باب صيام أيام التشريق
1996- وقال لي محمد بن المثنى: حدثنا يحيى، عن هشامٍ قال: أخبرني أبي: كانت عائشة رضي الله عنها تصوم أيام التشريق بمنى، وكان أبوها يصومها.
1997- حدثنا محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة: سمعت عبدالله بن عيسى ابن أبي ليلى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. وعن سالم، عن ابن عمر ، قالا: لم يُرخص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي.
1999- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن ابن شهابٍ، عن سالم بن عبدالله بن عمر، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة، فإن لم يجد هديًا، ولم يصم، صام أيام منى.
وعن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة مثله.
تابعه إبراهيم بن سعد، عن ابن شهابٍ.
الشيخ: هذه الآثار عن عائشة وابن عمر رضي الله تعالى عنهما تدل على أن أيام التشريق -وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر- لا تُصام إلا لمن لم يجد الهدي، مَن عجز عن الهدي -هدي التمتع- فله أن يصومها، والأفضل أن يصوم قبل ذلك، قبل عرفة، إذا كان عنده علمٌ بعجزه عن الهدي يصوم قبل عرفة ثلاثة أيام، وسبعةً إذا رجع إلى أهله؛ ولهذا قالت عائشةُ وابن عمر رضي الله تعالى عنهما: "لم يُرخص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي"، وهذا في حكم المرفوع، فإذا قال الصحابي: "رخص" أو "لم يرخص" أو "أمرنا" أو "نهينا" هذا في حكم الرفع عند أهل العلم؛ لأنَّ المرخِّص والآمر والناهي هو النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا مثلما قال ابن عمر أخيرًا: أن مَن عجز عن الهدي يصوم قبل عرفة، فإن لم يصم قبل عرفة صام أيام التشريق خاصةً.
وأما الأثر الأول عن عائشة: "أنها كانت تصوم أيام منى" فهذا محمولٌ على أنها فعلت ذلك في بعض حجاتها التي لم تستطع فيها الهدي، فصامت أيام التشريق، أو أنها صامت ذلك ناسيةً النهي، ثم علمت، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه نهى عن صيام أيام التشريق، وقال: إنها أيام أكلٍ وشُرْبٍ وذكرٍ لله ، فهي لا تُصام؛ أيام عيدٍ، أيام أكلٍ وشُرْبٍ وذكرٍ لله ، فلا يجوز صومها: لا في حجٍّ، ولا في غير الحج، لا في المدن والقرى والبوادي، ولا في الحج في مكة، لا تُصام إلا في حالةٍ واحدةٍ فقط، وهي: إذا كان المتمتع لم يجد الهدي فإنه يصومها، إذا لم يصم قبل عرفة يصومها خاصةً، ويوم عرفة يكون مُفطرًا؛ لأن الرسول ﷺ نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، وحجَّ مُفطرًا عليه الصلاة والسلام يوم عرفة، وشرب لبنًا والناس ينظرون وهو على بعيره؛ حتى يعلم الناس أنه مُفطرٌ عليه الصلاة والسلام.
أيش قال الشارح على أثر عائشة الأول؟
قوله: "قال لي محمد بن المثنى" كأنه لم يُصرح فيه بالتحديث؛ لكونه موقوفًا على عائشة، كما عرف من عادته بالاستقراء، ويحيى المذكور في الإسناد هو القطان، وهشام هو ابن عروة.
قوله: "أيام منى" في رواية المستملي: "أيام التشريق بمنى".
قوله: "وكان أبوه يصومها" هو كلام القطان، والضمير لهشام بن عروة، وفاعل "يصومها" هو عروة، والضمير فيه لأيام التشريق، ووقع في رواية كريمة: "وكان أبوها"، وعلى هذا فالضمير لعائشة، وفاعل "يصومها" هو أبو بكر الصديق.
الشيخ: نعم.
س: فدية المحظور هل تلحق بأن تُصام في أيام التشريق لفاقد الهدي؟
ج: لا، لا، لمن وجد الهدي فقط، هدي التمتع.
س: الثاني من شوال والثالث هل يُصاما؟
ج: إي نعم، النهي في يوم العيد خاصةً: عيد الفطر، أما الثاني وما بعده أيام ..... إن صام فلا بأس، إن صام، أو غيرها، أو قضى ما في شيء، أما عيد النحر فهي أربعة أيام: يوم النحر، وثلاثة أيام بعدها، كلها لا تُصام، كلها أيام عيدٍ، أيام أكلٍ وشربٍ، إلا في حقِّ مَن عجز عن الهدي: هدي التمتع والقران، فهذا يصوم الأيام الثلاثة: يصوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر خاصةً، هذه رخصة خاصة، وأما يوم العيد فلا يُصام أبدًا؛ لا لمن لم يجد الهدي ولا غيره، يوما العيد: عيد الفطر وعيد النحر لا يُصاما بإجماع المسلمين أبدًا، لا لهديٍ ولا لغيره.
س: ............؟
ج: ..... هدي تمتع.
س: يوم عرفة يدخل في الصيام؟
ج: لا، ما ينبغي صيام عرفة للحاج، يصومه غير الحجاج، يصومه الناس في المدن والقرى والبوادي، فصوم عرفة يومٌ عظيمٌ، أخبر النبي ﷺ أن الله يُكفِّر به السنة التي قبله والتي بعده، فيُشرع صومه يوم عرفة، لكن للحجيج لا، الحجيج مشروعٌ لهم أن يُفطروا يوم عرفة، والذي ما عنده هديٌ يصوم قبل عرفة، يصوم السادس والسابع والثامن، أو قبل ذلك، لا يصوم عرفة، هذا هو الذي ينبغي، وبعض الفقهاء يرى أنه يصوم عرفة، ولكن الذي ينبغي ترك ذلك، لا يصوم عرفة، يصوم قبل ذلك، فيكون يوم عرفة مُفطرًا كما أفطر النبي ﷺ؛ ولأنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة عليه الصلاة والسلام.
س: لو صام يوم عرفة الحاجُّ تطوعًا؟
ج: ما ينبغي، الصواب أنه محرمٌ؛ لأن الرسول ﷺ نهى عن ذلك، والنهي أصله التحريم، والحديث جيدٌ، لا بأس بإسناده.
س: النهي للتحريم؟
ج: نعم، هذا هو الأصل، الأصل في النهي التحريم، هذا هو الأصل.
س: ............؟
ج: ما يُصام إلا لهدي التمتع فقط، أيام التشريق.
س: لو مرت أيام التشريق بعدها جائزٌ؟
ج: بعد أيام التشريق ..... مَن صام صام، ما في بأس، السَّنة يُنهى فيها عن صيام خمسة أيام، السَّنة لا يُصام منها خمسة أيام فقط، والباقي يصومها: يوم عيد الفطر، ويوم عيد النحر، وأيام التشريق، خمسة أيامٍ لا تُصام مطلقًا، أما يوم الجمعة فلا يُفرد بالصوم تطوعًا، لكن لو صام قبله يومًا أو بعده فلا بأس، أما هذه الأيام الخمسة فلا تُصام أبدًا إلا أيام التشريق في حقِّ مَن لم يجد هدي التمتع خاصةً. نعم.
باب صيام يوم عاشوراء
2000- حدثنا أبو عاصم، عن عمر بن محمد، عن سالم، عن أبيه قال: قال النبي ﷺ: يوم عاشوراء إن شاء صام.
2001- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله ﷺ أمر بصيام يوم عاشوراء، فلما فُرض رمضان كان مَن شاء صام، ومَن شاء أفطر.
2002- حدثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله ﷺ يصومه، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمَن شاء صامه، ومَن شاء تركه.
2003- حدثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبدالرحمن: أنه سمع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما يوم عاشوراء عام حجَّ على المنبر يقول: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله ﷺ يقول: هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائمٌ، فمَن شاء فليصم، ومَن شاء فليُفطر.
2004- حدثنا أبو معمر: حدثنا عبدالوارث: حدثنا أيوب: حدثنا عبدالله بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قدم النبي ﷺ المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يومٌ صالحٌ؛ هذا يومٌ نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى. قال: فأنا أحقُّ بموسى منكم، فصامه، وأمر بصيامه.
2005- حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا أبو أسامة، عن أبي عميس، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى قال: كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيدًا، قال النبي ﷺ: فصوموه أنتم.
2006- حدثنا عبيدالله بن موسى، عن ابن عيينة، عن عبيدالله ابن أبي يزيد، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: ما رأيت النبي ﷺ يتحرى صيام يومٍ فضله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء، وهذا الشهر. يعني: شهر رمضان.
2007- حدثنا المكي بن إبراهيم: حدثنا يزيد ابن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع قال: أمر النبي ﷺ رجلًا من أسلم: أن أذِّن في الناس: أن مَن كان أكل فليصم بقية يومه، ومَن لم يكن أكل فليصم؛ فإن اليوم يوم عاشوراء.
الشيخ: هذه الأحاديث المتعددة في صوم يوم عاشوراء كلها تدل على أنه يوم ..... يوم كان يتأكد صيامه، لما قدم النبي ﷺ قبل أن يُفرض رمضان أمر الناس بصيام عاشوراء، وكانت اليهود تصومه؛ لأنه يومٌ نجَّى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه المسلمون مع موسى شكرًا لله، ثم صامته العرب اتباعًا لأهل الكتاب، كانوا يصومون في الجاهلية، وكان النبي ﷺ يصومه في الجاهلية، ثم أمر بصيامه أيضًا لما قدم المدينة أول سنةٍ، وقال: مَن أصبح صائمًا فليُتمّ صومه، ومَن أصبح قد أكل فليصم، فلما فرض الله رمضان قال: مَن شاء صام، ومَن شاء أفطر، وكان يصومه ﷺ بعد رمضان، لكن ترك التأكيد فيه، وكان يقول: إن صومه يُكفِّر الله به السنة التي قبله.
وخطب معاويةُ وأخبر أنه سمع النبي ﷺ يقول: إن الله لم يكتب عليكم صيامه أي: لم يُفرضه، ولكن كان متأكدًا قبل رمضان، ثم لما فرض الله رمضان صار سنةً غير متأكدٍ، فمَن شاء صام، ومَن شاء أفطر.
وهكذا صوم يوم عرفة سنة، وهكذا يوم الاثنين والخميس سنة، وهكذا صوم ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ سنة، مَن صامها فله أجرٌ، ومَن ترك فلا حرج.
س: حديث أن اليهود كانت تصومه، الحديث الذي بعد حديث ابن عباسٍ: حديث أبي موسى: أنه كان يوم عيدٍ؟
ج: عيد الجاهلية، عيد اليهود، لكننا نصومه من دون اتخاذه عيدًا، نصومه فقط.
س: صيام العشر من ذي الحجة؟
ج: سنة، صيامها سنة، نعم؛ لأنها أفضل الأيام.
س: ............؟
ج: الله أعلم، المقصود أنه يومٌ عظيمٌ، يومٌ فاضلٌ، نجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، والأفضل أن يصوم معه يومًا قبله، أو يومًا بعده؛ ولهذا في الحديث الصحيح: لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومَنَّ التاسع يعني: مع العاشر، وفي الحديث الآخر: صوموا يومًا قبله، أو يومًا بعده، وإن كان في سنده ضعفٌ، لكن فيه مُخالفة لليهود، إذا صام التاسع والعاشر، أو العاشر والحادي عشر، أو صام الثلاثة: التاسع والعاشر والحادي عشر يكون أفضل؛ خلافًا لليهود في إفراده.
س: وإن ما صام إلا العاشر؟
ج: مكروهٌ، لكن إذا صام قبله يومًا، أو بعده يومًا، أو صام الذي قبله والذي بعده يكون أفضل، يُكره إفراده.
31- كتاب صلاة التراويح
باب فضل مَن قام رمضان
2008- حدثنا يحيى بن بُكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهابٍ قال: أخبرني أبو سلمة: أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول لرمضان: مَن قامه إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه.
2009- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن ابن شهابٍ، عن حميد بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه.
قال ابن شهابٍ: فتُوفي رسول الله ﷺ والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر رضي الله عنهما.
2010- وعن ابن شهابٍ، عن عروة بن الزبير، عن عبدالرحمن بن عبدالقاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاعٌ متفرقون، يُصلي الرجل لنفسه، ويُصلي الرجل فيُصلي بصلاته الرهطُ. فقال عمر: إني أرى لو جمعتُ هؤلاء على قارئٍ واحدٍ لكان أمثل. ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجتُ معه ليلةً أخرى والناس يُصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. يُريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله.
2011- حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالكٌ، عن ابن شهابٍ، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها -زوج النبي ﷺ- أن رسول الله ﷺ صلَّى، وذلك في رمضان.
2012- حدثنا يحيى بن بُكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهابٍ: أخبرني عروة: أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: أن رسول الله ﷺ خرج ليلةً من جوف الليل، فصلى في المسجد، وصلَّى رجالٌ بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلَّى، فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله ﷺ فصلَّى، فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد، ثم قال: أما بعد، فإنه لم يخفَ عليَّ مكانكم، ولكني خشيتُ أن تفترض عليكم فتعجزوا عنها، فتُوفي رسول الله ﷺ والأمر على ذلك.
2013- حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالكٌ، عن سعيدٍ المقبري، عن أبي سلمة ابن عبدالرحمن: أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله ﷺ في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعةً، يُصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يُصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يُصلي ثلاثًا، فقلت: يا رسول الله، أتنام قبل أن تُوتر؟ قال: يا عائشة، إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي.
الشيخ: هذه الأحاديث المذكورة دلَّت على شرعية قيام الليل في رمضان، وأن قيام الليل في رمضان متأكدٌ، وفيه فضلٌ عظيمٌ، سواء في بيته، أو في المسجد؛ لقوله ﷺ: مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه، ومَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه، ومعنى: "إيمانًا" أي: تصديقًا بشرع الله: أن الله شرعه، وأمر به، وأحبَّه. واحتسابًا للأجر عنده ، يعني: قيامه عن نيةٍ ورغبةٍ فيما عند الله، وإيمانًا بشرعه، لا عن رياءٍ، ولا عن سمعةٍ، ولا عن تقليدٍ للناس، لكن قامه عن تصديقٍ بشرع الله، وإيمانٍ ورغبةٍ فيما عنده .
وهكذا الصيام: مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه، فيجب أن يكون الصيام والقيام وبقية العبادات كلها عن إيمانٍ، وعن احتسابٍ، لا عن رياءٍ وسمعةٍ، أو لقصد متابعة فلانٍ وفلانٍ، أو لأجل إرضاء فلانٍ وفلانٍ، لا، بل يعمل الأعمال الشرعية عن إيمانٍ، من صلاةٍ، وصومٍ، وقيام رمضان، وحجٍّ، وغير ذلك عن إيمانٍ واحتسابٍ.
فالنبي ﷺ رغَّبهم في قيام رمضان، وصلَّى بهم عدَّة ليالٍ في رمضان عليه الصلاة والسلام، ثم خاف عليهم أن تُفرض عليهم صلاة الليل فترك، وقال: إني خشيتُ أن تُفرض صلاة الليل فتعجزوا عنها، ثم قال: أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة.
وكان الناس يُصلون في المسجد أوزاعًا: هذا يُصلي بثلاثةٍ، وهذا يُصلي بأربعةٍ، وهذا وحده، واستمر الأمر على هذا في بقية حياته ﷺ، وفي خلافة الصديق ، وفي أول خلافة عمر، ثم إن عمر رأى جمع الناس على قارئٍ واحدٍ بدل ما يُصلون أوزاعًا، هذا يُصلي كذا، وهذا يُصلي كذا، جمعهم على إمامٍ؛ لأن الوحي قد انقطع لما مات النبي ﷺ، انقطع الوحي، وأُمن الفرض، أُمن أن تُفرض عليهم صلاة الليل؛ لأن الوحي قد انقطع، وتمت الشريعة، وكملت الشريعة، وانتهى الأمر، فجمعهم على إمامٍ واحدٍ يُصلون جماعةً، لا يخشى منه الفرضية؛ لأن الوحي قد انقطع، وانتهى الوحي، وكملت الشريعة، فجمعهم على أبي بن كعب، فكانوا يُصلون جماعةً، واستمر الأمر على هذا في حياته، وبعده إلى يومنا هذا.
وخرج ذات ليلةٍ وهم يُصلون فقال: "نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل منها"، يعني: الصلاة في آخر الليل، كان الناس يُصلون في أول الليل في حال نشاطهم.
وقوله: "نعمت البدعة" يعني: من حيث اللغة؛ لأنه فعلها على غير ما كان في عهد النبي ﷺ، فهي بدعةٌ نسبيةٌ بالنسبة إلى أن عمر أمر بها، وداوم الناس عليها، وإلا فهي ليست بدعةً، هي سنةٌ وقربةٌ، فعلها النبي ﷺ ثلاث ليالٍ، ثم ترك خوفًا من أن تُفرض عليهم، فكانوا يفعلونها في عهده ﷺ جماعات، أوزاعًا، فلم يُنكر ذلك عليه الصلاة والسلام، إنما أرشدهم إلى أن الأفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة، فلما أمنت الفرضية بموته ﷺ فعلها الصحابة في المسجد في عهد عمر وبعده جماعةً.
وقوله: "نعمت البدعة هذه" يعني: من حيث اللغة؛ لأن البدعة ما فُعل على غير مثالٍ سابقٍ، وهذه فُعلت على غير مثالٍ سابقٍ، ما كانت في عهد النبي ﷺ يُحافظ عليها في أول الليل كل ليلةٍ، وفعلها النبي عدّة ليالٍ ثم ترك عليه الصلاة والسلام، فاستقرت الشرعية والقُربة بقيام الليل في رمضان، وفي إحياء العشر الأخيرة من رمضان تأسيًا به ﷺ، وتأسيًا بعمل خلفائه الراشدين ومَن بعدهم؛ لأن النبي ﷺ أحيا الليل في العشر الأخيرة في رمضان، وصلَّى بهم التراويح عدة ليالٍ، ثم تركها خوفًا من أن تُفرض عليهم، وقد أمن هذا الفرض بموته ﷺ، فبقيت السنية، وبقي الفضل في أدائها جماعةً، كما فعل عمر ومَن بعده رضي الله عنهم وأرضاهم.
س: ............؟
ج: "نعمت البدعة هذه" من عمر، ثابتةٌ عن عمر.
س: مَن احتجَّ بقول عمر؟
ج: من حيث اللغة يعني.
س: أهل البدع يحتجون بأن هناك بدعةً حسنةً وبدعةً سيئةً؟
ج: لا، هذا غلطٌ، البدعة كلها ضلالةٌ: كل بدعةٍ ضلالةٌ، يقول النبي ﷺ: كل بدعةٍ ضلالةٌ.
س: مَن زاد على إحدى عشرة ركعةً في رمضان؟
ج: أما قولها: "إحدى عشرة" فهذا كان النبي ﷺ يفعله بعض الأحيان ..... كان يزيد على إحدى عشرة ركعةً، هذا في بعض الأحيان، وربما زاد فصلَّى ثلاث عشرة، وربما صلَّى أقل، ربما أوتر بتسعٍ، وربما أوتر بسبعٍ، وربما أوتر بأقلّ، لكن مرادها الغالب، يعني: الأكثر أنه كان يُوتر بإحدى عشرة عليه الصلاة والسلام، يُسلم من كل ثنتين، تقول في الرواية الصحيحة عنها رضي الله عنها: كان يُصلي ﷺ إحدى عشرة، يُسلم من كل ثنتين، ثم يُوتر بواحدةٍ، ويُطول في الأربع ..... الأربع الثانية، يعني ..... يُطول فيها، ويُخفف في الركعات الثلاث الأخيرة عليه الصلاة والسلام.
وإذا صلى الناس عشرين أو أكثر أو أقل فلا بأس؛ لقوله ﷺ: صلاة الليل مثنى مثنى، ما حدد حدًّا: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلَّى ركعةً واحدةً تُوتر له ما قد صلَّى، وهذا يدل على أنها ليس فيها حدٌّ: يُوتر بعشرٍ، أو بعشرين، أو بثلاثين، أو بأربعين، أو بأكثر، لا حدَّ لذلك، لكن كونه يُصلي إحدى عشرة أو ثلاث عشرة أفضل؛ اقتداءً بفعله ﷺ، وإن أوتر بأقلّ من ذلك فلا بأس، كله فعله النبي ﷺ: أوتر بثلاثٍ، وأوتر بخمسٍ، وأوتر بسبعٍ، وأوتر بتسعٍ، وأوتر بإحدى عشرة، وأوتر بثلاث عشرة، هذا هو الأفضل، النهاية ثلاث عشرة، وإذا أوتر بخمس عشرة، أو بتسع عشرة، أو بثلاثٍ وعشرين، أو بأكثر فالأمر واسعٌ والحمد لله؛ لقوله ﷺ: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلَّى ركعةً واحدةً، ولم يقل: لا تزيدوا على إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، أو عشرين، بل ترك لهم الصلاة مفتوحةً، يُصلي الإنسان ما يسر الله له؛ ولهذا كان السلف منهم مَن يُصلي ثلاثًا وعشرين، ومنهم مَن يُصلي ستًّا وثلاثين، ويُوتر بثلاثٍ، فتكون تسعًا وثلاثين، ومنهم مَن يُصلي أكثر من ذلك رضي الله عنهم ورحمهم.
س: .............؟
ج: مع الجماعة أفضل، ..... فضل الجماعة.
س: لو فاتت أيام التشريق يجوز أن يقضي الأيام التي فاتته، سواء فدية، يعني: لتغطية الرأس، أو سواء الأيام الثلاثة التي قال الله فيها: ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة:196]؟
ج: يصومها قبل عرفة، هذا في الهدي فقط، هذا إذا لم يجد الهدي: التمتع والقران، أما إذا كان عليه صومٌ آخر فهذا ما فيه تحديدٌ، يصوم متى شاء، والواجب البدار.
س: لو فاتته لعذرٍ مثلًا؟
ج: يصوم متى شاء، لكن لا يصومها في أيام التشريق، يصومها في غير أيام التشريق.
س: بعد أيام التشريق، فاتت أيام التشريق؟
ج: يصومها مع السبع.
س: ..... صلاة التراويح في العشر الأخيرة؟
ج: لأن الرسول ﷺ أحيا العشر الأخيرة، ولم يُحي العشرين الأول، كان يُصلي في العشرين بعض الشيء، والعشر كان يُحييها، فالأفضل إحياء العشر الأخيرة، وأما العشرين الأول فلا يُحييها، يُصلي ما تيسر، هذا السنة.
س: قوله: "والتي ينامون عنها أفضل"؟
ج: يعني: في آخر الليل، لكن ما يتيسر للكل آخر الليل، النبي ﷺ قال: مَن خاف ألا يقوم من آخر الليل فليُوتر أوله، فالناس يخافون ألا يقوموا آخر الليل؛ فلهذا صلى الصحابةُ في أول الليل؛ لأن هذا أنشط لهم، وأقرب إلى أن تُقام هذه العبادة. نعم.
س: والتي في آخر الليل أفضل وحده، يُصلي وحده أفضل؟
ج: التي يُنامون عنها أفضل، لكن صلاتهم مع الجماعة أفضل؛ لأن في ذلك إحياء الليل، في ذلك إحياء السنة، وفعل الجماعة يربو على صلاته في آخر الليل وحده.
س: قول عمر: أفضل؟
ج: يعني: لو صلوها آخر الليل، لو اجتمعوا في آخر الليل.
س: .............؟
ج: يخشى أنهم لو استمروا عليها في حال حياته أن تُفرض عليهم، هذا مراده ﷺ، لو استمروا عليها جماعةً بالليل خشي أن تُفرض عليهم فيعجزوا عنها، وهذا من نُصحه لهم عليه الصلاة والسلام وخوفه عليهم من أن يشقّ عليهم. نعم.
س: ...........؟
ج: الأفضل إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، هذا أفضل، ومَن زاد فلا حرج، مَن صلى ثلاثًا وعشرين أو أكثر فلا حرج، لكن الأفضل إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة من غير مشقةٍ، تكون صلاةً معتدلةً، ليس فيها مشقةٌ على الناس. نعم.