تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ..}

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ۝ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ۝ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ۝ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ۝ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [النساء:105- 109].

يقول تعالى مُخاطبًا لرسوله محمدٍ ﷺ: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ أي: هو حقٌّ من الله، وهو يتضمَّن الحقَّ في خبره وطلبه.

وقوله: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ احتجَّ به مَن ذهب من علماء الأصول إلى أنَّه كان ﷺ له أن يحكم بالاجتهاد بهذه الآية، وبما ثبت في "الصَّحيحين" من رواية هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة: أنَّ رسولَ الله ﷺ سمع جلبةَ خصمٍ بباب حُجرته، فخرج إليهم فقال: ألا إنما أنا بشرٌ، وإنما أقضي بنحوٍ مما أسمع، ولعلَّ أحدَكم أن يكون ألحن بحُجَّته من بعضٍ فأقضي له، فمَن قضيتُ له بحقِّ مسلمٍ فإنما هي قطعةٌ من النار، فليحملها أو ليذرها.

الشيخ: والمعنى في هذا أنَّ الله جلَّ وعلا يُريه الحقَّ ويُبصره به على القواعد التي شرعها لعباده؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ، وهو وحيٌ، الذي أراه هو وحيٌ، لا يُنافي قوله جلَّ وعلا: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ۝ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ۝ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1- 4]، فالذي أراه هو الوحي الذي أراه اللهُ، أراه اللهُ أن يحكم بالشَّاهدين وبيمين المدّعى عليه عند عدم البينة والشَّاهد واليمين، كل هذا من الوحي، لا مُنافاةَ بين الآيتين: بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ.

وقوله: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى فالله أوحى إليه أن يحكم بين الخصوم بهذا، كما في الحديث الآخر: شاهداك أو يمينه، البينة على المدّعي، واليمين على مَن أنكر، كله وحيٌ من الله، كله حكمٌ من الله، أراه اللهُ نبيَّه.

أمَّا الرأي المجرد الذي لا أصلَ له، لا، إنما يحكم بشيءٍ أراه الله إيَّاه؛ ولهذا قال: بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ، والذي أراك الله هو الوحي، فالوحي الذي أوحاه إليه بأن يحكم بين الخصوم بكذا وكذا، وهو لا يعلم الغيب، إنما يحكم بما أراه الله من الشُّهود والإيمان وغير ذلك مما جاءت به الشَّريعةُ، نعم.

وقال الإمامُ أحمد: حدَّثنا وكيع: حدَّثنا أسامة بن زيد، عن عبدالله بن رافع، عن أم سلمة قالت: جاء رجلانِ من الأنصار يختصمان إلى رسول الله ﷺ في مواريث بينهما قد درست، ليس عندهما بينة، فقال رسولُ الله ﷺ: إنَّكم تختصمون إليَّ، وإنما أنا بشرٌ، ولعلَّ بعضَكم أن يكون ألحنَ بحُجَّته من بعضٍ، وإنما أقضي بينكم على نحوٍ مما أسمع، فمَن قضيتُ له من حقِّ أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعةً من النار يأتي بها إسطامًا في عنقه يوم القيامة، فبكى الرَّجلان، وقال كلٌّ منهما: حقِّي لأخي. فقال رسولُ الله ﷺ: أما إذا قلتُما فاذهبا فاقتسما، ثم توخَّيا الحقَّ بينكما، ثم استهما، ثم ليحلل كلٌّ منكما صاحبَه.

وقد رواه أبو داود من حديث أسامة بن زيدٍ به، وزاد: إني إنما أقضي بينكما برأيي فيما لم ينزل عليَّ فيه.

الشيخ: وهذا لا يُنافي ما تقدّم؛ فإنَّه إذا حضره الخصمانِ وليس عندهما بينةٌ، فليس هناك إلا اليمين، والشَّخص الذي يحلف قد يكون كاذبًا، النبي ما يعلم الغيب، أوحى اللهُ إليه أن يأخذ اليمينَ، أوحى اللهُ إلى نبيِّه أن يأخذ اليمينَ عند عدم البينة، فصاحب اليمين قد يكذب، وصاحب البينة قد يكذب، وليس للحاكم إلا ظاهر العدالة، كلّه حكمه بالشرع، حكم بما أراه الله، وهكذا القُضاة إذا حكموا بهذا، فهذا حكم الشَّرع، وليس لهم إلا الظَّاهر، فإذا كان الشَّاهدانِ كاذبين، أو المدَّعي كاذبًا، أو المدَّعى عليه كاذبًا حين حلف، الله الذي يعلمه .

س: الإسناد صحيحٌ؟

ج: صحيحٌ، الحديث مُخرَّجٌ في "الصحيحين".

س: .............؟

ج: الرأي الذي أراه الله يعني: لو صحَّت هذه الرِّواية، نصّ الآية: بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ.

وقد روى ابنُ مردويه من طريق العوفي، عن ابن عباسٍ: أنَّ نفرًا من الأنصار غزوا مع رسول الله ﷺ في بعض غزواته، فسُرِقَتْ درعٌ لأحدهم، فأُظِنَّ بها رجلٌ من الأنصار، فأتى صاحبُ الدّرع رسولَ الله ﷺ فقال: إنَّ طعمة بن أبيرق سرق درعي. فلمَّا رأى السَّارقُ ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجلٍ بريءٍ، وقال لنفرٍ من عشيرته: إني غيبتُ الدِّرعَ وألقيتُها في بيت فلان، وستوجد عنده. فانطلقوا إلى نبيِّ الله ﷺ ليلًا فقالوا: يا نبيَّ الله، إنَّ صاحبنا بريءٌ، وإنَّ صاحبَ الدِّرع فلان، وقد أحطنا بذلك علمًا، فاعذر صاحبنا على رؤوس الناس، وجادل عنه، فإنَّه إن لم يعصمه اللهُ بك يهلك. فقام رسولُ الله ﷺ فبَرَّأه وعذره على رؤوس الناس، فأنزل الله: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ۝ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ۝ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ الآية.

ثم قال تعالى للذين أتوا رسولَ الله ﷺ مُستخفين بالكذب: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ الآيتين، يعني الذين أتوا رسولَ الله ﷺ مُستخفين يُجادلون عن الخائنين.

ثم قال : وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ [النساء:110] يعني الذين أتوا رسولَ الله ﷺ مُستخفين بالكذب.

ثم قال: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء:112] يعني السَّارق والذين جادلوا عن السَّارق.

وهذا سياقٌ غريبٌ، وكذا ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسّدي وابن زيد وغيرهم في هذه الآية: أنها نزلت في سارق بني أبريق، على اختلاف سياقاتهم، وهي مُتقاربة.

وقد روى هذه القصّة محمدُ بن إسحاق مُطوَّلةً، فقال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الآية من "جامعه"، وابن جرير في "تفسيره": حدَّثنا الحسنُ بن أحمد ابن أبي شُعيب -أبو مسلم الحرَّاني- حدَّثنا محمدُ بن سلمة الحرَّاني: حدَّثنا محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن جدِّه قتادة بن النعمان قال: كان أهلُ بيتٍ منا يُقال لهم: بنو أبيرق: بشر وبشير ومبشر، وكان بشير رجلًا مُنافقًا يقول الشعرَ يهجو به أصحابَ رسول الله ﷺ، ثم ينحله لبعض العرب.

الشيخ: ينحله يعني: ينسبه لبعض العرب.

ثم يقول: قال فلانٌ كذا وكذا، وقال فلانٌ كذا وكذا، فإذا سمع أصحابُ رسول الله ﷺ ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث. أو كما قال: الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها. قالوا: وكانوا أهل بيت حاجةٍ وفاقةٍ في الجاهلية والإسلام، وكان الناسُ إنما طعامهم بالمدينة التَّمر والشَّعير، وكان الرجلُ إذا كان له يسارٌ فقدمت ضافطةٌ من الشَّام من الدَّرمك ابتاع الرجلُ منها فخصَّ بها نفسَه، وأمَّا العيال فإنما طعامهم التَّمر والشَّعير، فقدمت ضافطةٌ من الشام، فابتاع عمّي رفاعة بن زيد حملًا من الدَّرمك فجعله في مشربةٍ له، وفي المشربة سلاحٌ ودرعٌ وسيفٌ، فعُدِيَ عليه من تحت البيت، فنُقبت المشربة، وأُخِذَ الطَّعامُ والسلاح، فلمَّا أصبح أتاني عمّي رفاعة فقال: يا ابن أخي، إنَّه قد عُدِيَ علينا في ليلتنا هذه، فنُقبت مشربتنا، فذُهِبَ بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدَّار وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم.

وقال: وكان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار: والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل. رجلًا منا له صلاحٌ وإسلامٌ، فلمَّا سمع لبيد اخترط سيفَه وقال: أنا أسرق؟! والله ليُخالطنَّكم هذا السَّيفُ أو لتُبيننَّ هذه السَّرقة. قالوا: إليك عنا أيُّها الرجل، فما أنت بصاحبها. فسألنا في الدَّار حتى لم نشكّ أنهم أصحابها. فقال لي عمّي: يا ابن أخي، لو أتيتَ رسولَ الله ﷺ فذكرتَ ذلك له.

قال قتادةُ: فأتيتُ رسولَ الله ﷺ فقلتُ: إنَّ أهل بيتٍ منا أهل جفاء عمدوا إلى عمّي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربةً له، وأخذوا سلاحَه وطعامَه، فليردُّوا علينا سلاحَنا، فأمَّا الطعام فلا حاجةَ لنا فيه. فقال النبي ﷺ: سآمُر في ذلك، فلمَّا سمع بذلك بنو أبيرق أتوا رجلًا منهم يُقال له: أسير بن عمرو، فكلَّموه في ذلك، فاجتمع في ذلك أناسٌ من أهل الدار فقالوا: يا رسول الله، إنَّ قتادة بن النّعمان وعمّه عمدا إلى أهل بيتٍ منا أهل إسلامٍ وصلاحٍ يرمونهم بالسَّرقة من غير بينةٍ ولا ثبتٍ.

قال قتادةُ: فأتيتُ النبيَّ ﷺ فكلَّمته، فقال: عمدتَ إلى أهل بيتٍ ذُكِرَ منهم إسلامٌ وصلاحٌ ترميهم بالسَّرقة على غير بينةٍ ولا ثبتٍ؟! قال: فرجعتُ ولوددتُ أني خرجتُ من بعض مالي ولم أُكلِّم رسولَ الله ﷺ في ذلك، فأتاني عمّي رفاعة فقال: يا ابن أخي، ما صنعتَ؟ فأخبرته بما قال لي رسولُ الله ﷺ، فقال: الله المستعان، فلم نلبث أن نزل القرآنُ: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا يعني: بني أُبيرق، وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ أي: مما قلتَ لقتادة، إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ۝ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إلى قوله: رَحِيمًا أي: لو استغفروا الله لغفر لهم، وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ إلى قوله: وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء:111- 112]، قولهم للبيد: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ إلى قوله: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:113- 114].

فلمَّا نزل القرآنُ أتى رسولُ الله ﷺ بالسلاح فردَّه إلى رفاعة، فقال قتادةُ: لما أتيتُ عمّي بالسلاح، وكان شيخًا قد عسا أو عشا -الشك من أبي عيسى- في الجاهلية، وكنتُ أرى إسلامَه مدخولًا؛ لما أتيتُه بالسِّلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله. فعرفتُ أنَّ إسلامَه كان صحيحًا، فلمَّا نزل القرآنُ لحق بشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية، فأنزل الله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ۝ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء:115- 116]، فلمَّا نزل على سُلافة بنت سعد هجاها حسانُ بن ثابتٍ بأبياتٍ من شعرٍ، فأخذتْ رحلَه فوضعته على رأسها ثم خرجت به فرمته في الأبطح، ثم قالت: أهديتَ لي شعرَ حسان! ما كنتَ تأتيني بخيرٍ. لفظ الترمذي، ثم قال الترمذي: هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعلم أحدًا أسنده غير محمد بن سلمة الحرَّاني.

الشيخ: ابن إسحاق رحمه الله ما صرّح بالسَّماع، وفيه عنعنته، والمقصود الأحكام التي بيَّنها اللهُ جلَّ وعلا، سواء ثبتت هذه القصّة أو ما ثبتت، المهم الحكم بين الناس بالحقِّ، وعدم مُساعدة المجرمين، وأن يكون الحاكمُ بعيدًا عن كلِّ ما يُوجب التُّهمة، وأن يكون مع الحقِّ ومع البينة الشَّرعية مع مَن كانت.

ورواه يونسُ بن بُكير وغير واحدٍ، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلًا، لم يذكروا فيه: عن أبيه، عن جدِّه.

ورواه ابنُ أبي حاتم، عن هاشم بن القاسم الحرَّاني، عن محمد بن سلمة به ببعضه.

ورواه ابنُ المنذر في "تفسيره": حدَّثنا محمد بن إسماعيل -يعني الصائغ- حدَّثنا الحسن بن أحمد بن شعيب الحرَّاني.

الطالب: "الخلاصة": الحسن بن أحمد ابن أبي شُعيب الحرَّاني، أبو مسلم، نزيل بغداد، عن أبيه وجدِّه ومحمد بن مسلمة، وعنه (م) حديثين (مد، ت)، وثَّقه الخطيب، قال موسى بن هارون: مات سنة خمسين ومئتين. (م، مد، ت).

.................

حدَّثنا محمدُ بن سلمة. فذكره بطوله.

ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في "تفسيره" عن محمد بن العباس بن أيوب والحسن بن يعقوب، كلاهما عن الحسن بن أحمد ابن أبي شُعيب الحرَّاني، عن محمد بن سلمة به، ثم قال في آخره: قال محمدُ بن سلمة: سمع مني هذا الحديث يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إسرائيل. وقد روى هذا الحديثَ الحاكمُ أبو عبدالله النَّيسابوري في كتابه "المستدرك" عن أبي عباس الأصم، عن أحمد بن عبدالجبار العطاردي، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق بمعناه أتمَّ منه، وفيه الشعر. ثم قال: وهذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يُخرجاه.

وقوله تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ الآية، هذا إنكارٌ على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناس؛ لئلا يُنكِروا عليهم، ويُجاهرون اللهَ بها؛ لأنَّه مُطَّلِعٌ على سرائرهم، وعالمٌ بما في ضمائرهم؛ ولهذا قال: وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا، تهديدٌ لهم ووعيدٌ.

ثم قال تعالى: هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الآية، أي: هَبْ أنَّ هؤلاء انتصروا في الدُّنيا بما أبدوه أو أُبدي لهم عند الحكام الذين يحكمون بالظَّاهر، وهم متعبدون بذلك، فماذا يكون صنيعُهم يوم القيامة بين يدي الله تعالى الذي يعلم السِّرَّ وأخفى؟ ومَن ذا الذي يتوكّل لهم يومئذٍ يوم القيامة في ترويج دعواهم؟ أي: لا أحدَ يومئذٍ يكون لهم وكيلًا؛ ولهذا قال: أم مَن يكون عليهم وكيلًا؟

الشيخ: نسأل الله العافية، نسأل الله العافية، المقصود فيه التَّحذير من الخيانة والظلم وتعاطي التَّدليس، فإنَّ الله جلَّ وعلا لا تخفى عليه خافيةٌ، فهب أنَّ الظالم والمدلس نجح في الدنيا، لكن مَن يُجيره من عذاب الله يوم القيامة؟! فكم من خائنٍ وكم من مُدلِّسٍ نجح بشهود الزور وبالبينات الكاذبة والمحرفة، ولكنَّه سوف يبوء بذلك عقوبة ..... يوم القيامة، نسأل الله العافية، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ ولهذا قال ﷺ: إنما أقطع له قطعةً من النار، فليحملها أو ليذرها، نسأل الله العافية.

وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110].