كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة

20- كتاب فضل الصَّلاة في مسجد مكّة والمدينة

باب فضل الصَّلاة في مسجد مكّة والمدينة

1188- حدثنا حفص بن عمر: حدثنا شعبة، قال: أخبرني عبدالملك بن عمير، عن قزعة قال: سمعتُ أبا سعيدٍ أربعًا قال: سمعتُ من النبي ﷺ. وكان غزا مع النبي ﷺ ثنتي عشرة غزوة. ح.

1189- حدثنا علي: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: لا تُشدّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول ﷺ، ومسجد الأقصى.

1190- حدثنا عبدالله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن زيد بن رباح، وعبيدالله ابن أبي عبدالله الأغرّ، عن أبي عبدالله الأغرّ، عن أبي هريرة : أنَّ النبي ﷺ قال: صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواه، إلا المسجد الحرام.

الشيخ: وهذا واضحٌ فيما قدم به المؤلف في بيان فضل الصَّلاة في المسجدين: الحرام، والنبي عليه الصلاة والسلام.

وهكذا المسجد الأقصى، وهو مسجد إيلياء، وهو البيت الذي أُسري بالنبي إليه عليه الصلاة والسلام، سُمي "أقصى" لأنَّه أبعد المساجد الثلاثة عمَّا بينها، المسجدان مُتقاربان، والمسجد الأقصى أبعد، وكلّها تُضاعف فيها الصلاة والعبادة، من: القراءة، والتَّسبيح، والتَّهليل، والاعتكاف، وتُشدّ الرِّحال إليها.

فالمسجد الحرام هو أفضلها، والصلاة فيه بمئة ألف صلاة، وفي المسجد النبوي خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام، وجاء في المسجد الأقصى أنَّ الصلاة فيه بخمسمئة صلاة، يعني: نصف ما جاء في المسجد النبوي.

وليس هناك بقعة تُشدّ إليها الرِّحال إلا هذه المساجد، فلا تُشدّ الرِّحال إلى القبور، ولا إلى المواضع التي يُقال: إنَّه جلس فيها رجلٌ صالحٌ، أو تعبّد فيها، أو إلى أي مكانٍ يُظنّ فيه خيرٌ.

وما ذاك إلا لأنَّ شدَّ الرحال إليها قد يُفضي إلى الغلو، ومن رحمة الله، ومن إحسانه إلى عباده أن سدَّ الذرائع التي تُفضي إلى الشَّر، فنهى عن شدِّ الرحال إلا إلى هذه المساجد المعروفة التي فيها الفضل، وفيها العبادة، ولا يُخْشَى من الشَّد إليها محذور؛ لما جعل الله فيها من الفضل.

أمَّا القبور فشدّ الرحال إليها يُفضي إلى التَّعلق بها والغلو فيها، مثل: دعائها، والاستغاثة بها، والطَّواف بها، وغير ذلك، فمن رحمة الله أن منع ذلك، حتى قبر النبي ﷺ لا تُشدّ الرِّحال إليه لقصده فقط، أمَّا إذا شدَّ الرحل لقصد المسجد النبوي، وفي نيَّته أنَّه يُسلّم على النبي وعلى الصَّحابة، فهذا لا محذور فيه؛ لأنَّه يكون تبعًا، فإنَّ السنة لمن زار المسجد النبوي أن يُسلّم على النبي وعلى صاحبيه، ويُستحبّ لمن يزور البقيع أن يُسلّم على أهل البقيع، وعلى الصحابة في أحد، ويُستحبّ له أيضًا أن يزور مسجد قباء تبعًا، ولا يشدّ الرحال إلى مسجد قباء، ولا إلى القبور، ولكنَّها يُستحبّ أن تُزار تبعًا لزيارة المسجد النبوي.

والمؤلف ذكر حديث أبي سعيدٍ ولم يُصرّح بلفظ، وقد صرَّح به في لفظٍ آخر بمعنى حديث أبي هريرة: تشدّ الرِّحال إلى ثلاثة مساجد، وفي بعضها: لا تشدُّوا بالنَّهي بالواو، وهو معنى: لا تشدّ يعني: خبرًا معناه النَّهي.

ولهذا جزم أهلُ العلم بأنَّ شدّ الرِّحال إلى غير الثلاثة أمرٌ مُحرَّمٌ؛ لأنَّه مُقتضى النَّهي، وللمعنى الذي عرف، وهو أنَّه وسيلة إلى الغلو، نعم.

س: شدّ الرحال إلى المساجد لقصد القراءة؟

ج: شدّ الرحال لطلب العلم، أو لأجل التِّجارة ما فيه شيء، المقصود البقعة ليتعبّد فيها، شدّ الرحال إلى بقعةٍ يتعبّد فيها، أو يرجو فيها الفضل.

س: المقصود مسجد معين؟

ج: ما فيه شيء إذا شدَّ الرحال ليتعلم على إنسانٍ القرآن، أو يُصلي خلفه في رمضان، أو ما أشبه ذلك؛ لأنَّه ما شدّ الرحال للبقعة، شدّها لأجل رجلٍ: إما ليزوره في الله، أو ليُصلي خلفه، أو ليطلب عليه العلم، لا بأس به، نعم.

س: التَّجمعات في المساجد من أجل الدَّعوة؟

ج: ما فيه شيء، الحمد لله، إذا رأوا مصلحةً في ذلك يجتمعون فيه للمُذاكرة، وينطلقون منه للدَّعوة، ما فيه شيء .....

س: شدّ الرحال إلى المسجد القديم؟

ج: غير الثلاثة، لا يشدّ الرحال إلى أي مسجدٍ إلا الثلاثة.

أيش قال الشارحُ على حديث أبي سعيدٍ ..... عن أبي سعيدٍ؟

قوله: "سمعتُ أبا سعيدٍ أربعًا" أي: يذكر أربعًا، أو سمعتُ منه أربعًا، أي: أربع كلمات.

قوله: "وكان غزا" القائل ذلك هو قزعة، والمقول عنه أبو سعيدٍ الخدري.

قوله: "ثنتي عشرة غزوة" كذا اقتصر المؤلفُ على هذا القدر، ولم يذكر من المتن شيئًا، وذكر بعده حديث أبي هريرة في شدِّ الرحال، فظنّ الداودي الشَّارح أنَّ البخاري ساق الإسنادين لهذا المتن، وفيه نظر؛ لأنَّ حديث أبي سعيدٍ مُشتمل على أربعة أشياء كما ذكر المصنف، وحديث أبي هريرة مُقتصر على شدِّ الرحال فقط، لكن لا يمنع الجمع بينهما في سياقٍ واحدٍ بناءً على قاعدة البخاري في إجازة اختصار الحديث.

وقال ابنُ رشيد: لما كان أحد الأربع هو قوله: لا تشدّ الرحال ذكر صدر الحديث إلى الموضع الذي يتلاقى فيه افتتاح أبي هريرة لحديث أبي سعيدٍ، فاقتطف الحديث وكأنَّه قصد بذلك الإغماض؛ ليُنبّه غير الحافظ على فائدة الحفظ، على أنَّه ما أخلاه عن الإيضاح عن قربٍ، فإنَّه ساقه بتمامه خامس ترجمةٍ.

س: هل يُضاعف العمل في سائر مكّة والمدينة؟

ج: نعم، الأجر مُضاعف في الحرمين، لكن ..... التَّحديد مُضاعف في المحدد، الله أعلم بها، كلّه في الصلاة: في المسجد الحرام بمئة ألف، وفي المسجد النبوي خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواه، أمَّا مُضاعفة الصيام والقراءة والاعتكاف والدَّعوة فهذا شيءٌ لم يحدد فيه مُضاعفة، لكن لا يعلم مقدار المضاعفة إلا الله سبحانه؛ لأنَّه لم يحددها فيما جاء عن رسوله عليه الصلاة والسلام، ولا في كتابه العظيم، نعم.

س: والقدس؟

ج: والقدس كذلك.

س: الدليل على ذلك؟

ج: الظاهر -والله أعلم- كونها أرضًا مُباركةً، كون ..... المساجد الثلاثة كما أنها تُضاعف في المسجدين ..... فيُرجى فيه المضاعفة، لكن لا يُعرف المقدار مثل مسجد المدينة ..... إلا في الصَّلاة، فقد ثبت أنَّها بخمسمئة.

باب مسجد قُباء

1191- حدثنا يعقوب بن إبراهيم -هو الدّورقي-: حدثنا ابنُ علية: أخبرنا أيوب، عن نافع: أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يُصلي من الضُّحى إلا في يومين: يوم يقدم بمكّة، فإنَّه كان يقدمها ضُحًى، فيطوف بالبيت، ثم يُصلي ركعتين خلف المقام، ويوم يأتي مسجد قباء، فإنَّه كان يأتيه كل سبتٍ، فإذا دخل المسجد كره أن يخرج منه حتى يُصلي فيه. قال: وكان يُحدِّث: أنَّ رسول الله ﷺ كان يزوره راكبًا وماشيًا.

1192- قال: وكان يقول: "إنما أصنع كما رأيتُ أصحابي يصنعون، ولا أمنع أحدًا أن يُصلي في أي ساعةٍ شاء من ليلٍ أو نهارٍ، غير أن لا تتحروا طلوع الشَّمس ولا غروبها".

الشيخ: كان النبي ﷺ يزور قباء، يُصلي فيه ركعتين كل سبت، وقال: مَن تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلَّى فيه كان كعمرةٍ، فمسجد قباء فيه فضلٌ، وكان النبي ﷺ يزوره؛ ولهذا كان ابنُ عمر يزوره.

وابن عمر كان ممن خفي عليه أمرُ صلاة الضُّحى، ولكنَّها ثبتت عن النبي ﷺ، من حديث أبي هريرة، وأبي الدَّرداء، وأبي ذر في فضل صلاة الضحى، فهي ثابتة من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام.

ومن ذلك حديث أبي هريرة في "الصَّحيحين": "أوصاني خليلي ﷺ بثلاثٍ: ركعتي الضحى، والوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ".

وهكذا عند مسلم من حديث أبي الدَّرداء قال: "أوصاني ﷺ بثلاثٍ: بصلاة الضُّحى، والوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهرٍ".

وفي حديث أبي ذرٍّ عند مسلم: أنَّ النبي ﷺ قال: على كل سلامى من الناس صدقة، ثم ذكر التَّهليل، والتَّسبيح، والتَّكبير، والتَّحميد، وقال: كل تسبيحةٍ فيها صدقة، وكل تكبيرةٍ فيها صدقة، وذكر الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر أنَّه صدقة، ثم قال: ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضُّحى يعني: تقوم بهذه الصَّدقات التي على السّلاميات.

وهذا فضلٌ عظيمٌ، كونها تُؤدِّي ما على العبد فهذا فضلٌ عظيمٌ، فإنَّ الله جلَّ وعلا خلق العبد على ثلاثمئة وستين مفصلًا كما رواه مسلمٌ عن عائشةَ رضي الله عنها، عن النبي ﷺ: أنَّ الله خلق ابن آدم على ثلاثمئة وستين مفصلًا، فإذا سبّح الله، وكبّر الله، وحمد الله، وهلل الله، وعزل حجرًا عن الطَّريق، أو شوكة، أو عظمًا عن الطَّريق أصبح -أو قال: أمسى- وقد زحزح نفسه عن النار، يعني: بقدر هذه الخصال.

وفي حديث أبي ذرٍّ: ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضُّحى.

فالتَّسبيح، والتَّهليل، والتَّحميد، والتَّكبير، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وإماطة الأذى عن الطريق، والكلمة الطيبة، وما أشبه ذلك كلّها صدقة يُؤدّيها الإنسانُ عن هذه المفاصل وهذه النِّعَم، فإنها نِعَمٌ من الله عليه؛ حيث أعطاه هذه المفاصل التي بها يستريح، وبها يتصرَّف.

فإذا أكثر من العبادة حتى بلغ ثلاثمئة وستين من تسبيحٍ، وتهليلٍ، وتحميدٍ، وتكبيرٍ، وذكرٍ، ودعوةٍ إلى الله، وأمرٍ بالمعروف، ونهيٍ عن المنكر، وإزالة الأذى عن الطَّريق، وكلمات طيبة؛ يكون قد زحزح نفسه عن النار، قال: ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضُّحى؛ لأنَّ هذا الجسم يستعمل في الركعتين، المصلِّي يستعمل جسمه في الركعتين في الصلاة، كلّ جسمه يستعمله: قيامًا، وقعودًا، وركوعًا، وسجودًا، قد استعمل جسمه في هاتين الركعتين، فتقوم مقام هذه الثلاثمئة والستين مفصل، نعم.

س: نهاية وقت صلاة الضُّحى في أي وقتٍ؟

ج: ما بين ارتفاع الشمس إلى وقوف الشمس، ما بين ارتفاع الشمس قيد رمح، بعد طول الشمس بنحو ربع ساعة أو نحوها تقريبًا، إلى قرب الزوال، قبل الزوال بنحو ثلث ساعة، ربع ساعة؛ لأنَّ وقت الزوال قصير، وقت وقوف الشمس قصير، هو أقصر الأوقات، وهو وقت استوائها في السماء، إذا استوت في السَّماء –توسَّطت- هذا هو وقت الوقوف، قبل أن تميل إلى الغرب، فإذا مالت فهذا هو الزوال، نعم.

س: تُقدّر بنصف ساعة قبل الظهر؟

ج: الله أعلم، وقت قصير، نصف ساعة، أو أقلّ، أو ثلث ساعة، نعم.

س: ما الدَّليل على مُضاعفة الأجر في مساجد مكّة؟

ج: العموم؛ لأنَّ كلها المسجد الحرام، كل الحرم مسجد حرام، يُسمّى "مسجد حرام" كلّه.

س: "قباء" الأقرب فيه الصَّرف أو عدمه؟

ج: يُصرف، ولا يُصرف، يُقال: قباءَ، ويُقال: قباءٌ، ويُقال: قباءً، وقباءٍ، فيه جواز الأمرين: يُصرف، ولا يُصرف.

فما لا يصرفه: العَلَمِيَّة، "قباء" علمية، والتَّأنيث المعنوي؛ لأنَّه بُقعة، أو لا يُصرف لأجل ألف التأنيث الممدودة، مثل: أشياء، ومثل: حمراء، وصفراء، ألف التَّأنيث الممدودة.

فقباء يُمنع من الصَّرف لعلّتين: كونه بُقعةً، عَلَمِيَّة، والتَّأنيث المعنوي.

أو لألف التَّأنيث: قباء، مثل: أشياء، ومثل: حمراء، وصفراء، وسوداء، وبيضاء.

س: يقدم وإلا .....؟

ج: يَقْدَم من باب فَرِح، يقدم فيها ثلاث لغات على حسب المعنى:

يَقْدَم: إذا قدم من بلدٍ، قَدِم يَقْدَم، من باب فرح.

واللغة الثانية: قَدَمَ يَقْدُم، إذا تقدّم القوم: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [هود:98]، صار أمامهم، من باب نَصَرَ يَنْصُر، قَدَمَ يَقْدُم، يعني: صار أمامهم، قدَّامهم.

وقَدُم -بضم الدَّال- صار قديمًا، قدُم الشَّيء يقدم، من باب كرم يكرم، إذا صار قديمًا، ضدّ الحادث، ضدّ الجديد.

قال الشَّارحُ: و"قباء" بضم القاف، ثم موحدة ممدودة عند أكثر أهل اللغة، وأنكر السّكري قصره، لكن حكاه صاحب "العين"، قال البكري: من العرب مَن يُذكّره فيصرفه، ومنهم مَن يُؤنّثه فلا يصرفه.

الشيخ: نعم، مَن أنَّثه مُراعاةً للبقعة، ومَن ذكّره مُراعاةً للمكان، التذكير ..... الأرض، المكان، نعم.

باب مَن أتى مسجد قباء كل سبتٍ

1193- حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا عبدالعزيز بن مسلم، عن عبدالله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي ﷺ يأتي مسجد قباء كل سبتٍ ماشيًا وراكبًا.

وكان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يفعله.

باب إتيان مسجد قباء ماشيًا وراكبًا

1194- حدثنا مسدد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيدالله قال: حدَّثني نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي ﷺ يأتي مسجد قباء راكبًا وماشيًا.

زاد ابنُ نمير: حدثنا عبيدالله، عن نافع: فيُصلي فيه ركعتين.

الشيخ: أيش قال الشارحُ على (زاد)؟

قوله: "زاد ابنُ نمير" أي: عبدالله، عن عبيدالله –أي: ابن عمر-، وطريق ابن نمير وصلها مسلم وأبو يعلى، قالا: أخبرنا محمد بن عبدالله بن نمير: أخبرنا أبي به.

وقال أبو بكر ابن أبي شيبة في "مسنده": حدثنا عبدالله بن نمير وأبو أسامة، عن عبيدالله. فذكره بالزيادة، وادَّعى الطَّحاوي أنها مُدرجة، وأنَّ أحد الرواة قاله من عنده؛ لعلمه أنَّ النبي ﷺ كان من عادته ألَّا يجلس حتى يُصلي.

وفي هذا الحديث على اختلاف طرقه دلالة على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصَّالحة، والمداومة على ذلك.

وفيه أنَّ النَّهي عن شدِّ الرحال لغير المساجد الثلاثة ليس على التَّحريم.

القارئ: فيه حاشية.

الشيخ: نعم؟

القارئ: هذا فيه نظر، والصواب أنَّه للتَّحريم كما هو الأصل في نهيه ﷺ، والجواب عن حديث قباء: أنَّ المراد بشدِّ الرحل في أحاديث النَّهي الكناية عن السَّفر، لا مجرد شدّ الرحل، وعليه فلا إشكالَ في ركوب النبي ﷺ إلى مسجد قباء، وقد سبق للشَّارح ما يُرشد إلى هذا في كلامه على أحاديث النَّهي عن شدِّ الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، فتنبّه، والله الموفّق.

الشيخ: نعم؛ لأنَّ هذا ما هو بسفرٍ، المقصود شدّ الرحال للسفر، كناية عن السفر، أما الذَّهاب إلى قباء فليس سفرًا، لكن قد ينشط ويذهب على رجليه، كان يمشي عليه الصلاة والسلام، وقد يركب؛ لما في الركوب من بعض الراحة، نعم.

وفيه أنَّ النهي عن شدِّ الرحال لغير المساجد الثلاثة ليس على التَّحريم؛ لكون النبي ﷺ كان يأتي مسجد قباء راكبًا.

وتعقب بأنَّ مجيئه ﷺ إلى قباء إنما كان لمواصلة الأنصار، وتفقد حالهم، وحال مَن تأخّر منهم عن حضور الجمعة معه، وهذا هو السر في تخصيص ذلك بالسبت.

الشيخ: ليس بجيدٍ، الكلام هذا يدلّ على فضل مسجد قباء، وأنَّ له مزيّة؛ ولهذا خصَّه بالزيارة عليه الصلاة والسلام، ويدل على هذا الحديث الآخر: مَن تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قباء، وصلَّى فيه ركعتين؛ كان كعمرةٍ، ويدل على فضلٍ خاصٍّ لمسجد قباء، ما هو لأجل الأنصار، الأنصار يستطيع أن يزورهم في بيوتهم، وفي غير السبت.

س: تخصيص يوم من الأيام لعملٍ من الأعمال الصَّالحة: كصيام بعض الناس يوم الاثنين .....؟

ج: هذا الاستنباط ما هو بجيد من المؤلف؛ لأنَّ الرسول ﷺ هو المشرع، إذا شرع لنا شيئًا نتبعه، وليس لأحدٍ أن يخصّ يومًا بعبادةٍ خاصَّةٍ إلا بدليلٍ، فهذا استنباط ليس بجيدٍ، لكن الذي بيَّنه النبي ﷺ لا بأس به، فصيام يوم الاثنين مشروع .....، ويوم الخميس كذلك فيه فضيلة، وثلاثة أيام من كل شهرٍ كذلك نبَّه عليه النبي ﷺ.

أمَّا لو كان ما خصَّه بشيءٍ، لكن لأنَّه متفرغ مثلًا، عنده فراغ في يوم الأحد، أو يوم الثلاثاء، أو يوم الأربعاء، ويصوم لأنَّه ما عنده عمل، ما هو لأجل التَّخصيص، بل لأجل الفرصة؛ ما فيه شيء. نعم.