باب بسط الثوب في الصَّلاة للسُّجود
1208- حدثنا مسدد: حدثنا بشر: حدثنا غالب القطان، عن بكر بن عبدالله، عن أنس بن مالك قال: كنا نُصلي مع النبي ﷺ في شدّة الحرِّ، فإذا لم يستطع أحدُنا أن يُمكّن وجهه من الأرض بسط ثوبَه فسجد عليه.
الشيخ: وهذا يدلّ على أنَّه لا حرجَ في كون الإنسان يجعل بينه وبين الأرض شيئًا يقيه حرَّها وبردَها، فالنبي ﷺ كان يُبرد في الظُّهر من شدّة الحرِّ، كان يُبرد، ولكن مع هذا تبقى بعض الحرارة، وحرارة الأرض أيضًا، فإذا شقَّ عليهم ذلك بسط الإنسانُ ثوبَه وسجد عليه، فدلّ على أنَّه لا حرجَ في كونه يبسط طرفَ عمامته، أو طرف غترته، أو طرف بشته ويسجد عليه، لا حرجَ في ذلك عند الحاجة، نعم.
باب ما يجوز من العمل في الصَّلاة
1209- حدثنا عبدالله بن مسلمة: حدثنا مالك، عن أبي النَّضر، عن أبي سلمة، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كنت أمدّ رجلي في قبلة النبي ﷺ وهو يُصلي، فإذا سجد غمزني فرفعتُها، فإذا قام مددتُها.
الشيخ: وهذا يدلّ على أنَّ جنس العمل اليسير يُعفا عنه، كون المصلِّي يُنبّه بيده على شيءٍ لإزالته، أو يمسّ رِجل النَّائم حتى يكفَّها ليسجد، أو يُزيل شيئًا من محلِّ السجود حتى يسجد، أو ما أشبه ذلك من الأعمال اليسيرة يُعفا عنه، الأعمال اليسيرة في الصَّلاة يُعفا عنها.
وفي هذا أنَّه ﷺ كان مُتواضعًا وحسن العِشرة مع أهله؛ تنام زوجتُه أمامه ولا يرى في هذا غضاضة، تمدّ رِجلها أمامه ويُصلي، ولا يرى في هذا غضاضة، من باب التَّسامح بين الرجل وأهله وعدم التَّكلف، فإذا سجد غمز رِجلها فكفّتها، وإذا قام مدّتها.
وكان إذا لم يبقَ عليه إلا الوتر أيقظها؛ لتقوم فتُوتر.
وفي هذا حُسن المعاشرة مع الأهل، وعدم التَّكلف، وعدم الشّدة، وعدم العنف، وأن يكون الزوجُ مع أهله لينًا، حسن الخلق، حسن الفعل، كما قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19].
وكان ﷺ طيّب الخلق مع أهله، طيب الكلام مع أهله، ليس بفظٍّ، ولا غليظٍ عليه الصلاة والسلام، ولا شديد الكلام، بل لطيف، كما قال عليه الصلاة والسلام: خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي، خيارُكم خيارُكم لنسائهم، نعم.
الشيخ: فذعته؟ ضبطها؟
قارئ المتن: يأتي ضبطه بعد.
الشيخ: نعم.
ولقد هممتُ أن أوثقه إلى ساريةٍ حتى تُصبحوا فتنظروا إليه، فذكرتُ قول سليمان : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص:35]، فردَّه الله خاسِئًا.
ثم قال النَّضر بن شُميل: فذعته بالذال، أي: خنقتُه، وفدعته من قول الله: يَوْمَ يُدَعُّونَ [الطور:13] أي: يُدفعون. والصواب: فدعته، إلا أنَّه كذا قال، بتشديد العين والتاء.
الشيخ: والمعنى مثلما تقدّم، مثلما بيّن خنقه، هذا فيه أنَّه جاء الشيطانُ إليه ليُشوش عليه صلاته، وليقطع عليه صلاته، يعني: أحد الشَّياطين، فأعانه الله عليه حتى أمسكه وخنقه، وفي اللَّفظ الآخر: حتى سال لعابُه بين أصابعي عليه الصلاة والسلام.
وهممتُ أن أربطه في ساريةٍ من سواري المدينة، حتى يلعب به صبيانُ المدينة، ثم ذكرتُ قول أخي سليمان: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، فأطلقتُه؛ لأنَّ الله سخّر الجنَّ لسليمان يتصرّف فيهم، وخصَّه الله بهذا الملك.
فالمقصود أنَّ الشيطان قد يتسلّط على خير الخلق، وأفضل الخلق، فكيف بغيره؟
ولكنَّ الله يُعينه عليه، وقد قال ﷺ: ما منكم من أحدٍ إلا ومعه قرينه من الملائكة، وقرينه من الشَّياطين، قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا، إلا أنَّ الله أعانني عليه فأسلم، قيل: معناه: ذلَّ وانقاد. وقيل: معناه: دخل في الإسلام.
والمقصود أنَّ جنس هذا العمل لا يضرّ: كون الإنسان يدفع مَن يُريد أذاه، أو مَن يُريد المرور بين يديه يردّه لا يضرّ صلاته، أو إنسان أتى إليه ليضربه فأمسكه أو دفعه لا يضرّ صلاته، نعم.
باب إذا انفلتت الدَّابةُ في الصَّلاة
وقال قتادة: إن أخذ ثوبَه يتبع السَّارق، ويدع الصَّلاة.
1211- حدثنا آدم: حدثنا شعبة: حدثنا الأزرق بن قيس، قال: كنا بالأهواز نُقاتل الحرورية، فبينا أنا على جرف نهرٍ إذا رجل يُصلِّي، وإذا لجام دابّته بيده، فجعلت الدابَّةُ تُنازعه، وجعل يتبعها -قال شُعبة: هو أبو برزة الأسلمي-، فجعل رجلٌ من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ. فلمَّا انصرف الشيخُ قال: إني سمعتُ قولكم، وإني غزوتُ مع رسول الله ﷺ ستَّ غزوات -أو سبع غزوات- وثماني -في الشرح: أو ثمان- وشهدتُ تيسيره، وإني إن كنتُ أن أراجع مع دابَّتي أحبّ إليَّ من أن أدعها ترجع إلى مألفها فيشقّ عليَّ.
الشيخ: هذا كلّه يدلّ على التَّسامح في مثل هذا، أبو برزة الأسلمي تُنازعه دابَّتُه وهو يُصلي، فجعل يُلاينها ويمشي معها بعض الشيء وهو في صلاته، لا يضرّه هذا، مثلما يمشي الإنسانُ لسدِّ الخلل في الصَّلاة، مثلما تقدّم النبيُّ ﷺ وهو يُصلي، وصار في مكان أبي بكر، وتأخّر أبو بكر في الصَّلاة.
كلّ هذه المسائل مما يسّر الله فيها، ولم يجعلها حرجًا، فالإنسان إذا تقدّم، أو تأخّر، أو مشى مع دابَّته حتى لا تنفلت وهو يُصلي لا حرجَ عليه في ذلك.
وهكذا لو قتل عقربًا أو حيةً في الصلاة؛ لحديث: اقتلوا الأسودين في الصَّلاة: الحية، والعقرب، لا يضرّه ذلك.
كما لو تقدّم يردّ المارّ، أو يسدّ الفُرجة، كلّ هذا بحمد الله يُعدّ شيئًا يسيرًا، ومثلما تقدّم بالصفوف في صلاة الكسوف، تقدّمت الصفوف، وتأخّرت الصفوف، ومدّ يده يتناول عنقودًا فلم يظفر بذلك.
وإذا لم يتيسر ذلك إلا بقطعها قطعها، كما لو نهب السارقُ رداءه، أو بشته، يقطعها ويلحق به، الصَّلاة يمكن أن تُعاد، والسارق يفوت، فإذا كان الشيء يفوت يقطع الصَّلاة، أو إنسان يخشى أنَّه قد يغرق فينزل يُنقذه، أو يمنعه من سقوطٍ فيه مهلكة، أو عدو يخشى منه، فيفرّ منه، لا بأس، والصَّلاة تُعاد والحمد لله.
س: .............؟
ج: هذا يُؤجر، مأمورٌ بسدِّ الخلل.
مُداخلة: قوله: أن أُراجع في الشَّرح: أرجع؟
الشيخ: نعم، يعني: يتبعها، ما ضبطه في الشَّرح؟
قارئ المتن: ............
الشيخ: "أرجع" أظهر من "أراجع"، "أرجع" يعني: أمشي معها.
الشيخ: وهذا الشَّاهد في كونه تقدّم وتأخّر ومدّ يده للعنقود، هذا يدلّ على التَّسامح في مثل هذا، ومثل: لو تزاحمت الصفوف، فقال مَن وراء الناس: تقدَّموا. وضاق المسجدُ، فيتقدّم الإمامُ، ويتقدَّمون وهم في الصَّلاة، يتقدَّمون إلى إمامهم حتى يُوسِّعوا لمن خلفهم، من جنس هذا.
وفي هذا أنَّه ﷺ أُري الجنة والنار، مُثِّلتا له وهو يُصلي، رأى النار يحطم بعضُها بعضًا -نسأل الله العافية- حقيقةً، ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي أمير مكّة -أمير خزاعة- يُعذَّب، يجرّ قصبَه في النار -نسأل الله العافية-؛ لأنَّه أول مَن سيّب السَّوائب للأصنام، وغيّر دين إبراهيم، نسأل الله العافية.
ورأى فيها سارقَ الحجيج، كما في الرواية الأخرى: كان واحدٌ يسرق الحاجَّ، معه مشعاب، والمشعاب معروفٌ: عصا محنيّة الرأس، يمرّ من عند الحجاج، أو من عند مطاياهم –أثاثهم-، ينشل بمشعابه بعض ما تيسر من أثاثهم وهو يمشي معهم، فإذا فطنوا له قال: ما قصدتُ، جرَّه المشعابُ، ما قصدتُ. وإذا لم يفطنوا له ذهب بما أخذ، قال: رأيتُه بالنار يُعذَّب بمشعابه.
ورأى امرأةً حبست هرَّةً، رآها تُعذَّب في النار أيضًا؛ لأنَّها حبستها ولم تُطعمها، ولم تسقها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعًا، فعذَّبها الله بذلك، إذا كان مَن حبس هرةً يُعذَّب، فكيف بمَن حبس شاةً أو بعيرًا؟! وكيف بمَن حبس بني آدم بغير حقٍّ؟! وكيف يكون عذابه؟!
هرّة تُعذَّب فيها امرأة، فكيف إذا حبس ما هو أنفع من الهرّة، وأطيب من الهرّة، من شاةٍ، أو بقرةٍ، أو بعيرٍ؟! وكيف بمَن حبس آدميًّا معصومًا مسلمًا، وآذاه بغير حقٍّ؟! وكيف بمَن قتله؟! الأمر عظيم، نسأل الله السَّلامة.
س: طيور الزينة تدخل في الحبس؟
ج: لا، هذه إذا صار يُطعمها ويسقيها ما عليه، هذا ما أطعمها ولا سقاها، أمَّا ..... إذا كان يُطعمه ويسقيه ما فيه شيء، أو الحمام، نعم.
باب ما يجوز من البصاق والنَّفخ في الصَّلاة
ويُذكر عن عبدالله بن عمرو: نفخ النبيُّ ﷺ في سجوده في كسوفٍ.
1213- حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبي ﷺ رأى نخامةً في قبلة المسجد، فتغيّظ على أهل المسجد، وقال: إنَّ الله قبل أحدكم، فإذا كان في صلاته فلا يبزقنَّ، أو قال: لا يتنخّمَنَّ، ثم نزل فحتَّها بيده.
وقال ابنُ عمر رضي الله عنهما: إذا بزق أحدُكم فليبزق على يساره.
1214- حدثنا محمد: حدثنا غندر: حدثنا شُعبة، قال: سمعتُ قتادة، عن أنس بن مالك ، عن النبي ﷺ قال: إذا كان في الصَّلاة فإنه يُناجي ربَّه، فلا يبزقنَّ بين يديه، ولا عن يمينه، ولكن عن شماله تحت قدمه اليُسرى.
الشيخ: وهذا يُبين لنا سُنته ﷺ في هذا المقام العظيم، وأنَّ السنة تنزيه المساجد وتنظيفها عن القذر والنّخامة والبصاق، حتى قال في الحديث الآخر: البصاق في المسجد خطيئة، وكفَّارتها دفنها.
ولما رأى هذه النّخامة في المسجد حكَّها، وأنكر عليهم وقال: إنَّ أحدكم إذا قام يُصلِّي فإنَّه يُناجي ربَّه، وفي اللَّفظ الآخر: فإنَّ الله قِبَل وجهه، فلا يبصقنَّ أمامه، ولا عن يمينه، ولكن عن شماله، أو تحت قدمه، هذا هو الأدب الشَّرعي: أن تكون خاشعًا لله، خاضعًا بين يديه، تُناجيه، ولا يليق بك العبث، ولا يليق بك البصاق ولا النّخامة أمامك، وإذا دعت الحاجةُ تبصق عن يسارك في غير المسجد، وفي المسجد تبصق في ثوبك، في منديلك؛ ولهذا في الرِّواية الأخرى: أو تقول هكذا وأخذ بطرف ثوبه، وبصق في طرف ثوبه، وجعل يضمّ بعضَه إلى بعضٍ.
وقوله: قِبَل وجهه لا مُنافاة فيه، فهو سبحانه فوقنا، فوق العرش، في العلو، وهو قِبَل وجه المصلِّي، أينما كنت أيّها المصلِّي فالله قِبَل وجهك، وهو فوقك، فوق العرش، فوق جميع الخلق، وهو موصوفٌ بالعلو، وفوق العرش، قد استوى عليه كما يليق به ، وهو قِبَل وجه عبده المصلِّي، أينما كان المصلِّي فالله قِبَل وجهه، والله فوق العرش، لا تنافي بين هذا وهذا، إنما يتنافى هذا في حقِّ المخلوق، أمَّا الرب فهو سبحانه لا يُشابه خلقَه في شيءٍ من صفاته، وهو المالك لكل شيءٍ، والقادر على كل شيءٍ، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، والعرش مُحيطٌ بالخلق، جميع الخلق من أهل السَّماوات.
وأنت أينما كنتَ من الأرض، أو من البحر، أو من الجو، أينما كنتَ فأنت تحت السَّماء، والله فوق العرش، فوقك ، أينما كنتَ من أطراف الدنيا، أو من أطراف البحر، فالسَّماء فوقك، والله فوقك، وهو سبحانه أمامك في صلاتك، ولا تنافي بين علوه وفوقيَّته وبين كونه معنا، ومع عباده المؤمنين، ومع المصلّين، ومع المتقين، وبين كونه أمامك وأنت تُصلِّي، لا مُنافاة، لا يتنافى هذا في حقِّه ، فهو فوق العرش بذاته، وأمام المصلِّي، وهو فوق العرش جلَّ وعلا، ومع أوليائه بعلمه، وكلاءته، وحفظه، ومع العباد جميعًا بعلمه، واطِّلاعه عليهم، ورُؤيته لهم .
هكذا عند أهل السنة والجماعة لا مُنافاة، بخلاف الجهمية والمعتزلة ومَن نحا نحوهم، وسار في ركابهم، ممن أنكر علوه، وجعله مُختلطًا بالناس في الأماكن القذرة، وفي كل مكانٍ، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا.
س: هل يُقال: هو مع أوليائه بذاته؟
ج: بعلمه، هو فوق العرش بعلمه، وكلاءته، وحفظه، ونصره، وتأييده: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، ما هو معهما في الغار، فوق العرش سبحانه، معهما بعلمه، وكلاءته، وحفظه.
وكذلك قوله لموسى وهارون: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] يعني: بكلاءته، ونصره على فرعون، وهو فوق العرش جلَّ وعلا: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] بعلمه واطِّلاعه .
هكذا يقول أهلُ السنة والجماعة.
س: ..............؟
ج: عن يساره إذا كان في غير الجماعة، في غير المسجد، وإذا كان مأمومًا وجنبه ..... منديله؛ لئلا يُؤذي أحدًا، أو غترته، أو عمامته، أو نعليه، يبصق في نعليه، ويضع إحداهما على الأخرى.
س: البصاق في الطَّريق؟
ج: البصاق اليسير الذي ما يُؤذي أحدًا ما يضرّ، أمَّا إن كان يُؤذي فلا، يبصق في منديله ونحوه، أما النّخامة فقد تُؤذي المارّة ..... يسيرًا ما يُؤذي يُعفا عنه.
المقصود عدم الأذى، فالنبي ﷺ جعل من خصال الإيمان: إزالة الأذى عن الطَّريق، والنّخامة أذى في الطريق، قد يطأها الإنسانُ وتُؤذيه.
س: كذلك -أعزَّك الله- ..... خشمه؟
ج: إذا دعت الضَّرورة، إذا دعت الحاجةُ الشَّديدة؛ لأنَّه يشغله، يأخذه في منديله، أمَّا إن كان يمكن أن يتغافل عنه ويتشاغل يتركه.
س: يعني: الأولى تركه؟
ج: إذا تيسر، إذا أمكنه، إذا كان يشغله في الصَّلاة ينفخ خشمه، ويأخذه في منديله، أمَّا كونه يُكثر ما ينبغي، ينبغي الرفق، وأن يتشاغل عنه إذا أمكنه، وإذا دعت الحاجةُ الشَّديدة أخذه في منديله.
س: البصاق مع النَّافلة في المسجد؟
ج: وإن كان يبصق على ناسٍ؟! وإن كان وراءه أحد؟! يبصق في منديله، لا يبصق .....
س: حديث: مَن تفل تجاه القبلة جاء وتفله بين عينيه؟
ج: هذا من باب الوعيد، ويكفينا النَّهي، أمَّا هذه الرواية فما أعرف حال سندها، تحتاج إلى تأمُّلٍ، والنَّهي كافٍ.
باب مَن صفق جاهلًا من الرجال في صلاته لم تفسد صلاتُه
فيه سهل بن سعد ، عن النبي ﷺ.
الشيخ: تقدّم هذا لما أتى النبيُّ ﷺ وشقَّ الصفوف، وجعل يُصفّق الناس، ثم بيَّن لهم ﷺ أنَّ مَن نابه شيء في صلاته فليُسبّح الرجال، ويُصفّق النِّساء، والتَّصفيق ما يضرّ الصلاة للحاجة، لكن يكون من شأن النِّساء، ما هو من شأن الرِّجال، نعم.
س: ...............؟
ج: يُنبّه: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، يقرأ الآية، نعم. وكذا: كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19] في السُّجود، ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77].
س: ما يكفي التَّسبيح؟
ج: بعض الناس ما يفطن للتَّسبيح، قد لا يفطن.
باب إذا قيل للمُصلِّي: تقدّم، أو انتظر، فانتظر، فلا بأس
1215- حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا سفيان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: كان الناسُ يُصلون مع النبي ﷺ وهم عاقدو أزرهم من الصِّغر على رقابهم، فقيل للنِّساء: لا ترفعن رؤوسَكنَّ حتى يستوي الرجالُ جلوسًا.
الشيخ: وهذا فيه مُراعاة حال المأمومين إذا كانت ملابسُهم قصيرةً، فالناس أصابتهم شدّة في عهد النبي ﷺ في المدينة، وحاجة شديدة من المآكل والمشارب والملابس، حتى فرج الله الأمور، وكان بعضُ الناس يكون عليه الإزار القصير، ويربطه على عاتقه حتى لا يسقط، ما يجد رداءً، فقيل للنِّساء: لا ترفعن رؤوسَكنَّ حتى يستوي الرجالُ؛ حتى لا ترى عورةَ أحدٍ، نعم.
باب لا يرد السلام في الصَّلاة
1216- حدثنا عبدالله ابن أبي شيبة: حدثنا ابنُ فضيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله قال: كنتُ أُسلّم على النبي ﷺ وهو في الصَّلاة فيردّ عليَّ، فلمَّا رجعنا سلّمتُ عليه فلم يردّ عليَّ، وقال: إنَّ في الصَّلاة لشغلًا.
1217- حدثنا أبو معمر: حدثنا عبدالوارث: حدثنا كثير بن شنظير، عن عطاء ابن أبي رباح، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: بعثني رسولُ الله ﷺ في حاجةٍ له، فانطلقتُ، ثم رجعتُ وقد قضيتُها، فأتيتُ النبي ﷺ، فسلَّمتُ عليه، فلم يردّ عليَّ، فوقع في قلبي ما الله أعلم به، فقلتُ في نفسي: لعلَّ رسول الله ﷺ وجد عليَّ أني أبطأتُ عليه، ثم سلَّمتُ عليه فلم يردّ عليَّ، فوقع في قلبي أشدّ من المرة الأولى، ثم سلَّمتُ عليه فردَّ عليَّ، فقال: إنما منعني أن أردّ عليك أني كنتُ أُصلي، وكان على راحلته مُتوجِّهًا إلى غير القبلة.
الشيخ: وهذا يدلّ على أنَّ المصلي لا يردّ بالكلام، كان ﷺ يردّ عليهم بالكلام أولًا، ثم نُسخ ذلك، وأنزل الله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فنُهوا عن الكلام في الصَّلاة، وقال لهم: إنَّ في الصَّلاة شغلًا، فنُسخ وبقي الردّ بالإشارة، أمَّا الكلام فلا يردّ إلا بعد السلام، إذا كان موجودًا ردَّ عليه بعد السَّلام زيادةً على الإشارة، وأما الردّ بالكلام في الصَّلاة فنُسخ، كانوا يتكلَّمون في الصَّلاة لحاجاتهم، فنُسخ ذلك، واستقرَّ الأمرُ على أنَّه لا يتكلّم في الصَّلاة؛ ولهذا في حديث معاوية بن الحكم: إنَّ هذه الصَّلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هو التَّسبيح والتَّكبير وقراءة القرآن.
س: لو قال أنَّ مَن لم يردّ السلام بالإشارة فهو مُخالفٌ للسُّنة، صحيحٌ قوله؟
ج: نعم، يردّ بالإشارة، هو السنة، ثبت عنه أنَّه ردَّ بالإشارة عليه الصلاة والسلام في عدّة أحاديث، منها حديث ابن عمر: أنَّهم لما سلَّموا عليه في قباء ردَّ عليهم بالإشارة، وكان يُشير بيده هكذا.
س: هل ينبغي التَّسليم على المصلّين؟
ج: نعم، يُسلّم عليهم، ولكن يردّون بالإشارة، إذا دخل على الصفِّ يقول: السلام عليكم، ومَن حوله يردّون بالإشارة، أو على قُرَّاء يقرؤون يردّون عليه بالكلام، القُرَّاء يردّون بالكلام، والمصلّون يردّون بالإشارة.
س: هل يجب الردّ بالإشارة؟
ج: هو الظاهر على الأصل؛ لأنَّ الردَّ واجبٌ، هذا الأصل.
س: مُصافحة القارئ؟
ج: كذلك مُصافحته وردّ السلام عليه كلّه طيب؛ لأنَّ القارئ يتكلّم، ما هو بممنوعٍ من الكلام، وهذا من تداخل العبادات، من تداخل الأعمال الصَّالحات كونه يُسلّم على أخيه .....، ولو يقرأ يقطع ويتكلّم، يُسلّم على أخيه والحمد لله، مصالح عظيمة، بعض الناس يجهل، ولا يُحبّ أنَّ أحدًا يُسلّم عليه وهو يقرأ، وهذا غلطٌ وجهلٌ، يُسلّم على أخيه ويقطع القراءة، ويتكلّم مع أخيه ويعود لقراءته والحمد لله.
س: طيب يا شيخ، مثلًا: الذين في حلقة ذكرٍ؟
ج: يُسلّم على مَن حوله، إذا وصل الحلقة يُسلّم على مَن حوله ويجلس.
س: السلام بعد تحية المسجد؟
ج: كذلك يُسلّم ويُصافح مَن حوله عن يمينه وشماله، كان الصحابةُ إذا تلاقوا تصافحوا.
س: يعني: هذا من السنة؟
ج: من السنة، نعم.
س: الردّ بالإشارة خارج الصَّلاة؟
ج: ما يكفي، إلا إذا كان بعيدًا، فتُشير مع السلام، تجمع بينهما: الإشارة حتى يعلم أنَّك تُسلّم، وتنطق، أمَّا إن كان قريبًا ويسمع تُسلّم، ويكفي عن الإشارة، إلا إذا كان مشغولًا .....
س: حديث أنَّ المصافحة تحاتّ الذنوب؟
ج: إذا تلاقى المسلمان وتصافحا جاء حديثٌ معروفٌ، نعم: ما من مُسلمين يتلاقيان فيتصافحان إلا تحاتت ذنوبهما كما يتحاتّ عن الشَّجرة ورقها، فيما أعلم أنَّه لا بأسَ به، وليس حديثًا واحدًا، بل عدّة أحاديث، نعم.
باب رفع الأيدي في الصَّلاة لأمرٍ ينزل به
1218- حدثنا قتيبة: حدثنا عبدالعزيز، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: بلغ رسولُ الله ﷺ.
الشيخ: قف على حديث .....، انظر الكلام على الترجمة: "باب لا يردّ السلام".
قوله: "باب لا يردّ السلام في الصَّلاة" أي: باللَّفظ المتعارف؛ لأنَّه خطاب آدمي، واختلف فيما إذا ردّه بلفظ الدعاء، كأن يقول: اللهم اجعل على مَن سلّم عليَّ السلام.
ثم أورد المصنفُ حديثَ عبدالله -وهو ابن مسعودٍ- في ذلك، وقد تقدّم قريبًا في باب "ما يُنهى عنه من الكلام في الصَّلاة"، ثم أورد حديث جابرٍ، وهو دالٌّ على أنَّ الممتنع الردُّ باللَّفظ.
قوله: "شنظير" بكسر المعجمة، وسكون النون، بعدها ظاء مُعجمة مكسورة، وهو عَلَمٌ على والد كثير، وهو في اللغة: السَّيئ الخلق.
قوله: "بعثني النبيُّ ﷺ في حاجةٍ" بيَّن مسلمٌ من طريق أبي الزبير، عن جابرٍ: أنَّ ذلك كان في غزوة بني المصطلق.
قوله: "فلم يردّ عليَّ" في رواية مسلم المذكورة: "فقال لي بيده هكذا"، وفي روايةٍ له أخرى: "فأشار إليَّ"، فيُحمل قوله في حديث الباب: "فلم يردّ عليَّ" أي: باللَّفظ، وكأنَّ جابرًا لم يعرف أولًا أنَّ المراد بالإشارة الردّ عليه؛ فلذلك قال: "فوقع في قلبي ما الله أعلم به" أي: من الحزن، وكأنَّه أبهم ذلك إشعارًا بأنَّه لا يدخل من شدّته تحت العبارة.
قوله: "وجد" بفتح أوَّله والجيم، أي: غضب.
قوله: "أني أبطأتُ" في رواية الكشميهني: "أن أبطأت" بنون خفيفة.
قوله: "ثم سلَّمتُ عليه فردَّ عليَّ" أي: بعد أن فرغ من صلاته.
قوله: "وقال: ما منعني أن أردّ عليك –أي: السلام- إلا أني كنتُ أُصلِّي"، ولمسلم: "فرجعتُ وهو يُصلِّي على راحلته، ووجهه على غير القبلة".
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدّم: كراهة ابتداء السلام على المصلِّي؛ لكونه ربما شُغل بذلك، فكره، واستدعى منه الردّ، وهو ممنوعٌ منه.
الشيخ: هذا فيه نظر، ليس بجيدٍ، ما في الحديث كراهة، بل في الحديث الدّلالة على شرعية السلام؛ لأنَّ الرسول ﷺ أقرَّه، ما نهاه، ما قال: لأيش تُسلّم عليَّ؟ العكس.
الشيخ: هذا الصواب، قول أحمد والجمهور هو الصواب: لا يُكره، بل يُشرع، ويردّ بالإشارة، ففي حديث جابرٍ هذا جمع بين الأمرين عليه الصلاة والسلام: ردّ بالإشارة، ثم ردّ بالسلام بعدما سلَّم عليه الصلاة والسلام، جمع بين الأمرين عليه الصَّلاة والسَّلام.
وقالوا: يردّ إذا فرغ من الصَّلاة، أو وهو فيها بالإشارة.
وسيأتي اختلافهم في الإشارة في أواخر أبواب سجود السَّهو.
قارئ المتن: الحاشية على قوله: "وبه قال أحمد والجمهور": هذا القول أصحّ؛ لأنَّ الرسول ﷺ لم يُنكر على مَن سلّم عليه وهو يُصلِّي، بل ثبت عنه أنَّه ردَّ عليهم بالإشارة، فدلّ ذلك على مشروعية السلام على المصلِّي، وأنَّه يردّ بالإشارة، والله أعلم.
س: استعمال الإشارة مع السلام؟
ج: ما له حاجة إلا إذا كان بعيدًا، مثل: بالسيارة، وهو بعيد، راكب بعيد.
س: ..............؟
ج: الظاهر أنَّه بدعة؛ لأنَّه إحداثٌ في العبادات ما له دليلٌ، يُسمّى: بدعة.
س: يردّ السلام مع الإشارة؟
ج: إذا كان بعيدًا مثلما في الحديث: أنَّه مرَّ على نسوةٍ فأشار إليهنَّ بالسلام. يُشير يُسلّم عليهنَّ عليه الصلاة والسلام.
س: بالنسبة للصلاة: إذا ردَّ بالإشارة هل يردّ في نفسه، بينه وبين نفسه؟
ج: لا، لا، بالإشارة فقط.
س: إذا كان في السيارة هل يردّ بالإشارة؟
ج: يُسلّم بالكلام، ويُشير بيده، يُنبّه الذي يراه أنَّه سلَّم عليه، ويقول: السلام عليكم، ويُشير بيده حتى ينتبه ..... كذلك، أو على مطيّة.
س: ...............؟
ج: لا، لا، السنة أن يُسلّم، إذا دخل على إخوانه يُسلّم.
س: ...............؟
ج: وأنت حاضر؟
س: إيه، نعم.
ج: إن كان غافلًا يُنبّهه، إن كانت لها حاجة ما يُخالف، أمَّا إن كان يعتقد أنَّها سنة مع الكلام فليس عليه دليلٌ، أمَّا إذا كانت الإشارة لحاجةٍ فلا بأس.
س: البعيد يردّ السلام بالإشارة؟
ج: والكلام، نعم؛ لأنَّه دعاء، السلام دعاء، إن سمعها ..... وإلا نفعه الدُّعاء.