باب سنة المحرم إذا مات

باب سنة المحرم إذا مات

1851- حدثنا يعقوب بن إبراهيم: حدثنا هشيم: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن رجلًا كان مع النبي ﷺ، فوقصته ناقته وهو مُحرمٌ، فمات، فقال رسول الله ﷺ: اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفِّنوه في ثوبيه، ولا تمسُّوه بطيبٍ، ولا تُخمِّروا رأسه، فإنه يُبعث يوم القيامة مُلبيًا.

باب الحج والنذور عن الميت، والرجل يحج عن المرأة

1852- حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن امرأةً من جهينة جاءت إلى النبي ﷺ، فقالت: إن أمي نذرت أن تحجَّ فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمك دَيْنٌ أكنتِ قاضيةً؟ اقضوا الله، فالله أحقُّ بالوفاء.

باب الحج عمَّن لا يستطيع الثبوت على الراحلة

1853- حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن ابن شهابٍ، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباسٍ، عن الفضل بن عباس : أن امرأةً.

1854- (ح) حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا عبدالعزيز ابن أبي سلمة: حدثنا ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: جاءت امرأةٌ من خثعم عام حجة الوداع، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: نعم.

الشيخ: وهذه الأحاديث -مثلما تقدم- في شأن المحرم الذي مات في عرفة تقدمت سنته، والمؤلف كرر ذلك للإيضاح، ولمزيد البيان، وأن سنة المحرم إذا مات أن يُغسل بماءٍ وسدرٍ كغيره؛ لأن السدر فيه نقاءٌ وتليينٌ، ولكن لا يقرب الطيب، بخلاف غير المحرم فإنه يُجعل في مائه شيءٌ من الكافور، والكافور طيبٌ، ولكن المحرم لا يُجعل في مائه شيءٌ من الكافور، ولا يمس طيبًا، كل هذا تقدم في عدة أبوابٍ، وأنه لا يُخمّر رأسه، وهكذا وجهه على الصحيح كما تقدم في رواية مسلم.

وفي الحديثين الأخيرين الدلالة على أن الرجل يحج عن المرأة، والمرأة عن الرجل، فهذه المرأة الجهينية أخبرت أن أمها نذرت أن تحج فلم تحج، قالت: أفأحج عنها؟ قال: حجِّي عن أمك، أرأيتِ لو كان على أمك دَيْنٌ أكنتِ قاضيةً؟، امرأةٌ عن امرأةٍ.

والخثعمية امرأةٌ عن رجلٍ، فلا بأس أن يحج الرجلُ عن المرأة، والمرأة عن الرجل؛ لكونه ميتًا، أو لكونه لا يستطيع أن يحج لمرضه الشديد الذي لا يُرجى برؤه، أو لكبر سِنِّه وكونه لا يثبت على الراحلة، فلا يستطيع الحج.

وفيه تشبيه حقِّ الله بالدَّين، وأنه حقٌّ، إذا كان فريضةً أو منذورًا فهو دَيْنٌ، يُقضى كما يُقضى الدَّين. نعم.

باب حج المرأة عن الرجل

1855- حدثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، عن عبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: كان الفضل رديف النبي ﷺ، فجاءت امرأةٌ من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي ﷺ يصرف وجه الفضل إلى الشقِّ الآخر، فقالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجة الوداع.

الشيخ: وفيه من الفوائد: الإنكار بالفعل لما صرف وجهه، هذا إنكارٌ بالفعل، والإنكار يكون بالقول، ويكون بالفعل، ويكون بهما جميعًا؛ لأن النظر وسيلةٌ للشر؛ ولهذا قال الله جلَّ وعلا: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30].

وفيه ما تقدم من حج المرأة عن الرجل إذا كان عاجزًا لكبر سِنِّه، كما يُقتل الرجلُ بالمرأة، والمرأة بالرجل، ويحج الرجل عن المرأة، والمرأة عن الرجل، ويصوم عنها، وتصوم عنه.

س: مَن احتج بهذا الحديث على أن الحجاب لا يشمل وجه المرأة؟

ج: هذا ليس بجيدٍ؛ لأنه ممنوعٌ النقاب فقط، والنظر لا يلزم منه الكشف، قد ينظر إليها لأسبابٍ أخرى؛ لحسن صوتها، أو لغير ذلك، أو لكون جسمها جديرًا بأن يُنظر إليه لرشاقتها وغير ذلك، المقصود أنه لا يلزم منه السُّفور.

س: لكن قوله: تنظر إليه؟

ج: .....، وقال بعضهم: إن هذا خاصٌّ بالإحرام، وأنه لا بأس بالكشف في حال الإحرام؛ لقوله: لا تنتقب المرأة، وأن هذا كشفٌ تامٌّ يعني، ولكن حديث عائشة يدل على أن المرأة بالإحرام تستتر بغير النقاب، كما في حديث عائشة: حججنا مع النبي ﷺ، وكنا مع النبي ﷺ، فإذا دنا منا الرجالُ ونحن مُحرمات سدلت إحدانا جلبابها -أو قالت: خمارها- على وجهها، فإذا بعدوا كشفنا.

مداخلة: في الشرح يقول: ويقرب ذلك ما رواه أبو يعلى بإسنادٍ قويٍّ من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ، عن الفضل بن عباس قال: كنت ردف النبي ﷺ وأعرابيٌّ معه بنتٌ له حسناء، فجعل الأعرابي يعرضها لرسول الله ﷺ رجاء أن يتزوجها، وجعلتُ ألتفت إليها، ويأخذ النبي ﷺ برأسي فيلويه.

الشيخ: رواية أبي يعلى محل نظرٍ، يُراجع أبو يعلى؛ لأنه في وقت إحرامٍ، ما هو بوقت زواجٍ، ولا وقت عرض زواجٍ وهو مُحرمٌ. نعم.

باب حج الصبيان

1856- حدثنا أبو النعمان: حدثنا حماد بن زيد، عن عبيدالله ابن أبي يزيد قال: سمعت ابن عباسٍ رضي الله عنهما يقول: بعثني -أو قدمني- النبي ﷺ في الثقل من جمعٍ بليلٍ.

1857- حدثنا إسحاق: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم: حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه: أخبرني عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود: أن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: أقبلتُ -وقد ناهزتُ الحلم- أسير على أتانٍ لي، ورسول الله ﷺ قائمٌ يُصلي بمنى، حتى سرتُ بين يدي بعض الصف الأول، ثم نزلتُ عنها، فرتعت، فصففتُ مع الناس وراء رسول الله ﷺ.

وقال يونس: عن ابن شهاب: بمنى في حجة الوداع.

1858- حدثنا عبدالرحمن بن يونس: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد قال: حُجَّ بي مع رسول الله ﷺ وأنا ابن سبع سنين.

1859- حدثنا عمرو بن زرارة: أخبرنا القاسم بن مالك، عن الجعيد بن عبدالرحمن قال: سمعت عمر بن عبدالعزيز يقول للسائب بن يزيد، وكان قد حُجَّ به في ثقل النبي ﷺ.

الشيخ: وهذا واضحٌ في أن الصبي له حجٌّ، وإن كان ليس بفريضةٍ، لكنه نافلةٌ، فابن عباسٍ كان صبيًّا، والسائب كان ابن سبع سنين، فدل ذلك على أن له حجًّا، ولكن لا تُجزئ عن الفريضة؛ للحديث الآخر، حديث ابن عباسٍ الآخر: أيما صبيٍّ حجَّ ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجةً أخرى، وأيما عبدٍ حجَّ ثم أعتق فعليه أن يحج حجةً أخرى، فحجه نافلةٌ. نعم.

باب حج النساء

1860- وقال لي أحمد بن محمد: حدثنا إبراهيم، عن أبيه، عن جده: أذن عمر لأزواج النبي ﷺ في آخر حجةٍ حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف.

1861- حدثنا مسدد: حدثنا عبدالواحد: حدثنا حبيب ابن أبي عمرة، قال: حدثتنا عائشةُ بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، ألا نغزو ونُجاهد معكم؟ فقال: لكنَّ أحسن الجهاد وأجمله: الحج، حجٌّ مبرورٌ، فقالت عائشة: فلا أدع الحجَّ بعد إذ سمعتُ هذا من رسول الله ﷺ.

1862- حدثنا أبو النعمان: حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو، عن أبي معبد -مولى ابن عباسٍ-، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال النبي ﷺ: لا تُسافر المرأةُ إلا مع ذي محرمٍ، ولا يدخل عليها رجلٌ إلا ومعها محرمٌ، فقال رجلٌ: يا رسول الله، إني أُريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تُريد الحج؟ فقال: اخرج معها.

1863- حدثنا عبدان: أخبرنا يزيد بن زريع: أخبرنا حبيب المعلم، عن عطاء، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لما رجع النبي ﷺ من حجته قال لأم سنان الأنصارية: ما منعكِ من الحج؟ قالت: أبو فلان –تعني: زوجها- كان له ناضحان، حجَّ على أحدهما، والآخر يسقي أرضًا لنا. قال: فإن عمرةً في رمضان تقضي حجةً -أو حجةً معي- رواه ابن جريج، عن عطاء: سمعت ابن عباسٍ، عن النبي ﷺ.

وقال عبيدالله: عن عبدالكريم، عن عطاء، عن جابرٍ، عن النبي ﷺ.

الشيخ: وهذا يدل على فضل العمرة في رمضان، وأن فيها هذا الفضل العظيم، وأنها تعدل حجةً معه عليه الصلاة والسلام، ففي هذا فضل العمرة في رمضان، وهو شهرٌ عظيمٌ، وهو سيد الشهور، فالعمرة فيه مُضاعفةٌ. نعم.

س: حديث: لكنَّ أحسن الجهاد وأجمله .. ..... ألا يدل على ضعف حديث: ثم ظهور الحصر؟

ج: نعم، هو ضعيفٌ، وهذا من الدلائل على ضعفه، وإذن عمر لهنَّ في الحج كذلك، نعم، وقوله ﷺ: أفضل الجهاد حجٌّ مبرورٌ، لما استأذنته عائشةُ في الجهاد قال: أفضل الجهاد حجٌّ مبرورٌ، وفي لفظٍ: لكنَّ حجٌّ مبرورٌ، وفي اللفظ الآخر: عليكنَّ جهادٌ لا قتالَ فيه: الحج والعمرة، فأفضل الجهاد في حقِّهن الحج المبرور؛ لأنهنَّ أضعف .....، فلا يصلح لهن الجهاد بالسيف ومُقارعة الأعداء.

1864- حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا شعبة، عن عبدالملك بن عمير، عن قزعة -مولى زياد- قال: سمعت أبا سعيدٍ -وقد غزا مع النبي ﷺ ثنتي عشرة غزوةً- قال: أربعٌ سمعتهنَّ من رسول الله ﷺ -أو قال: يُحدِّثهن عن النبي ﷺ-، فأعجبنني وآنقنني: أن لا تُسافر امرأةٌ مسيرة يومين ليس معها زوجها، أو ذو محرمٍ، ولا صوم يومين: الفطر والأضحى، ولا صلاةَ بعد صلاتين: بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا تُشدّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الأقصى.

الشيخ: وقوله: يومين في بعض الروايات: ثلاثة أيام، وفي بعضها: يومٌ وليلةٌ، ذكر العلماء أن هذه صدرت على حسب الأسئلة التي سُئل عنها عليه الصلاة والسلام، أو كانت مُوقتةً، ثم نُسخ التوقيت.

الحاصل أن الحكم مستقرٌّ في منع سفرها مطلقًا إلا بمحرمٍ، ولا فرق بين كون السفر ثلاثة أيام، أو يومين، أو يومًا وليلةً، كل ما يُسمى: سفرًا؛ ولهذا تقدم في حديث ابن عباسٍ: لا تُسافر امرأةٌ إلا مع ذي محرمٍ، وأطلق عليه الصلاة والسلام، فالواجب أنها لا تُسافر إلا مع ذي محرمٍ؛ للخشية عليها والفتنة.

وأما التقييد في بعض الروايات بيومين، وفي بعضها بيومٍ وليلةٍ، وفي بعضها بليلةٍ، وفي بعضها بيومٍ، وفي بعضها: بريد، فهذا الأرجح فيه أنه خرج على حسب الأسئلة التي سُئل عنها عليه الصلاة والسلام. نعم.

س: الآن بعض الناس يستقدم زوجته من مدينةٍ إلى أخرى، أو من المملكة إلى أمريكا، فيُرسلها هذا المحرم إلى المطار، ويستقبلها محرمها الآخر في البلد الآخر، لكنها في الطائرة بغير محرمٍ؟

ج: هذا يتساهل فيه كثيرٌ من الناس، والصواب أنه لا يجوز إلا بمحرمٍ، وقد تساهل لأن بعض الناس قد لا يجد محرمًا، ولا يستطيع أن يأتي، أو يشقّ عليه أن يأتي، ولكن هذا ليس بعذرٍ، الصواب أنها لا تُسافر إلا مع ذي محرمٍ؛ لظاهر الأحاديث الصحيحة. نعم.

س: وإن كنَّ نساء فوق ثلاثٍ؟

ج: ولو مع نساءٍ، المرأة ليست محرمًا للمرأة. نعم.

س: الدكتور القرضاوي يُفتي بأنه يجوز أن تركب الطائرة وحدها؟

ج: هذا غلطٌ، قولٌ غلطٌ.

س: الركوب في سيارة الأجرة بالنسبة للنِّساء؟

ج: هذا ما هو بسفرٍ، إن كان معها ما يمنع الخلوة ما يُسمّى: سفرًا، تركب إلى المدرسة، وإلى غير المدرسة لحاجاتها في البلد ليس بسفرٍ، لكن لا تكون خلوةٌ، تكون معها امرأةٌ أخرى، أو رجلٌ، أو أكثر؛ حتى لا تحصل الخلوة، نعم؛ لقوله ﷺ: لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ؛ فإن الشيطان ثالثهما، وكما تكون في البيت زوجتك مع أخيك، ومع زوجة أخيك، المهم عدم الخلوة. نعم.

س: بوجود الصغير تنتفي الخلوة؟

ج: لا، ما يصير، لا بد من كونه كبيرًا يعقل ويفهم، ابن عشر سنين، وثمان سنين، يعني: يعقل، يفهم الكلام ويُهاب؛ حتى لا يكون عنده كلامٌ لا يليق.

س: إذا كانت المرأة من القواعد؟

ج: ولو كانت من القواعد، لا بد أن يكون معهما ثالثٌ، لا يخلو بها.

س: الخادمة التي بلا محرمٍ؟

ج: غلطٌ، هذا غلطٌ، مجيئها بلا محرمٍ غلطٌ، ما هو بحجةٍ.

س: الكلام مع المرأة؟

ج: الكلام لا بأس به إذا لم تكن فيه فتنٌ، كان النساء يُكلمن النبي ﷺ، ويُكلمن الصحابة، الكلام مع المرأة لا بأس به، لكن لا يخلو بها، ويكون كلامها ليس بخضوعٍ في القول: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [الأحزاب:32]، يكون كالكلام العادي، وسطٌ، ليس بالخضوع.

س: بعض النساء يتجمعن: المدرسات، ويخرجن مع سائقٍ إلى .....، أو إلى الخرج، هل هذا من هذا؟

ج: هذا مُشكلٌ، هذا مُشكلٌ، نبَّهنا عليه غير مرةٍ: أنه تنبغي العناية بهذا، وألا يكون خروجها إلا بمحرمٍ، سفرها بمحرمٍ، وبعض أهل العلم يرى أنهنَّ إذا كنَّ جماعةً للحاجة يُسمح لهنَّ بجامع أن هناك أمنًا -إن شاء الله-، ولكن ظاهر الحديث المنع: لا تُسافر امرأةٌ إلا مع ذي محرمٍ.

ورئاسة عمل البنات قد تضطر إلى إرسال جماعةٍ من المدرسات إلى بعض القُرى النائية، هذا هو وجه التساهل في هذا الأمر؛ للحاجة، فينبغي أن يُعالج مهما أمكن: إما أن يُعالج بأن يكون كل بلدٍ دواؤها منها، يعني: مُدرساتها منها؛ حتى لا تضطر الرئاسة إلى تسفير النساء بغير محرمٍ.

س: الصبي الذي لم يتم الحج أو العُمرة لمشقةٍ عليه هل على والديه شيءٌ؟

ج: نافلة، ما هو بلازمٍ أن يُحججوه، أقول: نافلة، إنما يُشرع لهم أن يُحججوه معهم، وإلا فلا يلزمهم لو كانت هناك مشقة، الحمد لله، ليس بلازمٍ.

باب مَن نذر المشي إلى الكعبة

1865- حدثنا محمد بن سلام: أخبرنا الفزاري، عن حميد الطويل قال: حدثني ثابتٌ، عن أنسٍ : أن النبي ﷺ رأى شيخًا يُهادى بين ابنيه، قال: ما بال هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي. قال: إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغنيٌّ، وأمره أن يركب.

1866- حدثنا إبراهيم بن موسى: أخبرنا هشام بن يوسف: أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني سعيد ابن أبي أيوب: أن يزيد ابن أبي حبيبٍ أخبره: أن أبا الخير حدَّثه، عن عقبة بن عامر قال: نذرتْ أختي أن تمشي إلى بيت الله، وأمرتني أن أستفتي لها النبي ﷺ، فاستفتيتُه، فقال ﷺ: لتمشِ، ولتركب، قال: وكان أبو الخير لا يُفارق عقبة.

قال أبو عبدالله: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن يحيى بن أيوب، عن يزيد، عن أبي الخير، عن عقبة، .. فذكر الحديث.

الشيخ: لم يذكر هنا كفَّارة اليمين، ولكن جاء في بعض الروايات ذكر الكفارة: وتصوم ثلاثة أيامٍ. فإذا نذر أن يمشي فليركب وليُكفِّر عن يمينه، الحكم حكم النذر، حكم اليمين في مثل هذا؛ لأن الركوب أفضل وأيسر وأرفق، والنبي حجَّ راكبًا عليه الصلاة والسلام، وهنا لم يذكر كفارة اليمين، ولكن ذكرها في حديث عقبة عند أهل السنن: كفارة اليمين، نعم، فالأولى والأحوط أن يُكفر كفارة يمينٍ ويركب. نعم.

س: وإذا كان يستطيع المشي؟

ج: لا حرج، لكن الركوب أفضل، وإلا فالمشي لا بأس به إن استطاع ولا مشقَّة عليه، الحمد لله، والركوب أفضل؛ لأن الرسول ﷺ حجَّ راكبًا؛ لأنه أرفق بالمؤمن، وأيسر عليه. نعم.

س: يجري مجرى اليمين .....؟

ج: النذر حكمه حكم اليمين، إلا إذا كان نذر طاعةٍ فيُوفي به عند المشقة، لكن هنا كونه ينتقل إلى الركوب ينتقل إلى ما هو أفضل من المشي، إلى الركوب، في بعض روايات عقبة: أنها نذرت أن تمشي إلى البيت حافيةً، مكشوفة الرأس، فأمرها أن تختمر، وأن تركب، وأن تصوم ثلاثة أيامٍ؛ ولعل أمرها بذلك لأن التعبد بكونه حافيًا غير مشروعٍ ..... فصار حكمه حكم نذر المعصية.

أما هذا فلعل عدم ذكر كفارة اليمين لأنه انتقالٌ إلى ما هو أفضل، وقد أوفى بنذره وانتقل إلى ما هو أفضل، فلا كفارةَ في هذا؛ لأنه انتقل إلى ما هو أفضل، كمَن نذر أن يطوف راكبًا، فطاف ماشيًا، هذا انتقالٌ إلى ما هو أفضل، ولعله لا يلزم من أجل هذا المعنى؛ لكونه انتقالًا من عبادةٍ إلى عبادةٍ أفضل منها. نعم.

س: ...............؟

ج: ما يصوم إلا إذا عجز، ..... قال: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ [المائدة:89].

س: ولو صام جاهلًا؟

ج: ما يُجزئ، إذا كان يستطيع الإطعام ما يُجزئه الصيام، الإطعام، أو الكسوة، أو العتق.

س: المشي بين المشاعر أفضل أم الركوب؟

ج: المشي أفضل، النبي ﷺ كان يذهب إليها ماشيًا، لكنه عند جمرة العقبة دخل منى راكبًا، ورماها راكبًا، أما بقية الأيام فكان يمشي إليها: إلى الجمار عليه الصلاة والسلام. نعم.

مداخلة: أحسن الله إليكم، حديث: هذه ثم ظهور الحصر تكلم عليها الشارح، ويقول: حديثٌ صحيحٌ، إسنادٌ صحيحٌ.

الشيخ: تكلمنا عليه، وعلَّقنا عليه، وبينا فيه العِلة: أنه ضعيفٌ، لا أذكر الآن العِلة، لكن يُراجع .....، سنده عندك؟

الطالب: نعم.

الشيخ: هاتِه.

الطالب: وروى أبو داود وأحمد من طريق واقد ابن أبي واقد الليثي، عن أبيه: أن النبي ﷺ قال لنسائه في حجة الوداع: هذه ثم ظهور الحصر. زاد ابن سعدٍ من حديث أبي هريرة: فكنَّ نساء النبي ﷺ يحججن إلا سودة وزينب، فقالا: لا تُحركنا دابَّةٌ بعد رسول الله ﷺ.

وإسناد حديث أبي واقدٍ صحيحٌ، وأغرب المهلب فزعم أنه من وضع الرافضة؛ لقصد ذم أم المؤمنين عائشة في خروجها إلى العراق للإصلاح بين الناس في قصة وقعة الجمل، وهو إقدامٌ منه على ردِّ الأحاديث الصحيحة بغير دليلٍ!

والعذر عن عائشة أنها تأوَّلت الحديث المذكور -كما تأوَّله غيرها من صواحباتها- على أن المراد بذلك أنه لا يجب عليهن غير تلك الحجة، وتأيّد ذلك عندها بقوله ﷺ: لكنَّ أفضل الجهاد: الحج والعمرة، ومن ثم عقبه المصنف بهذا الحديث في هذا الباب، وكأن عمر كان مُتوقفًا في ذلك، ثم ظهر له الجواز فأذن لهنَّ، وتبعه على ذلك مَن ذكر من الصحابة ومَن في عصره من غير نكيرٍ.

وروى ابن سعدٍ من مرسل أبي جعفر الباقر قال: منع عمر أزواج النبي ﷺ الحجَّ والعمرة.

ومن طريق أم درة عن عائشة قالت: منعنا عمرُ الحجَّ والعمرة، حتى إذا كان آخر عامٍ فأذن لنا. وهو موافقٌ لحديث الباب، وفيه زيادةٌ على ما في مرسل أبي جعفر، وهو محمولٌ على ما ذكرناه، واستدل به على جواز حج المرأة بغير محرمٍ، وسيأتي البحث فيه في الكلام على الحديث الثالث.

تكملةٌ: روى عمر بن شبة هذا الحديث عن سليمان بن داود الهاشمي، عن إبراهيم بن سعد بإسنادٍ آخر فقال: عن الزهري، عن إبراهيم بن عبدالرحمن ابن أبي ربيعة، عن أم كلثوم بنت أبي بكر، عن عائشة: أن عمر أذن لأزواج النبي ﷺ فحججن في آخر حجةٍ حجَّها عمر، فلما ارتحل عمر من الحصبة من آخر الليل أقبل رجلٌ فسلَّم، وقال: أين كان أمير المؤمنين ينزل؟ فقال له قائلٌ وأنا أسمع: هذا كان منزله. فأناخ في منزل عمر، ثم رفع عقيرته يتغنى:

عليك سلامٌ من أميرٍ وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق

الأبيات.

قالت عائشة: فقلت لهم: اعلموا لي علم هذا الرجل. فذهبوا فلم يروا أحدًا، فكانت عائشةُ تقول: إني لأحسبه من الجن.

الشيخ: ما ذكر السند كله، ذكر التابعي فقط، يُراجع. نعم.

س: ما معنى: هذه ثم ظهور الحصر؟

ج: إن صحَّ فمعناه: عدم الحج، ولزوم البيوت، البقاء في البيوت، وتأوَّلته عائشةُ وجماعةٌ على أن المراد أنه لا يجب عليهن حجٌّ آخر، فحج الفريضة قد حصل؛ ولهذا حججن مع عمر الحجة الأخيرة، وخرجت عائشةُ في الإصلاح في فتنة مقتل عثمان .

وقوله ﷺ في الحديث الصحيح: عليكنَّ جهادٌ لا قتالَ فيه: الحج والعمرة، ولكنَّ أفضل الجهاد: حجٌّ مبرورٌ كل هذا يقتضي أن الحج يُشرع للجميع تكراره: للرجال والنساء، حتى أزواج النبي ﷺ، هذا هو الأصل.

س: ..............؟

ج: نعم، هذا ظاهرٌ.

س: ..............؟

ج: نعم، ..... فهمت من هذا أن الحج يُشرع له التكرار للنساء والرجال. نعم.

س: كونها خرجت للإصلاح تأوَّلت .....؟

ج: هذا من هذا الباب، التأويل أن الخروج للمصلحة الشرعية: للحج، أو لإصلاحٍ بين المسلمين، أو للعمرة، أنه غير داخلٍ في هذا لو صحَّ، يعني: غير داخلٍ في حديث: هذه ثم ظهور الحصر. نعم.

س: الطفل إذا أحرم بالحج، ثم لم يُكمل الحج، فهل يكون على وليِّه شيءٌ؟

ج: هذا هو محل البحث، محل النظر: هل يلزمه أم لا يلزمه إذا أدخله؟ أما هو فلا يلزم أصلًا، نافلةٌ في حقه، لا يلزمه، لكن هل تعمّه الآية: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، إذا دخل فيه يلزم وليُّه أن يُكمله؟ هذا هو محل النظر، الأصل أنه لا يلزمه، هذا هو الأصل.

ومَن قال باللزوم شبَّهه بالمكلَّف إذا دخل في الحج نافلةً لزمه الإتمام، لكن المكلَّف من أجل التكليف إذا دخل لزمه الإتمام، لكن هذا طفلٌ، ما بلغ التكليف بعد، والقول بإلزامه مخالفٌ للقواعد التي تنص على أنه لا تلزمه الأحكام إلا بعد البلوغ، وهو محل النظر: هل يعمّه إذا دخل فيه، أو أدخله فيه وليُّه تعمّه الآية: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فيكون هذا وجب بالعرض لا بالأصل؟ الأصل أنه لا يلزمه شيءٌ إلا بعد البلوغ، لكن بالعرض بالأسباب الأخرى هذا هو محل النظر، والأقرب -والله أعلم- أنه لا يلزمه، هذا الأصل، لكن يُشرع ويُستحبّ له الإتمام؛ لأنه غير مُكلَّفٍ، وقد دخل في أمرٍ شرعيٍّ، فيُشرع له الإكمال: كإكمال الصلاة، وإكمال الحج، وإكمال الصيام. نعم.

س: يُشرع استحبابًا، لا وجوبًا؟

ج: هذا الأقرب على القاعدة: رُفع القلمُ عن ثلاثةٍ، ومنها الصبي. نعم.

س: ..............؟

ج: يُطاف به، ما يطوفون عنه، يُطاف به، ويُسعى به. نعم.