باب تحريض النبي ﷺ على صلاة الليل والنَّوافل من غير إيجابٍ
وطرق النبي ﷺ فاطمة وعليًّا رضي الله عنهما ليلةً للصَّلاة.
1126- حدثنا محمد بن مُقاتل: أخبرنا عبدالله: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن هند بنت الحارث، عن أمِّ سلمة رضي الله عنها: أنَّ النبي ﷺ استيقظ ليلةً، فقال: سبحان الله! ماذا أُنزل الليلة من الفتنة؟ ماذا أُنزل من الخزائن؟ مَن يُوقِظ صواحب الحجرات؟ يا رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عارية في الآخرة.
1127- حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شُعيب، عن الزهري قال: أخبرني علي بن حسين: أنَّ حسين بن عليٍّ أخبره: أنَّ علي بن أبي طالب أخبره: أنَّ رسول الله ﷺ طرقه وفاطمة -بنت النبي - ليلةً، فقال: ألا تُصليان؟ فقلت: يا رسول الله، أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا. فانصرف حين قلنا ذلك ولم يرجع إليَّ شيئًا، ثم سمعتُه وهو مُولٍّ يضرب فخذه وهو يقول: وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54].
الشيخ: وهذه الأخبار تدلّ على شرعية التَّهجد بالليل، وأنَّه ينبغي للمؤمن أن يُوقِظ أهله، وأن يُشجّعهم على العبادة، وهكذا إخوانه وأصحابه يُشجّعهم على العمل الصَّالح، ولا سيّما التَّهجد في الليل؛ فإنَّه من أفضل القُربات، وصلاة الليل دأب الأخيار، دأب الصَّالحين قبلنا، دأب الأنبياء والأخيار كما في الحديث الصَّحيح.
فينبغي للمؤمن أن يكون له حظٌّ من الليل؛ ولهذا رغَّب في ذلك عليه الصلاة والسلام وقال: مَن يُوقِظ صواحب الحجرات؟ يا رُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة، وقال: ماذا أُنزل من الفتن؟ وماذا أُنزل من الخزائن؟.
فالمقصود من هذا التَّحذير من الركون إلى الدنيا والغفلة، وأنَّ هناك فتنًا، وهناك أموالًا، وهناك أشياء تُفتح على الناس، فينبغي للمؤمن ألا يشغله مالٌ، أو ولدٌ، أو سلطانٌ، أو ولايةٌ، أو غير ذلك عن الإعداد للآخرة، وأنَّ الإنسان يُفتن بالمال، يُفتن بالولد، يُفتن بالوظائف، يُفتن بغير ذلك، فينبغي له أن يأخذ حذره، ولا تشغله فتنة مالٍ، أو فتنة ولدٍ، أو أهل، أو وظيفة، أو غير ذلك عن الإعداد للآخرة، وعن الحذر من أسباب الفتنة والركون إلى هذه الدَّار.
وفي خبر عليٍّ دلالة على أنَّه ينبغي للمؤمن إذا وُعِظَ أن يتَّعظ، ويسأل الله العون، ويسأل الله التوفيق؛ لأنَّ الرسول مرَّ على عليٍّ وفاطمة وقال: ألا تُصليان؟ ألا تقومان فتُصليان؛ حثٌّ لهما على الصَّلاة في الليل، فقال علي: "إنما أنفسنا بيد الله، فمتى شاء بعثها"، فلم يكن من المناسب أن يصدر هذا من عليٍّ؛ ولهذا انصرف النبيُّ ﷺ وهو ساكتٌ، ويضرب فخذه ويقول: وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54] يعني: يحتجّ بالقدر.
كان الأولى أن يقول: نسأل الله العون، نسأل الله التوفيق، نسأل الله أن يُعيننا، نسأل الله أن يُوفقنا. هذا المناسب عندما يُوعظ، لو قال له: صلِّ، اتَّقِ الله، اجتهد في الخيرات. يقول: اللهم عونك، اللهم أعنَّا، نسأل الله العون، نسأل الله أن يُعيننا.
ما يقول: هذا شيء بقدر الله .....، يحتجّ بالقدر! ما يحتجّ بالقدر على ترك الطَّاعات، ولا على فعل المعاصي، ولكن يحتجّ بالقدر على المصائب؛ حتى يتعزّى الإنسان ويتسلّى، فعند المصيبة يحتجّ بالقدر، كما قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:155-156].
وفي حديث أبي هريرة: وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلتُ كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فعند المصيبة يحتجّ بالقدر: قدر الله وما شاء فعل، إنا لله وإنا إليه راجعون.
ولا يحتجّ بالقدر عند المعاصي والكسل، بل يقول: أسأل الله العون، أسأل الله التوفيق، ادعُ الله لي يا أخي بالتوفيق، سَلِ الله لي الإعانة؛ ولهذا لما قال عليٌّ : "إنما أنفسنا بيد الله، يبعثها إذا شاء" انصرف النبي ﷺ وسكت، ولم يردّ عليه، وجعل يضرب بيده على فخذه ويقول: وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا.
وصلاة الليل لها أثرها في صلاح القلوب واستقامتها مع الله ، قال سبحانه في وصف عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64]، ويقول في وصف الأخيار: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18]، هكذا المتقون.
ويقول لنبيه ﷺ: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:1-4]، إلى غير هذا من الآيات، نعم.
س: قوله: يا رُبّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة؟
ج: وعيدٌ، من باب التَّحذير من الإخلاد إلى الدنيا والتَّساهل: رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا من نِعَم الله، عارية في الآخرة من شُكرها والقيام بحقِّها، أو كاسية بالملابس، عارية في المعنى، لم تستتر الستر المطلوب، ولم تقم بالواجب، وهو الحجاب.
والحاصل أنَّ هذا وعيدٌ يشمل الكُسوة المعنوية، والكسوة الحسيّة، والواجب على كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ أن يقوم بالمعنيين: الكسوة الحسيّة بستر العورة، والكسوة المعنوية بلباس التَّقوى والاستقامة على دين الله: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]، نعم.
س: الوقوع في المعاصي أليس من المصائب؟
ج: المصائب التي من جنايته، من فعله هو وتعديه، فلا يحتجّ عليها بالقدر، بخلاف المصائب التي من فعل الله.
لكن بعد التَّوبة لا بأس إذا تاب ولامه أحدٌ أن يحتجّ بأنَّه بأمر الله، وبقدر الله، والحمد لله، قد تبتُ من ذلك والحمد لله. كما احتجّ آدمُ بالقدر لما قال له موسى: أنت آدم أبو البشر، أخرجتنا وذُريتك من الجنة!، قال: أتلومني على ما كتب الله عليَّ قبل أن أُخلق بأربعين سنة؟! قال: فحجّ آدمُ موسى، فحجّ آدمُ موسى؛ لأنَّه لامه بعدما تاب إلى الله ورجع إليه ، فالتَّائب لا يُلام، نعم.
س: آدم احتجَّ بالتوبة أو بالمصيبة؟
ج: إن كان على الذَّنب فقد تاب منه، وإن كان على المصيبة -كما قال جماعةٌ آخرون من أهل العلم- فالمصيبة ليست من أمره، أمرها بيد الله، هو فعل الذَّنب، أما كونه أُخرج من الجنة فهذا إلى الله، وليس إليه.
س: احتجّ آدمُ بأي شيءٍ؟
ج: على الأمرين: أنَّه لامه على المصيبة وليست بيده، أو على المعصية وقد تاب منها، فلا يُلام التائب، ولا يُلام على المصيبة، إنما يُلام على فعله من سائر المعاصي، نعم.
الشيخ: هي قالت حسب علمها في سبحة الضُّحى، وقد حفظ غيرها أنَّه سبّح للضُّحى -صلاة الضحى- في بعض ..... كما روت ذلك أمُّ هانئ في "الصحيحين"، وهي نفسها روت ذلك، ولكنَّها نسيت، فقد ثبت في رواية مسلم عنها رضي الله عنها أنها قالت: "كان النبيُّ يُصلي الضُّحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله"، فلعلها نسيت رضي الله عنها، أو ذكرت وقالت هذا الكلام بعد ذلك.
وأمَّا كونه يترك العمل بعض الأحيان ويُحبّ أن يعمله؛ لئلا يشقّ على أمّته، هذا من رحمته عليه الصلاة والسلام وحرصه على التَّيسير على أمّته: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، ومن هذا لما قام بهم ليالٍ في رمضان، ترك ذلك وقال: إني خشيتُ أن تُفرض عليكم صلاة الليل، فصلُّوا في بيوتكم، اللهم صلِّ عليه.
س: وقت الضُّحى؟
ج: صلاة الضُّحى من ارتفاع الشمس إلى قُرب الزَّوال، إلى ما قبل الزوال بقليلٍ، وقت وقوف الشمس، كل هذا صلاة ضحى، ولكن أفضلها إذا اشتدّ الضُّحى، أفضل صلاة الضُّحى إذا اشتدَّ الضُّحى وارتفع النَّهار؛ لقوله ﷺ: صلاة الأوَّابين حين ترمض الفِصال. رواه مسلم، يعني: حين تشتدّ الشمسُ على أولاد الإبل.
س: الركعتان اللَّتان ..... عقب الدَّرس تُعتبر من الضُّحى؟
ج: صلاة الضُّحى، نعم.
س: ..............؟
ج: لا، أقلّ كما ذكر العلماء، أقلّ: ربع الساعة أو حولها؛ لأنها عند توسّط الشمس في السَّماء، حين توسّطها قبل أن تميل إلى الغرب، نعم، وهي مدّة قليلة، وقت النَّهي في وسط النَّهار قليل، ضيّق.
الشيخ: فلمَّا أمن الوحي -انقطع الوحي- وتُوفي النبي ﷺ أقامها الصحابةُ: صلاة التراويح، واستمروا عليها في عهد عمر وما بعده؛ لأنَّ العِلّة زالت: خوف أن تُفرض عليهم، والنبي ﷺ حثَّ على قيام رمضان، وأوصى به، وكان يُحيي الليل في العشر الأخير عليه الصلاة والسلام، نعم.
س: ما يكون قد أمن من كونها تُفرض .....؟
ج: خوفه ما يقتضي هذا، هذه خمس صلوات .....، نعم.
س: صلاة الإشراق هي نفسها صلاة الضُّحى، أو بينهما فرق؟
ج: ما سمعت الجواب قبلك؟! الجواب قريب، قبل نصف دقيقة أجبتُ، صلاة الإشراق من الضُّحى، إذا ارتفعت الشمسُ هذا أول وقت الضُّحى، إلى قُرب الزوال، كلّ هذا يُقال له: صلاة الضُّحى، من حين ارتفاع الشمس قيد رمحٍ إلى قُرب الزوال، قبل الزوال بنحو ربع ساعة، أو ثلث ساعة تقريبًا.
س: تسميتها بصلاة الإشراق؟
ج: هذا عُرفٌ عامّي، ما أعرف له أصلًا.
باب: قيام النبي ﷺ الليل
وقالت عائشةُ رضي الله عنها: كان يقوم حتى تفطّر قدماه.
والفطور: الشُّقوق: انْفَطَرَتْ [الانفطار:1]: انشقّت.
1130- حدثنا أبو نُعيم، قال: حدثنا مسعر، عن زيادٍ قال: سمعتُ المغيرة يقول: إن كان النبي ﷺ ليقوم ليُصلِّي حتى ترم قدماه -أو ساقاه-، فيُقال له، فيقول: أفلا أكون عبدًا شكورًا؟.
الشيخ: وهذا من عظيم عنايته بأمر الله، وحرصه على طاعته عليه الصلاة والسلام، وشفقته من ربِّه، كان يُكثر العمل، ويُطيل العمل عليه الصلاة والسلام، ويقول: أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له؛ ولهذا ربما قام من الليل حتى ترم قدماه، حتى تتفطّر قدماه من طول القيام.
وقد سبق ما ذُكر في حديث حُذيفة: أنَّه ﷺ قام ليلةً بالبقرة والنِّساء وآل عمران، في ليلةٍ، هذه السور الثلاث الطَّويلة خمسة أجزاء وزيادة، ومع هذا يقف عند كل آيةٍ فيها تسبيح فيُسبّح، أو فيها دُعاء فيدعو، أو سؤال، أو استعاذة، قالت عائشةُ رضي الله عنها: أنَّه كان يسجد السَّجدة بقدر ما يقرأ أحدُكم فيها خمسين آية. في سجدته عليه الصلاة والسلام، وهذا يدلّ على أنَّه كان يُطيل في تهجده بالليل عليه الصلاة والسَّلام.
ولكنه يأمر الأمّة بألا يكلفوا إلا ما يُطيقون، كلٌّ منا مأمورٌ بألَّا يُكلِّف نفسَه فوق طاقته حتى لا يملّ، كما قال للمرأة التي كانت تُطيل في صلاتها: مَهْ، اكلفوا من العمل ما تُطيقون، فإنَّ الله لا يملّ حتى تملّوا.
فالمؤمن والمؤمنة كلاهما مأمورٌ بالرفق في نفسه حتى لا يملّ العبادة، حتى لا يستنكف عنها، حتى لا يكرهها، يُصلي طاقته، ويصوم طاقته، ويُسبّح طاقته، وهكذا بقية الأعمال الصَّالحة، يتحرى نشاطه وقوّته، وإذا ملَّ وكسل ترك.
وهكذا الأوقات التي ينشط فيها يعمل فيها، والأوقات التي ليس فيها نشاط يدع، حتى يأتي العبادة وهو راغبٌ مُحِبٌّ لها، مُشْتَهٍ لها؛ يأنس بها، ويرتاح لها: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، ويقول جلَّ وعلا: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:60-61].
فالمسارعة والمسابقة مطلوبة، لكن مع تحري الرِّفق وعدم المشقّة، نعم.
مُداخلة: حفظك الله يا شيخ، بالنسبة لتسمية صلاة الضُّحى بالإشراق: ورد عن ابن عباسٍ أنَّه قال: إنها لفي كتاب الله، وما يغوص عليها إلا غوّاص، قال تعالى: يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ [ص:18] ..... ابن عباس عن صلاة الضُّحى هذه التَّسمية؟
الشيخ: الله أعلم، قد يكون العامَّة أخذوها من كلام ابن عباس، هي صلاة الضُّحى وانتهينا .....
باب مَن نام عند السَّحر
1131- حدثنا علي بن عبدالله، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عمرو بن دينار: أنَّ عمرو بن أوس أخبره: أنَّ عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أخبره: أنَّ رسول الله ﷺ قال له: أحبُّ الصَّلاة إلى الله صلاة داود ، وأحبُّ الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يومًا، ويُفطر يومًا.
1132- حدثني عبدان، قال: أخبرني أبي، عن شعبة، عن أشعث: سمعتُ أبي قال: سمعتُ مسروقًا قال: سألتُ عائشةَ رضي الله عنها: أيّ العمل كان أحبّ إلى النبي ﷺ؟ قالت: "الدَّائم"، قلت: متى كان يقوم؟ قالت: "كان يقوم إذا سمع الصَّارخ".
الشيخ: "الدَّائم" يعني: المستمرّ، كما في الحديث الآخر: أحبّ العمل إلى الله أدومه وإن قلَّ، فيُستحبّ للمؤمن في الأعمال الصَّالحة أن يُديمها ويُلازمها حتى تكون سجيَّةً له، لا يدعها، ولو كانت قليلةً، تهجّده بالليل ولو بخمس ركعات، أو ثلاث ركعات أفضل من كونه تارةً يقوم، وتارةً لا يقوم، وكونه يستمرّ في صلاة الضُّحى على ركعتين أفضل من كونه تارةً يُصلي ركعتين، وتارةً ما يُصلي شيئًا، وتارةً يُصلي أربعًا، وتارةً يُصلي ستًّا، كلّما داوم على العمل فهو أنفع له. نعم.
س: الصَّارخ أيش هو؟
ج: الصَّارخ: الدِّيك، كان بعضُ الدّيكة له عناية بتقطيع الليل في أوله، وفي وسطه، وفي آخره، ومعناه: أنه يقوم في آخر الليل، في الثلث الأخير؛ لأنَّ الكثير من الدّيكة يقومون فيُنادون بالأذان إذا بقي ثلث الليل تقريبًا، ويستمرّ إلى الفجر وهو يصيح، سبحان الله! ما أعظم شأنه!
س: المراد بالمداومة جنس العمل، أو عدد الرَّكعات؟
ج: جنس العمل ولو قلَّ، لكن إذا داوم على شيءٍ وأثبته وإن زاد بعض الأحيان لا بأس.
حدثنا محمد بن سلام، قال: أخبرنا أبو الأحوص، عن الأشعث قال: إذا سمع الصَّارخ قام فصلَّى.
1133- حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: ذكر أبي، عن أبي سلمة، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: "ما ألفاه السَّحَر عندي إلا نائمًا" تعني النبي ﷺ.
الشيخ: أيش قال عليه الشارح؟
قوله: "ما ألفاه" بالفاء، أي: وجده، والسَّحَر مرفوعٌ بأنَّه فاعله، والمراد نومه بعد القيام الذي مبدؤه عند سماع الصَّارخ؛ جمعًا بينها وبين رواية مسروق التي قبلها.
قوله: "تعني النبي ﷺ" في رواية محمد بن بشر، عن سعد بن إبراهيم عند مسلم: "ما ألفى رسول الله ﷺ السَّحَر على فراشي -أو عندي- إلا نائمًا".
وأخرجه الإسماعيلي، عن محمود الواسطي، عن زكريا بن يحيى، عن إبراهيم بن سعد بلفظ: "ما ألفى النبي ﷺ عندي بالأسحار إلا وهو نائم"، وفي هذا التَّصريح برفع الحديث.
تنبيه: قال ابنُ التين: قولها: "إلا نائمًا" تعني: مُضطجعًا على جنبه؛ لأنَّها قالت في حديثٍ آخر: "فإن كنتُ يقظانة حدَّثني، وإلا اضطجع". انتهى.
وتعقبه ابنُ رشيد بأنَّه لا ضرورةَ لحمل هذا التأويل؛ لأنَّ السياق ظاهرٌ في النوم حقيقةً، وظاهر في المداومة على ذلك، ولا يلزم من أنَّه كان ربما لم ينم وقت السَّحر هذا التأويل، فدار الأمر بين حمل النوم على مجاز التَّشبيه، أو حمل التَّعميم على إرادة التَّخصيص، والثاني أرجح، وإليه ميل البخاري؛ لأنَّه ترجم بقوله: "مَن نام عند السَّحَر"، ثم ترجم عقبه بقوله: "مَن تسحر فلم ينم"، فأومأ إلى تخصيص رمضان من غيره، فكأنَّ العادة جرت في جميع السنة أنَّه كان ينام عند السَّحر إلا في رمضان، فإنَّه كان يتشاغل بالسّحور في آخر الليل، ثم يخرج إلى صلاة الصبح عقبه.
وقال ابنُ بطال: النوم وقت السّحر كان يفعله النبي ﷺ في الليالي الطِّوال، وفي غير شهر رمضان. كذا قال، ويحتاج في إخراج الليالي القِصار إلى دليلٍ.
الشيخ: أقرب ما يكون في هذا أمران:
أحدهما: أنَّ مُرادها أنَّه كان ينام، فإذا جاء السَّحر استيقظ؛ لأنَّه استقرّ وتره في آخر الليل، كان يبقى نائمًا حتى يجيء السَّحر، فيُوفيه السَّحر وهو نائم، ثم يقوم للتَّهجد في آخر الليل، في الثلث الأخير، ويكون ما أوفاه السَّحر إلا نائمًا، يعني: أول السَّحر، يكون في أول السَّحر نائمًا، ثم يستيقظ ويقوم آخر الليل؛ ولهذا ذكرت في حديثها الآخر: أنَّه أوتر من أوله، ومن وسطه، واستقرّ وتره آخر الليل في السَّحر عليه الصلاة والسلام، فيكون يُوفيه السَّحر وهو نائم في أول الثلث الأخير، فيقوم ويعمر الثلث الأخير بالعبادة. وهذا أظهر، تقول: لافٍ، "ألفاه السَّحر" يعني: أنَّه أول السَّحر يأتيه وهو نائم، فيستيقظ ويقوم لورده حينما يصرخ الصَّارخ، والصَّارخ له حالات، من آخر أذانه عند قُرب الثلث الأخير يقوم، وهذا أظهر.
والأمر الثاني: أنَّ مُرادها نومه الأخير الذي يكون بعدما يفرغ من صلاته، فإنَّه يضطجع على شقِّه الأيمن، ينام بعض الشيء، كما كان داود ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، فالرسول ﷺ كان يفعل فعل داود: يتهجد السدس الرابع والسدس الخامس، ثم ينام شيئًا قليلًا قبل الفجر؛ ليتقوّى به على أعمال النَّهار، فيكون السدس الأخير هو آخر الليل فينام فيه، عندما يكون في لياليها يكون هذا السدس محلّ نومٍ بعد فراغه واضطجاعه على شقِّه الأيمن.
والأول أظهر: أنَّه ﷺ كان ينام قبل ذلك، فإذا جاء السَّحر قام وتهجد في آخر الليل؛ لأنَّ هذا يُفسّره حديثها الآخر: "من كلّ الليل قد أوتر رسولُ الله: من أوله، وأوسطه، وآخره، فانتهى وترُه إلى السَّحر"، هكذا جاء في "الصحيحين" عنه.
والجمع بين الروايتين: أنَّ السَّحر هو محلّ يقظته، وما قبله من الليل هو محلّ نومه، فإذا ..... السَّحر وهو نائم قام عليه الصَّلاة والسَّلام.
أيش قال على "الصَّارخ"؟
الطالب: قال: قوله: "الصَّارخ" أي: الدّيك.
الشيخ: فقط؟ ما تكلّم زيادةً؟
الطالب: وقع في "مسند الطيالسي" في هذا الحديث: الصَّارخ: الدّيك، والصَّرخة: الصَّيحة الشَّديدة، وجرت العادة بأنَّ الدّيك يصيح عند نصف الليل غالبًا.
قال محمد بن ناصر: قال ابنُ التين: وهو مُوافق لقول ابن عباس: نصف الليل، أو قبله بقليلٍ، أو بعده بقليلٍ.
قال ابنُ بطال: الصَّارخ يصرخ عند الثلث، فكان داود يتحرى الوقت الذي يُنادي اللهُ فيه: هل من سائلٍ؟. كذا قال، والمراد بالدَّوام: قيامه كل ليلةٍ في ذلك الوقت .....
الشيخ: طيب، بركة.
............