باب صدقة العلانية

باب صدقة العلانية

وقوله: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً الآية إلى قوله: وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274].

باب صدقة السّر

وقال أبو هريرة : عن النبي ﷺ: ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شمالُه ما صنعت يمينه.

وقوله تعالى: وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ الآية [البقرة:271].

الشيخ: مُراد المؤلف رحمه الله بهذا أنَّ الصدقة مشروعة سرًّا وعلانيةً، وهي الإحسان إلى الفُقراء والمساكين ومواساتهم؛ لقوله جلَّ وعلا: إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فأبان أنَّ هذا جائز، وهذا جائز، ولكن إخفاؤها أفضل، كما في الحديث الذي ذكر المؤلف؛ حديث أبي هريرة: سبعةٌ يُظلّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلّه، وذكر منهم: ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شمالُه ما تُنفق يمينه.

ودلَّ على جواز الأمرين أيضًا قوله تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.

فالصّدقات والإنفاق في وجوه الخير مشروعٌ سرًّا وعلانيةً، فإذا كانت العلانيةُ أصلح شُرعت، وإذا لم تكن هناك حاجة للعلانية فالسرّ أفضل؛ لأنَّه أقرب إلى الإخلاص وأكمل، وأنسب للمُعْطَى، فإنَّ المعطى قد يكره العلانية، لكن إذا كانت هناك مصلحة في العلانية شُرعت العلانية؛ كأن يدعو إلى إنشاء مشروع خيري، أو يجتمع الناس على مشروع خيري فيطلبون من إخوانهم المساهمة في ذلك علنًا حتى يتعاونوا ويتتابعوا في الخير، فهذا أفضل، العلانية أفضل حتى يتعاون الناسُ ويتسابقوا إلى إقامة المشروع الخيري، أو فقراء نزلت بهم مُصيبة، فيدعو الإنسانُ إلى التَّبرع لهم والمساعدة علانيةً حتى يتتابع الناس.

ومن هذا ما جاء في حديث الجماعة الذين ..... من عكل، جاءوا مُجتابي النِّمار، ظهرت عليهم الفاقة، فلمَّا رآهم النبي ﷺ تغيّر وجهه، وخطب الناس بعد الصلاة وحثَّهم على الصَّدقة، فجاء رجلٌ بصدقةٍ بكفِّه، يعني: نقودًا، وكادت كفُّه تعجز عنها، بل قد عجزت، وتتابع الناسُ على الصَّدقة جهرةً، وسُرَّ النبيُّ بذلك عليه الصلاة والسلام، وقال عليه الصلاة والسلام: مَن سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً كان له أجرها وأجر مَن عمل بها من بعده، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا. الحديث، فجعل مجيئه بالصُّرة ظاهرًا حتى تتابع الناسُ من السُّنن الحسنة التي حصلت لها ثمرة، وتتابع الناسُ وتأسّوا به، وهذا في التَّطوع.

أمَّا الزكاة فإظهارها أفضل؛ حتى يعلم الناسُ أنه زَكَّى، وحتى لا يُتَّهم بالبخل وعدم أداء الفريضة، وحتى يتأسَّى به الناسُ في إخراجها علانيةً، نعم.

باب إذا تصدَّق على غنيٍّ وهو لا يعلم

1421- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة : أنَّ رسول الله ﷺ قال: قال رجلٌ: لأتصدَّقنَّ بصدقةٍ. فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارقٍ، فأصبحوا يتحدَّثون: تُصُدِّق على سارقٍ! فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدَّقنَّ بصدقةٍ. فخرج بصدقته فوضعها في يدي زانية، فأصبحوا يتحدَّثون: تُصُدِّق الليلة على زانية! فقال: اللهم لك الحمد، على زانية! لأتصدَّقنَّ بصدقةٍ. فخرج بصدقته، فوضعها في يدي غنيٍّ، فأصبحوا يتحدَّثون: تُصُدِّق على غنيٍّ! فقال: اللهم لك الحمد، على سارقٍ، وعلى زانيةٍ، وعلى غنيٍّ! فأُتِيَ فقيل له: أمَّا صدقتك على سارقٍ فلعله أن يستعفَّ عن سرقته، وأمَّا الزانية فلعلها أن تستعفَّ عن زناها، وأمَّا الغني فلعله يعتبر فيُنفق مما أعطاه الله.

الشيخ: وهذا يُفيد أنَّ الإنسان يجتهد ويتصدَّق على مَن يظهر له أنَّه أهلٌ للصدقة، ولو بان في نفس الأمر أنَّه ليس أهلًا لها؛ لغناه، أو لمعصيةٍ فعلها، فإنَّ المؤمن يجتهد في إخراج صدقته، ويتحرى الخير، وقد يجعل الله فيما يفعل خيرًا كثيرًا، ولو كان علم لما فعل ذلك، هو مثل قصّة هذا الرجل الذي قال: "لأتصدَّقنَّ"، فوضع الصَّدقة الأولى في يد سارقٍ، والثانية في يد زانٍ، والثالثة في يد غنيٍّ، هو تحرَّى، ما يعرف أنَّ هذا سارق، وأنَّ هذا زانٍ، وأنَّ هذا غنيّ، لكن كأنَّه تصدّق جهرةً، فعرف الناسُ أنه تصدَّق على سارقٍ، وعلى زانيةٍ، وهو يتحرى، وذاك الغني تظاهر بالفقر والحاجة فأعطاه؛ ولهذا فإنَّ تحدُّثَ الناسِ يدلّ على أنَّه تصدَّق علانيةً، ما أخفاها.

فأُتِيَ فقيل له يحتمل أنَّه أُتِيَ في النوم، أو أتاه آتٍ من الأخيار، لكن ظاهر الواقع أنَّه أُتِيَ في النوم فقيل له: إنَّ صدقتك قد قُبِلت، وأنَّ الله جلَّ وعلا قد ينفع بها مَن أخذها؛ فالسارق لعله يستعفّ، قد يكون حمله الفقر فيستعفّ، والزانية كذلك قد تستعفّ أيضًا عن زناها، وقد يكون حملها الفقر، والغني لعله يعتبر فيتصدّق ويُنفق.

أيش قال الشارحُ على الحديث؟

س: أحسن الله إليك، إخراج صدقة الفريضة لعموم فضيلة السر .....؟

ج: جاء فيها من الأحاديث ما يدلّ على ذلك .....، نعم.

قوله: "باب إذا تصدّق على غنيٍّ وهو لا يعلم" أي: فصدقته مقبولة.

قوله: "عن الأعرج، عن أبي هريرة" في رواية مالك في "الغرائب" للدارقطني: عن أبي الزناد: أنَّ عبدالرحمن بن هرمز أخبره: أنَّه سمع أبا هريرة.

قوله: "قال رجلٌ" لم أقف على اسمه، ووقع عند أحمد من طريق ابن لهيعة عن الأعرج في هذا الحديث: أنَّه كان من بني إسرائيل.

قوله: "لأتصدَّقنَّ بصدقةٍ" في رواية أبي عوانة، عن أبي أمية، عن أبي اليمان بهذا الإسناد: "لأتصدَّقنَّ الليلة"، وكرر كذلك في المواضع الثلاثة.

وكذا أخرجه أحمد من طريق ورقاء، ومسلم من طريق موسى بن عقبة، والدَّارقطني في "غرائب مالك"، كلّهم عن أبي الزناد.

وقوله: "لأتصدَّقنَّ" من باب الالتزام، كالنذر مثلًا، والقسم فيه مُقدّر، كأنَّه قال: والله لأتصدَّقنَّ.

قوله: "فوضعها في يد سارقٍ" أي: وهو لا يعلم أنَّه سارق.

قوله: "فأصبحوا يتحدَّثون: تُصُدِّق على سارقٍ" في رواية أبي أمية: "تُصُدِّق الليلة على سارقٍ"، وفي رواية ابن لهيعة: "تُصُدِّق الليلة على فلانٍ السَّارق"، ولم أرَ في شيءٍ من الطرق تسمية أحدٍ من الثلاثة المتصدَّق عليهم.

وقوله: "تُصُدِّق" بضمِّ أوله على البناء للمفعول.

قوله: "فقال: اللهم لك الحمد" أي: لا لي؛ لأنَّ صدقتي وقعت بيد مَن لا يستحقّها، فلك الحمد حيث كان ذلك بإرادتك، أي: لا بإرادتي، فإنَّ إرادة الله كلَّها جميلة.

قال الطّيبي: لما عزم على أن يتصدَّق على مُستحقٍّ فوضعها بيد زانيةٍ حمد الله على أنَّه لم يقدر أن يتصدَّق على مَن هو أسوأ حالًا منها، أو أجرى الحمد مجرى التَّسبيح في استعماله عند مُشاهدة ما يتعجب منه؛ تعظيمًا لله، فلمَّا تعجبوا من فعله تعجب هو أيضًا فقال: "اللهم لك الحمد، على زانيةٍ!" أي: التي تصدّقت عليها، فهو مُتعلق بمحذوفٍ انتهى. ولا يخفى بُعْد هذا الوجه، وأمَّا الذي قبله فأبعد منه، والذي يظهر الأول، وأنَّه سلَّم وفوَّض ورضي بقضاء الله، فحمد الله على تلك الحال؛ لأنَّه المحمود على جميع الحال، لا يُحمد على المكروه سواه.

وقد ثبت أنَّ النبي ﷺ كان إذا رأى ما لا يُعجبه قال: اللهم لك الحمد على كل حالٍ.

قوله: "فأُتِيَ فقيل له" في رواية الطَّبراني في "مسند الشَّاميين" عن أحمد بن عبدالوهاب، عن أبي اليمان بهذا الإسناد: "فساءه ذلك، فأُتِيَ في منامه".

وأخرجه أبو نعيم في "المستخرج" عنه، وكذا الإسماعيلي من طريق علي بن عياش، عن شعيب، وفيه تعيين أحد الاحتمالات التي ذكرها ابنُ التين وغيره.

قال الكرماني: قوله: "أُتِيَ" أي: أُري في المنام، أو سمع هاتفًا: ملكًا، أو غيره، أو أخبره نبيٌّ، أو أفتاه عالم. وقال غيره: أو أتاه ملكٌ فكلَّمه، فقد كانت الملائكةُ تُكلّم بعضهم في بعض الأمور.

وقد ظهر بالنَّقل الصَّحيح أنها كلها لم تقع إلا النَّقل الأول.

الشيخ: يعني: في النوم، نعم.

قوله: "أما صدقتك على سارقٍ" زاد أبو أمية: "فقد قُبلت"، وفي رواية موسى بن عقبة وابن لهيعة: "أما صدقتك فقد قُبلت"، وفي رواية الطبراني: "إنَّ الله قد قَبِلَ صدقتك".

وفي الحديث دلالة على أنَّ الصدقة كانت عندهم مُختصّة بأهل الحاجة من أهل الخير؛ ولهذا تعجَّبوا من الصَّدقة على الأصناف الثلاثة.

وفيه: أنَّ نيّة المتصدّق إذا كانت صالحةً قُبلت صدقته ولو لم تقع الموقع، واختلف الفقهاء في الإجزاء إذا كان ذلك في زكاة الفرض، ولا دلالة في الحديث على الإجزاء، ولا على المنع، ومن ثم أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام، ولم يجزم بالحكم.

الشيخ: والظاهر أنها حُجَّة على الإجزاء؛ فإنها قُبلت صدقته، وأُجر عليها، فدلَّ على الإجزاء، ما دام ما تعمّد خلاف الشرع في نفس الأمر، تحرى في زكاته مَن يظن أنَّه أهلٌ لها، والحمد لله يكفي، والحديث حُجَّة على ذلك؛ لأنَّه أُجر على هذا الأمر، وقُبلت صدقته، مع أنها وقعت في يد غنيٍّ، ولم يقل زكاة، ولا غير زكاة، ..... وقعت في يد سارقٍ، وفي يد زانيةٍ، وقد يكونا غير أهلٍ لذلك، وإن كانت المعصيةُ ما تمنع الصَّدقة، ولا الزكاة، لو كان السارقُ فقيرًا، أو الزانية فقيرة، جاز أن يتصدّق عليهما، وأن يُؤمرا بالتوبة والرجوع إلى الله، سواء كان قبل الحدِّ، أو بعد الحدِّ، السرقة ما تمنع، إن كان فقيرًا يُعطى صدقةً، ويُوصى بتقوى الله، ويُقام عليه الحدّ إذا رُفع إلى السلطان، و..... إن كانت زانيةً، ولو أُقيم عليها حدّ الجلد إن كانت بكرًا، أو لم يُرفع أمرها، بل ستر عليها، تصدّق عليها؛ لأنَّها فقيرة، المقصود أنَّ هذا لا يمنع، الذي يمنع الكفر إذا لم يكن من المؤلَّفة.

وأما الغني فمعلومٌ أنَّه لا يُعطى صدقة الفريضة، ولا صدقة التَّطوع، نعم يُهدى إليه إذا كان في الهدية مصلحةٌ للغني، هو ليس من أهل الصَّدقة: لا تطوعًا، ولا فرضًا، ولكن يكون من أهل الهدية إذا اقتضت المصلحةُ الهدية.

فإذا كان هذا الرجلُ قُبِلت صدقته وأُجِرَ عليها؛ لأنَّه أراد وجه الله، أراد الخير، وخفي عليه حال هؤلاء، فهذا يدلّ على أنَّ الإنسان إذا تقدّم إليه مَن أظهر الفقر، وادَّعى الفقر، وأعطاه صدقةً، وهو في نفس الأمر غنيٌّ، فصدقته مقبولة، لا يضرّه ذلك، ليس له إلا الظَّاهر.

كذلك لو أعطى إنسانًا ظاهره الإسلام، وهو يدَّعي الإسلام، وظاهره الإسلام، ولم يعلم خلاف ذلك؛ أجزأته ولو كان في نفس الأمر كافرًا عند الله، فالناس ليس لهم إلا ما ظهر، ليس لهم علم الغيب.

وهكذا مَن يطوف في الأسواق على الفُقراء يُعطيهم، وإن كان بعضهم غنيًّا كاذبًا، نعم.

وفي الحديث الصَّحيح أنَّه تقدّم إليه ﷺ رجلان جلدان يُطالبانه بالصَّدقة، فلمَّا رآهما جلدين قال: إن شئتُما أعطيتُكما، ولا حظَّ فيها لغنيٍّ، ولا لقويٍّ مُكْتَسِبٍ، فأخبرهما بالحكم الشَّرعي وأعطاهما. نعم.

س: المؤلفة قلوبهم هؤلاء يُعطيهم أفرادُ الناس، أم الأئمّة؛ إمام المسلمين؟

ج: يُعطيهم إمامُ المسلمين، ويُعطيهم أفرادُ الناس إذا رجوا فيهم الخير، ولا مانع من إعطاء غيرهم، مَن كان يعرفهم، يعرف ناسًا من سادات الناس، ومن كُبرائهم، ويرجو بعطيته أنَّ الله يُقوي إيمانه، وأنَّ الله يجعل فيه بركةً حتى يدعو الناس إلى الخير، وحتى يدعو قبيلته، ما في مانع، ما هو بشرط أن يكون الإمامُ مَن يتولَّى ذلك، نعم.

س: ............؟

ج: الله أعلم؛ لأنَّ هذا هو الذي قد يقع كثيرًا على المتصدّقين، ويريد بهذا تطمينهم أنَّ صدقتهم ماضية، والسارق والزاني حتى لو عُلما فإنَّ الصَّدقة عليهما جائزة إذا كانا فقيرين.

س: إعادة الزكاة ثلاث مرات إذا ما طابت نفسُه؟

ج: لا، هذه الصَّدقة يظهر من حاله أنها تطوع، يظهر من حال المتصدّق ..... أنَّ ظاهره أنَّه تطوع.

س: ..... هذه المرأة بأنها زانية؟

ج: كانت مشهورةً عندهم، كانت مشهورةً عند جماعةٍ من بني إسرائيل أنها بغيٌّ.

س: لو كانت .....؟

ج: أما سمعت الكلام سابقًا؟! الصَّحيح أنه لو علم أنَّه غني بعد ذلك لا يُعيدها، وقعت في محلِّها.

س: ..............؟

ج: هو أعطى مَن ظاهره الحاجة، لا بدَّ في الصَّدقة أن يُعطاها مَن ظاهره الحاجة، فالحديث محمولٌ على هذا، مَن ظاهره الحاجة.

س: الصَّدقة على مَن أظهر المعصية تكون عونًا له؟

ج: يُعطى من الصَّدقة، لا للمعصية؛ لفقره، لعلَّ الله يهديه بسبب ذلك، لكن الطّيب الخيّر أفضل منه، الطّيب المعروف بالتَّقوى أفضل، ولكن لو أعطى بعض العُصاة وتصدّق عليهم لفقرهم، مثل: مَن كان معروفًا ببعض المعاصي؛ فهو مأجورٌ على صدقته، لعلَّ الله يهديهم بسببه كما في الحديث.

س: لكن أنا أعرف أنَّ الصدقة هذه قد تُعين على شُرب خمرٍ؟

ج: ما قصدتَ أنت عونه، قصدتَ فقره، ما قصدتَ عونه على المعصية، أنت إنما تقصد عونه لفقره فقط، حتى الكافر المؤلّف قد يُعطى ويستعين بها على كفره، ما دام المقصود طيبًا لا يضرّ. نعم.

س: بدل أن يُعطى أموالًا تُشترى له المأكولات والمشروبات وتُعطى له؟

ج: كلها واحد، كلها إعانة: إطعام، أو نقود. نعم.

فإن قيل: إنَّ الخبر إنما تضمن قصّةً خاصّةً وقع الاطلاع فيها على قبول الصّدقة برؤيا صادقة اتفاقيةً، فمن أين يقع تعميم الحكم؟

فالجواب: أنَّ التنصيص في هذا الخبر على رجاء الاستعفاف هو الدال على تعدية الحكم، فيقتضي ارتباط القبول بهذه الأسباب، وفيه فضل صدقة السّر، وفضل الإخلاص، واستحباب إعادة الصّدقة إذا لم تقع الموقع، وأنَّ الحكم للظاهر حتى يتبين سواه، وبركة التَّسليم والرِّضا، وذمّ التَّضجر بالقضاء، كما قال بعضُ السلف: لا تقطع الخدمة ولو ظهر لك عدم القبول.

الشيخ: يعني: يستمر في الخير، ويسأل ربَّه القبول، وهكذا إذا ظهر لك أنَّ بعض الصَّدقات أو الأعمال ما وقعت في محلِّها جاهد حتى تقع في محلِّها، نعم.

س: قول الحافظ هنا: فإنَّ إرادة الله كلّها جميلة؟

ج: بالنسبة إليه كلّها جميلة.

س: ألا يتضمن تقرير مذهب الأشاعرة؟

ج: لا، هذا قصده إرادة الله الكونية، ..... جلَّ وعلا لا يُريد إلا الخير، له الحكمة البالغة، وهو المحمود على إرادته كلّها: القدرية، والشَّرعية، له الحكمة البالغة، لكن أنت ليس لك إلا الشرع، أنت أيها الإنسان الواجب عليك أن تأخذ بأمر الشرع، ولا تحتجّ بالقدر، وأما هو فله الحكمة البالغة في كونه أضلّ فلانًا وصار كافرًا، أو صار عاصيًا، وله الحكمة البالغة في هلاك قوم هود، وقوم صالح، وعدم هدايته لهم، له الحكمة البالغة التي يُحمد عليها .

س: ..... بالنسبة لحكمة الرب يعني؟

ج: نعم، نعم، فهو الحكيم العليم، وهو محمودٌ على كل حالٍ فيما نرضى، وفيما نكره.

باب إذا تصدّق على ابنه وهو لا يشعر

1422- حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا إسرائيل: حدثنا أبو الجويرية: أن معن بن يزيد حدَّثه قال: بايعتُ رسول الله ﷺ أنا وأبي وجدِّي، وخطب عليَّ، فأنكحني، وخاصمتُ إليه، وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدّق بها، فوضعها عند رجلٍ في المسجد، فجئتُ فأخذتُها، فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردتُ. فخاصمتُه إلى رسول الله ﷺ، فقال: لك ما نويتَ يا يزيد، ولك ما أخذتَ يا معن.

الشيخ: وهذا ظاهر في أنَّ العبد له صدقته التي نوى، ولو وقعت في غير مَن أراد، ولعلَّ ابنه كان فقيرًا؛ ولهذا جاء الوكيلُ وطلب منه الصَّدقة؛ لأنه كان فقيرًا مُحتاجًا إليها، وقال النبي ﷺ: لك ما أخذتَ يا معن، ولك ما نويتَ يا يزيد.

وهذا قد يقع في كل وقتٍ، قد يُخرج الإنسانُ صدقات، فيقع منها شيء في يد أولاده، أو أخواته، أو إخوانه، أو أعمامه، أو غيرهم من أقاربه، وهو ما أرادهم، أراد غيرهم، لكن له ما نوى، فإذا كان الذي أخذ أهلًا ذلك فالوكيل معذور إن أعطاه، مَن ظهر أنَّه أهلٌ، وهو له أجرٌ وإن كان ما أرادهم، له نيّته، مثل: قصة صاحب السارق والزانية والغني؛ ولهذا قال: لك ما نويتَ يا يزيد من الصَّدقة تبتغي وجه الله، ولك ما أخذتَ يا معن وإن كان أبوك ما أراد ذلك، أراد أجنبيًّا، نعم.

س: هل يُؤخذ من الحديث الأول عدم التَّثبت من حال المتصدَّق عليه؟

ج: لا، ما يُؤخذ، يُحمل على أنه تحرى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، ما يلزم أن يتحرى، مَن أظهر الفقر ما يلزم أن تُنقّب عنه؛ لأنَّ هذا معناه تعطيل الصدقات، وتعطيل الناس، لكن إن أعطيتَ مَن أظهر الفقر فأنت مُحسنٌ، ولو كان ما يُعطى إلا مَن ثبت فقره لتعطّلت أمور كثيرة للفقراء والمساكين، فبعض الفُقراء لا يُعرف، فقد يكون ابن سبيلٍ.

س: قوله: وخطب علي .....؟

ج: خطب له زوجه، أبوه خطب له، خطب لمعن.

س: الحديث الثاني يدلّ على أنَّ الصدقة واجبة؟

ج: ما فيه تفصيل، يحتمل أنها .....، ويحتمل أنها صدقة تطوع، فصدقة التَّطوع لا إشكالَ فيها، وإنما الخلاف في الواجب، والمعروف عند أهل العلم في شريعة محمدٍ ﷺ أنَّه لا يُعطى الولد من زكاة أبيه الفريضة، لا يُعطي ولده، ولا زوجته؛ لأنَّ النَّفقة واجبة عليه، فيجب أن يُنفق عليهم، وإنما يُعطي غيرهم من الأقارب صدقةً وصلةً، أما أولاده فعليه نفقتهم، كما قال تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]، وقول النبي ﷺ لهند: خُذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيكِ.

فالواجب على الأب إذا كان قادرًا أن يُنفق على أولاده، وأن يُنفق على زوجته، ولا يُعطيهم من الزكاة، لا يُعطيهم الزكاة .....، بل الزكاة لغيرهم، تكلّم الشارحُ على حديث معن؟

قوله: "باب إذا تصدّق" أي: الشخص "على ابنه وهو لا يشعر".

قال الزينُ بن المنير: لم يذكر جواب الشرط اختصارًا، وتقديره: جاز؛ لأنَّه يصير لعدم شعوره كالأجنبي، ومناسبة الترجمة للخبر من جهة أنَّ يزيد أعطى مَن يتصدّق عنه، ولم يحجر عليه، وكان هو السبب في وقوع الصَّدقة في يد ولده.

قال: وعبَّر في هذه الترجمة بنفي الشعور، وفي التي قبلها بنفي العلم؛ لأنَّ المتصدق في السابقة بذل وسعه في طلب إعطاء الفقير فأخطأ اجتهاده، فناسب أن ينفي عنه العلم، وأما هذا فباشر التَّصدق غيرُه فناسب أن ينفي عن صاحب الصَّدقة الشعور.

قوله: "حدثنا محمد بن يوسف" هو الفريابي، و"أبو الجويرية" بالجيم مُصغرًا اسمه: حِطان -بكسر المهملة-، وكان سماعه من معن ومعن أمير على غزاةٍ بالروم في خلافة معاوية، كما رواه أبو داود من طريق أبي الجويرية.

قوله: "أنا وأبي وجدي" اسم جده: الأخنس بن حبيب السّلمي، كما جزم به ابن حبان وغير واحدٍ، ووقع في الصحابة لـمُطَيَّن.

الشيخ: الذي أعرف: مُطَيِّن، ضبطها في "الفتح"؟ الذي أعرفه: مُطَيِّن بالتَّشديد، اسم فاعل، نعم، انظر "القاموس": طيّن، باب النون، فصل الطَّاء.

وتبعه البارودي، والطبراني، وابن منده، وأبو نعيم: أنَّ اسم جد معن بن يزيد: ثور، فترجموا في كتبهم بثور، وساقوا حديث الباب من طريق الجراح -والد وكيع-، عن أبي الجويرية، عن معن بن يزيد بن ثور السّلمي، أخرجه مطين، عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، عن جدِّه. ورواه البارودي والطبراني عن مطين، ورواه ابنُ منده عن البارودي، وأبو نعيم عن الطبراني.

وجمهور الرواة عن أبي الجويرية لم يُسمّوا جدّ معن، بل تفرد سفيان بن وكيع بذلك، وهو ضعيف، وأظنه كان فيه: عن معن بن يزيد أبي ثور السّلمي. فتصحَّفت أداةُ الكُنية بابن، فإنَّ مَعْنًا كان يُكنى: أبا ثور، فقد ذكر خليفة بن خياط في "تاريخه": أن معن بن يزيد وابنه ثورًا قُتلا يوم مرج راهط مع الضَّحاك بن قيس.

وجمع ابنُ حبان بين القولين بوجهٍ آخر، فقال في الصحابة: ثور السلمي، جدّ معن بن يزيد بن الأخنس السلمي لأمه. فإن كان ضبطه فقد زال الإشكال، والله أعلم.

ورُوي عن يزيد ابن أبي حبيب: أنَّ معن بن يزيد شهد بدرًا هو وأبوه وجدّه. ولم يُتابع على ذلك، فقد روى أحمد والطبراني من طريق صفوان بن عمرو، عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير، عن يزيد بن الأخنس السلمي: أنَّه أسلم فأسلم معه جميعُ أهله إلا امرأة واحدة أبت أن تُسلم، فأنزل الله تعالى على رسوله ﷺ: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10]، فهذا دالٌّ على أنَّ إسلامه كان مُتأخرًا؛ لأنَّ الآية مُتأخرة الإنزال عن بدرٍ قطعًا.

وقد فرَّق البغوي وغيره في الصَّحابة بين يزيد بن الأخنس، وبين يزيد والد معن، والجمهور على أنَّه هو.

قوله: "وخطب عليَّ فأنكحني" أي: طلب لي النِّكاح فأُجيب، يقال: "خطب المرأة إلى وليها" إذا أرادها الخاطبُ لنفسه، و"على فلان" إذا أرادها لغيره، والفاعل النبي ﷺ؛ لأنَّ مقصود الراوي بيان أنواع علاقاته به من المبايعة وغيرها، ولم أقف على اسم المخطوبة، ولو ورد أنها ولدت منه لضاهى بيت الصّديق في الصّحبة من جهة كونهم أربعة في نسقٍ، وقد وقع ذلك لأسامة بن زيد بن حارثة، فروى الحاكم في "المستدرك": أنَّ حارثة قدم فأسلم. وذكر الواقدي في "المغازي": أنَّ أسامة وُلد له على عهد رسول الله ﷺ. وقد تتبعت نظائر لذلك أكثرها فيه مقال، ذكرتها في "النكت على علوم الحديث" لابن الصلاح.

قوله: "وكان أبي يزيد" بالرفع على البدلية.

قوله: "فوضعها عند رجلٍ" لم أقف على اسمه، وفي السياق حذفٌ تقديره: وأذن له أن يتصدَّق بها على مُحتاجٍ إليها إذنًا مُطلقًا.

قوله: "فجئتُ فأخذتها" أي: من المأذون له في التَّصدق بها بإذنه، لا بطريق الاعتداء.

ووقع عند البيهقي من طريق أبي حمزة السّكري، عن أبي الجويرية في هذا الحديث: قلتُ له: ما كانت خصومتك؟ قال: كان رجلٌ يغشى المسجد فيتصدَّق على رجالٍ يعرفهم، فظنَّ أني بعض مَن يعرف. فذكر الحديث.

قوله: "فأتيتُه" الضَّمير لأبيه، أي: فأتيتُ أبي بالدَّنانير المذكورة.

قوله: "والله ما إياك أردتُ" يعني: لو أردتُ أنك تأخذها لناولتُها لك، ولم أوكل فيها، أو كأنَّه كان يرى أنَّ الصدقة على الولد لا تُجزئ، أو يرى أنَّ الصدقة على الأجنبي أفضل.

قوله: "فخاصمته" تفسير لقوله أولًا: "وخاصمتُ إليه".

قوله: لك ما نويتَ أي: إنك نويتَ أن تتصدق بها على مَن يحتاج إليها، وابنك يحتاج إليها، فوقعت الموقع، وإن كان لم يخطر ببالك أنَّه يأخذها.

قوله: ولك ما أخذتَ يا معن أي: لأنَّك أخذتها مُحتاجًا إليها.

قال ابنُ رشيد: الظاهر أنَّه لم يُرد بقوله: "والله ما إياك أردتُ" أي: إني أخرجتك بنيتي، وإنما أطلقتُ لمن تُجزئ عني الصدقة عليه، ولم تخطر أنت ببالي، فأمضى النبي ﷺ الإطلاق؛ لأنَّه فوَّض للوكيل بلفظٍ مُطلقٍ، فنفذ فعله.

وفيه دليلٌ على العمل بالمطلقات على إطلاقها، وإن احتمل أنَّ المطلِق لو خطر بباله فردٌ من الأفراد لقيّد اللَّفظ به، والله أعلم.

واستدلّ به على جواز دفع الصَّدقة إلى كل أصلٍ وفرعٍ، ولو كان ممن تلزمه نفقته، ولا حُجَّة فيه؛ لأنها واقعة حال، فاحتمل أن يكون معنٌ كان مُستقلًّا، لا يلزم أباه يزيد نفقته.

وسيأتي الكلام على هذه المسألة مبسوطًا في باب الزكاة على الزوج بعد ثلاثين بابًا، إن شاء الله تعالى.

وفيه جواز الافتخار بالمواهب الربانية والتَّحدث بنِعَم الله.

وفيه جواز التَّحاكم بين الأب والابن، وأنَّ ذلك بمجرده لا يكون عقوقًا.

الشيخ: وهذه فائدة كبيرة: كون الإنسان يُخاصم أباه في بعض المسائل من غير سوء أدبٍ، بل إذا أشكل عليهم شيء وترافعوا إلى القاضي فلا بأس على الصَّحيح؛ لحلِّ المشكل، بدون أذًى من الولد لأبيه، ومن دون سُوء أدبٍ، بل يرجوانِ من الحاكم أن يحكم بينهما فيما يلزم الولد أو الوالد، فإذا كان ذلك على سبيل معرفة الحكم الشَّرعي من دون أذًى للوالد، ولا سبٍّ، ولا كلامٍ لا يُناسب فلا حرج؛ لأنَّ الرسول ﷺ ما أنكر عليه مُخاصمته لأبيه.

وفيه جواز الاستخلاف في الصَّدقة، ولا سيّما صدقة التَّطوع؛ لأنَّ فيه نوع إسرار.

وفيه أنَّ للمُتصدّق أجرَ ما نواه، سواء صادف المستحقّ أو لا.

الشيخ: كما تقدّم في قصّة الرجل.

وأنَّ الأب لا رجوعَ له في الصدقة على ولده، بخلاف الهبة، والله أعلم.

س: ...........؟

ج: إذا كان مُستقلًّا، وهو فقير، ولو استقلَّ، ولو ما هو في بيته، إذا كان فقيرًا ما له أسباب تقوم بحاله، والأب غنيٌّ، وجب عليه، والتَّعليل ما هو بكافٍ، لكن يحتمل أن يزيد ما تلزمه النَّفقة؛ لأنَّه ..... عن نفقة ولده أمواله محدودة يزيد، ولكن حصل منه شيء أفضل له في الصدقة، ولكن لا تلزمه نفقة ولده؛ لأنَّ ولده كاسبٌ، ولكن لا يكفي كسبه.

أو لأنَّ الأب عاجزٌ عمَّا يلزم ولده، ولكن حصلت له هذه الصَّدقة من غير قصدٍ لولده.

الطالب: في "القاموس" قال: مُطَيِّن كمُحَدِّث، لقب محمد بن عبدالله الحافظ؛ لولعه به صغيرًا.

الشيخ: لولعه به وهو صغيرٌ كان يُطَيِّن الجدران، يطين .....

الطالب: ذكر في الحاشية ..... قال: وصوابه كمُعَظَّم كما حققه الحافظ. انتهى.

الشيخ: لعلَّ أقربها: مُطَيِّن؛ لأنَّ البزور يُطَيِّنون، ما هم يُطَيَّنون، البزور ما يُطَيَّنون بالطين، ما يُحطّ عليهم الطِّين، الغالب أنَّه مُطَيِّن بالكسر؛ لأنَّه يعبث، يحطّ على الجدار الطين، ويحطّ في كل محلٍّ الطين، أو يُطيِّن بعض ربعه، يلطخهم بالطِّين.

س: أو يُلطّخونه وصار مُطَيَّن؟

ج: إذا ثبت هذا نعم، لكن الأصل في البزور ما هو هذا، الأصل في البزور والعابثين أنهم يُطينون الجدران، ويُطينون غيرهم، نعم.

مُداخلة: ذكر مَن مرَّ به أنَّه يعبث مع الصبيان ويُطَيِّنوه، فمرّ به بعضُ الحفَّاظ فقال: أنت مُطَيَّن.

الشيخ: محتمل، محتمل، هل تم كلامه؟

الطالب: قبله يوجد شيء.

الشيخ: في "القاموس" جزم بأنَّه مُطَيِّن بالكسر، اسم فاعل، وفي الحاشية: مُطَيَّن، وهو محتمل هذا وهذا: مُطَيِّن، ومُطَيَّن، نعم.

س: .............؟

ج: محتمل، يختلف بحسب أحوال الكتابة، يختلف بحسب أحوال المتكلمين.

س: قوله: يحتمل أن يكون مَعْنٌ مُستقلًّا، لا يلزم أباه نفقته؟

ج: الاستقلال ما يكفي، مثلما تقدّم لا يكفي، ولو أنَّه في بيتٍ لحاله، لو كان فقيرًا ولو استقلَّ يلزم أباه الإنفاق عليه إذا كان الوالد غنيًّا، والابن عاجزًا ما يستطيع الكسب، مُعَطَّلًا لعلَّةٍ، أو مريضًا، أو لعلَّةٍ أخرى، أو ما وجد كسبًا، نعم.

س: هناك قولٌ بأنَّه إذا استقلَّ فلا بأس؟

ج: ما أعلم شيئًا، ظاهر كلام الحافظ ما ..... بعض الناس يقول: ما يلزمه، إن كان قويًّا ما تلزمه النَّفقة، بعض الفقهاء يقول ذلك، ولكن مقتضى الأدلة الشرعية أنه يلزمه الإنفاق، وأيش معنى صلة الرحم؟! وأيش معنى البرّ؟! وأيش معنى الإنفاق؟!

هذا إذا كان الابنُ فقيرًا عاجزًا، وكان الأبُ قادرًا.

وأيش معنى صلة الرحم إذا كان ما يُنفق عليه؟! وأيش معنى إنفاق الوالد على ولده وهو عاجز إلا هذا المعنى؟!

وهكذا لو كان إنسانٌ له أخٌ أو عمٌّ فقير، والأخ غني، أو ابن الأخ غني، ولا يُنفق، أين صلة الرحم التي أوجبها الله حينئذٍ إذا كان الأخ فقيرًا ولا يُعطيه، وهو قادرٌ على وصله؟!

صلة الرحم واجبة: لا يدخل الجنةَ قاطعُ رحمٍ، فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23].

إذا كان أخوك فقيرًا، وأنت قادرٌ، وهو عاجزٌ ما يستطيع أن يتسبّب، أو ابن أخيك، أو عمك، ومع هذا تترك الإنفاقَ عليه، هل تُسمّى: واصلًا للرحم؟! ما أظن أنَّ عاقلًا يُسمي هذا: واصلًا للرحم، بل هذا قاطعٌ.

س: وإذا كان غير مُستقلٍّ؟

ج: ولو، ما داموا فُقراء يُعطيهم، إلا إذا كان كافرًا، إذا كان كافرًا أو حُكم بكفره فهذا محلّ ..... قد يُعطى لكونه مُؤلَّفًا، قد يُعطى لتأليفه على الإسلام، أما إذا كان فاسقًا، لكن ما هو بكافرٍ، وجبت صِلته إذا احتاج، نعم.