باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة
وقال الحسن: يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب ويقول: اللهم اجعله لنا فرطًا وسلفًا وأجرًا.
1335- حدثنا محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة، عن سعدٍ، عن طلحة قال: صليتُ خلف ابن عباسٍ رضي الله عنهما. ح، حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن طلحة بن عبدالله بن عوف قال: صليتُ خلف ابن عباسٍ رضي الله عنهما على جنازةٍ فقرأ بفاتحة الكتاب، قال: لتعلموا أنها سنة.
الشيخ: هذا الحديث يُبين أنَّ صلاة الجنازة مثل الصلاة المعتادة ذات الركوع والسجود، يقرأ فيها بالفاتحة، والرسول سمَّاها صلاة، وقال ﷺ: لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، فالواجب أن يقرأ فيها بفاتحة الكتاب؛ ولهذا قرأ ابن عباسٍ كما في هذا الحديث ورفع صوته بذلك، قال: "لتعلموا أنها سنة" يعني: أنها طريقة مُتَّبعة.
والسنة هنا بمعنى الواجب، فإنَّ السنة المتبعة يعني: السنة اللازمة، ليس على مصطلح بعض الفقهاء أنها تعني النافلة، بل مُراده هنا لتعلموا أنها طريقة متَّبعة، لازمة، لا بدَّ منها.
وفي بعض الروايات خارج البخاري بسندٍ صحيحٍ: "قرأ بالفاتحة وسورة أيضًا"، ونسب هذا إلى النبي ﷺ، فدلّ ذلك على أنه يُستحبّ أن يقرأ معها سورةً قصيرةً، أو بعض الآيات، وإن اقتصر على الفاتحة كفى، ثم يُكبر للثانية ويُصلي على النبي ﷺ الصلاة الإبراهيمية المعروفة، ثم يُكبر الثالثة ويدعو للميت، يدعو بالدعاء الوارد: اللهم اغفر لحيّنا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأُنثانا، اللهم مَن أحييتَه منا فأحيه على الإسلام، ومَن توفّيته منا فتوفَّه على الإيمان، ثم يقول: اللهم اغفر لفلان، أو فلانة، أو اللهم اغفر لهذا الميت، أو اللهم اغفر لهذه الجنازة. وإن كان فرطًا قال: اللهم اجعله ذُخْرًا لوالديه، وفرطًا، وشفيعًا مُجابًا. والفرط: مَن دون البلوغ. اللهم اجعله ذخرًا لوالديه، وفرطًا، وشفيعًا مُجابًا، اللهم أعظم به أجورهما، وثقّل به موازينهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم ، وقِهِ برحمتك عذاب الجحيم. يعني: بعد الدعاء السابق، بعد: اللهم اغفر لحينا وميتنا ... إلى آخره، وبعد: اللهم مَن أحييته منا فأحيه على الإسلام بعدها يقول: اللهم اجعله ذخرًا لوالديه.
ثم يُكبّر الرابعة ويُسلّم، يُكبّر الرابعة ويقف قليلًا كما جاء في حديث عبدالله بن أبي أوفى، وفي حديثٍ آخر: يسيرًا ثم يُسلّم، نعم.
أيش قال على حديث ابن عباسٍ؟
قوله: "لتعلموا أنها سنة" قال الإسماعيلي: جمع البخاري بين روايتي شعبة وسفيان، وسياقهما مختلف. ا.هـ.
فأما رواية شعبة فقد أخرجها ابن خزيمة في "صحيحه"، والنسائي، جميعًا عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه، بلفظ: "فأخذتُ بيده فسألتُه عن ذلك فقال: نعم يا ابن أخي، إنه حقٌّ وسنةٌ".
وللحاكم من طريق آدم، عن شعبة: "فسألته فقلتُ: يقرأ؟ قال: نعم، إنه حقٌّ وسنة".
وأما رواية سفيان فأخرجها الترمذي من طريق عبدالرحمن بن مهدي عنه بلفظ: فقال: "إنه من السنة، أو من تمام السنة".
وأخرجه النسائي أيضًا من طريق إبراهيم بن سعد، عن أبيه بهذا الإسناد بلفظ: "فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذتُ بيده فسألتُه فقال: سنة وحقٌّ".
وللحاكم من طريق ابن عجلان: أنه سمع سعيد ابن أبي سعيد يقول: صلَّى ابن عباسٍ على جنازةٍ فجهر بالحمد، ثم قال: "إنما جهرتُ لتعلموا أنها سنة".
وقد أجمعوا على أنَّ قول الصحابي: "سنة" حديثٌ مُسندٌ.
كذا نقل الإجماع، مع أن الخلاف عند أهل الحديث وعند الأصوليين شهيرٌ، وعلى الحاكم فيه مأخذٌ آخر؛ وهو استدراكه له وهو في البخاري.
وقد روى الترمذي من وجهٍ آخر عن ابن عباسٍ: أن النبي ﷺ قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب. وقال: لا يصحّ هذا.
الشيخ: وهو يفيد أن القراءة فيها سرية، لكن جهر ليعلم الناس أن الفاتحة لا بدَّ منها، مثلما كان عمرُ يجهر بعض الأحيان بالاستفتاح ويعلمه الناس؛ ليعلموا أنه سنة، ومثلما كان النبي ﷺ يرفع صوتَه ببعض الآيات ليعلموا أنه يقرأ عليه الصلاة والسلام في السرية. نعم.
والصحيح عن ابن عباسٍ قوله: "من السنة"، وهذا مصيرٌ منه إلى الفرق بين الصيغتين، ولعله أراد الفرق بالنسبة إلى الصراحة والاحتمال والله أعلم.
س: ..... وقد روى الترمذي من وجهٍ آخر عن ابن عباسٍ: أن النبي ﷺ قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب. وقال: لا يصح هذا. والصحيح عن ابن عباسٍ قوله: "من السنة"؟
ج: نعم، ما جاء بصريحٍ، ليس بصحيحٍ، وإنما الثابت: "من السنة"، ومعناه: أن النبي فعله اللهم صلِّ عليه.
وهذا مصيرٌ منه إلى الفرق بين الصيغتين، ولعله أراد الفرق بالنسبة إلى الصراحة والاحتمال والله أعلم.
الشيخ: والصحيح عند أهل الحديث: أن الصحابي إذا قال: "من السنة"، أو "السنة كذا"، فمُراده سنة النبي ﷺ، والخلاف في هذا ضعيف، كذلك قوله: "أُمرنا، ونُهينا" يعني: أمر الرسول، ونهى الرسول عليه الصلاة والسلام، و"رخّص لنا"، و"لم يرخّص لنا"، نعم.
وروى الحاكم أيضًا من طريق شرحبيل بن سعد، عن ابن عباسٍ: أنه صلَّى على جنازةٍ بالأبواء فكبّر، ثم قرأ الفاتحة رافعًا صوته، ثم صلَّى على النبي ﷺ، ثم قال: "اللهم عبدك، وابن عبدك، أصبح فقيرًا إلى رحمتك، وأنت غنيٌّ عن عذابه، إن كان زاكيًا فزكّه، وإن كان مُخطئًا فاغفر له، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تُضلنا بعده"، ثم كبّر ثلاث تكبيرات، ثم انصرف فقال: "يا أيها الناس، إني لم أقرأ عليها –أي: جهرًا- إلا لتعلموا أنها سنة".
قال الحاكم: شرحبيل لم يحتجّ به الشيخان، وإنما أخرجته لأنه مُفسِّر للطرق المتقدمة. انتهى.
وشرحبيل مختلفٌ في توثيقه، واستدلّ الطحاوي على ترك القراءة في الأولى بتركها في باقي التكبيرات، وبترك التشهد.
الشيخ: يكفي، نعم.
القارئ: يتبقى سطران.
الشيخ: نعم، قال الطحاوي؟
واستدل الطحاوي على ترك القراءة في الأولى بتركها في باقي التكبيرات، وبترك التشهد، قال: ولعل قراءة مَن قرأ الفاتحة من الصحابة كان على وجه الدعاء، لا على وجه التلاوة.
الشيخ: وهذا تأويلٌ ليس بصحيحٍ، كلام الطحاوي هذا ساقطٌ، ليس بشيءٍ، فالنبي ﷺ يقول: إنها صلاة، وابن عباسٍ يقرأ بالفاتحة ويقول: "إنها سنة النبي ﷺ"، ثم يقول الطحاوي هذا الكلام؟! والطحاوي كثيرًا ما يتأول النصوص، عفا الله عنا وعنه.
وقوله: "أنها سنة" يحتمل أن يريد أن الدعاء سنة. انتهى.
ولا يخفى ما يجيء على كلامه من التعقب، وما يتضمنه استدلاله من التعسف.
الشيخ: ظاهر التعسف باطل، نعم.
س: الاستفتاح ثبت فيه شيء في الجنازة؟
ج: ما أعلم فيه شيئًا، أقول: ما أعلم فيه شيئًا الاستفتاح، بعض أهل العلم يستحبّه؛ قياسًا على الصَّلوات الخمس والنوافل، وبعض أهل العلم لا يستحبّه؛ لأنها صلاة يُطلب فيها التَّخفيف والتَّعجيل، فلا حاجة إلى الاستفتاح، والأمر واسع، مَن استفتح فلا بأس، ومَن ترك فلا بأس، الأمر واسع.
س: السكوت بعد التكبيرة الرابعة فيه دعاء؟
ج: ما فيه دعاء، لا.
س: في صلاة الجنازة كيفية القضاء؟
ج: إذا أدرك مع الإمام بعض التكبيرات يُكبّر ويقرأ الفاتحة، ثم إذا كبّر الإمام إن كان بقي له شيء من التكبيرات يصلي على النبي ﷺ، ثم إذا سلّم الإمام يُتابع التكبير، يقول: الله أكبر، اللهم اغفر له، الله أكبر ويُسلم، يعجل قبل أن تذهب.
س: الدعاء للميت مخصوصٌ أو ينوع؟
ج: الوارد في الأحاديث أفضل، وإن ما تيسر له إذا قال: "اللهم اغفر له وارحمه" كفى، لكن إذا حفظ الدعاء الوارد في الأحاديث يكون أفضل: حديث عوف بن مالك الأشجعي وغيره ..... موجود في "بلوغ المرام"، وفي غيره من كتب الحديث، وفي "المنتقى"، و"رياض الصالحين"، وغيرها، إذا أراده الإنسان وجده، نعم.
س: التعوذ من الشيطان في البداية؟
ج: يتعوذ ويُسمِّي قبل الفاتحة، هذا مشروع، نعم.
باب الصلاة على القبر بعدما يُدفن
1336- حدثنا حجاج بن منهال: حدثنا شعبة، قال: حدثني سليمان الشَّيباني، قال: سمعتُ الشعبي قال: أخبرني مَن مرَّ مع النبي ﷺ على قبرٍ منبوذٍ، فأمَّهم وصلّوا خلفه. قلتُ: مَن حدَّثك هذا يا أبا عمرو؟ قال: ابن عباسٍ رضي الله عنهما.
1337- حدثنا محمد بن الفضل: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابتٍ، عن أبي رافع، عن أبي هريرة : أن أسود -رجلًا أو امرأة- كان يقمّ المسجد، فمات، ولم يعلم النبي ﷺ بموته، فذكره ذات يومٍ فقال: ما فعل ذلك الإنسان؟ قالوا: مات يا رسول الله. قال: أفلا آذَنْتُمُوني؟ فقالوا: إنه كان كذا وكذا -قصَّته- قال: فحقروا شأنَه. قال: فدلُّوني على قبره، فأتى قبره فصلَّى عليه.
الشيخ: والصلاة على القبر ثابتة في الأحاديث الصحيحة، فإذا صلى الإنسان على القبر وحده أو جماعةً كله سنة، إذا فاتته الصلاة عليه مع الناس يُصلي على القبر بعد الدفن، أو صلَّى عليه في المقبرة قبل أن يُدفن؛ حصل المقصود.
واختلفوا في المدة، والمشهور عند أهل العلم شهر، يُصلي عليه إلى شهرٍ؛ لأن هذا أكثر ما ورد عن النبي ﷺ؛ ولهذا صلى النبي ﷺ على الخادم الذي كان يقمّ المسجد، وصلى ..... على القبر عليه الصلاة والسلام.
بابٌ: الميت يسمع خَفق النِّعال
1338- حدثنا عيَّاش: حدثنا عبدالأعلى: حدثنا سعيد، قال: وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زُرَيْعٍ: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنسٍ ، عن النبي ﷺ قال: العبد إذا وُضِعَ في قبره، وتُوُلِّيَ وذهب أصحابُه، حتى إنه ليسمع قَرْعَ نعالهم، أتاه ملكان، فأقعداه، فيقولان له: ما كنتَ تقول في هذا الرجل محمدٍ ﷺ؟
الشيخ: .........
الشيخ: وهذا يدل على أن الميت يسمع حين يُوضع في القبر، يسمع قرع نعالهم، يسمع إدبارهم إذا تولوا، وهذا سماع خاصّ، ولا يُعارض قوله تعالى: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80]، وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:22] لأمرين:
أحدهما: أن هذا خاصٌّ، وذا عام، والخاص يقضي على العام.
والأمر الثاني: أن المراد بِمُسْمِعٍ يعني: إسماعًا ينفعهم، لا تُسمعهم يعني: إسماعًا ينفعهم ويُفيدهم، فقد انتهى الأمر، انتهى التكليف بعد الموت، وإن أسمعهم تقريعًا وتوبيخًا كما جرى لأهل بدر، قال: هل وجدتم ما وعد ربُّكم حقًّا؟ وقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، فهذا إسماع توبيخٍ وتقريعٍ، وليس إسماعًا ينفعهم ويُفيدهم.
فالصحيح عند أهل العلم أن الميت لا يسمع إلا ما جاء به النص، ما يسمع كلام الأحياء وأمورهم إلا بالدليل.
وقد ثبت أنه يسمع قرع نعالهم إذا تولوا، ويسمع سؤال منكر ونكير، وثبت سماع أهل بدر، فهذه أشياء خاصة، وما سواها لا يسمعه إلا بدليلٍ، هذه قاعدة.
القاعدة: أن الموتى لا يسمعون كلامنا، ولا أخبارنا، إلا ما جاء به الدليل خاصة، وإلا فالأصل مثلما قال الله: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ، إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى.
فالأصل في الميت أنه إذا مات انقطع علمه بالأحياء، وسماعه لأقوالهم، إلا ما جاء به النص فقط، فحديث أنسٍ هذا: سماعه لقرع نعال المشيعين، وسماعه لمن يُكلّمه من الملائكة ويسأله، وحديث سؤاله أهل بدرٍ، هذا شيء خاصٌّ، وقد أنكرت عائشةُ ذلك، ولكن الصحيح أنه ثابت في الأحاديث الصحيحة أنه كلم أهل بدر، وقال له عمر: تُكلّم قومًا قد جيّفوا؟! قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يُجيبوا.
أيش قال الشارح على حديث أنسٍ؟
قوله: "بابٌ: الميت يسمع خفق النِّعال" قال الزين بن المنير: جرد المصنف ما ضمنه هذه الترجمة ليجعله أول آداب الدفن من: التزام الوقار، واجتناب اللغط وقرع الأرض بشدة الوطء عليها، كما يلزم ذلك مع الحي النائم، وكأنه اقتطع ما هو من سماع الآدميين من سماع ما هو من الملائكة.
وترجم بالخفق، ولفظ المتن بالقرع إشارةً إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الخفق، وهو ما رواه أحمد وأبو داود من حديث البراء بن عازب في أثناء حديثٍ طويلٍ فيه: وإنه ليسمع خفق نعالهم.
وروى إسماعيل بن عبدالرحمن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ: أن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولّوا مُدبرين.
أخرجه البزار وابن حبان في "صحيحه" هكذا مُختصرًا.
وأخرج ابن حبان أيضًا من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن النبي ﷺ. نحوه في حديثٍ طويلٍ، واستدل به على جواز المشي بين القبور بالنعال، ولا دلالة فيه.
قال ابنُ الجوزي: ليس في الحديث سوى الحكاية عمَّن يدخل المقابر، وذلك لا يقتضي إباحةً ولا تحريمًا. انتهى.
وإنما استدل به مَن استدل على الإباحة أخذًا من كونه ﷺ قاله وأقرّه، فلو كان مكروهًا لبَيَّنه، لكن يُعكّر عليه احتمال أن يكون المراد سماعه إياها بعد أن يُجاوز المقبرة.
ويدل على الكراهة حديث بشير بن الخصاصية: أن النبي ﷺ رأى رجلًا يمشي بين القبور وعليه نعلان سبتيتان، فقال: يا صاحب السبتيتين، ألقِ نعليك. أخرجه أبو داود، والنسائي، وصححه الحاكم.
وأغرب ابنُ حزمٍ فقال: يحرم المشي بين القبور بالنعال السبتية دون غيرها. وهو جمودٌ شديدٌ.
الشيخ: وهذا يدل على أن المشي بين القبور بالنعال مكروه، إلا عند الحاجة، إذا كانت حاجة: كحرّ الرمضاء، أو الشوك، وأما حديث: يسمع قرع نعالهم فلا يلزم أن يكون بين القبور؛ لأن الغالب أن القبر يكون في طرف المقبرة، فإذا ولَّى عنه فقد مشى في خارج المقبرة، ما يكون بين القبور، فلا تكون فيه مخالفة، نعم.
س: كراهة تنزيهٍ؟
ج: هذا الأظهر، نعم.
س: يكون مخصوصًا بين القبور؟
ج: بين القبور، أما خارجها فلا بأس، فكونه يمشي حولها، مثل: إذا انصرفوا عن المقبرة، فهذا ما هو بين القبور؛ لأن القبر يكون في الغالب في طرف المقبرة، فكل إنسانٍ يُقبر في طرف المقبرة حتى تنتهي.
س: ..............؟
ج: هذا الأصل، الأصل فيه الوجوب، لكن مَن قال بالكراهة جمع بينهما بهذا الحديث: يسمع قرع نعالهم خفق نعالهم، وسكت النبي ﷺ، فهذا يدلّ على الجواز، وذاك يدل على الكراهة.
ويحتمل أن يقال: إن هذا ما فيه مخالفة؛ لأن هذا عند انصرافهم، وانصرافهم ما يلزم أن يكون بين القبور.
لكن القاعدة: إذا جاءت حاجةٌ شديدةٌ فإن النعل يُمشى به فيها حينئذٍ، مثل: اقتضت الحالة أن يمروا بين القبور في الرمضاء، أو في الشوك، وهو محتاجٌ إلى هذا الشيء؛ فتزول الكراهة، نعم.
وأما قول الخطابي: "يُشبه أن يكون النهي عنهما لما فيهما من الخيلاء" فإنه متعقب بأن ابن عمر كان يلبس النعال السبتية، ويقول: إن النبي ﷺ كان يلبسها. وهو حديثٌ صحيحٌ كما سيأتي في موضعه.
الشيخ: والسبتية: هي التي ليس فيها شعر، جلد خالص، مثل: نعالنا اليوم، مثل: نعال الناس اليوم ليس فيها شعر، وهي -لا شك- جميلة، وهي من لبس النبي عليه الصلاة والسلام.
وقال الطحاوي: يُحمل نهي الرجل المذكور على أنه كان في نعليه قذر، فقد كان النبي ﷺ يُصلي في نعليه ما لم يرَ فيهما أذًى.
الشيخ: كل هذا تأويل ليس بجيدٍ، والصواب على إطلاقه، يُكره المشي بين القبور بالنعال مطلقًا، ولو ما كان فيها أذى، نعم.
س: هل حديث بشير صحيح؟
ج: لا بأس به، نعم.
س: لبس النعال السبتية عادة أو سنة؟
ج: لبس النعال سنة، ولا سيما عند الحاجة إليها، ولكن إذا احتفى بعض الأحيان فلا بأس، نعم، والسبتية من السبت، وهو القطع، تكون خاليةً من الشعر.
س: لبس النعال سنة؟
ج: النبي ﷺ قال: تزوَّدوا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكبًا ما انتعل. رواه مسلم، وكان في الغالب ينتعل عليه الصلاة والسلام حتى يُصلي فيها.
س: تزوَّدوا؟
ج: فإن الرجل لا يزال راكبًا ما انتعل، النعال مشروعة، وفيها وقاية للرجل من الحرِّ والبرد والأذى والشوك؛ ولهذا كان يُصلي فيها ويقول: خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يُصلون في نعالهم، فلبسها سنة.
س: النعال تشمل الخفين؟
ج: الخفان كذلك إذا دعت الحاجةُ إليهما، والغالب في الخفين أنه يُحتاج إليهما في الشتاء والبرد.
س: .............؟
ج: نعم، كل ما يُلبس في الرجل فهو نعل.
س: حديث البراء صحيحٌ في خروج الروح؟
ج: جيد، لا بأس به، رواه الترمذي بإسنادٍ جيدٍ.
س: القول المنقول عن شيخ الإسلام: أن الميت يعرف أحوال أهله بعده؟
ج: يُروى عن بعض السلف، لكن ما عليه دليل، يُروى عن عبدالله بن أبي أوفى وغيره: اللهم لا تُخزني في كذا. وحديث عبدالله بن رواحة، المقصود أنَّ هذا ما عليه دليل واضح، ما عليه شيء من النصوص الواضحة، نعم.
س: هل يردّ الميتُ السلامَ إذا سُلِّم عليه؟
ج: جاء في بعض الأحاديث أنه يردّ مطلقًا، وفي بعضها إذا كان يعرفه في الدنيا، نعم.
س: المشي بالنعال يكون حرامًا؟
ج: الله أعلم، بين الكراهة والحُرمة إلا عند الحاجة، نعم.
س: هل يُشرع للإنسان أن يخلع حذاءه عند باب المقبرة؟
ج: إذا دخلها يأخذه بيديه، لا يمشي فيه إلا عند الحاجة، نعم.
س: السيارات الآن تمشي في المقبرة؟
ج: إذا كان لها طريق مُعبَّدٌ ما تطأ القبور ما يُخالف.
...............
باب مَن أحبَّ الدَّفن في الأرض المقدَّسة أو نحوها
1339- حدثنا محمود: حدثنا عبدالرزاق: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: أُرسل ملكُ الموت إلى موسى عليهما السلام، فلمَّا جاءه صَكَّه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموتَ. فردَّ الله عليه عينَه وقال: ارجعْ فقلْ له: يضع يدَه على متن ثورٍ، فله بكلِّ ما غطَّتْ به يدُه بكلِّ شعرةٍ سنة. قال: أيْ ربِّ، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن. فسأل الله أن يُدنِيه من الأرض المقدَّسة رميةً بحَجَرٍ. قال: قال رسولُ الله ﷺ: فلو كنتُ ثَمَّ لأريتُكم قبرَه إلى جانب الطَّريق عند الكَثِيب الأحمر.
الشيخ: والموت لا بدَّ منه مهما عاش الإنسان: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ [الجمعة:8].
باب الدَّفن بالليل
ودُفن أبو بكرٍ ليلًا.
1340- حدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جريرٌ، عن الشَّيباني، عن الشعبي، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: صلى النبي ﷺ على رجلٍ بعدما دُفن بليلةٍ، قام هو وأصحابُه، وكان سأل عنه فقال: مَن هذا؟ فقالوا: فلانٌ دُفن البارحةَ. فصلَّوا عليه.
س: أحسن الله إليك، لو أوصى أن يُدفن في مكة أو المدينة؟
ج: الأظهر أن الوصية لا تُنفذ، لا يلزم تنفيذها؛ لأن فيها مشقّة وتعبًا ونفقات، وليس ذلك بمشروعٍ، لم يفعله النبي ﷺ، ولا الصحابة، وكون الإنسان يُدفن في بلده أولى، إلا إذا كان في بلدٍ ما فيها مقبرة مسلمة، وتيسر نقله من دون مشقةٍ فلا بأس، وإلا فيُدفن في محلٍّ بعيدٍ عن الخطر، أرض ميتة بعيدة عن الخطر، ويُساوى قبره حتى لا يُمتهن ولا يُنبش، أما إذا كان في بلدٍ مسلمةٍ فيها مقبرة مسلمة فيُدفن معهم، ولا يتكلف، يكلّف التركة ويكلّف الناس مشقةً؛ لعدم الدليل، نعم.
باب بناء المسجد على القبر
1341- حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالكٌ، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: لَمَّا اشتكى النبي ﷺ ذكرتْ بعضُ نسائه كنيسةً رأيْنَها بأرض الحبشة يُقال لها: مارية، وكانت أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أتتا أرض الحبشة، فذكرتا من حُسنها وتصاوير فيها، فرفع رأسَه فقال: أولئك إذا مات منهم الرجل الصَّالح بَنَوا على قبره مسجدًا، ثم صوَّروا فيه تلك الصُّورة، أولئك شِرار الخلق عند الله.
الشيخ: هذا يفيد أن البناء على القبور من سنة اليهود والنصارى، وأنها سنة شِرار الخلق، وهذا يتضمن تحريم ذلك، والتحذير منه، وألا يتأسى المسلمون باليهود والنصارى في ذلك.
ويدل على لعن مَن فعل ذلك، كما في الرواية الأخرى: لعن الله اليهود والنصارى.
والسر في ذلك -والله أعلم- أنه وسيلة إلى الشرك؛ فالبناء على القبر يتضمن تعظيمه، ثم يجرّ إلى دعائه، وسؤاله، والصلاة له، أو السجود له، فيقع الشرك.
فالبناء على القبور واتخاذ القباب عليها والمساجد وسائل للشرك؛ ولهذا صار كبيرةً من كبائر الذنوب، واستحقَّ صاحبه اللعن، نسأل الله العافية.
س: يُهدم أحسن الله إليك؟
ج: يجب هدمه، نعم.
باب مَن يدخل قبر المرأة
1342- حدثنا محمد بن سِنان: حدثنا فُليح بن سليمان: حدثنا هلال بن علي، عن أنسٍ قال: شهدنا بنتَ رسول الله ﷺ، ورسول الله ﷺ جالسٌ على القبر، فرأيتُ عينيه تدمعان، فقال: هل فيكم من أحدٍ لم يُقارِف الليلة؟ فقال أبو طلحةَ: أنا. قال: فانزل في قبرها، فنزل في قبرها فقبرها.
قال ابن مباركٍ: قال فُليح: أُراه يعني: الذَّنبَ. قال أبو عبدالله: لِيَقْتَرِفُوا [الأنعام:113] أي: ليكتسبوا.
الشيخ: وقال آخرون: "يُقارف" يعني: الجماع، يُجامع، أمَّا كونه ما اقترف ذنبًا فالرسول أولى بهذا الوصف عليه الصلاة والسلام، وهو أفضل الناس وأكملهم إيمانًا وتقوى، فالأقرب مثلما قال آخرون: المراد به ليس حديث عهدٍ بجماعٍ.
وقال أبو طلحة: "أنا"، فنزل. وفيه دلالة على أنه لا حرج أن ينزل في قبر المرأة مَن ليس محرمًا لها؛ لأن الوقت ليس وقت خوفٍ من الشهوة والفتنة، وقت الموت ليس وقت هذا، فإنزالها في القبر محل عبرةٍ وعِظَةٍ وذكرى، وليس محل فتنةٍ، فإذا أنزلها غير محرمها فلا حرج في ذلك.
أيش قال الشارح على لم يُقارف؟
الظاهر أن المؤلف أقرّ مَن قال بأنه الذنب: فليح بن سليمان، نعم.
قوله: "قال ابن المبارك" تقدّم هناك أنَّ الإسماعيلي وصله من طريقه، ووقع في رواية أبي الحسن القابسي هنا: "قال أبو المبارك" بلفظ الكُنية، ونقل أبو علي الجياني عنه أنه قال: أبو المبارك كُنية محمد بن سنان. يعني: راوي الطريق الموصولة.
وتعقبه بأن محمد بن سنان يُكنى: أبا بكر، بغير خلافٍ عند أهل العلم بالحديث، والصواب: "ابن المبارك" كما في بقية الطرق.
قوله: لِيَقْتَرِفُوا ليكتسبوا. ثبت هذا في رواية الكشميهني، وهذا تفسير ابن عباسٍ، أخرجه الطبراني من طريق علي بن أبي طلحة عنه، قال في قوله تعالى: وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [الأنعام:113] ليكتسبوا ما هم مُكتسبون.
وفي هذا مصيرٌ من البخاري إلى تأييد ما قاله ابن المبارك، عن فليح، أو أراد أن يُوجه الكلام المذكور، وأن لفظ "المقارفة" في الحديث أُريد به ما هو أخصّ من ذلك، وهو الجماع.
الشيخ: العيني زاد شيئًا؟
الطالب: قريبٌ من هذا.
الشيخ: ما تكلّم على التصويب، الترجيح؟
قارئ المتن: قال ..... قال ابن المبارك، تقدم هناك أن الإسماعيلي وصله .....
الشيخ: فقط؟
هذا يُبين أن ابن المبارك ما هو بمحمد بن سنان، لكن تأييد المقارفة بأنها الجماع ما تكلّم؟
الطالب: قال أحسن الله إليك: وقد رُوي في معنى المقارفة معنى آخر غير ما فسر فليح، عن أنس: لما ماتت رقية رضي الله عنها قال النبي ﷺ: لا يدخل القبر رجلٌ قارف الليلة أهله، فلم يدخل عثمان . قال البخاري: لا أدري ما هذا؟! النبي ﷺ لم يشهد رقية!
الشيخ: أيش بعده؟
الطالب: تكلّم عليه يا شيخ؟
الشيخ: نعم.
قوله: لم يُقارف بقاف وفاء، زاد ابن المبارك: عن فليح: أراه يعني: الذنب. ذكره المصنف في باب "مَن يدخل قبر المرأة" تعليقًا. ووصله الإسماعيلي، وكذا سريج بن النعمان، عن فليح. أخرجه أحمد عنه.
وقيل: معناه: لم يُجامع تلك الليلة. وبه جزم ابن حزم، وقال: معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند رسول الله ﷺ بأنه لم يُذنب تلك الليلة. انتهى.
ويُقويه أن في رواية ثابت المذكورة بلفظ: لا يدخل القبرَ أحدٌ قارف أهلَه البارحة، فتنحى عثمان.
وحُكي عن الطحاوي أنه قال: "لم يُقارف" تصحيفٌ، والصواب: "لم يُقاول" أي: لم يُنازع غيره الكلام؛ لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء.
وتعقب بأنه تغليط للثقة بغير مُستندٍ، وكأنه استبعد أن يقع لعثمان ذلك؛ لحرصه على مُراعاة الخاطر الشَّريف.
ويُجاب عنه باحتمال أن يكون مرض المرأة طال، واحتاج عثمان إلى الوقاع، ولم يظنّ عثمان أنها تموت تلك الليلة، وليس في الخبر ما يقتضي أنه واقع بعد موتها، بل ولا حين احتضارها، والعلم عند الله تعالى.
وفي هذا الحديث جواز البكاء كما ترجم له، وإدخال الرجال المرأة قبرها؛ لكونهم أقوى على ذلك من النساء، وإيثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت -ولو كان امرأةً- على الأب والزوج.
وقيل: إنما آثره بذلك لأنها كانت صنعته. وفيه نظر؛ فإن ظاهر السياق أنه ﷺ اختاره لذلك؛ لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماعٌ، وعلل ذلك بعضُهم بأنه حينئذٍ يأمن من أن يُذكّره الشيطانُ بما كان منه تلك الليلة.
وحُكي عن ابن حبيبٍ: أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان: أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة، فتلطف ﷺ في منعه من النزول في قبر زوجته بغير تصريحٍ.
ووقع في رواية حماد المذكورة: "فلم يدخل عثمان القبر".
وفيه جواز الجلوس على شفير القبر عند الدفن، واستدلّ به على جواز البكاء بعد الموت.
وحكى ابن قدامة في "المغني" عن الشافعي أنه يُكره؛ لحديث جبر بن عتيك في "الموطأ"، فإن فيه: فإذا وجب فلا تبكينَّ باكية يعني: إذا مات. وهو محمولٌ على الأولوية، والمراد لا ترفع صوتها بالبكاء.
ويمكن أن يفرق بين الرجال والنساء في ذلك؛ لأن النساء قد يُفضي بهن البكاء إلى ما يُحذر من النوح؛ لقلة صبرهن.
واستدلّ به بعضهم على جواز الجلوس عليه مطلقًا، وفيه نظر، وسيأتي البحث فيه في بابٍ مفردٍ، إن شاء الله تعالى.
وفيه فضيلة لعثمان؛ لإيثاره الصدق، وإن كان عليه فيه غضاضة.
الشيخ: نعم، بعده المتن؟
الشيخ: بركة، سمِّ.
س: هل في ذلك سرٌّ: في دخول مَن لم يُقارف؟
ج: لعله لأجل ألا يكون عنده ذكرٌ للجماع والشهوة، إذا كان حديث عهدٍ قد يذكر هذا الشيء، وإذا كان بعيد العهد فهو أقرب إلى عدم التذكر، لعل هذا السر، والله أعلم.
س: النهي للكراهة؟
ج: الله أعلم.
س: رفع اليدين أثناء التكبيرات لصلاة الجنازة؟
ج: أفضل.
س: مشروع؟
ج: جاء في حديثٍ مرفوعٍ، وفعله بعض الصحابة: كابن عمر، وابن عباس، نعم، رواه ..... عن النبي ﷺ بسندٍ جيدٍ، نعم.
س: يُشرع من هذا أن الإنسان إذا أراد أن ينزل امرأةً يسأل هذا السؤال: مَن لم يُقارف؟
ج: الله أعلم؛ لأنها قصة واحدة لم تتكرر من النبي ﷺ، أقول: ما أعلم أنها تكررت من النبي ﷺ في دفن الموتى، فالله أعلم، نعم.