باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا

باب أخذ الصدقة من الأغنياء وتُردّ في الفقراء حيث كانوا

1496- حدثنا محمد بن مقاتل: أخبرنا عبدالله: أخبرنا زكرياء بن إسحاق، عن يحيى بن عبدالله بن صيفي، عن أبي معبدٍ مولى ابن عباسٍ، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: إنك ستأتي قومًا أهل كتابٍ، فإذا جئتَهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلواتٍ في كل يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تُؤخذ من أغنيائهم فتُردّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجابٌ.

الشيخ: وهذا أصلٌ عظيمٌ في تنظيم الدعوة والبداءة بالأهم فالأهم فيما يتعلق بدعوة الكفار، وفيما يتعلق بدعوة المسلمين إذا كانت عندهم مُنكرات تُعالج ويُعتنى بها.

أما الكفار فيُبدؤون بدعوتهم إلى التوحيد والإيمان بالرسول ﷺ حتى يدخلوا في الإسلام، ثم يُخاطبون بعد هذا بالفروع.

وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، التوراة والإنجيل، كتاب التوراة، وكتاب الإنجيل، وهم اليهود والنصارى؛ لأن عندهم علمًا، وعندهم دعاوى أنهم يتَّبعون الرسل، فلا بد من العناية بدعوتهم إلى الحقِّ الذي جحدوه وأنكروه، وتوحيد الله والإخلاص له، والإيمان برسوله محمدٍ عليه الصلاة والسلام.

فإن اليهود يدَّعون اتِّباع موسى عليه السلام، وهم يقولون: عزيرٌ ابن الله، ويتخذون أحبارهم ورُهبانهم أربابًا من دون الله، والنصارى يدَّعون اتباع عيسى عليه السلام، وهم يكفرون به، ويزعمون أنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثةٍ، ولا يتبعون الإنجيل، ولا التوراة؛ فهم بهذا كفرةٌ.

ثم جاء كفرٌ آخر لمن أدرك النبي ﷺ ولم يُؤمن به، فصار ذلك كفرًا جديدًا وعدم إيمانٍ بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام.

وبعد الدعوة إلى الشهادتين يُدعون إلى الصلاة، ثم الزكاة. هذه الأصول الثلاثة هي التي عليها مدار الدعوة.

فأما مَن آمن بها واستقام عليها أدَّى ما سواها، أدَّى بقية الفروض؛ لأن إيمانه الذي حمله على أن يؤمن بهذه الأمور الثلاثة يحمله على بقية الأمور.

وفي بعض الأحاديث يقتصر ﷺ على التوحيد والإيمان بالرسول؛ لأنه متى وحّد الله وآمن بالرسول ﷺ فإن هذا الإيمان يحمله على الإتيان بما جاء به الرسول ﷺ من فعل الأوامر، وترك النواهي، فيُطالب بذلك.

ولهذا أوصى معاذًا بهذا الأمر، وهذا هو معنى قوله جلَّ وعلا: فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، ما ذكر الصوم والحج وبقية الأمور لأنها تابعةٌ لهذه الأمور الثلاثة، قال: فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، وترك البقية لأنها تابعةٌ، قال جلَّ وعلا: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5] يعني: الدين الملة القيّمة، فإن مَن استقام على هذه الأمور الثلاثة العظيمة فإنه يأتي بما سواها من صومٍ، وحجٍّ، وجهادٍ، وتركٍ للمعاصي، وبرٍّ للوالدين، وصدقٍ للحديث، وغير هذا مما جاء به الإسلام.

وإذا كانت الدعوة إلى مسلمين دعاهم إلى أن يتمسَّكوا بدينهم، وأن يتفقهوا فيه، ويستقيموا عليه، وأن يحذروا ما نهى الله عنه، كما يلزمهم أن يستقيموا على الأمور ويُحافظوا عليها كما أمر الله، كذلك يُحذِّرهم من الإقدام على المناهي، وينهاهم عنها، وإذا كانت بينهم أمورٌ ظاهرةٌ معروفةٌ حذَّر منها ونصَّ عليها ليحذروها، كما لو كان في بلادٍ قد ظهر فيها الخمر؛ حذَّرهم منها، وبيَّن الأدلة في ذلك، أو ظهر فيها القمارُ والربا حذَّرهم من ذلك، وأبدى فيها وأعاد، أو الزنا والفواحش الأخرى، فكل مجتمعٍ يُعالج مما ظهر فيه، ويُعتنى بما ظهر زيادةً على غير ذلك؛ لأنهم قد يغفلون عن ذلك ويظنون أنهم لم يفعلوا شيئًا.

فالحاصل أن الداعي إلى الله كالطبيب يلتمس مواضع الداء، ويضع عليها الدواء، وأعظم الداء الكفر، فيبدأ به إذا كان يدعو قومًا كفارًا؛ لأن هذا أعظم الداء، وأشد الداء وأخطره، وأعظم الدواء توحيد الله والإخلاص له، والإيمان برسوله عليه الصلاة والسلام، ثم بقية الأمراض تُعالج بدوائها. نعم.

س: .............؟

ج: إيه، نعم، إن كان في مجتمعٍ فيه القمار أو فيه شيءٌ آخر يقصده، يتكلم فيه، ويدعوهم بالحكمة، وإذا كان في مجتمعٍ قد ظهر فيهم اللواط دعاهم وحذَّرهم، أو ظهر فيهم الخمر، كل مجتمعٍ بما يليق به.

س: تُستجاب دعوة المظلوم ولو كان كافرًا؟

ج: نعم، إجابة دعوة المظلوم هذا عامٌّ.

وفيه من الفوائد ما ..... المؤلف، وأن الصدقة تُؤخذ من الأغنياء وتُعطى الفقراء أينما كانوا، ولا يلزم من ذلك أن يكونوا فقراء البلد، قد يكون فقراء البلد قليلين، وقد تكون البلد غنيةً؛ فينقلها إلى غيرهم، قد تكون حاجتهم أقلّ، المقصود سدّ حاجة الفقراء من الأغنياء، وفقراء البلد أولى من غيرهم وأهمّ، فيُلاحظون ويُعطون من زكاة أغنيائهم، وإن فضل شيءٌ أو كانوا قليلين نُقل ما فضل إلى غيرهم. نعم.

س: ..............؟

ج: كلٌّ على قدر حاله، فبعض الناس عنده علمٌ بالتوحيد وبصيرةٌ، ولكن ما عنده علمٌ بالأحكام الأخرى؛ فيشتغل بما عنده، أو عنده عنايةٌ بالصلاة وأحكام الصلاة؛ فيتكلم عن الصلاة مع المسلمين، ما هو بلازمٍ أن كل واحدٍ يتكلم في كل شيءٍ، يتكلم في حدود علمه، كل داعيةٍ يتكلم في حدود علمه، فإذا كان نشيطًا في التوحيد، وقد عُني به، وتفقه فيه كثيرًا، وأتى قومًا عندهم فيه خللٌ؛ اعتنى بهذا الأمر، وإذا كانت همته مبسوطةً إلى الصلاة وما يتعلق بالصلاة، وعنده عنايةٌ بها فكذلك، وهكذا مَن كانت عنده عنايةٌ بالزكاة، أو الصيام، أو المعاملة بالربا، أو ما يتعلق بالزنا ووسائله، كلٌّ يتكلم بما يسر الله له وكان عنده فقهٌ فيه وبصيرةٌ. نعم.

س: الشُّبَه الواردة في تارك الصلاة وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فكيف يخرج من الإسلام وهو .....؟

ج: يشهد هذه الشهادة، ولكن قال: الصلاة ما هي بواجبةٍ! أيش تقول فيه؟! قال: الصلاة ما هي بواجبةٍ! صلِّ لكن ما هي بواجبةٍ! أيش تقول؟!

س: لكن هو تركها؟

ج: لا، ما تركها، هو يُصلي، لكن يقول: ما هي بواجبةٍ!

س: لو تركها؟

ج: تركها أو ما تركها، قال: ما هي بواجبةٍ.

س: ..............؟

ج: الصحيح أنه يكفر، لكن قال: ما هي بواجبةٍ! أيش تقول عنه؟!

س: .............؟

ج: لا تحدّ عن هذه.

الطالب: ما فهم!

الشيخ: إذا قال: الصلاة ما هي بواجبةٍ! وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، يكفر أو ما يكفر؟

السائل: يكفر.

الشيخ: الحمد لله، كذلك إذا سبَّ الدين أو استهزأ بالدين كفر، وهكذا لو ترك الصلاة على الصحيح يكفر، ولو قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؛ لأنه لو كان صادقًا في الشهادة لأدَّى هذا العمود؛ عمود الإسلام.

س: دعوة الأنبياء السابقين لأممهم إلى ترك المنكرات الأخرى مع ترك الشرك؟

ج: نعم؟

س: دعوة شعيب ونهي قومه عن التطفيف بالمكيال والميزان؟

ج: مثلما دعا النبي ﷺ في الفترة المكية كذلك؛ لأن هذه مصالح مجتمع، من محاسن الإسلام، مما يرغب في دعوة النبي ﷺ وقبولها، إذا نهاهم عما يضرهم في دنياهم وأمرهم بما يحصل به الإنصاف هذه من أسباب قبول الدعوة، السور المكية فيها النهي عن ..... في قصص الأنبياء؛ لأن هذا مما يُؤيد الدعوة.

س: يُنهى عن الشرك وعن المنكرات الأخرى؟

ج: نعم، نعم، كذلك: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء:32]، وهو في سورةٍ مكيةٍ، وفي الفرقان، وفي سورة بني إسرائيل، سورٌ مكيةٌ فيها تحريم الزنا ..... والقتل بغير حقٍّ. نعم.

لكن في الفرائض إنما بدأ بالتوحيد، ثم الصلاة، أما في المنهيات فنهى عن أشياء كثيرةٍ وهو في مكة عليه الصلاة والسلام.

س: ...............؟

ج: إذا تيسرت الصدقة أو غيرها فطيبٌ.

س: ...............؟

ج: التوحيد أول الواجبات، أول شيءٍ دعوة لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، أن يقولوا: لا إله إلا الله، وأن يؤمنوا به.

س: إذا كان الكافر فقيرًا يُعطى من الزكاة؟

ج: إذا كان مُؤلَّفًا من الرؤساء والسادة الذين يُطاعون ويُتبعون؛ لأن الله جعل لهم حقًّا في الزكاة: المؤلفة قلوبهم، أما عامتهم فهناك خلافٌ: هل يُعطون أو ما يُعطون على سبيل التأليف؟ أما السادة والرؤساء فيُعطون بلا شكٍّ؛ لأن إعطاءهم يُسبب ثباتهم في الإسلام، أو دخولهم في الإسلام، أو إسلام نُظرائهم ومَن يتبعهم.

س: حجة مَن قال أن الزكاة خاصةٌ بأهل البلد وما تُنقل؟

ج: ظاهر حديث معاذٍ هذا: تُؤخذ من أغنيائهم وتُردّ في فُقرائهم في غير هذه الرواية. نعم.

س: ..............؟

ج: على كلٍّ إذا أنكر الشهادتين ما تنفعه الصلاة، إذا قال: ما أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ما تنفعه الصلاة ولا غيرها، يكون كافرًا، ولو صلَّى.

س: ..............؟

ج: يكون كافرًا حتى يشهد أن محمدًا رسول الله. نعم.

س: الصواب في نقل الزكاة من البلد؟

ج: الصواب أنها تُنقل، يجوز نقلها، لكن إن كان الفقراء الذين في البلد بحاجةٍ بدأ بهم، لكن لو نُقلت أجزأت، صحَّت، لكن هم أولى من غيرهم عند حاجتهم أو كثرتهم.

س: وإن نُقلت؟ وإن كانت هناك حاجةٌ؟

ج: وإن نُقلت أجزأت؛ لأنها صدقةٌ صُرفت في الفقراء، ولو كان في بلدٍ آخر، كما نُقلت للنبي ﷺ في المدينة، تُنقل من القبائل، وتُنقل من اليمن إلى المدينة. نعم.

باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصَّدقة

وقوله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ [التوبة:103].

1497- حدثنا حفص بن عمر: حدثنا شعبة، عن عمرو، عن عبدالله ابن أبي أوفى قال: كان النبي ﷺ إذا أتاه قومٌ بصدقتهم قال: اللهم صلِّ على آل فلان، فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صلِّ على آل أبي أوفى.

الشيخ: وفيه الدعاء لمن أتى بالصدقة وأدَّاها، يُدعا له: اللهم صلِّ على آل أبي أوفى، اللهم أخلف عليه، اللهم بارك له فيما خلف. يُدعا له، هذا من تطييب النفس، ومن مقابلة الفعل الطيب بالقول الطيب، وهذا فيه جواز الصلاة على بعض الناس، وأنها لا تخص الأنبياء والمرسلين، لكن لا تكون شعارًا لبعض الناس، إذا فعله بعض الأحيان مع بعض الناس: صلَّى الله على آل فلان، صلَّى الله عليك يا فلان، لما أدَّى نفقته؛ لقوله ﷺ: اللهم صلِّ على آل أبي أوفى، نعم، يعني: أثنِ عليهم، صلِّي عليه: أثنِ عليه وارحمه.

س: عندي: اللهم صلِّ على فلانٍ؟

ج: والذي عندكم أيش هو؟

قارئ المتن: اللهم صلِّ على آل فلان.

الشيخ: تكلم الشارح في الرواية.

قوله: "قال: اللهم صلِّ على فلانٍ" في رواية غير أبي ذرٍّ: على آل فلانٍ.

الشيخ: صارت نسخةً، لا بأس، رواية.

س: ...............؟

ج: هذا الدعاء، أو مثله. نعم.

باب ما يُستخرج من البحر

وقال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: ليس العنبر بركازٍ، هو شيءٌ دسره البحر.

وقال الحسن: في العنبر واللؤلؤ الخمس، فإنما جعل النبي ﷺ في الرِّكاز الخمس، ليس في الذي يُصاب في الماء.

الشيخ: وهذا القول ضعيفٌ، ما يخرج من البحر ليس بركازٍ، فما يأخذه الغوَّاصون من البحر من اللؤلؤ أو الصَّدف النافع أو غير ذلك لا يُسمَّى ركازًا، هذا ملكٌ لهم يتصرفون فيه، ليس بشيءٍ، لكن إذا حال عليه الحولُ وهو للتِّجارة زكَّاه زكاة التجارة.

الرِّكاز: الذي في الجاهلية في البرِّ. نعم.

وقال الحسن: في العنبر واللؤلؤ الخمس.

الشيخ: قولٌ ضعيفٌ. نعم.

فإنما جعل النبي ﷺ في الركاز الخمس، ليس في الذي يُصاب في الماء.

الشيخ: هذا المؤلف يردّ على الحسن. نعم.

1498- وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبدالرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ: أن رجلًا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل بأن يُسلفه ألف دينارٍ، فدفعها إليه، فخرج في البحر، فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبةً فنقرها، فأدخل فيها ألف دينارٍ، فرمى بها في البحر، فخرج الرجل الذي كان أسلفه، فإذا بالخشبة، فأخذها لأهله حطبًا. فذكر الحديث، فلما نشرها وجد المال.

الشيخ: يعني: الشاهد أن الرسول ﷺ ما قال: إنها ..... الزكاة، أو قال: إن عليه الزكاة، مع أنه وجدها في الخشبة، فليست ركازًا، وهذه من آيات الله، لما كان الرجل صادقًا حريصًا على وفاء الدَّين من شدّة حرصه جعلها في خشبةٍ ورمى بها وقال: اللهم إني أردتُ أن أجد مركبًا؛ لأني وعدته أن أُعطيه حقَّه، ولم أجد مركبًا. ثم رماها في البحر واستودعها الله، والله أجراها حتى وصلت إلى صاحب الحقِّ وأخذها، خشبة ..... حطب، فلمَّا نشرها وجد بها المال. نعم.

أيش قال الشارح على: وقال الليث؟

س: ..............؟

ج: لا، هذا من إضاعة المال، ما يجوز، هذا في شرع مَن قبلنا، النبي ﷺ نهى عن إضاعة المال. نعم.

قوله: "وقال الليث ..." إلخ، هكذا أورده مُختصرًا، وقد أورده ثم وصله في "البيوع"، وسيأتي الكلامُ عليه مُستوفًى هناك -إن شاء الله تعالى-، ووقع هنا في روايتنا من طريق أبي ذرٍّ مُعلَّقًا، ووصله أبو ذرٍّ فقال: حدثنا علي بن وصيف: حدثنا محمد بن غسان: حدثنا عبدالله بن صالح: حدثنا الليث به.

وقرأتُ بخط الحافظ أبي علي الصّدفي هذا الحديث: رواه عاصم بن علي، عن الليث. فلعل البخاري إنما لم يُسنده عنه لكونه ما سمعه منه، أو لأنه تفرد به فلم يُوافقه عليه أحدٌ. انتهى.

والأول بعيدٌ، سلمنا، لكن لم ينفرد به عاصم، فقد اعترف أبو عليٍّ بذلك، فقال في آخر كلامه: رواه محمد بن رمح، عن الليث.

قلت: وكأنه لم يقف على الموضع الذي وصله فيه البخاري، عن عبدالله بن صالح، وبالله التوفيق.

قال الإسماعيلي: ليس في هذا الحديث شيءٌ يُناسب الترجمة، رجلٌ اقترض قرضًا فارتجع قرضه!

وكذا قال الداودي: حديث الخشبة ليس من هذا الباب في شيءٍ.

الشيخ: يعني: اعترضا على البخاري، ما له محلٌّ، هذا مقصوده، البخاري ذكره هنا، ما له مناسبة. نعم.

وأجاب أبو عبدالملك بأنه أشار به إلى أن كل ما ألقاه البحرُ جاز أخذه، ولا خمسَ فيه.

وقال ابن المنير: موضع الاستشهاد منه: أخذ الرجل الخشبة على أنها حطبٌ، فإذا قلنا: إن شرع مَن قبلنا شرعٌ لنا، فيُستفاد منه إباحة ما يلفظه البحر من مثل ذلك مما نشأ في البحر، أو عطب فانقطع ملك صاحبه، وكذلك ما لم يتقدم عليه ملكٌ لأحدٍ من باب الأولى، وكذلك ما يحتاج إلى معاناةٍ وتعبٍ في استخراجه أيضًا.

وقد فرَّق الأوزاعي بين ما يوجد في الساحل فيُخمس، أو في البحر بالغوص أو نحوه فلا شيء فيه.

وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب فيه شيءٌ، إلا ما رُوي عن عمر بن عبدالعزيز كما أخرجه ابن أبي شيبة، وكذا الزهري والحسن كما تقدّم، وهو قول أبي يوسف، ورواية عن أحمد.

الشيخ: الصواب قول الجمهور: لا شيء فيه، ووجه استشهاد البخاري دقيقٌ رحمه الله؛ لأن الرسول ﷺ ذكر الخشبة، وذكر الألف، ولم يقل: إن صاحبها عليه زكاةٌ، سكت، ولا قال: عليه خمسٌ، سكت، فدل على أنه إذا وجد شيئًا في البحر ما عليه شيءٌ، ولو كان شرع مَن قبلنا شرعًا لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، وهذا شرعنا لم يأتِ بخلافه، ما قال: على مَن أخذ من البحر شيئًا كذا وكذا. فدل ذلك على أنه إذا أخذ من البحر شيئًا –عنبرًا، أو لؤلؤًا، أو خشبةً، أو سمكًا، أو غير ذلك- ليس عليه زكاةٌ حتى يحول عليه الحولُ، إذا كان ذهبًا، أو فضةً، أو للتِّجارة. نعم.

بابٌ في الركاز الخمس

وقال مالكٌ وابن إدريس: الركاز: دفن الجاهلية، في قليله وكثيره الخمس، وليس المعدنُ بركازٍ.

وقد قال النبي ﷺ: في المعدن جُبَارٌ، وفي الركاز الخمس.

وأخذ عمر بن عبدالعزيز من المعادن من كل مئتين خمسةً.

وقال الحسن: ما كان من ركازٍ في أرض الحرب ففيه الخمس، وما كان من أرض السلم ففيه الزكاة، وإن وجدت اللُّقطة في أرض العدو فعرفها، وإن كانت من العدو ففيها الخمس.

الشيخ: ليس بشيءٍ، هذا ليس بشيءٍ، رحمه الله.

وقال بعض الناس: المعدن ركازٌ، مثل: دفن الجاهلية.

الشيخ: كذلك ليس بشيءٍ؛ ولهذا قال: "قال بعض الناس" للردِّ عليه.

 

لأنه يُقال: "أركز المعدن" إذا خرج منه شيءٌ.

قارئ المتن: أو أركز المعدن؟

الشيخ: خرج أو أخرج؟

قارئ المتن: أركز.

الشيخ: إذا خرج أو أخرج؟

قارئ المتن: إذا خرج منه شيءٌ.

الشيخ: الشارح قال: خرج أو أخرج؟

إذا خرج معناه: أركز المعدن، لكن مَن يقول هذا؟! ما يُعول عليه، وإن كان أخرج يعني: أركز المعدن الشخص.

قارئ المتن: خرج.

الشيخ: نعم.

س: ما معنى جُبَار؟

ج: جُبَار يعني: هدر، المعدن جبار، والبئر جبار، والعجماء جبار، يعني: ما فيها شيءٌ لو طاح ..... أو المطية ..... فهو هدرٌ، إلا إذا كان صاحب البئر أو الدابة أو المعدن قد تعدَّى على الناس.

قيل له: قد يقال لمن وُهب له شيءٌ أو ربح ربحًا كثيرًا أو كثر ثمرُه: أركزت. ثم ناقض وقال: لا بأس أن يكتمه فلا يُؤدي الخمس.

الشيخ: هذا غلطٌ، هذا غلطٌ، لا يجوز أن يكتمه، بل يجب عليه أن يؤدي الخمس. نعم.

1499- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن ابن شهابٍ، عن سعيد بن المسيب. وعن أبي سلمة ابن عبدالرحمن، عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: العجماء جُبَارٌ، والبئر جُبَارٌ، والمعدن جُبَارٌ، وفي الرِّكاز الخمس.

باب قول الله تعالى: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة:60] ومحاسبة المصَّدِّقين مع الإمام

1500- حدثنا يوسف بن موسى: حدثنا أبو أسامة: أخبرنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي حميدٍ الساعدي قال: استعمل رسول الله ﷺ رجلًا من الأسد على صدقات بني سليم يُدعى: ابن اللُّتبية، فلما جاء حاسبه.

الشيخ: وهذا ..... على ما قبضوا، ويقبض منهم ما معهم، ويُحذِّرهم من الغلول كما فعل مع ابن اللتبية.

س: إذا كانت لهم رواتب هل لهم حقٌّ أن يأخذوا .....؟

ج: لا، ما لهم حقٌّ إلا بإذن الإمام، على ما فصل لهم الإمام، يُعين لهم أجورهم –يعني: عمالتهم-، وليس لهم أن يأخذوا زيادةً، يكون غلولًا. نعم.

س: وإذا لم يوجد إمامٌ؟

ج: كلٌّ يُخرج زكاته بنفسه، ما هناك عمالٌ، العمال الذين يبعثهم ولي الأمر والأمير والسلطان، فإذا لم يكن هناك إمامٌ كلٌّ يُخرج زكاته بنفسه على الفقراء. نعم.

س: أهل البلد إذا اجتمعوا وبعثوا زكاتهم إلى مدينةٍ أخرى؟

ج: هؤلاء ما هم بعمالٍ، هؤلاء أرسلوا الزكاة عن طريق وكيلٍ لهم، يصير وكيلًا، نعم. يُعطونهم من غير الزكاة، يُعطونهم أجرةً عن تعبهم.

باب استعمال إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل

1501- حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن شعبة: حدثنا قتادة، عن أنسٍ : أن ناسًا من عرينة اجتووا المدينة، فرخص لهم رسول الله ﷺ أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فقتلوا الراعي، واستاقوا الذَّود، فأرسل رسول الله ﷺ، فأُتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمَّر أعينهم، وتركهم بالحرَّة يعضون الحجارة. تابعه أبو قلابة، وحميد، وثابت، عن أنسٍ.

الشيخ: وفي هذا قوة ولي الأمر في الأمور العظيمة، وأنه ينبغي أن تكون عنده قوة وشدة على المجرمين وقُطَّاع الطريق؛ لأن هؤلاء فسادهم عظيمٌ، فيجب أن يكون ولي الأمر في غايةٍ من الشدة عليهم؛ ولهذا شرع الله في حقِّهم أن تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ؛ لأن فسادهم عظيمٌ: إذا أخافوا الطرق، وأخذوا أموال الناس، وقتلوا الناس، فهذا شرهم ما له نهاية؛ ولهذا لم يرحمهم ﷺ، بل لما جِيء بهم أمر أن تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ، وأن تُسمل أعينهم كما فعلوا بالراعي، سمل أعينهم بالمسامير الحامية كما فعلوا بالراعي، وتركهم في الشمس يستسقون فلا يُسقون، ولم يُحسموا حتى ماتوا، فهذه عقوبةٌ عظيمةٌ شديدةٌ؛ لشدة جُرمهم: قتلوا الراعي، سملوا عينه، وأخذوا الإبل وذهبوا بها، نعم. نسأل الله السلامة. نعم.

س: حديث: لا يُعذِّب بالنار إلا ربُّ النار، ومع هذا سمل أعينهم .....؟

ج: هذا قصاصٌ؛ لأنهم فعلوا بالراعي، فلا يُعذَّبوا بالنار إلا إذا كانوا فعلوا هم، من باب القصاص يعني.

ومقتضى هذا أنهم إذا حرَّقوه يُحرقون، وإذا شوَّهوه بالمسامير يُشوهون ..... قصاص، أما أن يُعذَّب بدون شيءٍ، إن قتل بالسيف ما يُعذَّب بالنار، يُقتل بالسيف، قتل بغرقٍ يُقتل بغرقٍ، ما يُعذَّب بالنار، قتل بشيءٍ آخر: سقاه سُمًّا، يُسقى سُمًّا. نعم.

س: والذي يُمثِّل يُمثَّل به؟

ج: مَن يُمثِّل يُمثَّل به، قطع يده، تُقطع يده.

س: .............؟

ج: التمثيل هذا ابتدائي، ابتداءً يُنهى عنه، أما قصاصًا فلا بأس. نعم.

س: .............؟

ج: هذا ليس بشيءٍ.

س: .............؟

ج: ما هو بصحيحٍ، ليس بصحيحٍ.

س: .............؟

ج: الواجب أن تُخرج منها، إلا إذا كانت هناك مصلحةٌ للفقراء في النقود، أجازها جماعةٌ من أهل العلم، أو كان المالك ما عنده، يشق عليه المجيء بالغنم أو الإبل .....، وليس عنده إلا النقود، ويشق عليه التماس المطلوب، فأجاز جمعٌ من أهل العلم أنه يسلم؛ لأن هذا قول ..... من المواساة.

س: .............؟

ج: حرقهم، ولكن أنكر عليه ابن عباسٍ وجماعةٌ ، من شدة غضبه حرق الذين غلوا فيه، خَدَّ لهم الأخاديد، ولكن في هذا قال ابن عباسٍ: أحب إليَّ أن يقتلهم بالسيف.

ثم السنة حاكمةٌ على الناس، حاكمةٌ على عليٍّ، وعلى غير عليٍّ، لكن هو من شدة غضبه عليهم وغيرته فعل ذلك.