تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ..} (1)

إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ۝ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ۝ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:163- 165].

قال محمدُ بن إسحاق: عن محمد ابن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ قال: قال سُكِين وعدي بن زيد: يا محمد، ما نعلم أنَّ الله أنزل على بشرٍ من شيءٍ بعد موسى. فأنزل اللهُ في ذلك من قولهما: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ إلى آخر الآيات.

وقال ابنُ جريرٍ: حدَّثنا الحارثُ: حدَّثنا عبدُالعزيز: حدَّثنا أبو معشر، عن محمد بن كعبٍ القُرظي قال: أنزل اللهُ: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ إلى قوله: وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا [النساء:153- 156]، قال: فلمَّا تلاها عليهم -يعني على اليهود- وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة، جحدوا كلَّ ما أنزل اللهُ، وقالوا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:91]، ولا على موسى، ولا على عيسى، ولا على نبيٍّ من شيءٍ. قال: فحلَّ حبوته وقال: ولا على أحدٍ. فأنزل الله : وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:91].

وفي هذا الذي قاله محمدُ بن كعبٍ القرظي نظر؛ فإنَّ هذه الآية التي في سورة الأنعام مكيَّة، وهذه الآية التي في سورة النِّساء مدنية، وهي ردٌّ عليهم لما سألوا النبيَّ ﷺ أن يُنزل عليهم كتابًا من السَّماء، قال الله تعالى: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ [النساء:153]، ثم ذكر فضائحَهم ومعايبَهم وما كانوا عليه وما هم عليه الآن من الكذب والافتراء.

ثم ذكر تعالى أنَّه أوحى إلى عبده ورسوله محمدٍ ﷺ كما أوحى إلى غيره من الأنبياء المتقدِّمين، فقال: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ إلى قوله: وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا، والزَّبور اسمُ الكتاب الذي أوحاه اللهُ إلى داود عليه السَّلام.

وسنذكر ترجمة كلِّ واحدٍ من هؤلاء الأنبياء عليهم من الله أفضل الصَّلاة والسَّلام عند قصصهم من سورة الأنبياء إن شاء الله، وبه الثِّقة، وعليه التّكلان.

وقوله: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ أي: من قبل هذه الآية، يعني في السّور المكيّة وغيرها، وهذه تسمية الأنبياء الذين نصَّ اللهُ على أسمائهم في القرآن، وهم: آدم وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب وموسى وهارون ويونس وداود وسليمان وإلياس واليسع وزكريا ويحيى وعيسى، وكذا ذو الكفل عند كثيرٍ من المفسِّرين، وسيدهم محمد ﷺ.

وقوله: وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ أي: خلقًا آخرين لم يُذْكَروا في القرآن.

وقد اختُلِفَ في عدّة الأنبياء والمرسلين، والمشهور في ذلك حديثُ أبي ذرٍّ الطَّويل، وذلك فيما رواه ابنُ مردويه رحمه الله في "تفسيره" حيث قال: حدَّثنا إبراهيمُ بن محمد: حدَّثنا جعفر بن محمد بن الحسن والحسين بن عبدالله بن يزيد، قالا: حدَّثنا إبراهيمُ بن هشام بن يحيى الغسَّاني: حدَّثني أبي، عن جدِّي، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذرٍّ قال: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: مئة ألفٍ وأربعة وعشرون ألفًا، قلتُ: يا رسول الله، كم الرسل منهم؟ قال: ثلاثمئة وثلاثة عشر، جمٌّ غفيرٌ، قلتُ: يا رسول الله، مَن كان أوّلهم؟ قال: آدم، قلت: يا رسول الله، نبيٌّ مُرسَلٌ؟ قال: نعم، خلقه اللهُ بيده، ثم نفخ فيه من روحه، ثم سواه قبلًا، ثم قال: يا أبا ذرّ، أربعة سريانيون: آدم وشيث ونوح وخنوخ وهو إدريس، وهو أول مَن خطَّ بالقلم، وأربعة من العرب: هود وصالح وشُعيب ونبيّك يا أبا ذرّ، وأول نبيٍّ من بني إسرائيل موسى، وآخرهم عيسى، وأول النَّبيين آدم، وآخرهم نبيّك.

وقد روى هذا الحديثَ بطوله الحافظُ أبو حاتم ابن حبان البُستي في كتابه "الأنواع والتقاسيم"، وقد وسمه بالصحّة، وخالفه أبو الفرج ابن الجوزي فذكر هذا الحديثَ في كتابه "الموضوعات"، واتَّهم به إبراهيم بن هشام هذا، ولا شكَّ أنَّه قد تكلَّم فيه غيرُ واحدٍ من أئمة الجرح والتَّعديل من أجل هذا الحديث، والله أعلم.

وقد رُوِيَ هذا الحديثُ من وجهٍ آخر عن صحابيٍّ آخر، فقال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا محمدُ بن عوف: حدَّثنا أبو المغيرة: حدَّثنا معان بن رفاعة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قلتُ: يا نبيَّ الله، كم الأنبياء؟ قال: مئة ألفٍ وأربعة وعشرون ألفًا، والرسل من ذلك ثلاثمئة وخمسة عشر، جمًّا غفيرًا.

معان بن رفاعة السّلامي ضعيفٌ، وعلي بن يزيد ضعيفٌ، والقاسم أبو عبدالرحمن ضعيفٌ أيضًا.

الشيخ: أمَّا القاسم فقد وثَّقه جماعةٌ، القاسم بن عبدالرحمن إذا روى عنه الثِّقة في تضعيفه نظر، أمَّا علي بن يزيد فمعروفٌ، ومعان معروف، معروفان بالضَّعيف، انظر: معان بن رفاعة في "التقريب".

س: علي بن يزيد، أو علي بن زيد؟

ج: علي بن زيد بن جدعان، بالزاي.

س: حديث أبي ذرٍّ صحيحٌ؟

ج: كلّها ضعيفة، الطرق كلّها ضعيفة، ما ثبت في عدد الأنبياء شيءٌ، كلّها ضعيفة: لا حديث أبي ذرّ، ولا حديث أبي أمامة، انظر: معان بن رفاعة.

الطالب: مُعَان -بضم أوله وتخفيف المهملة- بن رفاعة، السّلَامي -بتخفيف اللام- الشَّامي، لين الحديث، كثير الإرسال، من السابعة، مات بعد الخمسين. (ابن ماجه).

الشيخ: انظر "الخلاصة".

الطالب: معان -آخره نون- بن رفاعة، الدّمشقي، أبو محمد، عن القاسم أبي عبدالرحمن وأبي الزبير وجماعة، وعنه مبشر بن إسماعيل وعاصم بن خالد وطائفة، وثَّقه ابنُ المديني ودُحيم، قال ابنُ عدي: عامَّة ما يرويه لا يُتابع عليه. (ابن ماجه).

الشيخ: انظر القاسم.

الطالب: أحسن الله إليك، علي بن يزيد الألهاني هذا.

الشيخ: إيه، علي بن يزيد الألهاني، عن القاسم، غير علي بن زيد بن جدعان. علي بن يزيد هذا صاحب القاسم –بالياء- نعم، ذاك الذي بالزاي علي بن زيد بن جدعان.

س: كلاهما ضعيفٌ؟

ج: كلاهما ضعيفٌ، نعم، الموجود هنا علي بن يزيد الألهاني الذي يروي عنه معان.

س: أول الرسل نوح؟

ج: أولهم آدم، أول الأنبياء والرسل آدم، ولكن نوحًا أول الرسل إلى أهل الأرض لما وقع الشِّركُ، هو أول الرسل إلى أهل الأرض بعدما وقع فيهم الشِّرك، كما في حديث القيامة؛ حديث الشَّفاعة يوم القيامة، وحديث تقدم الأمم إلى آدم، ثم إلى نوحٍ، فيقولون لنوحٍ: أنت أوَّل رسولٍ أرسله اللهُ إلى أهل الأرض، يطلبون منه الشَّفاعة في حال القضاء بين الناس، هو أول رسولٍ أُرْسِلَ إلى أهل الأرض بعدما وقع الشِّرك، وآدم أول رسولٍ إلى أهل الأرض مطلقًا، وهو رسولٌ إلى ذُريته، إلى مَن حصل من ذُريته، إلى أن أُرسل نوحٌ عشرة قرون، كما قال ابنُ عباسٍ، عشرة قرون كانوا على الإسلام، على شريعة آدم، حتى وقع الشِّركُ في قوم نوحٍ، نعم.

س: عفا الله عنك، محمد ابن أبي محمد، عن عكرمة يتكرر كثيرًا في السَّند؟

ج: محمد فيه بعض الكلام عن عكرمة ..... انظر: محمد ابن أبي محمد في "التقريب" و"الخلاصة"، شيخ ابن إسحاق.

الطالب: محمد ابن أبي محمد الأنصاري، مولى زيد بن ثابت، مدني، مجهول، من السادسة، تفرَّد عنه ابنُ إسحاق. (أبو داود).

الشيخ: والثاني؟

الطالب: الثاني: محمد ابن أبي محمد، المدني، شيخٌ لعبدالرزاق، مجهول، من السابعة. (التمييز).

الشيخ: كلاهما مجهول، انظر "الخلاصة".

الطالب: محمد ابن أبي محمد، مولى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير، وعنه ابن إسحاق، وثَّقه ابن حبان. (أبو داود).

الشيخ: والآخر ما ذكره؟

الطالب: لا.

الشيخ: طيب، نعم.

س: هل يُكتفى بمجرد توثيق ابن حبَّان؟

ج: لا، ما يكفي، ابن حبان مُتساهل؛ ولهذا أعرض عنه الحافظُ، قال: مجهولٌ. لم يلتفت إلى توثيق ابن حبَّان.

وقال الحافظُ أبو يعلى الموصلي: حدَّثنا أحمد بن إسحاق أبو عبدالله الجوهري البصري: حدَّثنا مكي بن إبراهيم: حدَّثنا موسى بن عبيدة الرّبذي، عن يزيد الرّقاشي، عن أنسٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: بعث اللهُ ثمانية آلاف نبيٍّ: أربعة آلاف إلى بني إسرائيل، وأربعة آلاف إلى سائر الناس.

وهذا أيضًا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه الرّبذي ضعيفٌ، وشيخه الرّقاشي أضعف منه، والله أعلم.

قال أبو يعلى: حدَّثنا أبو الربيع: حدَّثنا محمد بن ثابت العبدي: حدَّثنا محمد بن خالد الأنصاري، عن يزيد الرّقاشي، عن أنسٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: كان فيمَن خلا من إخواني من الأنبياء ثمانية آلاف نبيٍّ، ثم كان عيسى ابن مريم، ثم كنتُ أنا.

وقد رُويناه عن أنسٍ من وجهٍ آخر، فأخبرنا الحافظُ أبو عبدالله الذَّهبي: أخبرنا أبو الفضل ابن عساكر.

الشيخ: حطّ نسخة.

الطالب: محمد بن خالد، عن عبيدالله بن موسى ومحمد بن عبدالله الأنصاري ومحمد بن وهب ومحمد بن موسى بن أعين، وعنه (خ)، هو الذّهلي، وقيل: الذي.

الشيخ: غيره، فقط؟

الطالب: هذا الأنصاري واحد.

الشيخ: انظر معبد بن خالد.

الطالب: معبد بن خالد بن مرير -بمهملتين مُصغر- الجدلي -بفتح الجيم- جديلة قيس، الكوفي، القاصّ، عن المستورد بن شداد ومسروق، وعنه عاصم بن بهدلة ومسعر وشعبة، وثَّقه ابنُ معين، قال ابنُ حبان: كان يُصلي الغداةَ والعشاء بوضوءٍ واحدٍ. قال طلق بن غنام: مات سنة ثماني عشرة ومئة. (ع).

الشيخ: أحمد بن إسحاق.

الطالب: في ثلاثةٍ.

الشيخ: الأول.

الطالب: خ- أحمد بن إسحاق بن الحصين بن جابر، السلمي، أبو إسحاق، السّرماري، كان يُضرب بشجاعته المثل، روى عن: يعلى بن عبيد وعثمان بن عمر بن فارس وعبدالله بن موسى وغيرهم، روى عنه: البخاري وابنه أبو صفوان إسحاق بن أحمد وبكر بن منير وعبيدالله بن واصل وعدّة. قال أبو صفوان: وَهَب المأمونُ لأبي ثلاثين ألف درهم فلم يقبلها. مات يوم السَّبت لستٍّ بقين من ربيع الآخر سنة 242.

الشيخ: انظر "التهذيب".

الطالب: أحمد بن إسحاق بن زيد بن عبدالله ابن أبي إسحاق، الحضرمي، أبو إسحاق، البصري، روى عن: حمَّاد بن سلمة وعبدالعزيز وأبي عوانة ابن المختار وهمام ووهب والقطَّان، وعنه: إبراهيم الجوهري وأبو خيثمة وابنا أبي شيبة ويعقوب بن شيبة وأحمد بن الحسن بن خراش والحارث ابن أبي أسامة وغيرهم. قال أحمد: كان عندي إن شاء الله صدوقًا.

الشيخ: الثالث.

الطالب: أحمد بن إسحاق بن عيسى، الأهوازي، البزار، أبو إسحاق، صاحب السّلعة، روى عن: حجاج بن نصير وأبي أحمد الزُّبيري والمقري وغيرهم، روى عنه: أبو داود، وذكر صاحب "النبل" أنَّ النَّسائي روى عنه، ولم أقف على ذلك، والبزَّار وابن أبي الدنيا وعبدان الجواليقي وغيرهم، قال النَّسائي: صالح. وقال ابنُ أبي عاصم: مات سنة 250.

الشيخ: ..... انظر: مكي بن إبراهيم.

الطالب: "التَّهذيب": مكي بن إبراهيم بن بشير بن فرقد، وقيل: ابن فرقد بن بشير، التَّميمي، الحنظلي، أبو السكن، البلخي، الحافظ، روى عن: الجعيد بن عبدالرحمن وعبدالله بن سعيد ابن أبي هند وأيمن بن نابل ويزيد ابن أبي عبيد وبهز بن حكيم وأبي حنيفة ومالك وابن جُريج وهشام بن حسَّان وهشام الدّستوائي وجعفر الصَّادق ويعقوب بن عطاء ابن أبي رباح وهاشم بن هاشم بن عتبة ويحيى بن شبل.

الشيخ: وعنه؟

الطالب: روى عنه: البخاري، وروى له هو والباقون بواسطة محمد بن عمرو البلخي وأبي موسى محمد بن المثنى ومحمد بن حاتم بن ميمون وأحمد ابن أبي سريج الرازي وعبدالله بن مخلد التَّميمي وعبيدالله بن عمر القواريري وهارون الحمَّال وبندار ومجاهد بن موسى ومحمد بن إسماعيل بن عُلية وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني وعبدالله بن الصّباح العطّار ويزيد بن سنان القزاز وأحمد بن نصر المقري وسهل بن زنجلة، وروى أيضًا حفيده.

الشيخ: يكفي، حطّ نسخة: مكي بن إبراهيم.

وقد رُويناه عن أنسٍ من وجهٍ آخر: فأخبرنا الحافظُ أبو عبدالله الذَّهبي: أخبرنا أبو الفضل ابن عساكر: أنبأنا الإمامُ أبو بكر ابن القاسم ابن أبي سعيدٍ الصَّفار: أخبرتنا عمَّةُ أبي عائشة بنت أحمد بن منصور بن الصَّفار: أخبرنا الشريف أبو السَّنابك هبةُ الله ابن أبي الصَّهباء محمد بن حيدر القرشي: حدَّثنا الإمامُ الأستاذُ أبو إسحاق الإسفراييني، قال: أخبرنا الإمامُ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: حدَّثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة: حدَّثنا أحمد بن طارق: حدَّثنا مسلمُ بن خالد: حدَّثنا زياد بن سعد، عن محمد بن المنكدر، عن صفوان بن سليم، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: بُعِثْتُ على أثر ثمانية آلاف نبيٍّ، منهم أربعة آلاف نبيٍّ من بني إسرائيل.

وهذا غريبٌ من هذا الوجه، وإسناده لا بأسَ به، رجاله كلّهم معروفون إلا أحمد بن طارق هذا، فإني لا أعرفه بعدالةٍ ولا جرحٍ، والله أعلم.

الشيخ: مسلم بن خالد فيه ضعفٌ، شيخ الشَّافعي، المقصود أنَّ الطرقَ هذه كلّها ما يُعتمد عليها؛ لأنَّ المقامَ مقامٌ عظيمٌ، والبون عظيمٌ بين ثمانية آلاف وبين مئة ألف وأربعة وعشرين ألفًا، انظر في "التقريب": مسلم بن خالد.

الطالب: مسلم بن خالد المخزومي مولاهم، أبو خالد المكي، الفقيه، الإمام، المعروف بالزنجي، قال إسحاقُ الحربي: لأنَّه أشقر بالضّد. وقال سويدُ بن سعيدٍ: كان شديدَ الأُدْمَة. عن ابن أبي مليكة وزيد بن أسلم وطائفة، وعنه الشَّافعي وابن وهب والحميدي وطائفة، قال ابنُ معينٍ: ثقة. وضعَّفه أبو داود، وقال ابنُ عدي: حسن الحديث. وقال أبو حاتم: إمامٌ في الفقه، تَعرف وتُنْكِر. قال الأزرقيُّ: مات سنة ثمانٍ ومئة. (أبو داود، وابن ماجه).

الطالب: في حاشية من "التهذيب" قال: ليس بذاك القوي، يُكْتَب حديثُه ولا يُحتجُّ به. وقال النَّسائي: ليس بالقوي.

الشيخ: مسلم بن خالد.

الطالب: مسلم بن خالد المخزومي مولاهم، المكي، المعروف بالزنجي، فقيه، صدوق، كثير الأوهام، من الثامنة، مات سنة تسعٍ وسبعين أو بعدها. (أبو داود، وابن ماجه).

الطالب: عندنا أبو السَّنابك بالباء.

الشيخ: وعندكم أيش؟

الطالب: بالنّون: السنانك.

الشيخ: حطّها نسخة، الذي عنده "أبو السنابك" يحطّ نسخة: "أبو السنانك"، نسخة.

س: ..... ما هو مُجْمَعٌ على ضعفه؟

ج: لا، ما هو بمجمع على ضعفه، مثلما سمعتَ.

وحديث أبي ذرٍّ الغفاري الطَّويل في عدد الأنبياء عليهم السَّلام: قال محمدُ بن حسين الآجري: حدَّثنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الفريابي إملاءً في شهر رجب سنة سبعٍ وتسعين ومئتين: حدَّثنا إبراهيمُ بن هشام بن يحيى الغسَّاني: حدَّثنا أبي، عن جدِّه، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذرٍّ قال: دخلتُ المسجد فإذا رسولُ الله ﷺ جالسٌ وحده، فجلستُ إليه، فقلتُ: يا رسول الله، إنَّك أمرتني بالصَّلاة. قال: الصَّلاة خير موضوعٍ، فاستكثر أو استقلّ، قال: قلتُ: يا رسول الله، فأيّ الأعمال أفضل؟ قال: إيمانٌ بالله، وجهادٌ في سبيله، قلتُ: يا رسول الله، فأيّ المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقًا، قلتُ: يا رسول الله، فأيّ المسلمين أسلم؟ قال: مَن سلم الناسُ من لسانه ويده، قلت: يا رسول الله، فأيّ الهجرة أفضل؟ قال: مَن هجر السَّيئات، قلتُ: يا رسول الله، أي الصَّلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، فقلتُ: يا رسول الله، فأيّ الصيام أفضل؟ قال: فرضٌ مجزئٌ، وعند الله أضعافٌ كثيرةٌ، قلتُ: يا رسول الله، فأي الجهاد أفضل؟ قال: مَن عقر جواده، وأُهريق دمه، قلتُ: يا رسول الله، فأيّ الرِّقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها، قلتُ: يا رسول الله، فأي الصَّدقة أفضل؟ قال: جهدٌ من مُقِلٍّ وسرٌّ إلى فقيرٍ، قلتُ: يا رسول الله، فأيّ آيةٍ ما أنزل اللهُ عليك أعظم؟ قال: آية الكرسي.

ثم قال: يا أبا ذرّ، وما السَّماوات السَّبع مع الكرسي إلا كحلقةٍ مُلقاةٍ بأرضٍ فلاةٍ، وفضل العرشِ على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة.

قال: قلتُ: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: مئة ألفٍ وأربعة وعشرون ألفًا، قال: قلتُ: يا رسول الله، كم الرسل من ذلك؟ قال: ثلاثمئة وثلاثة عشر، جمٌّ غفيرٌ كثيرٌ طيِّبٌ، قلت: فمَن كان أوَّلهم؟ قال: آدم، قلتُ: أنبيٌّ مُرسلٌ؟ قال: نعم، خلقه اللهُ بيده، ونفخ فيه من روحه، سواه قبيلًا، ثم قال: يا أبا ذرّ، أربعة سريانيّون: آدم وشيث وخنوخ -وهو إدريس، وهو أول مَن خطَّ بقلمٍ- ونوح. وأربعة من العرب: هود وشُعيب وصالح ونبيك يا أبا ذرّ، وأول أنبياء بني إسرائيل موسى، وآخرهم عيسى، وأول الرسل آدم، وآخرهم محمد.

قال: قلتُ: يا رسول الله، كم كتابٍ أنزله الله؟ قال: مئة كتابٍ وأربعة كتب، أنزل الله على شيث خمسين صحيفةً، وعلى خنوخ ثلاثين صحيفةً، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى من قبل التَّوراة عشرة صحائف، وأنزل التَّوراة والإنجيل والزَّبور والفرقان.

قال: قلتُ: يا رسول الله، ما كانت صحف إبراهيم؟ قال: كانت كلّها: يا أيها الملك المسلَّط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدُّنيا بعضها على بعضٍ، ولكني بعثتُك لتردّ عني دعوة المظلوم، فإني لا أردّها ولو كانت من كافرٍ. وكان فيها أمثال، وعلى العاقل أن يكون له ساعات: ساعة يُناجي فيها ربَّه، وساعة يُحاسِب فيها نفسه، وساعة يُفكِّر في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب، وعلى العاقل ألا يكون ضاغنًا إلا لثلاثٍ: تزود لمعادٍ، أو مرمة لمعاشٍ.

الشيخ: مرمة؟

الطالب: كذلك قال في الحاشية، أي: إصلاح.

الشيخ: نعم.

أو لذّة في غير محرمٍ، وعلى العاقل أن يكون بصيرًا بزمانه، مُقْبِلًا على شأنه، حافظًا للسانه، ومَن حسب كلامَه من عمله قلَّ كلامُه إلا فيما يعنيه.

قال: قلتُ: يا رسول الله، فما كانت صحفُ موسى؟ قال: كانت عِبَرًا كلّها: عجبتُ لمن أيقن بالموتِ ثم هو يفرح، عجبتُ لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب، وعجبتُ لمن يرى الدُّنيا وتقلّبها بأهلها ثم يطمئنّ إليها، وعجبتُ لمن أيقن بالحسابِ غدًا ثم هو لا يعمل.

قال: قلتُ: يا رسول الله، فهل في أيدينا شيءٌ مما كان في أيدي إبراهيم وموسى وما أنزل اللهُ عليك؟ قال: نعم، اقرأ يا أبا ذرّ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ۝ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ۝ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ۝ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى ۝ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى [الأعلى:14- 19].

قال: قلتُ: يا رسولَ الله، أوصني. قال: أُوصيك بتقوى الله، فإنَّه رأس أمرك، قال: قلتُ: يا رسول الله، زدني. قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله، فإنَّه ذكرٌ لك في السَّماء، ونورٌ لك في الأرض، قال: قلتُ: يا رسول الله، زدني. قال: إيَّاك وكثرةَ الضَّحِك؛ فإنَّه يُميتُ القلبَ، ويذهب بنور الوجه، قال: قلتُ: يا رسول الله، زدني. قال: عليك بالجهاد، فإنَّه رهبانية أمتي، قلتُ: زدني. قال: عليك بالصَّمت إلا من خيرٍ، فإنَّه مطردةٌ للشَّيطان، وعونٌ لك على أمر دينك، قلتُ: زدني. قال: انظر إلى مَن هو تحتك، ولا تنظر إلى مَن هو فوقك، فإنَّه أجدر لك أن لا تزدري نعمةَ الله عليك، قلتُ: زدني. قال: أحبب المساكين وجالسهم، فإنَّه أجدر أن لا تزدري نعمةَ الله عليك، قلتُ: زدني. قال: صِلْ قرابتك وإن قطعوك، قلتُ: زدني. قال: قُلِ الحقَّ وإن كان مُرًّا، قلتُ: زدني. قال: لا تخف في الله لومةَ لائمٍ، قلتُ: زدني. قال: يردُّك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما تُحبّ، وكفى بك عيبًا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك، أو تجد عليهم فيما تُحبّ، ثم ضرب بيده صدري فقال: يا أبا ذرّ، لا عقلَ كالتَّدبير، ولا ورعَ كالكفِّ، ولا حسب كحُسن الخُلُقِ.

الشيخ: هذا غريبٌ، فيه جملٌ كثيرةٌ لها شواهد، ولها أحاديث صحيحة، والله المستعان.

س: لكن كثرة الطرق في عدد الأنبياء ما تدل على أنَّ لها أصلًا؟

ج: ما هو بظاهر، طرق واهية، التباين عظيم ما بين ثمانية آلاف وبين مئة ألف وأربعة وعشرين ألفًا تدور على متنين فقط.

الطالب: في الحاشية: فيه إبراهيم بن هشام، قال الحافظُ الذَّهبي في "الميزان": قال أبو زُرعة: كذَّاب.

الشيخ: على ابن كثير؟

الطالب: إيه، نعم، حاشية الشيخ مُقبل.

الشيخ: وأنت عندك شيء على نسخة الشَّعب؟

الطالب: لا، أحسن اللهُ إليك.

الشيخ: على كل حالٍ هذا مجمع من هنا ومن هنا، الله المستعان، لكن فيه جملة منها لها شواهد كثيرة.

س: أول الرسل نوح أم آدم؟

ج: أول رسل الله إلى أهل الأرض نوح بعدما وقع الشِّرك، هو أول الرسل لما وقع الشِّرك، وآدم أول الرسل مطلقًا، أبو الأنبياء، لكنَّ نوحًا هو أول الرسل بعدما وقع الشِّرك في الأرض.

وروى الإمامُ أحمد عن أبي المغيرة، عن معان بن رفاعة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة: أنَّ أبا ذرٍّ سأل النبيَّ ﷺ.

الشيخ: قف على هذا.

س: أحسن الله إليك، في قوله: "ودعوة المظلوم فإني لا أردّها ولو كانت من كافرٍ" .....؟

ج: واتَّقِ دعوةَ المظلوم، في "الصحيحين": واتَّقِ دعوةَ المظلوم، فإنَّه ليس بينها وبين الله حجابٌ، دعوة المظلوم من الكافر والمسلم، نسأل الله العافية.

س: ..............؟

ج: هذه رواية ضعيفة، المقصود أنَّ دعوةَ المظلوم موعودٌ صاحبها بالقبول والنَّصر، والخبر هذا على طوله وعلى ما فيه من ضعفٍ فيه حِكَمٌ وأسرارٌ وفوائد مهمّة، وفيه جملٌ كبيرةٌ جاءت بها الأحاديث الصَّحيحة.

س: ..............؟

ج: هذا مُجمع من روايات ومن حكايات ومن أخبار بعض السَّلف، مجمع من هنا ومن هنا، على كل حالٍ ما يُعتمد فيه شيء إلا ما جاءت به الأحاديث الصَّحيحة هو المعتمد.