وهم يستطيعون سبَّب هذه المشكلة، سبَّب إخراجهم لهم معهم يوم بدرٍ، وإلزامهم بذلك، حتى نزل فيهم ما نزل.

والمقصود من هذا كلِّه أنَّ الواجبَ على مَن استطاع إذا كان بين المشركين ولا يستطيع إظهار دينه الواجب عليه أن يُهاجر، وأن ينتقل، ولا يُعرقل نفسه في الفتنة، أما المستضعف من الرجال والنِّساء فهذا معذورٌ؛ ولهذا قال فيهم: ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ يعني: بالإقامة وهم قادرون على الخروج.

س: ..............؟

ج: هذا الذي في قصة عكرمة، هذا محتمل أنَّ عكرمة خاف عليهم أن يكون قتالُهم فيه شيء ما يجوز، أو لا تصدر عليهم أوامر من بعض الأمراء الذين لا يتقيَّدون بالشَّرع؛ لأنَّ كلامَ عكرمة فيه نظر، ما هو من جنس ما وقع في مكّة.

س: أيش علاقة كلام عكرمة بالهجرة؟

ج: نقول: هذا ما هو بكلام عكرمة، إلا أنَّه خاف عليهم طاعة الأمراء في بعض المعاصي فقط، يمكن خاف عليهم في عهد بني أمية، قد يقع بعضُ النَّقص من بعض الأُمراء، وقد تقع بعض المعاصي، كأنَّه من جهة الورع؛ لأنَّ المقامَ غير المقام، مقام الأمراء في بني أمية غير مقام المهاجرين في مكّة، المقيمين في مكّة.

س: .............؟

ج: كأنَّه يخشى عليهم من طاعة الأمراء في المعصية، وإلا البعث هذا للجهاد، والجهاد أمرٌ شرعيٌّ، فكأنَّ عكرمة خاف على هؤلاء أنهم يتساهلون.

س: .............؟

ج: إظهار التوحيد، كونه يُنكر الشِّرك ويُظهر التوحيد، ويتبرأ من الشِّرك، ويُصلي بين المسلمين، وبين الكفَّار، ويُظهر دينَه، ما يختفي بدينِه من جهة الصَّلاة أو البراءة من الشِّرك، وإنكار الشِّرك، والدَّعوة إلى التوحيد، وإظهار شعائر الإسلام بينهم، هذا إظهار الدِّين.

س: الذين هم ظالمون أنفسَهم كفَّار؟

ج: ظلموا أنفسَهم بالإقامة بين المشركين، لا يكونون كفَّارًا إلَّا إذا خرجوا طائعين، إذا قاتلوا طائعين، أمَّا إذا كانوا مُكرهين لا، إذا كانت قلوبهم مُطمئنةً بالإيمان.

س: .............؟

ج: من باب الوعيد لأجل تساهلهم، وقد يكونون كافرين، يحتمل، بعضهم تساهل ولم يُكره.

..............

حيث يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ أي: بترك الهجرة، قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ أي: لم مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة؟ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ أي: لا نقدر على الخروج من البلد، ولا الذَّهاب في الأرض، قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً الآية.

وقال أبو داود: حدَّثنا محمدُ بن داود بن سفيان: حدَّثني يحيى بن حسَّان: أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود: حدَّثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب: حدَّثني خبيب بن سليمان.

الشيخ: خبيب ابن عم جعفر، كلاهما أولاد أولاد سمرة، هذا جعفر بن سعد بن سمرة، وذاك خبيب بن سليمان بن سمرة أيضًا، ابن عمّه، سليمان وسعد أخوان، وجعفر يروي عن ابن عمِّه خبيب بن سليمان.

عن أبيه سليمان بن سمرة، عن سمرة بن جندب: أمَّا بعد، قال رسولُ الله ﷺ: مَن جامع المشرك وسكن معه فإنَّه مثله.

الشيخ: وهذا وعيدٌ شديدٌ يُفيد الحذر من الإقامة بين أظهر المشركين، والحذر من السُّكنى معهم إلا في حقِّ مَن أظهر دينَه ودعا إلى الله جلَّ وعلا، وأصحّ منه حديث: أنا بريءٌ من كلِّ مسلمٍ يُقيم بين أظهر المشركين، لا تراءى ناراهما، وجعفر هذا وخبيب فيهما ضعفٌ.

المقصود أنَّ هذا فيه وعيدٌ وتحذيرٌ، وله شواهد، فيجب الحذر من الإقامة بين المشركين؛ لأنها وسيلة إلى الشَّر، وذريعة إلى البلاء، إلا مَن أقام لمصلحةٍ شرعيةٍ: الدَّعوة إلى الله، وإظهار الدين، وتوجيه المشركين إلى الله جلَّ وعلا على بصيرةٍ، وهو لا يخشى على دينه، بل يُظهر دينَه، هذا له وجهٌ، نعم.

س: ..............؟

ج: إذا أجبروه مثلما تقدَّم، إذا كان قلبُه مُطمئنًّا بالإيمان لا يجوز له أن يُطيعهم، لكن لا يكفر بذلك، لا يجوز له أن يُطيعهم ولو أجبروه، لكن تكون معصيةً كبيرةً، مثل الذي قتل نفسًا بغير حقٍّ، نعم.

س: ..............؟

ج: أسهل من القتال، وأسهل من السَّفر إلى بلادهم، لكن يطلب من الشَّركات تميزهم، يكون هؤلاء على حدة، وهؤلاء على حدة ..... هذا مُتيسر، ممكن، وإذا ساكنوهم وخالفوهم وأظهروا عداوتهم فالحمد لله.

س: الحديث ضعيفٌ؟

ج: فيه لينٌ جعفر ..... فيهما لين، انظر الكلام في "التقريب" على جعفر وخبيب.

الطالب: عليه حاشية، قال الشَّوكاني في "النيل": الذَّهبي قال: إنَّ سنده مُظلم. وفي "تهذيب التهذيب" في ترجمة جعفر بن سعد: قال ابنُ حزم: مجهول. وقال عبدالحق في "الأحكام": ليس ممن .....، ليس بالقوي. وقال ابنُ القطان: ما من هؤلاء مَن يُعرف حاله. يعني: جعفرًا أو شيخه وشيخ شيخه، وقد جهد المحدّثون فيهم جهدهم، وهو إسنادٌ يُروى فيه جملة أحاديث، قد ذكر البزارُ منها نحو المئة. انتهى.

الشيخ: أيش قال "التقريب"؟

الطالب: جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، الفزاري، ثم السمري، نُسِبَ إلى جدِّه، بالتَّخفيف وضمِّ الميم، ليس بالقوي، من السادسة. (أبو داود).

وخبيب -بموحدتين مُصغَّرًا- بن سليمان بن سمرة بن جندب، أو سليمان، الكوفي، مجهول، من السابعة. (أبو داود).

الشيخ: انظر أباهما: سعدًا وسليمان. في "التقريب" حكم على جعفر بأنَّه لين، وليس بالقوي، وعلى خبيب بأنَّه مجهول.

س: هل يجوز السَّكن مع الكفَّار؟

ج: لا يجوز إلا إذا كان يُظهر دينَه، يدعو إلى الله ويُظهر دينَه، ولا يخشى على دينه لحاجةٍ، مثل: مرض، أو تجارة، أو شيء، إذا كان يُظهر دينَه، إن كان مُوحِّدًا يتبرأ من الشِّرك وأهله، ويُظهر الصَّلاة وغيرها، ولا يخاف على دينه.

س: .............؟

ج: لا، يُباينهم، لا يأكل معهم، ولا يشرب معهم، ولا يجلس معهم، ولا يتَّخذهم أصحابًا إلَّا في الدَّعوة إلى الله: قال الله، قال رسوله.

س: الدِّراسة في بلدهم لعلمٍ ليس ضروريًّا؟

ج: ما يجوز السَّفر إليهم أبدًا إلا للضَّرورة، أو إظهار الدِّين والدَّعوة.

مُداخلة: ذكر سليمان، سليمان بن سمرة بن جندب الفزاري، مقبول، من الثالثة. (أبو داود).

الشيخ: مقبول يعني: إذا تابعه غيرُه، إذا تابعه غيرُه مثله، أو من أحسن منه.

س: حديث: أنا بريءٌ؟

ج: صحيحٌ، لا بأسَ به.

وقال السّدي: لما أُسِرَ العباسُ وعقيل ونوفل، قال رسولُ الله ﷺ للعباس: افدِ نفسَك وابنَ أخيك، فقال: يا رسول الله، ألم نُصلِّ إلى قبلتك، ونشهد شهادتك؟ قال: يا عباس، إنَّكم خاصمتم فخصمتم، ثم تلا عليه هذه الآية: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً الآية [النساء:97]. ورواه ابنُ أبي حاتم.

وقوله: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ [النساء:98] إلى آخر الآية، هذه عذرٌ من الله لهؤلاء في ترك الهجرة، وذلك أنَّهم لا يقدرون على التَّخلص من أيدي المشركين، ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطَّريق؛ ولهذا قال: لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا [النساء:98]، قال مجاهد وعكرمة والسّدي: يعني طريقًا.

الشيخ: يعني المستضعف الذي ما يستطيع نفقةً، أو لا يهتدي السَّبيل، ما يرشد في الطريق، هذا هو المستضعف؛ لعجزه عن المال، أو لعجزه عن سلوك الطَّريق.

وقوله تعالى: فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ أي: يتجاوز الله عنهم بترك الهجرة، وعسى من الله مُوجبة، وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء:99].

قال البخاريُّ: حدَّثنا أبو نعيم: حدَّثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: بينا رسولُ الله ﷺ يُصلي العشاء إذ قال: سمع اللهُ لمن حمده، ثم قال قبل أن يسجد: اللهم نَجِّ عياش ابن أبي ربيعة، اللهم نَجِّ سلمة بن هشام، اللهم نَجِّ الوليد بن الوليد، اللهم نَجِّ المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مُضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف.

الشيخ: هذا كان قبل الفتح، أبو هريرة أسلم عام خيبر، وهذا القنوت كان قبل الفتح.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أبي: حدَّثنا أبو معمر المقري: حدَّثني عبدُالوارث: حدَّثنا علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أنَّ رسولَ الله ﷺ رفع يده بعدما سلَّم وهو مُستقبل القبلة، فقال: اللهم خلص الوليد بن الوليد، وعياش ابن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، وضعفة المسلمين الذين لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا من أيدي الكفَّار.

الشيخ: هذا السَّند فيه علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيفٌ، والمشهور عنه ﷺ أنه كان يقنت كثيرًا في الدعاء لهم قبل الفتح عليه الصلاة والسلام، في أحاديث صحيحة من حديث ابن عمر وأبي هريرة وغيرهما، ولا مانع من الدّعاء لهم في أوقاتٍ أخرى غير الصَّلاة، الدعاء للفقراء والضُّعفاء من المسلمين، لكن السَّند هذا ضعيفٌ.

مُداخلة: أبو معمر المنقري هو عبدالله بن عمرو ابن أبي الحجاج، التَّميمي، أبو معمر، المقعد، المنقري -بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف- واسم أبي الحجاج ميسرة، ثقةٌ، ثبتٌ، رُمِيَ بالقدر، من العاشرة، مات سنة 24. (الجماعة).

الشيخ: لعله هذا، لعله هذا، حطّ حاشية: لعله المنقري هذا شيخ لأبي حاتم.

وقال ابنُ جرير: حدَّثنا المثنى: حدَّثنا حجاج: حدَّثنا حماد، عن علي بن زيد، عن عبدالله أو إبراهيم بن عبدالله القُرشي، عن أبي هريرة: أنَّ رسولَ الله ﷺ كان يدعو في دبر صلاة الظهر: اللهم خلص الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش ابن أبي ربيعة، وضعفة المسلمين من أيدي المشركين الذين: لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا.

ولهذا الحديث شاهدٌ في الصَّحيح من غير هذا الوجه كما تقدَّم.

وقال عبدُالرزاق: أنبأنا ابنُ عيينة، عن عبيدالله ابن أبي يزيد قال: سمعتُ ابنَ عباسٍ يقول: كنتُ أنا وأمي من المستضعفين من النِّساء والولدان.

وقال البخاري: أنبأنا أبو النعمان: حدَّثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي مليكة، عن ابن عباسٍ: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ قال: كنتُ أنا وأمي ممن عذر الله .

وقوله: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً [النساء:100] هذا تحريضٌ على الهجرة، وترغيبٌ في مُفارقة المشركين، وأنَّ المؤمنَ حيثما ذهب وجد عنهم مندوحةً وملجأً يتحصَّن فيه.

والمراغم مصدر، تقول العرب: راغم فلانٌ قومَه مراغمًا ومراغمةً. قال النابغةُ بن جعدة: [المتقارب]

كطود يُلاذ بأركانه عزيز المراغم والمهرب

وقال ابنُ عباسٍ: المراغم: التَّحول من أرضٍ إلى أرضٍ.

وكذا رُوِيَ عن الضَّحاك والربيع بن أنس والثوري.

وقال مجاهد: مُرَاغَمًا كَثِيرًا يعني: مُتزحزحًا عمَّا يكره.

س: بعض العلماء يشترط في إظهار الدِّين شرط إظهار العداوة؟

ج: لا بدَّ من إظهار الدِّين، لا بدَّ من إظهار التَّوحيد والبراءة من الشِّرك، لا بدَّ أن يُبين: هذا دين الله، يُبين التوحيد، ويُبين الكفر، مع الصلاة، مع إظهار الصلاة.

س: ما يكفي إظهار الصَّلاة والصِّيام؟

ج: ما يكفي، لا، ما يكفي؛ لأنَّه قد يُصلي وهو وثني، ما يعرف الدِّين، مثل: عُبَّاد الحسين والبدوي يُصلون وهم كفّار.

س: ذكر المؤلف أنَّ النبي ﷺ كان يدعو دبر كل صلاةٍ؟

ج: هذا ضعيفٌ.

س: له شاهدٌ من الصَّحيح؟

ج: لا، الشَّاهد بعد الركوع، القنوت كان بعد الركوع، ولكن لا بأس أن يدعو بعض الأحيان بعد الصَّلاة، أو في آخر الصلاة قبل أن يُسلم ..... لا بأس في أي وقتٍ يدعو، لكن القنوت المشروع بعد الركوع في الركعة الأخيرة: تارة في العصر، وتارة في الفجر، وتارة في العشاء، وتارة في المغرب.

س: إظهار التوحيد والبراءة من الشِّرك كافٍ في إظهار العداوة، أم لا بدَّ أن تكون صريحةً، أي العداوة؟

ج: لا بدَّ من إظهار العداوة؛ أنَّه على غير دينهم، وأنه عدوٌّ لهم، وأنهم أعداء له، وإذا أظهر التوحيد وتبرأ من الشِّرك أظهر العداوة، هذه العداوة: أنتم على دينٍ، ونحن على دينٍ.

س: يُعاملهم؟

ج: لا يتَّخذهم أصحابًا ولا أولياء، المعاملة: يشتري منه، ويبيع منه، ما يُخالف، الرسول ﷺ اشترى من اليهود، واستدان من اليهود، ما يضرّ، المعاملة بالشِّراء والبيع ما هي مُوالاة.

س: إظهار العداوة ما تلزم منها مُقاطعتهم؟

ج: لا، لا، اليهود أعداء، والنبي شرى منهم، وباع عليهم، البيع والشِّراء شيءٌ، والموالاة شيءٌ.

س: .............؟

ج: الحكم على ما ظهر فيه وغلب عليه.

س: مَن يقول أنَّ مُعاملتهم في هذه الأزمان من الشَّركات وغيرها فيها تقوية لاقتصادهم، فيترك التَّعامل معهم؟

ج: على كل حالٍ محل نظرٍ، التَّعامل معهم فيه تفصيلٌ: إن كان التَّعاملُ معهم يضرّ المسلمين أو يُكثرهم بين المسلمين أو يجعل لهم شوكةً تُرِكُوا، وإن كانت مُعاملاتهم ما تضرّ المسلمين، فالنبي عاملهم عليه الصَّلاة والسَّلام.

س: .............؟

ج: المقصود من بلاد الشِّرك، أمَّا الهجرة من بلاد المعاصي فمُستحبَّة إذا تيسَّرت بلادٌ أحسن منها.

س: إذا لم يستطع أن يُقيم الصلاة في بلدٍ إسلاميٍّ هل تجب عليه الهجرة؟

ج: هذه ما هي ببلدٍ إسلاميٍّ، إذا لم يستطع أن يُقيم الصَّلاة هذه ما هي ببلدٍ إسلامي، هذا ما يُتصور، لا سيما أن يمنعوه من إظهار الصَّلاة، هذا ما هو ببلدٍ إسلاميٍّ.