باب ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال

باب ما يجوز من التَّسبيح والحمد في الصلاة للرجال

1201- حدثنا عبدالله بن مسلمة: حدثنا عبدالعزيز ابن أبي حازمٍ، عن أبيه، عن سهلٍ قال: خرج النبي ﷺ يُصلح بين بني عمرو بن عوف بن الحارث، وحانت الصلاةُ، فجاء بلالٌ أبا بكرٍ رضي الله عنهما، فقال: حُبِسَ النبي ﷺ، فتؤُمُّ الناس؟ قال: نعم إنْ شئتُم. فأقام بلالٌ الصلاة، فتقدَّم أبو بكرٍ فصلى، فجاء النبي ﷺ يمشي في الصفوف يشُقُّها شقًّا، حتى قام في الصفِّ الأولِ، فأخذ الناس بالتَّصْفيح -قال سهلٌ: هل تدرون ما التَّصْفيح؟ هو التَّصْفيق-، وكان أبو بكرٍ لا يلتفت في صلاته، فلمَّا أكثروا التفت، فإذا النبي ﷺ في الصف، فأشار إليه: مكانَك، فرفع أبو بكرٍ يديه فحمد الله، ثم رجع القَهْقَرَى وراءه، وتقدَّم النبي ﷺ فصلَّى.

الشيخ: هذا الحديث العظيم فيه فوائد كثيرة:

منها: أن الإمام إذا تأخّر عن وقته المعتاد ساغ للمؤذن أن يُقدّم مَن يُصلي بالناس، فإن الرسول ﷺ حُبِسَ عند بني عمرو بن عوف، لما ذهب يُصلح بينهم أخَّروه لطعامٍ قدَّموه له عليه الصلاة والسلام.

"حُبِسَ" يعني: أُخِّرَ، يعني: طلبوا منه أن يتأخّر عندهم ليتناول الطعام.

فقال بلالٌ للصّديق: إن الرسول ﷺ قد حُبِسَ –يعني: قد تأخّر- فإن شئتَ أن تُصلي بالناس؟ فقال الصديق: إن شئت، لا بأس. فأقام بلال، وصلَّى الصديق، تقدّم الصديق، وهذا يدل على أنه إذا تأخّر –أي: الإمام- عن عادته، فإن المؤذن ينظر مَن يُصلي بالناس من خيرة الحاضرين حتى لا يشقّ على الناس، ولا ينبغي للإمام أن يُنكر ذلك؛ لأن النبي ﷺ لم يُنكر على بلالٍ، ولم يُنكر على الناس، بل أشار إلى الصّديق أن يبقى ويكمل، فالإمام لا يكره ذلك؛ لأن في هذا الإجراء راحةً للناس، وعدم مشقّة عليهم.

وفيه من الفوائد: أنهم يعرفون فضل الصّديق؛ لأن بلالًا تقدّم إلى الصديق، ما تقدّم إلى غيره؛ لأنه معروفٌ فضله وتقدّمه على الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم؛ ولهذا تقدّم إليه ليؤمّ الناس.

وفيه من الفوائد: أنه إذا تقدّم المؤذن إلى بعض الحاضرين من الأخيار فإنه يُجيب، المشروع أن يُجيب ويؤمّ الناس.

وفيه من الفوائد: أن الإمام إذا حضر لا حرج أن يتقدّم ويتأخّر النائب الذي تقدّم عنه، لا حرج؛ ولهذا تقدّم النبي ﷺ وكمل بالناس، مع أن الصديق قد كبّر ودخل في الصلاة، فلا حرج أن يتقدّم الإمام ويُصلي بالناس ما بقي من صلاتهم، ويتأخّر النائب.

وفيه من الفوائد: أن الإنسان إذا عرض له عارضٌ في صلاته يسرّه ويعتبره من نِعَم الله عليه فلا مانع أن يرفع يديه ويحمد الله على ذلك؛ لأنَّ الصديق لما أشار له النبي ﷺ: مكانك، رفع يديه وحمد الله؛ لأن الرسول ﷺ ما غضب عليه، بل أقرّه، وأشار إليه أن يبقى ويكمل، فهذا حمدٌ عارضٌ .....

وفيه من الفوائد أيضًا: أنه لا مانع من كون الإمام يشقّ الصفوف إذا كان في أول الصلاة، يشقّ الصفوف حتى يكون خلف الإمام، والصديق شعر من مجيئه ﷺ خلف الإمام وشقّه الصفوف أنه يريد أن يتقدّم ويُصلي بالناس، ولو لم يُرد ذلك لصلَّى في طرف الصفِّ، عند انتهاء الصف؛ ولهذا لما تقدّم عبدالرحمن بن عوف في غزوة تبوك وصلَّى بالناس، وكان النبي ﷺ قد تأخّر لبعض حاجته، فلما تأخّر قدَّم الناسُ عبدالرحمن بن عوف، وصلَّى بالناس صلاة الفجر في غزوة تبوك، فجاء النبي ﷺ وقد صلَّى عبدالرحمن ركعةً، فذهب إلى طرف الصفِّ، وصلَّى في طرف الصف هو والمغيرة، من حيث انتهى الصفُّ، ولم يشقّ الصفوف، ولم يتقدّم إلى خلف عبدالرحمن، فدلّ ذلك على أنه ما أراد أن يؤمّ.

وقد جاء في بعض الروايات: أنَّ عبدالرحمن أراد أن يتأخّر، فأشار إليه أن يكمل، فكمّل بهم، فدلّ ذلك على أنه إذا جاء الإمامُ وقد صلَّى ركعةً فأكثر فالأولى أن يُكمل، لا يتقدّم الإمام الأصلي، بل يجعله يُكمل؛ لئلا يضطرب الناس في آخر الصلاة؛ فإن الإمام قد فاتته بعض الركعات، وسوف يقوم ليُكمل، والناس ينتظرونه، وقد يقوم معه بعض مَن يجهلون الحكم، فالأفضل له ألَّا يتقدم إذا كان قد صلَّى الإمام ركعةً فأكثر، يصلي مع الناس ولا يتقدّم؛ لأن الرسول ﷺ ما تقدّم في قصة عبدالرحمن، بل ترك عبدالرحمن يُكمل بالناس، وتقدم في قصّة الصديق لأنَّ الصديق في أول الصلاة.

ولم يُحفظ أنه ﷺ صلَّى خلف أحدٍ من أصحابه سوى الصديق وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهما.

وفي حديث عبدالرحمن بن عوف ما في حديث الصديق: أنه إذا تأخّر الإمام عن عادته، أو محلّ الإقامة، فإنه يتقدّم بعض الحاضرين ويُصلي بالناس، ينظر المؤذنُ مَن هو أولى من الحاضرين ويُقدّمه حتى يُصلي بالناس.

والنبي ﷺ ما أنكر عليهم، بل قال: أحسنتم، لما سلَّموا رأى منهم استنكار ذلك فقال: أحسنتم يعني: أحسنتم في إقامة الصلاة في وقتها.

وفيه من الفوائد: أن الرجل لا يُصفّق، بل يقول: سبحان الله! سبحان الله! وفي اللفظ الآخر: مَن نابه شيءٌ في الصلاة فليُسبّح الرجال، وليُصفّق النساء، فالتَّصفيق يكون للنساء، والتَّسبيح يكون للرجال.

وفيه فائدة: الالتفات، فلا بأس بالالتفات إذا دعت الحاجةُ إليه، وفي حديث عائشة رضي الله عنها، عنه ﷺ: أنه نهى عن الالتفات وقال: إنه اختلاسٌ يختلسه الشيطانُ من صلاة العبد، فالالتفات مكروهٌ، لكن إذا دعت له الحاجة فلا بأس للعذر، يعني: يلتفّ هكذا أو هكذا ينظر للحاجة، كأن يسمع هدَّةً أو شيئًا يُوجب الالتفات، فينظر ما هو، لا حرج، وإلا فالالتفات مكروهٌ لغير حاجةٍ؛ ولهذا التفت الصديقُ ولم يُنكر عليه النبي ﷺ، وقال في بعض الروايات: فإنه إذا سبَّح التفت إليه، فهذا يدلّ على أن الالتفات سائغٌ، وأنَّ كونه اختلاسًا من صلاة العبد يعني: عند عدم الحاجة. نعم.

س: ظاهر الحديث أنه الالتفات بالكلية إلى الخلف؟

ج: .............

س: قول أبي بكر: "إن شئتم" يعني: هل للإنسان أن يستشير .....؟

ج: في الرواية الأخرى ..... قال: "إن شئتَ"، يُخاطب بلالًا؛ لأن بلالًا هو الذي كلَّمه، "إن شئتم" يعني: أنتم الجماعة.

س: بعض طلبة العلم يُنكر على مَن يتقدّم على الإمام؟

ج: لا، هذا غلطٌ، الذي يُنكر غلط، إلا إذا كان المتقدم قبل العادة، يعني: سارع قبل العادة التي تُقام فيها الصلاة، فهؤلاء يُقال لهم: لا تعجلوا.

س: في الحديث هذا أن الشخص يحمد الله إذا رأى شيئًا يُفرحه في الصلاة؟

ج: إذا سرَّه، إذا بلغه شيء يسرّه في الصلاة حمد الله، لا بأس، فإذا صاح واحدٌ قائلًا: فتح الله على المسلمين كذا وكذا. فقال: الحمد لله. ما يمنع، إن كان في الصلاة لا بأس، إذا بُشِّر بشيءٍ، أو سمع شيئًا، أو رأى شيئًا يسرّه، مثلما فعل الصّديق لما أشار له النبي ﷺ: مكانك، حمد الله.

س: قوله: أن الرسول ﷺ شقَّ الصفوف شقًّا؟

ج: يعني: من الخلف، شقَّها حتى وصل إلى ما وراء الصديق، إلى الصف الأول.

س: هل لغيره أن يفعل هذا الآن؟

ج: إيه، ألم تقرأ قوله: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]؟! إذا رأى الإمامُ ذلك لا بأس في أول الصلاة، يعني: في أولها، أمَّا إذا مضت ركعةٌ فأكثر -مثلما في قصّة عبدالرحمن بن عوف- فلا يشقّ الصفوف، يصفّ مع الناس، حتى لو كان في أولها ورأى ألَّا يشقّ الصفوف، وأنه يُصلي مع الناس، يكون أولى؛ لأن الرسول ﷺ أشار للصّديق أن: ابْقَ في مكانك، أشار له أن يبقى، ولكن الصّديق تأخّر.

س: تصفيق الناس؟

ج: يُعلِّمهم، إذا صفَّقوا يُعلِّمهم، يقول: التصفيق للنساء، لا تُصفِّقوا، قولوا: سبحان الله! سبحان الله! أما المرأة فتُصفق، إذا سها الإمام ووراءه نساء يكون تنبيههنَّ بالتَّصفيق.

س: هل التَّصفيق منسوخٌ؟

ج: النبي ﷺ نهى عنه، نهاهم عنه النبي ﷺ، وهذا اجتهادٌ منهم، فنهاهم النبي وقال: لا تُصفّقوا، وقال: مَن نابه شيء فليُسبح الرجال، ولتُصفّق النساء، معناه: أنَّ فعلهم غير مشروعٍ، لا يُسمّى: منسوخًا، يُقال: نُهِيَ عنه.

س: الإشارة للإمام عند الحاجة؟

ج: ما فيها شيء إذا دعت إليها الحاجة، الإشارة ما فيها شيء .....

س: كيف رفع يديه بالحمد؟

ج: هكذا: الحمد لله، الحمد لله.

س: ..............؟

ج: بالرأس، يعني: التفت حتى رأى النبي ﷺ.

باب مَن سمَّى قومًا، أو سلَّم في الصلاة على غيره مُواجهةً وهو لا يعلم

1202- حدثنا عمرو بن عيسى: حدثنا أبو عبدالصمد عبدالعزيز بن عبدالصمد: حدثنا حُصين بن عبدالرحمن، عن أبي وائلٍ، عن عبدالله بن مسعودٍ قال: كنا نقول التحية في الصلاة، ونُسمِّي، ويُسلِّم بعضنا على بعضٍ، فسمعه رسول الله ﷺ، فقال: قولوا: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلَّمتم على كل عبدٍ لله صالحٍ في السماء والأرض.

الشيخ: يعني عند قوله: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين"، كان في الأول: السلام على فلان، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على محمدٍ، السلام على فلان؛ اجتهادًا منهم، فعلَّمهم النبي ﷺ أن يقولوا: "السلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين"، يعمّ الأخيار كلهم. وكانوا يتكلمون في الصلاة لحاجاتهم، فنسخ ذلك كما تقدم.

س: أحسن الله إليك، التشهد في التحيات هل ..... مثلًا: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. هل في روايةٍ أخرى غير الرواية .....؟

ج: من جهة؟

س: إذا أراد العبد أن يتشهد.

ج: في الصلاة يعني؟

س: نعم، في التحيات.

ج: مثلما سمعت، في بعضها: "وحده لا شريك له"، وفي بعضها عدم ذلك، فإذا فعلها تارةً وتركها تارةً فحسنٌ.

س: بدل الخطاب: "عليك أيها النبي"، على النبي، السلام على النبي؟

ج: الصحابة فعلوه بعد ممات النبي ﷺ، كان بعض الصحابة يقول: "السلام على النبي"، لكن الأفضل: "السلام عليك" كما علَّم النبي ﷺ الصحابة، يقول: "عليك" من باب الخطاب، من باب الاستحضار في ذهن المسلم، يقول: "السلام عليك أيها النبي"، يستحضره، نعم.

س: فعل الصحابة ما له حكم الرفع؟

ج: لا، لا، هذا اجتهادٌ منهم، جاء عن ابن مسعودٍ، كان ابن مسعودٍ يقول: "السلام على النبي"، نعم.

...........

باب التَّصفيق للنساء

1203- حدثنا عليُّ بن عبدالله: حدثنا سفيان: حدثنا الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: التَّسبيح للرجال، والتَّصفيق للنساء.

1204- حدثنا يحيى: أخبرنا وكيع، عن سفيان، عن أبي حازمٍ، عن سهل بن سعدٍ قال: قال النبي ﷺ: التَّسبيح للرجال، والتَّصفيح للنساء.

باب مَن رجع القهقرى في صلاته، أو تقدَّم بأمرٍ ينزل به

رواه سهل بن سعدٍ، عن النبي ﷺ.

الشيخ: وهو واضحٌ من الحديث؛ لأنَّ الرسول ﷺ تقدّم وقد كبّر، والصديق تأخّر وهو في الصلاة، فدلّ على أنه إذا تقدّم ليسدّ فُرجةً، أو تأخّر لأسبابٍ فلا حرج في ذلك، ما يضرّ الصلاة. نعم.

1205- حدثنا بشر بن محمد: أخبرنا عبدالله: قال يونس: قال الزهري: أخبرني أنس بن مالك: أن المسلمين بينا هم في الفجر يوم الاثنين، وأبو بكر يُصلي بهم، ففجِئَهم النبي ﷺ قد كشف سترَ حُجرة عائشة رضي الله عنها، فنظر إليهم وهم صفوفٌ، فتبسَّم يضحك، فنَكَصَ أبو بكرٍ على عقبيه، وظن أن رسول الله ﷺ يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحًا بالنبي ﷺ حين رأوه، فأشار بيده: أن أتمُّوا، ثم دخل الحجرة، وأرخى السِّتر، وتوفي ذلك اليوم.

الشيخ: يعني: يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، سنة إحدى عشرة، وهذا يدلّ على جواز التأخر مثلما تقدّم في قصة الصديق حين تأخّر القهقرى، وتقدّم النبي ﷺ وصلَّى بالناس، والصديق هنا تأخّر يحسب أن النبي ﷺ سيخرج، فلمَّا أشار إليه تقدّم وكمّل صلاته.

وتبسمه فرحًا بما رأى من قيامهم بهذه العبادة العظيمة بين يدي الله، اللهم صلِّ عليه وسلّم، نعم.

باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة

1206- وقال الليث: حدثني جعفر، عن عبدالرحمن بن هُرمز قال: قال أبو هريرة : قال رسول الله ﷺ:

نادت امرأةٌ ابنَها وهو في صَومعةٍ، قالت: يا جُريج. قال: اللهم أمي وصلاتي. قالت: يا جريج. قال: اللهم أمي وصلاتي. قالت: يا جريج. قال: اللهم أمي وصلاتي. قالت: اللهم لا يموت جريج حتى ينظر في وجوه المَيَامِيسِ.

وكانت تأوي إلى صومعته راعيةٌ ترعى الغنم، فولدت، فقيل لها: ممن هذا الولد؟ قالت: من جريجٍ، نزل من صومعته. قال جريج: أين هذه التي تزعم أن ولدها لي؟ قال: يا بابوس، مَن أبوك؟ قال: راعي الغنم

.

الشيخ: وهذا فيه فوائد: وهو أن الأم أمرها عظيم، وحقها كبير، وأنه ينبغي إذا دعته أن يُجيبها ولو في الصلاة، يقطع الصلاة إذا كانت نافلةً ولا تسمح، يقطع الصلاة لأن حقها مُقدّم؛ ولهذا لما دعته ثلاث مرات فلم يُجب قالت: اللهم لا تُمته حتى يرى وجوه المومسات. يعني: الزانيات.

والحمد لله أنها ما قالت: حتى يزني. بل قالت: حتى يرى وجوه المومسات. فرأى وجوه المومسات، بُلِيَ بهذه الراعية، ورمته بالفاحشة، وجاءوه وهدموا صومعته، وضربوه وآذوه على غير تثبتٍ، ومن غير بصيرةٍ، أخطأوا عليه لمجرد قولها.

فلما جاء وقال: أروني الصبي. فقدّموا الصبي، فقال: مَن أبوك؟ قال: فلان الراعي. هو مولودٌ للتوِّ، فأبرأ الله ساحة جريج، وأنطق هذا الطفل الصغير، وهو أحد الثلاثة الذين نطقوا في المهد، فأبرأ الله ساحة جريج، وعادوا إليه وقالوا: نُعيد إليك صومعتك من ذهبٍ. قال: بل أعيدوها من طينٍ، ويكفي.

المقصود أن حقَّ الأم كبير، الشاهد من هذا أنَّ أمر الأم عظيم، وأنه ينبغي للولد أن يحرص على إجابتها، والأخذ بخاطرها، والرفق بها، وعدم الشّدة أو العنف أو التَّكبر عليها، يكون لينًا مع والدته، رفيقًا بها، نعم.

س: لو دُعي واحدٌ من قِبَل أبيه في الصلاة هل يقطع الصلاة؟

ج: الأقرب -والله أعلم- أنه كالأم، وإن كان حقّه أقلّ منها؛ لأن البرَّ واجبٌ، والنافلة مستحبّة، ما هي بلازمة، فالأقرب -والله أعلم- أن الأب كالأم في هذا، وإن كانت الواقعة في حقِّ الأم، لكن الأب هو الذي يليها، كما في "الصحيحين": أن رجلًا قال: مَن أحقّ الناس بحُسن صُحبتي؟ قال: أمك، قال: ثم مَن؟ قال: أمك، قال: ثم مَن؟ قال: أمك، قال: ثم مَن؟ قال: أبوك في الرابعة.

وفي حديثٍ آخر: مَن أبرّ؟ قال: أمك، قال: ثم مَن؟ قال: أمك، قال: ثم مَن؟ قال: أمك، ثم قال في الرابعة: ثم أباك، ثم الأقرب فالأقرب، نعم.

س: جاء في بعض الروايات أنهم تمسَّحوا به، تمسَّحوا بجريج؟

ج: من عملهم، من عمل أولئك، قد يكون هذا جهلًا منهم، وقد يكون جائزًا في شريعة مَن قبلنا.

س: لو قيل أنه يُصلي صلاةً خفيفةً ثم يُجيب أحد والديه؟

ج: والله الأقرب أنه يُبادر، يخاف أنهم يغضبون عليه، يبادر؛ لأنَّ ظاهر الحديث يقتضي ذلك؛ لأنه قد يتساهل، وقد يكون الأمر مُستعجلًا، وقد تكون حاجتها مُستعجلةً ..... فيكون تأخّره حتى يُسلّم قد يضرّ بأحدهما، لا سيما إذا كان ما عرف الحقيقة، والآباء والأمهات يختلفون؛ فبعضهم شديد الغضب، سريع الغضب، وبعضهم ليس كذلك، فليس الوالدان على حدٍّ سواء.

س: يعني: إذا خشي غضبهما؟

ج: ظاهر الحديث أنه يُجيبها مطلقًا، إلا إذا سبَّح: "سبحان الله، سبحان الله"، حتى تسكت ويسكت، فإذا قال: "سبحان الله" سكتوا عنه ما يُخالف، يقول: "سبحان الله" حتى يعرفوا أنه يُصلي، إذا سكتوا ما يُخالف.

س: إذا كان يُصلي الفريضة؟

ج: الظاهر أن الفريضة لا يقطعها، حقُّ الله مُقدّم، نعم.

أيش قال الشارح عليه؟

قال جريج: أين هذه التي تزعم أن ولدها لي؟ قال: يا بابوس، مَن أبوك؟ قال: راعي الغنم.

قوله: "باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة" أي: هل تجب إجابتها أم لا؟ وإذا وجبت هل تبطل الصلاة أو لا؟

في المسألتين خلافٌ؛ ولذلك حذف المصنفُ جوابَ الشرط.

قوله: "وقال الليث" وصله الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي -أحد شيوخ البخاري-، عن الليث مطولًا، وجعفر هو ابن ربيعة المصري، وجريج –بجيمين- مُصغّر.

وقوله: في وجه المياميس في رواية أبي ذرٍّ: وجوه بصيغة الجمع.

والمياميس جمع مومِسة -بكسر الميم- وهي الزانية، قال ابن الجوزي: إثبات الياء فيه غلط، والصواب حذفها، وخرج على إشباع الكسرة. وحكى غيرُه جوازه.

قال ابن بطال: سبب دعاء أم جريج على ولدها أن الكلام في الصلاة كان في شرعهم مباحًا، فلما آثر استمراره في صلاته ومُناجاته على إجابتها دعت عليه لتأخيره حقَّها. انتهى.

والذي يظهر من ترديده في قوله: أمي وصلاتي أن الكلام عنده يقطع الصلاة؛ فلذلك لم يُجبها.

وقد روى الحسن بن سفيان وغيره من طريق الليث، عن يزيد بن حوشب، عن أبيه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لو كان جريج عالـمًا لعلم أنَّ إجابته أمه أولى من عبادة ربه.

ويزيد هذا مجهول، وحوشب -بمهملةٍ ثم معجمة- وزن جعفر، ووهم الدمياطي فزعم أنه ذو ظليم، والصواب أنه غيره؛ لأن ذا ظليم لم يسمع من النبي ﷺ، وهذا وقع التصريح بسماعه.

وقوله فيه: يا بابوس -بموحدتين بينهما ألف ساكنة، والثانية مضمومة، وآخره مهملة- قال القزاز: هو الصغير. وقال ابن بطال: الرضيع.

وهو بوزن جاسوس، واختُلف: هل هو عربي أو معرب؟

وأغرب الداودي الشارح فقال: هو اسم ذلك الولد بعينه. وفيه نظر.

وقد قال الشاعر:

حنت قلوصي إلى بابوسها جزعًا  

وقال الكرماني: إن صحَّت الرواية بتنوين السين تكون كُنيةً له، ويكون معناه: يا أبا الشدة.

وسيأتي بقية الكلام عليه في ذكر بني إسرائيل.

الشيخ: نعم، قولهم: "إن الكلام في شرعهم ممنوع" ظاهر.

مداخلة: مباح.

الشيخ: لا، يقول: ممنوع؛ ولهذا امتنع، أيش عندك؟

قال ابن بطال: سبب دعاء أم جريج على ولدها أن الكلام في الصلاة كان في شرعهم مباحًا، فلما آثر استمراره.

الشيخ: كلام آخر.

والذي يظهر من ترديده في قوله: أمي وصلاتي أن الكلام عنده يقطع الصلاة؛ فلذلك لم يُجبها.

الشيخ: الظاهر من هذا الكلام أنه اجتهد، تعارض عنده أمرُ الإجابة وقطع الصلاة؛ ولهذا قال: يا رب، أمي وصلاتي بسبب التردد، يعني: أمي لها حقّ، وصلاتي لها حقّ، أمي عظيمة، وصلاتي عظيمة، فتردد هل يقطع أو ما يقطع؟ هل يُكلّمها أو ما يُكلّمها؟ حتى قالت ما قالت، فليس واضحًا أنه مباح، وليس واضحًا أنه محرم، وظاهر عمله أنه تردد في ذلك واشتبه عليه الأمر.

ومقتضى الشريعة المحمدية: أن الكلام مباح في هذا؛ لأن حقَّ الأم واجب، والنافلة يجوز قطعها إذا قدر أنها نافلة، وإذا قدر أنها فريضة فقد تعارض واجبان: واجب أمه، وواجب إكمال الصلاة، وقطع الصلاة إذا جاءت حاجة خطيرة -أي ضرورة- جائز، فيقطعها ولو كانت فريضة، فلو رأى طفلًا يخشى أن يقع في مهلكةٍ نبَّهه، قطع الصلاة للضرورة، فإن قطعها يمكن أن تُعاد وتُجبر وتُصلَّى، لكن وقوع الطفل ونحوه في المهلكة أو في حادثٍ لا يمكن تأخيره، فتُقطع من أجله: كأن يرى كفيفًا يخشى عليه، أو يخشى أن يقتله أحدٌ، أو يأخذه سبعٌ، فيقطعها، فإن تلافيها ممكن، يقطعها ثم يُعيدها، لكن الحادث الذي يخشى منه ما يمكن تلافيه.

فأمه غضبها عظيم، وعقوقها كبيرة، وبرُّها واجب، فطاعتها مقدّمة، فيقطع صلاة النافلة دون ذلك؛ لأنها مستحبّة، فإذا كانت واجبةً حصل التَّعارض حينئذٍ، فبإمكانه أن يقول: "سبحان الله، سبحان الله" حتى تفهم أنه في الصلاة، ولعلها تهزأ بذلك في الفريضة والنافلة، وإذا أصرّت قطع النافلة، أما الفريضة فمحل تأملٍ: هل يقطعها إذا لم يكن هناك خطر؟ أما إذا كان هناك خطر يقطعها، حتى ولو في الفريضة، يا فلان، كلَّمته ليُنقذها من خطرٍ؛ يقطعها ..... من الخطر، أو أباه، ونحو ذلك، نعم.

س: الأطفال يصيرون أمام المصلي أحيانًا في النافلة إذا كان في البيت؟

ج: ما يضرّ، لكن إذا تيسر يُبعدهم؛ لئلا يكونوا أمامه، إذا تيسر، يُحاول، وإلا ما يقطعون صلاته.

س: دعاء الوالدين على وجه العادة على الأبناء؟

ج: فيه خطر، فيه خطر، ينبغي ألا يدعوا؛ لئلا يُصادفوا من الله ساعة إجابةٍ، هذه دعت وأُجيبت.

باب مسح الحصا في الصلاة

1207- حدثنا أبو نعيم: حدثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة قال: حدثني مُعَيْقِيب: أن النبي ﷺ قال في الرجل يُسَوِّي الترابَ حيث يسجد، قال: إن كنتَ فاعلًا فواحدةً.

الشيخ: وهذا يدل على أنه يتغاضى عنه، يتشاغل عنه حتى يستمر في خشوعه في صلاته، ولا يُسوِّي التراب ولا غيره، لكن إذا دعت الحاجةُ يقتصر على واحدةٍ حتى لا يُشغل عن صلاته، نعم.

أيش قال المحشي على حديث معيقيب؟

قوله: "باب مسح الحصى في الصلاة" قال ابن رشيد: ترجم بالحصى والمتن الذي أورده في التراب ليُنبه على إلحاق الحصى بالتراب في الاقتصار على التَّسوية مرةً، وأشار بذلك أيضًا إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ: "الحصى"، كما أخرجه مسلم من طريق وكيع، عن هشام الدستوائي، عن يحيى ابن أبي كثير بلفظ: "المسح في المسجد" يعني: الحصى.

قال ابن رشيد: لما كان في الحديث –يعني- ولا يُدرى: أهي قول الصحابي أو غيره؟ عدل عنها البخاري إلى ذكر الرواية التي فيها التراب.

وقال الكرماني: ترجم بالحصى لأن الغالب أنه يوجد في التراب، فيلزم من تسويته مسح الحصى.

قلت: قد أخرجه أبو داود، عن مسلم بن إبراهيم، عن هشامٍ بلفظ: فإن كنتَ لا بد فاعلًا فواحدةً تسوية الحصى.

وأخرجه الترمذي من طريق الأوزاعي، عن يحيى بلفظ: سألت النبي ﷺ عن مسح الحصى في الصلاة.

فلعل البخاري أشار إلى هذه الرواية، أو إلى ما رواه أحمد من حديث حذيفة قال: سألتُ النبي ﷺ عن كل شيءٍ، حتى عن مسح الحصى، فقال: واحدة، أو دع.

ورواه أصحاب السنن من حديث أبي ذرٍّ بلفظ: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تُواجهه، فلا يمسح الحصى.

وقوله: إذا قام المراد به الدخول في الصلاة؛ ليُوافق حديث الباب، فلا يكون منهيًّا عن المسح قبل الدخول فيها، بل الأولى أن يفعل ذلك حتى لا يشتغل باله وهو في الصلاة به.

تنبيه: التقييد بالحصى وبالتراب خرج للغالب؛ لكونه كان الموجود في فرش المساجد إذ ذاك، فلا يدل تعليق الحكم به على نفيه عن غيره مما يُصلَّى عليه من الرمل والقذى وغير ذلك.

قوله: "حدثنا شيبان" هو ابن عبدالرحمن، ويحيى هو ابن أبي كثير.

قوله: "عن أبي سلمة" هو ابن عبدالرحمن، وفي رواية الترمذي من طريق الأوزاعي: عن يحيى: حدثني أبو سلمة.

ومُعيقيب: بالمهملة، وبالقاف، وآخره موحدة، مُصغّر، هو ابن أبي فاطمة الدوسي، حليف بني عبد شمس، كان من السابقين الأولين، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد.

قوله: "في الرجل" أي: حكم الرجل، وذكّر للغالب، وإلا فالحكم جارٍ في جميع المكلَّفين.

وحكى النووي اتِّفاق العلماء على كراهة مسح الحصى وغيره في الصلاة، وفيه نظر، فقد حكى الخطابي في "المعالم" عن مالك أنه لم يرَ به بأسًا، وكان يفعله، فكأنه لم يبلغه الخبر.

وأفرط بعض أهل الظاهر فقال: إنه حرام إذا زاد على واحدةٍ؛ لظاهر النهي، ولم يُفرّق بين ما إذا توالى أو لا، مع أنه لم يقل بوجوب الخشوع.

والذي يظهر أن عِلّة كراهيته: المحافظة على الخشوع، أو لئلا يكثر العمل في الصلاة.

لكن حديث أبي ذرٍّ المتقدم يدل على أن العِلّة فيه ألّا يجعل بينه وبين الرحمة التي تُواجهه حائلًا.

وروى ابن أبي شيبة، عن أبي صالح السّمان قال: إذا سجدتَ فلا تمسح الحصى؛ فإن كل حصاةٍ تُحبّ أن يُسجد عليها. فهذا تعليلٌ آخر، والله أعلم.

قوله: "حيث يسجد" أي: مكان السجود.

الشيخ: يكفي، يكفي، المقصود أن هذا يدل على أن الإنسان يُراعي الخشوع، ويحرص على عدم الحركة والعبث، وإذا دعت الحاجةُ تكون واحدةً، وتُكره الزيادة عليها، قال: واحدة، أو دع.

فالأفضل للمؤمن ترك ذلك إذا كان يمكن التحمل، ما هناك ضرر، أما إذا كان قد يُؤذيه فتكون واحدةً، إذا كان في محلِّ وجهه حصاة أو أشياء قد تُؤذيه يُزيلها مرةً واحدةً مهما أمكن، ويكون هذا أولى.

وإذا تيسر يُلاحظ محل السجود قبل الدخول في الصلاة حتى يجمع بين المصلحتين، يُلاحظ محل السجود، إذا كان فيه أذى يُزيله قبل أن يدخل في الصلاة؛ حتى لا يحتاج إلى هذا في الصلاة، نعم.

س: مسح الجبين في الصلاة؟

ج: بعد الصلاة، السنة بعد الصلاة، بعدما يُسلّم، إذا كان على وجهه شيء يطرحه بعد الصلاة، كان النبي ﷺ يترك ذلك حتى يُسلّم.

س: وإن كان يُؤذيه؟

ج: إن كان يتحمل يتركه، النبي ﷺ سجد على الماء والطين، ولما سلَّم رأوه على وجهه بعدما سلَّم عليه الصلاة والسلام.

س: إذا مسح الأرض مرتين أو ثلاثًا؟

ج: تركها أولى، يكون هذا مكروهًا، ظاهر الحديث كراهة ذلك، نعم.

س: بعضهم إذا جاء يُصلي يضع غُترته على وجهه ويسجد؟

ج: إن دعت الحاجةُ إلى هذا لا بأس، ولكن الأفضل المباشرة، لا يضع غترةً على وجهه، الأفضل أن يُباشر المصلَّى، ولكن لو دعت الحاجةُ: المكان حار، أو بارد جدًّا يُؤذيه فلا بأس، يضع كُمَّه، أو طرف غُترته، أو عمامته، لا بأس.

س: في الصلاة إذا كانت الغترة تنزل إلى الوجه؟

ج: ما يضرّ، لكن الأفضل أن تُباشر الجبهة والأنف المصلَّى، ولو نزلت الغُترة على جبهته أو شيء لا يضرّ.

س: يعني: يرفعها يا شيخ؟

ج: نعم، هذا الأفضل، ولا يُخلّ بالصلاة، ما عليه شيء، نعم.

س: بعض الناس يسجد على طاقيةٍ تكون مُرتخيةً على جبهته ولا يرفعها؟

ج: ما يضرّ، ولكن الأفضل أن يرفعها، يُباشر المصلَّى، هذا الأفضل.