باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة

باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة

1905- حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: بينا أنا أمشي مع عبدالله ، فقال: كنا مع النبي ﷺ، فقال: مَن استطاع الباءةَ فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاءٌ.

الشيخ: هذا الحديث العظيم فيه فوائد:

منها: ما ترجم له المؤلف، وهو الصوم لمن خاف شرَّ العزبة .....، ما عنده زوجة ..... يعني: يُشرع له الصوم؛ لأن الصوم معينٌ على تضييق مجاري الشيطان، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يُضيق ذلك، فيُشرع لمن خاف شرَّ العزوبة أن يصوم: كالشباب وغيرهم ممن يخاف ذلك؛ لهذا الحديث، قال ﷺ: يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاءٌ، وإن كان في ..... الشباب فيكون في حكم مَن كان مثلهم ممن يخاف العزوبة من الشيبان والكهول.

وفيه من الفوائد: الحث على الزواج لمن استطاع، والبدار وعدم التأخر؛ لأنه غضٌّ للبصر، وإحصانٌ للفرج، فدل على أن المؤمن مطلوبٌ منه أن يجتهد في أسباب غضِّ البصر، وأسباب إحصان الفرج، كما قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30]، فالأمر بغضِّ البصر وحفظ الفرج أمرٌ بالأسباب الأخرى التي تُعين على ذلك.

وهكذا قوله جلَّ وعلا: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32]، الأيامى: مَن ليس لها زوجٌ، وليس له زوجةٌ، الرجل الذي ليس له زوجٌ، والمرأة التي ليس لها زوجٌ يقال لهم: أيامى، فأمر الله بإنكاحهم: بتزويجهم.

وكثيرٌ من الناس يتساهل في هذا الأمر، ويتعلل بعللٍ لا وجهَ لها، هذا يقول: حتى أُكمل الدراسة. وهذا يقول: حتى أعمر بيتًا، أو أشتري بيتًا. وهذا يقول كذا، ما ينبغي هذا، هذا غلطٌ، ينبغي البدار بالزواج حسب الطاقة، ولو كنت في الدراسة، ولو كنت تستأجر فلا تُؤخّره؛ لأن المصلحة كبيرةٌ، والخطأ في عدم الزواج مع القدرة عظيمٌ، والحديث المذكور من أصح الأحاديث، وهو مما اتَّفق عليه الشيخان. نعم.

س: ..............؟

ج: عبدالله بن مسعود، نعم.

باب قول النبي ﷺ: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتُموه فأفطروا

وقال صلة: عن عمار: مَن صام يوم الشَّك فقد عصى أبا القاسم ﷺ.

1906- حدثنا عبدالله بن مسلمة: حدثنا مالك، عن نافعٍ، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ ذكر رمضان فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تُفطروا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له.

1907- حدثنا عبدالله بن مسلمة: حدثنا مالك، عن عبدالله بن دينار، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: الشهر تسعٌ وعشرون ليلةً، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العِدَّة ثلاثين.

1908- حدثنا أبو الوليد: حدثنا شعبة، عن جبلة بن سحيم قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال النبي ﷺ: الشهر هكذا وهكذا، وخنس الإبهام في الثالثة.

1909- حدثنا آدم: حدثنا شعبة: حدثنا محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال النبي ﷺ -أو قال: قال أبو القاسم ﷺ-: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُبي عليكم فأكملوا عِدَّة شعبان ثلاثين.

1910- حدثنا أبو عاصم، عن ابن جُريج، عن يحيى بن عبدالله بن صيفي، عن عكرمة بن عبدالرحمن، عن أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ آلى من نسائه شهرًا، فلما مضى تسعةٌ وعشرون يومًا غدا أو راح، فقيل له: إنك حلفتَ ألا تدخل شهرًا! فقال: إن الشهر يكون تسعةً وعشرين يومًا.

1911- حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله: حدثنا سليمان بن بلال، عن حميدٍ، عن أنسٍ قال: آلى رسول الله ﷺ من نسائه، وكانت انفكَّت رجله، فأقام في مشربةٍ تسعًا وعشرين ليلةً، ثم نزل، فقالوا: يا رسول الله، آليتَ شهرًا! فقال: إن الشهر يكون تسعًا وعشرين.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها واضحةٌ في أن العُمدة على الرؤية أو إكمال العِدَّة، هذا هو الذي شرعه الله لعباده، وأمرهم به المصطفى عليه الصلاة والسلام، المقصود بالعِدّة هو أن نُكمل العِدَّة، فإن غُبي الشهر أو غُمَّ علينا أكملنا ثلاثين صومًا، وأكملنا ثلاثين شعبان دخولًا، هذا هو الواجب من حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة وغيرهما، كلها واضحةٌ في هذا المعنى، ولم يعرج النبي ﷺ على حسابٍ، فلم يقل: انظروا في ..... الهلال، واحسبوا ما يتعلق ..... الهلال وخروجه وعدم خروجه، بل علَّق الحكم بالرؤية وإكمال العِدّة: فإن غُبي عليكم غُمَّ عليكم فأكملوا العِدَّة ثلاثين فاقدروا له ثلاثين، فأكملوا عِدَّة شعبان ثلاثين، وقال: الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا يعني: هكذا ثلاث مراتٍ، وخنس الإبهام في الثالثة، يعني: تسعًا وعشرين، والشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، بالعشر جميعًا ثلاث مراتٍ، يعني: ثلاثين، فإن غمَّ عليكم فأكملوا العِدَّة، وفي الرواية الأخرى: فصوموا ثلاثين ..... أكملوا عِدَّة شعبان ثلاثين.

فهذا هو الواجب على الأمة أينما كانت في شرق البلاد وغربها: في السعودية، أو في المغرب، أو في أمريكا، أو في أوروبا، أو في أي مكانٍ، هو خطابٌ للأمة، يُخاطب الأمة جميعًا، ما يُخاطب أهل المدينة، يُخاطب الأمة كلها إلى يوم القيامة.

فالذين ..... بالحساب غلطهم عظيمٌ، وشرُّهم كبيرٌ، لا تجوز مُعارضة الرؤية بالحساب، ولو اجتمع الحسَّابون كلهم فهم غير معصومين، ولا يُعتدّ بإجماعهم، ولا بخلافهم، وإنما العُمدة على النصوص، فلا يجوز التعويل على الحسَّابين، ولا يجوز للعالم ولا القاضي ولا غيرهما أن يعتمدوا على الحساب، فالرسول ..... وأبطله، وقال: إنا أُمَّةٌ أُميةٌ، لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تُفطروا حتى تروا الهلال، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العِدَّة ثلاثين عدة رمضان ثلاثين، وعِدّة شعبان ثلاثين.

وذكر أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إجماع أهل العلم على أنه لا يجوز الاعتماد على خبر الحسَّابين في مولد الهلال أو عدم مولده، هذا أمرٌ معلومٌ من الدين بالضَّرورة، فيجب الانتباه لهذا، ولا يجوز أن يغترَّ أحدٌ بما يقول الحسَّابون وتشويشهم، والواجب على مَن فعل ذلك وشوَّش على الناس الواجب أن يُعزر ويُؤدب ويُمنع من نشر أفكاره الباطلة. نعم.

س: إذا وجدت بعض دول العالم الإسلامي تعتمد على الحساب، وهناك عصبةٌ تعتمد على الرؤية، فهل يعتمدون مع دولتهم، أو يعتبرون بالرؤية؟

ج: الذي يظهر من الأدلة الشرعية الاعتماد على الرؤية، وقول الرسول ﷺ: الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تُفطرون يُحمل على ذلك، وأنه يصوم معهم إذا اعتمدوا الشرع، وإذا لم يعتمدوا الشرع فالعُمدة على الرؤية، لا يجوز الاعتماد على الحساب، يقول النبي ﷺ: إنما الطاعة في المعروف، لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق.

ثم على قول الجمهور أن الرؤية تعمّ، فإذا ثبت في مكة بالرؤية الشرعية عمّ الناس، أو في مصر، أو في الشام، أو في العراق، أو في أي مكانٍ، إذا ثبت الهلال، حكم حاكمٌ شرعيٌّ بثبوت رؤية الهلال يُعتمد عليه أو يُوثق به؛ فإنه يعمّ الأُمَّة.

وقال الآخرون: لكل دولةٍ رُؤيتها، إذا كانت تعتمد الرؤية فلها رؤيتها.

وقد رجَّح هذا جماعةٌ من أهل العلم؛ لئلا يقع النزاع والاختلاف، واعتمدوا على ما ثبت عن ابن عباسٍ في مسلم: أن أم الفضل أرسلت كريبًا لحاجةٍ إلى الشام -مولى ابن عباسٍ- فقدم في آخر شهر رمضان، وسأله ابن عباسٍ: متى صمتم؟ قال: صُمنا يوم الجمعة، ورأى الناسُ الهلال، ورآه معاويةُ، وصامه الناس، وصام معاوية. فقال ابن عباسٍ: لكنا رأيناه يوم السبت، فلا نزل نصوم حتى نُكمل العِدَّة أو نرى الهلال، هكذا أمرنا نبينا ﷺ بقوله: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته.

واحتجَّ بعض الناس بحديث ابن عباسٍ على أن لكل أهل بلدٍ رؤيتهم، ما هو بالحساب، بالرؤية.

وهذا القول رجَّحه جماعةٌ، وصدر من مجلس هيئة كبار العلماء عندنا قرارٌ بأنه لا مانع من هذا: من اعتماد كل دولةٍ على رؤيتها .....؛ حذرًا من النزاع والاختلاف.

هذا وجه هذا القول: أثر ابن عباسٍ.

أما الأدلة العامَّة والظاهرة فهي تدل على أن الواجب على الأمة أن تصوم إذا ثبتت رؤية الهلال عندنا مثلًا، أو في محكمةٍ شرعيةٍ أخرى تُعتمد وجب على الأمة، لكن إذا اعتمدت الدولةُ على رؤية بلادها أو عُلمائها -كما قال جماعةٌ من أهل العلم- فلا بأس، مثلما قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما.

أما الاعتماد على الحساب فلا وجهَ له، ولا قائلَ به يُعتمد، يُروى عن بعض التابعين أنه كان يعتمد في نفسه، لكنه قولٌ باطلٌ لا وجهَ له، ولو قاله بعض التابعين؛ ولهذا حكى أبو العباس ابن تيمية رحمه الله -وهو من أعلم الناس بالإجماع والخلاف- حكى إجماع العلماء على أنه لا يجوز الاعتماد على الحساب: لا في الدخول، ولا في الخروج.

س: أحسن الله إليك، المطالع ما تختلف؟

ج: المطالع تختلف؛ لأن الاعتماد على الرؤية ولو اختلفت المطالع؛ لأن النبي ﷺ عمم الأمة فقال: صوموا، يُخاطب الأمة، يقول العارفون: أن رؤيته -في الغالب- في الغرب أكثر وأوسع؛ لأن الشمس تتأخر فتكون رؤيته من جهة الغرب أكثر وأمكن، يعني: بخلاف الشرقيين، فإن الرؤية تختلف في الشرق، ..... تختلف. نعم.

............

س: قوله: والشهر تسعٌ وعشرون؟

ج: يعني: هذا الأساس، هذا الأصل، فقد يتم، وقد ينقص، الأصل تسعٌ وعشرون، فإذا رُئي في تسعٍ وعشرين وجب الصوم أو الإفطار ..... الإكمال.

س: .............؟

ج: يستأنس بها، ولا يعتمد عليها في شيءٍ من جهة المولد: مولد الهلال، بل يستأنس بها على الرؤية .....، وإلا فلا يعتمد عليها، إذا قال ..... ما يكفي، لا بد من رؤيةٍ بالعين، سواء كان من طريق المنظار، أو من غير المنظار، أو في جبلٍ، أو في منارةٍ، فقط بالعين، العمدة على العين، ولو كان في جبلٍ، أو في منارةٍ، أو في مرصدٍ، الحكم بالعين، ما هو بالحساب.

س: لو صام في بلده، ثم في آخر الشهر ذهب إلى بلدٍ إسلاميٍّ آخر، فأفطر هذا البلد الأخير الذي هو فيه، وبلده لم يُفطر بعد؟

ج: يُفطر معهم، وإن كان ناقصًا عن تسعٍ وعشرين يقضي .....؛ لأن الشهر لا ينقص عن تسعٍ وعشرين؛ لقوله ﷺ: الفطر يوم تُفطرون، والأضحى يوم تُضحون، نعم.

مداخلة: في أقوالٍ ذكرها الحافظ أنه يجوز للحاسب.

الشيخ: اقرأها، أيش يقول؟

قوله: لا تصوموا حتى تروا الهلال ظاهره إيجاب الصوم حين الرؤية متى وُجدت ليلًا أو نهارًا، لكنه محمولٌ على صوم اليوم المستقبل، وبعض العلماء فرَّق بين ما قبل الزوال أو بعده.

وخالف الشيعةُ الإجماع فأوجبوه مطلقًا، وهو ظاهرٌ في النهي عن ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال، فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها، ولو وقع الاقتصار على هذه الجملة لكفى ذلك لمن تمسَّك به، لكن اللفظ الذي رواه أكثر الرواة أوقع للمُخالف شبهةً، وهو قوله: فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له.

الشيخ: ..............

فاحتمل أن يكون المراد التَّفرقة بين حكم الصَّحو والغيم، فيكون التعليق على الرؤية مُتعلقًا بالصحو، وأما الغيم فله حكمٌ آخر.

ويحتمل أن لا تفرقةَ، ويكون الثاني مُؤكِّدًا للأول.

الشيخ: والنبي ﷺ قال: غُمَّ، ما بقي شيءٌ، وضَّح: فأكملوا العِدَّة ثلاثين، صرَّح بالغُمَّة. نعم.

وإلى الأول ذهب أكثر الحنابلة، وإلى الثاني ذهب الجمهور فقالوا: المراد بقوله: فاقدروا له أي: انظروا في أول الشهر واحسبوا تمام الثلاثين، ويُرجح هذا التأويل الروايات الأُخر المصرِّحة بالمراد، وهي ما تقدم من قوله: فأكملوا العِدَّة ثلاثين.

الشيخ: وهذا الصواب، وقول بعض الحنابلة أنه في الغيم يُعتمد التضييق ويُصام يوم الشك اتباعًا لابن عمر هذا غلطٌ: غلطٌ من القائل، وغلطٌ من ابن عمر ، والصواب ما قاله جمهور أهل العلم وجمهور الصحابة: أنه لا يجوز الاعتماد على صوم يوم الشك عند الغيم، بل يجب أن يُفطر يوم الشك، كما قال عمارٌ عن النبي ﷺ: "مَن صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم ﷺ"، مطلقًا: غيمًا أو صحوًا.

واجتهاد ابن عمر اجتهادٌ مخالفٌ للسنة، ولا يجوز أن يُوافق اجتهاده على السنة، وهكذا مَن تابعه من الحنابلة أو غيرهم، فهذا اجتهادٌ مخالفٌ للسنة، فوجب الرجوع إلى السنة، وألا يُصام: لا في غيمٍ، ولا في صحوٍ يوم الثلاثين.

وكان ابن عمر يذهب ..... فينظر ليلة ثلاثين، فإن كان غيمًا صام، وإن كان صحوًا أفطر، وهذا اجتهادٌ منه، وليس بمعصومٍ ، له اجتهاداتٌ مخالفةٌ للصواب، فالصواب أن العمدة على السنة، ومَن خالف السنة لا يُعول على قوله، ولو كان الصديق، ولو كان عمر، ولو كان عثمان، ولو كان عليٌّ، ولو كان غيرهم، ومَن بعدهم من باب أولى؛ لأن الله يقول: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، ويقول جلَّ وعلا: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، ويقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [الحشر:7]، ويقول: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور:54]، وقد بلغنا.

وقُصارى ما يُقال عن العالم إذا خالف أنه اجتهد، والله يغفر له، ومع اجتهاده له أجرٌ واحدٌ إذا لم يتعمد الخطأ، وقد يكون له أجران في بعض الأحيان.

س: يُؤخذ برواية الصحابي ولا يُؤخذ برأيه؟

ج: العُمدة على روايته، نعم.

ونحوها، وأولى ما فسر الحديث بالحديث.

الشيخ: نعم، مثلما قال المؤلف: أولى ما فسر الحديث بالحديث. صدق، لا بآراء الناس، نعم.

وقد وقع الاختلاف في حديث أبي هريرة في هذه الزيادة أيضًا؛ فرواها البخاري كما ترى بلفظ: فأكملوا عِدَّة شعبان ثلاثين، وهذا أصرح ما ورد في ذلك، وقد قيل: إن آدم شيخه انفرد بذلك، فإن أكثر الرواة عن شعبة قالوا فيه: فعدّوا ثلاثين.

الشيخ: المعنى واحدٌ: عدُّوا ثلاثين، أو أكملوا ثلاثين، كله واحدٌ.

أشار إلى ذلك الإسماعيلي، وهو عند مسلمٍ وغيره، قال: فيجوز أن يكون آدم أورده على ما وقع عنده من تفسير الخبر.

قلت: الذي ظنه الإسماعيلي صحيحٌ، فقد رواه البيهقي من طريق إبراهيم بن يزيد، عن آدم بلفظ: فإن غُمَّ عليكم فعدُّوا ثلاثين يومًا يعني: عدُّوا شعبان ثلاثين، فوقع للبخاري إدراج التفسير في نفس الخبر، ويؤيد رواية أبي سلمة، عن أبي هريرة بلفظ: لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين، فإنه يُشعر بأن المأمور بعدِّه هو شعبان.

وقد رواه مسلمٌ من طريق الربيع بن مسلم، عن محمد بن زياد بلفظ: فأكملوا العدد، وهو يتناول كل شهرٍ، فدخل فيه شعبان.

وروى الدارقطني وصححه وابن خزيمة في "صحيحه" من حديث عائشة: كان رسول الله ﷺ يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غُمَّ عليه عدَّ ثلاثين يومًا، ثم صام.

وأخرجه أبو داود وغيره أيضًا، وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة من طريق ربعي، عن حذيفة مرفوعًا: لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تُكملوا العِدَّة، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تُكملوا العِدَّة، وقيل: الصواب فيه عن ربعي، عن رجلٍ من الصحابة مُبهمٍ، ولا يقدح ذلك في صحَّته.

الشيخ: والمعنى واحدٌ، سواء كان الصحابي معينًا أو مُبهمًا، ثم هذا يعمّ الناس، يعمّ البادية والحاضرة، ..... يعرفونه الحاضرة والبادية، ما يحتاج لأحدٍ، والحساب إنما يعرفه الخواصُّ من الناس، أما الرؤية وإكمال العِدَّة فهو يعمّ الحاضرة والبادية، ويعم العامَّة والعلماء، كلهم يعرفون هذا الشيء، يُشاهدون الهلال ويعرفون ..... نعم.

قال ابن الجوزي: في التحقيق لأحمد في هذه المسألة -وهي ما إذا حال دون مطلع الهلال غيمٌ أو قترٌ ليلة الثلاثين من شعبان- ثلاثة أقوالٍ:

أحدها: يجب صومه على أنه من رمضان.

ثانيها: لا يجوز فرضًا ولا نفلًا مطلقًا، بل قضاءً وكفَّارةً ونذرًا ونفلًا يُوافق عادةً. وبه قال الشافعي، وقال مالك وأبو حنيفة: لا يجوز عن فرض رمضان، ويجوز عما سوى ذلك.

ثالثها: المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر.

واحتج الأول بأنه موافقٌ.

الشيخ: لعله يكفي، لعله يكفي.

القارئ: لا، بعدها قال: قوله: فاقدروا له تقدم أن للعلماء فيه تأويلين، وذهب آخرون إلى تأويلٍ ثالثٍ قالوا: معناه: فاقدروه بحساب المنازل. قاله أبو العباس ابن سريج من الشافعية.

الشيخ: هذا قولٌ باطلٌ، قول ابن سريج هذا خالفه العلماء، قول حدث في الإسلام.

ومطرف بن عبدالله من التابعين، وابن قتيبة من المحدثين.

قال ابن عبدالبر: لا يصح عن مطرف، وأما ابن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه في مثل هذا.

الشيخ: يعني: ليس من المحدثين، إنما من أئمة اللغة.

قال: ونقل ابن خويز منداد عن الشافعي مسألة ابن سريج، والمعروف عن الشافعي ما عليه الجمهور.

ونقل ابن العربي عن ابن سريج أن قوله: فاقدروا له خطابٌ لمن خصَّه الله بهذا العلم، وأن قوله: فأكملوا العِدّة خطابٌ للعامَّة.

قال ابن العربي: فصار وجوب رمضان عنده مُختلف الحال: يجب على قومٍ بحساب الشمس والقمر، وعلى آخرين بحساب العدد. قال: وهذا بعيدٌ عن النبلاء.

الشيخ: صدق، بعيدٌ عن النبلاء وغير النبلاء، بعيدٌ حتى في العامَّة؛ لأنه مُصادمٌ للنصوص.

وقال ابن الصلاح: معرفة منازل القمر هي معرفة سير الأهلة، وأما معرفة الحساب فأمرٌ دقيقٌ يختص بمعرفته الآحاد.

قال: فمعرفة منازل القمر تُدرك بأمرٍ محسوسٍ يُدركه مَن يُراقب النجوم، وهذا هو الذي أراده ابن سريج، وقال به في حقِّ العارف بها في خاصَّة نفسه، ونقل الروياني عنه أنه لم يقل بوجوب ذلك عليه، وإنما قال بجوازه، وهو اختيار القفال وأبي الطيب.

وأما أبو إسحاق في "المهذب" فنقل عن ابن سريج لزوم الصوم في هذه الصورة، فتعددت الآراء في هذه المسألة بالنسبة إلى خصوص النظر في الحساب والمنازل:

أحدها: الجواز، ولا يُجزئ عن الفرض.

ثانيها: يجوز ويُجزئ.

ثالثها: يجوز للحاسب ويُجزئه، لا للمنجم.

رابعها: يجوز لهما، ولغيرهما تقليد الحاسب دون المنجم.

خامسها: يجوز لهما ولغيرهما مطلقًا.

الشيخ: كل هذه أقوالٌ باطلةٌ، كلها مخالفةٌ للشرع، لا يجوز للعامَّة، ولا الخاصة، ولا للحاكم، ولا لغيره، بل يجب الاعتماد على الرؤية، وأن يعتمد عليها فقط، كما جاءت به النصوص، وما سواها باطلٌ ومخالفٌ للإجماع الصحيح عن سلف الأمة. نعم.

وقال ابن الصباغ: أما بالحساب فلا يلزمه بلا خلافٍ بين أصحابنا.

قلت: ونقل ابن المنذر قبله الإجماع على ذلك، فقال في "الإشراف": صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم يُرَ الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة، وقد صحَّ عن أكثر الصحابة والتابعين كراهته، هكذا أطلق، ولم يفصل بين حاسبٍ وغيره، فمَن فرَّق بينهم كان محجوجًا بالإجماع قبله، وسيأتي بقية البحث في ذلك بعد بابٍ.

الشيخ: يكفي، يكفي.

باب: شهرا عيدٍ لا ينقصان

قال أبو عبدالله: قال إسحاق: وإن كان ناقصًا فهو تمامٌ.

وقال محمد: لا يجتمعان كلاهما ناقصٌ.

الشيخ: قف على هذا الباب.