كتاب الزكاة

بسم الله الرحمن الرحيم

24- كتاب الزكاة

باب وجوب الزكاة

وقول الله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43].

وقال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: حدثني أبو سفيان . فذكر حديث النبي ﷺ فقال: يأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصِّلة، والعفاف.

1395- حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، عن زكرياء بن إسحاق، عن يحيى بن عبدالله بن صيفي، عن أبي معبد، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ بعث معاذًا إلى اليمن، فقال: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلواتٍ في كل يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تُؤخذ من أغنيائهم، وتُردّ على فُقرائهم.

1396- حدثنا حفص بن عمر: حدثنا شعبة، عن محمد بن عثمان بن عبدالله بن موهب، عن موسى بن طلحة، عن أبي أيوب : أن رجلًا قال للنبي ﷺ: أخبرني بعملٍ يُدخلني الجنة. قال: ما له؟! ما له؟! وقال النبي ﷺ: أَرَبٌ ما له، تعبد الله ولا تُشرك به شيئًا، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصل الرحم.

وقال بهزٌ: حدثنا شعبة: حدثنا محمد بن عثمان وأبوه عثمان بن عبدالله: أنهما سمعا موسى بن طلحة، عن أبي أيوب، عن النبي ﷺ بهذا.

قال أبو عبدالله: أخشى أن يكون محمدٌ غير محفوظٍ، إنما هو عمرو.

الشيخ: "أرب" عندكم؟ ضبطها: أَرَبٌ، أو أَرِبَ؟ أيش قال الشارح عليها؟

قوله: "قال: ما له؟! ما له؟!" فقال رسول الله ﷺ: أَرَبٌ ما له كذا في هذه الرواية لم يُذكر فاعلٌ، قال: "ما له؟! ما له؟!"، وفي رواية بهز المعلَّقة هنا، الموصولة في كتاب "الأدب": "قال القومُ: ما له؟! ما له؟!"، قال ابن بطال: هو استفهامٌ، والتكرار للتأكيد.

وقوله: أَرَبٌ بفتح الهمزة والراء مُنوَّنًا، أي: حاجة، وهو مُبتدأٌ، وخبره محذوفٌ، استفهم أولًا، ثم رجع إلى نفسه فقال: له أَرَبٌ. انتهى.

وهذا بناء على أن فاعل "قال" النبي ﷺ، وليس كذلك لما بيَّناه، بل المستَفْهِم الصحابة، والمجِيب النبي ﷺ، و"ما" زائدة، كأنه قال: له حاجةٌ ما.

وقال ابن الجوزي: المعنى: له حاجةٌ مهمةٌ مفيدةٌ جاءت به؛ لأنه قد علم بالسؤال أنَّ له حاجةً.

ورُوِيَ بكسر الراء وفتح الموحدة، بلفظ الفعل الماضي، وظاهره الدعاء، والمعنى التَّعجب من السائل.

وقال النضر بن شميل: يُقال: "أَرِبَ الرجلُ في الأمر" إذا بلغ فيه جُهده.

وقال الأصمعي: "أرب في الشيء" صار ماهرًا فيه، فهو أريبٌ، وكأنه تعجّب من حُسن فطنته والتَّهدي إلى موضع حاجته.

الشيخ: يكفي، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.

لما كانت الزكاةُ قرينةَ الصلاة في كتاب الله ، وفي سؤال جبرائيل كذلك لما سأل عن الإسلام أخبره النبي ﷺ بأركان الإسلام، وجعل الزكاة تلي الصلاة، وكان العلماء يجعلونها مع الصلاة؛ سيرًا على ما في كتاب الله، وسيرًا على ما جاءت به السنة، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام على ما في الكتاب العظيم والسنة المطهرة، وهي حقّ المال؛ ولهذا في قوله جلَّ وعلا: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ، قرن الزكاة مع الصلاة: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ [البينة:5].

فالصلاة حق الله على عباده، والزكاة حق العباد على بعضهم: أن يُؤدّوا الزكاة إليهم، ويُواسوهم، ويُحسنوا إليهم، ويُعينوهم على طاعة الله من الصلاة وغيرها.

وهكذا لما بعث النبي ﷺ معاذًا إلى اليمن أمرهم بذلك؛ أمرهم بالزكاة بعد الصلاة؛ لعظم شأنهما، فإن العبد متى هداه الله للإسلام، ودخل في دين الله، ووحد الله، وترك الشرك، ثم هداه الله للصلاة والزكاة، فإنه بتوفيق الله يهتدي إلى ما بعد ذلك، ويستقيم على ما بعد ذلك.

فهذه الأصول الثلاثة هي أعظم أركان الإسلام وفرائضه، متى وُفِّق العبد لها عن بصيرةٍ، وعن إيمانٍ، وعن صدقٍ أدَّى ما سواها، وسارع إلى ما سواها؛ ولهذا اقتصرت النصوص، أو اقتصر كثيرٌ من النصوص على هذه الثلاث؛ لأنها تهدي إلى ما وراءها، وتدعو إلى ما وراءها من بقية الأوامر، ومن ترك النواهي. نعم.

س: أحسن الله إليك، في السند: أبو عثمان ابن عبدالله بن موهب؟

ج: ابن موهب بالفتح. نعم.

1397- حدثني محمد بن عبدالرحيم: حدثنا عفان بن مسلم: حدثنا وهيب، عن يحيى بن سعيد بن حيان، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة : أن أعرابيًّا أتى النبي ﷺ فقال: دلني على عملٍ إذا عملتُه دخلتُ الجنة. قال: تعبد الله لا تُشرك به شيئًا، وتُقيم الصلاة المكتوبة، وتُؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا. فلما ولَّى قال النبي ﷺ: مَن سرَّه أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة فلينظر إلى هذا.

الشيخ: وهذا يُفيد أن العبد إذا أدَّى ما أوجب الله عليه دخل الجنة، وأصل هذا كله: تعبد الله ولا تُشرك به شيئًا، أصل ذلك توحيد الله والإخلاص له، هو أصل الأمور المطلوبة، وهو أساسها وآخيَّتها؛ فلهذا بدأ به في الأحاديث، وبدأ به في الدعوة، أول شيءٍ دعا إليه قومه: توحيد الله جلَّ وعلا، حيث قال لهم: قولوا: لا إله إلا الله تُفلحوا، وأمرهم بترك الأوثان، وأن يستقيموا على توحيد الله والإخلاص له، وهكذا في جواباته للناس يأمرهم بتوحيد الله والإخلاص له.

وهكذا لما بعث معاذًا إلى اليمن أمره أن يدعوهم إلى توحيد الله قبل كل شيءٍ، فمتى وُفِّق العبد لتوحيد الله والإخلاص له فإن الله جلَّ وعلا يُنقذه بذلك من الكفر بالله، ومن الخلود في النار، ويبقى بعد ذلك مُطالَبًا بحقوق الإسلام وواجباته، ومطالَبًا بترك ما نهى الله عنه.

وإذا حقق التوحيد وباشر قلبه حقيقته انقاد لبقية الأوامر، وترك النواهي، وسهل عليه الأمر، وإذا وُفِّق للصلاة والزكاة كذلك فالأمر أسهل في بقية الأوامر وترك النواهي؛ ولهذا قال عن هذا الرجل: إنه من أهل الجنة؛ لأن مقتضى إيمانه بهذه الأمور وطاعته لله ولرسوله في ذلك يقتضي أنه يُجيب أيضًا إلى ما علم أنه من حقِّ الله بعد ذلك، وهكذا يُجيب إلى ترك ما أوجب الله عليه تركه من المعاصي والشرك، ولعل هذا كان قبل فرض الحج؛ ولهذا لم يذكر فيه الحج. نعم.

حدثنا مسدد، عن يحيى، عن أبي حيان قال: أخبرني أبو زرعة، عن النبي ﷺ بهذا.

1398- حدثنا حجاج: حدثنا حماد بن زيد: حدثنا أبو جمرة، قال: سمعتُ ابن عباسٍ رضي الله عنهما يقول: قدم وفد عبد القيس على النبي ﷺ، فقالوا: يا رسول الله، إن هذا الحيَّ من ربيعة قد حالت بيننا وبينك كفارُ مُضَر، ولسنا نخلص إليك إلا في الشهر الحرام، فمُرنا بشيءٍ نأخذه عنك وندعو إليه مَن وراءنا. قال: آمركم بأربعٍ، وأنهاكم عن أربعٍ: الإيمان بالله، وشهادة أن لا إله إلا الله -وعقد بيده هكذا-، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تُؤدُّوا خُمس ما غنمتم، وأنهاكم عن: الدباء، والحنتم، والنَّقير، والمزفت.

وقال سليمان وأبو النعمان: عن حمادٍ: الإيمان بالله، شهادة أن لا إله إلا الله.

الشيخ: وهذا يدل على عِظم قُبح شرب الخمر وخُبثه حتى قُرن بهذه الأربع، وكان هذا بعد تحريم الخمر.

فالأربع: أولًا: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وهذا أصل الإيمان: توحيد الله، والإخلاص له، والإيمان برسوله ﷺ.

وفيه بيان أن الشهادة تُسمّى: إيمانًا، وهو أصل الإيمان، ثم الصلاة، والزكاة، وفي اللفظ الآخر: والصوم، الرابع.

ثم قال: وأن تُؤدُّوا الخُمس مما غنمتم، فهذا أمرٌ زائدٌ غير الأربع، فالروايات التي فيها حذف الصوم يكون هو الرابع.

وأما ما يتعلق بالدباء والحنتم والنَّقير والمزفت فهذا كلّه يتعلق بالخمر، فنهاهم عن هذه الأوعية التي قد تُوقعهم في الخمر، إذا نبذوا فيها قد يشتدّ فيها المنبوذ فيُسكرهم ولا يشعرون.

والدباء: القرع.

والحنتم: جِرارٌ خضرٌ تُتَّخذ من الطين.

والنَّقير: جذعٌ يُنقر ينبذون فيه.

والمزفت كذلك شيءٌ، يقير من قار، ينبذون فيه.

حذَّرهم منها لئلا يقعوا في الخمر؛ ولئلا يشربوها، ثم لما استقر تحريمها وعلم الناسُ تحريمها أذن لهم أن ينتبذوا في كل وعاءٍ فقال: كنتُ نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية، فانتبذوا في كل وعاءٍ، ولا تشربوا مُسكرًا.

وقرنه بتحريم الخمر مع هذه الأصول الأربعة يدل على عظم شأن الخمر من جهة التحريم والخُبث والشَّر والفساد؛ لأنه يترتب عليها شرٌّ عظيمٌ: قتل النفوس، والزنا، وأنواع الفساد؛ لأن مَن ذهب عقله وقع في كل بلاءٍ.

ثم استقر فيها الحدّ -حد الخمر- للمنع منها والقضاء عليها. نعم.

1399- حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع: أخبرنا شعيب ابن أبي حمزة، عن الزهري: حدثنا عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود: أن أبا هريرة قال: لما تُوفي رسول الله ﷺ، وكان أبو بكر ، وكفر مَن كفر من العرب، فقال عمر : كيف تُقاتل الناس وقد قال رسولُ الله ﷺ: أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمَن قالها فقد عصم مني ماله ونفسَه إلا بحقِّه، وحسابه على الله؟!

1400- فقال: والله لأُقاتلنَّ مَن فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حقُّ المال، والله لو منعوني عَنَاقًا كانوا يُؤدُّونها إلى رسول الله ﷺ لقاتلتُهم على منعها. قال عمرُ : فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكرٍ ، فعرفتُ أنه الحق.

الشيخ: ونفس ما قاله الصديقُ جاء به الحديث، فإن الزكاة من حقِّ لا إله إلا الله، والصوم من حقِّ لا إله إلا الله، والحج من حقِّ لا إله إلا الله، وهكذا بقية الواجبات، فالرسول ﷺ قال: إلا بحقِّها.

وفي اللفظ الآخر صرح بأن الصلاة والزكاة لا بد منهما، وأن مَن تخلف عنهما يُقاتل كما رآه الصديقُ ووافقه عليه الصحابةُ رضي الله عنهم جميعًا، كما في حديث ابن عمر في "الصحيحين" عن النبي ﷺ أنه قال: أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويُقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله، فصرح بالصلاة والزكاة، وأن مَن امتنع منهما يُقاتل، وهذا جاء في نفس "الصحيحين" من حديث ابن عمر.

وهكذا قوله جلَّ وعلا: فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، فنص الآية يُفيد ما رآه الصديقُ، وأن مَن لم يُؤدِّ الزكاة لا يُخلَّى سبيله. نعم.

باب البيعة على إيتاء الزكاة

فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11].

1401- حدثنا ابن نمير، قال: حدثني أبي: حدثنا إسماعيل، عن قيسٍ قال: قال جرير بن عبدالله: بايعتُ النبي ﷺ على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنُّصح لكل مسلمٍ.

الشيخ: وهذا يُفيد عظم الأمر، فالنصيحة لها شأنٌ عظيمٌ حتى بايع النبي ﷺ على النصح، وهذا في "الصحيحين" من حديث جريرٍ، وهذا يدل على أن الواجب على كل مسلمٍ أن ينصح لأخيه، وألا يغشّه في أي أمرٍ: لا في المعاملات، ولا في النصيحة، ولا في أي أمرٍ من الأمور، ليس له أن يغشّه، بيعة، بايع النبي ﷺ على النصح لكل مسلمٍ.

وفي الحديث الصحيح -حديث تميمٍ-: الدين النَّصيحة، جعل الدين كله النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامّتهم.

فواجب المسلمين فيما بينهم التناصح، وألا يخون أحدٌ أخاه في أي أمرٍ: لا في أمانته التي ائتمنه عليها، ولا في معاملته له في بيعٍ أو غيره، ولا في غير ذلك من الشؤون، فيجب أن يكون معه على غايةٍ من الصَّفاء والإخلاص والنصح وعدم الغشِّ في أي أمرٍ .....؛ ولأن هذا النصح وسيلةٌ إلى التعاون والتَّكاتف وطيب النفوس وصفاء القلوب والأمن من بعضهم لبعضٍ، فإذا وقع الغشُّ وقع التفرق والاختلاف والبغضاء.

وفي الحديث الصحيح: مَن غشنا فليس منا، ويقول جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27]، ويقول في وصف أهل الإيمان: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8] يرعونها، يرعون الأمانات في كل شيءٍ: في المال، وفي العقود، وفي السر، وفي غير ذلك.

المؤمن أخو المؤمن، المسلم أخو المسلم في كل شيءٍ: لا يغشّه، ولا يخونه، ولا يظلمه، ولا يسبّه، ولا يغتابه، ولا ينمّ عليه، ولا يُؤذيه بأي نوعٍ من الأذى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [الأحزاب:58].

فالإنسان يُحاسِب نفسه، وينظر في حاله مع عميله، ومع جاره، ومع بقية إخوانه المسلمين: هل أدَّى النصح؟ هل أدَّى الواجب، أم تساهل؟ وإذا كان جاره لا يُؤدِّي الصلاة، أو لا يُصلِّي في الجماعة، فهل أدَّى النصح له؟ وهل أدَّى حقَّه في هذه الأمانة؟ وإن كان يعلمه غشَّاشًا في المعاملات فهل أدَّى النصح له؟ وإذا كان يعلمه عاقًّا لوالديه، قاطعًا لأرحامه، هل نصح له؟ وهكذا بقية الأمور مع أخيه، مع ولده، مع جاره، مع عمه، مع صديقه، إلى غير ذلك.

فمن تمام الإيمان، ومن واجب الإيمان، ومن كمال الإيمان الواجب: أداء هذه النَّصيحة. نعم.

س: إذا كان المسلم يعلم من أخيه كراهيته للنُّصح؟

ج: ولو كره النصح، ينصحه ولو كره، لكن باللطف، كما يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر وإن كره.

س: لكن هو يطلب منه ويقول له: لا تنصحني؟

ج: ولو قال له، لكن بالأساليب الحسنة، بالأساليب التي تُقرب الجهود إلى الخير، وتُباعدها عن الشر، وتدعو إلى المحبة والتعاون، لا بالعنف، ولا بالشدة، ولا بالألفاظ النابية. نعم.

س: حديث: مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم؟

ج: حديثٌ ضعيفٌ عند أهل العلم، لكن معناه بالجملة قويٌّ، وزاده بعضُهم في حديث: الدين النصيحة، ولكن المعنى واضحٌ من النصوص الأخرى، وهذا من باب الوعيد: ليس منهم من باب الوعيد والتَّحذير والترهيب؛ لأن الرسول ﷺ قال: المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، ولا يكذبه، وكونوا عباد الله إخوانًا، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، وهل الأخ يغشّ أخاه؟

س: السكوت على النصيحة يكون داخلًا في الخيانة؟

ج: إذا عرف منه شيئًا يوجب النصيحة يخشى أن يكون من الخيانة؛ لأن ضد النصيحة الخيانة.

س: إذا كان لك جارٌ لا يُصلي، ثم نصحته، فلم يُصلِّ، فبلغت الهيئة، فلم يستجب، فكيف تعمل؟

ج: تستمر في النصيحة إذا رأيته، أو تهجره من باب الهجر.

س: ما يُفيد فيه الهجر؟

ج: تستمر في النصيحة ولو كره.

س: تبرأ الذمةُ بذلك إذا استمررتُ سنةً، أو سنتين، أو ثلاث سنوات؟

ج: ولو لا، تستمر دائمًا حسب الطاقة، أو تهجره إذا رأيت هذا أصلح؛ لأن الرسول ﷺ ما قال: إلى مدة كذا، النصيحة مطلقًا، ما قال: يومين، أو ثلاثًا.

س: بعض الناس في هذا الزمان -لا سيما في البلاد التي مَنَّ الله عليها- لا يحتاجون إلى اللحم، فيُوزعون العقائق، يعني: يدفعون قيمتها، ويجعلونها إما للمُجاهدين الأفغان، أو للمُتضررين –كالأفريقيين-، أو يُعطونها مثلًا إلى فقيرٍ هنا يدفعونها إليه نقودًا؟

ج: هذا خلاف السنة، العقيقة تُذبح وتُوزع، أو يأكلها أهل البيت والجيران، أما دفع القيمة فما يكون أدَّى السنة.

وهكذا الضحية، فالضحايا سنة، ولو أدَّى القيمة ما ضحَّى.

وهكذا الهدي في الحج، لو أدى القيمة ما أهدى، لا بد من فعل ما شرع الله، فيُضحي كما شرع الله، ويهدي كما شرع الله، ويعقّ عن ولده كما شرع الله، ولا يدفع القيمة، ولكن يفعل ما يستطيع في تصريف اللحم: يأكل ويُطعم، ويتحرى مَن يحتاج إلى اللحم ويهدي إليه، وليس بعذرٍ قوله: أن الناس عندهم لحم .....، بعضهم عنده لحم، وبعضهم ما عنده لحم، ثم الذي عنده لحمٌ ما هو كل أحدٍ يمنع قبول اللحم، قد يأخذه ولو عنده لحمٌ، يحط اللحم مع اللحم، ليس كل أحدٍ يمنع، لكن يتحرى ويصبر في تنفيذ السنة. نعم.

س: وإذا ذبحها غيره من الفقراء، هل يلزم أن يُعطيه أجرةً، أو يُعطيه من لحمها؟

ج: إذا وكَّله إذا كان ثقةً وقال له: اذبحها وفرِّقها. فالوكيل يقوم مقام الموكِّل إذا كان ثقةً.

س: هو صحيحٌ، لكن قصدي إذا ذبحها واحدٌ من أحد المحتاجين، فهل يدفع له أجرًا، أو يُعطيه من لحمها؟

ج: إذا تبرع ما يحتاج، إذا تبرع بالذبح، أما إن أراد أجرًا فيكون من غيرها، مثلما قال ﷺ: نحن نُعطيه من عندنا في الهدايا، أما إذا تبرع بذبحها ما يحتاج شيئًا.