باب فضل الحرم

باب فضل الحرم

وقوله تعالى: إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [النمل:91].

وقوله جلَّ ذكره: أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [القصص:57].

1587- حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا جرير بن عبدالحميد، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ يوم فتح مكة: إن هذا البلد حرَّمه الله: لا يُعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لُقطته إلا مَن عرَّفها.

باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها، وأن الناس في المسجد الحرام سواءٌ خاصةً

لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]، البادي: الطاري، مَعْكُوفًا [الفتح:25]: محبوسًا.

1588- حدثنا أصبغ، قال: أخبرني ابن وهبٍ، عن يونس، عن ابن شهابٍ، عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال: يا رسول الله، أين تنزل في دارك بمكة؟ فقال: وهل ترك عقيل من رباعٍ أو دورٍ؟، وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب، ولم يرثه جعفر ولا علي رضي الله عنهما شيئًا؛ لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين، فكان عمر بن الخطاب يقول: لا يرث المؤمنُ الكافر.

قال ابن شهابٍ: وكانوا يتأوَّلون قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ الآية [الأنفال:72].

الشيخ: كان المسلمون في أول الإسلام يتوارثون بالولاء: ولاية الإسلام والهجرة، وكان المهاجري يرث الأنصاري، والأنصاري يرث المهاجري، دون أبيه وأمه، ثم نُسخ ذلك، وصارت الوراثة لذوي الأرحام، قال تعالى: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى [الأحزاب:6]، وقال: إنما الولاء لمن أعتق، فاستقرت الشريعة على توارث ذوي الأرحام، وأن المهاجري لا يرث الأنصاري، والأنصاري لا يرث المهاجري إذا لم تكن بينهم قرابةٌ ولا عتاقةٌ، واستقر الأمر على أن المسلم لا يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم كما قال النبي ﷺ: لا يرث المسلمُ الكافر، ولا الكافر المسلم، فلما تُوفي أبو طالب -وكان على دين قومه- ورثه عقيل قبل أن يُسلم، وطالب كان على دين أبيه، ولم يرثه علي ولا جعفر لأنهما كانا قد أسلما، فاستحوذ على أموال أبي طالب، ولم يبقَ للنبي ﷺ من ذلك شيءٌ؛ ولهذا قال: وهل ترك لنا عقيل من رباعٍ أو دورٍ؟.

وأراد المؤلف من هذا أن بيوت مكة ورباعها تُباع وتُشترى؛ ولهذا أقر النبي ﷺ تصرف عقيل وتصرف طالب بالدور التي باعوها، ولم ينقضها، وإنما المشترك نفس المسجد كما قال المؤلف، يعني: نفس محل العبادة، سواء .....، أما بقية الحرم -بقية أرجاء مكة- فهي لأهلها ممن ورثها، يتبايعونها، ويتوارثونها، كما جرى في عهده ﷺ وبعده.

فقوله جلَّ وعلا: سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي [الحج:25] يعني: نفس المسجد الذي حول الكعبة: وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ [الحج:25]، هذا عامٌّ في الحرم كله.

س: تخصيصه .....؟

ج: لأنهما كانا على دين أبي طالب.

س: ...........؟

ج: يمكن لأنه الموجود، وأبو طالب قد مات.

س: والتأجير كذلك؟

ج: والتأجير كذلك، البيع والتأجير، التأجير أسهل. نعم.

س: كيف يتفق هذا مع كون مكة فُتحت عنوة ..... موقوفة؟

ج: ما هي بموقوفة، الصواب أنها ما هي بموقوفة، الموقوف نفس المسجد فقط الذي حول الكعبة، دائرة المسجد، نعم، وأما الأراضي الأخرى والبيوت ..... وتركها لأهلها عليه الصلاة والسلام، ما أخذ منها شيئًا، اللهم صلِّ عليه، مَنَّ بها عليهم.

س: ملَّكهم إياها؟

ج: مَنَّ بها عليهم. نعم.

مداخلة: يقول الحافظ: فقد طالب ببدرٍ.

الشيخ: يمكن، المقصود بعد موت أبيه؛ لأن أبا طالب تُوفي والنبي ﷺ في مكة قبل الهجرة، نعم، ورثه طالب وعقيل. نعم.

س: قول الشافعي: أنها فُتحت صلحًا؟

ج: لا، غلطٌ، دخلها النبي ﷺ بالقوة، فتحها بالقوة، قتل ناسًا، وقال: مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمنٌ، ومَن دخل المسجد الحرام فهو آمنٌ، ومَن أغلق عليه بابه فهو آمنٌ، دخلها بالقوة، هذا هو الصواب الذي عليه جمهور أهل العلم.

س: ما يجري في دور مكة كذلك في المدينة النبوية؟

ج: من باب أولى، المدينة أسهل.

س: ألم يُوقفها عمر بن الخطاب؟

ج: لا، لا، ما هي بوقفٍ، المسلمون هاجروا إليها، أسلم أهلها عليها، ما هي حرب .....

س: التفريق ..... ما بين البيع والتأجير، فأجاز التأجير، ومنع البيع؟

ج: وجهه أنه ما تكون منافع، يعني: تكون منافع دون الأصول، يعني .....، وهو قولٌ ضعيفٌ، نعم، الإجارة أسهل، أنت إذا استأجرتَ شيئًا لك أن تُؤجره؛ لأنك ملكت منافعه.

س: تأويلهم بالآية: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا [الأنفال:72] يعني: من أنفسهم ..... يتأوَّلونه من دون توقيفٍ من النبي ﷺ؟

ج: مَنَّ بها عليهم، فتح مكة ومَنَّ بها عليهم، صارت ..... أملاكهم.

س: تأويلهم للآية: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا كانوا يتأوَّلونها، يعني: بدون أمر النبي ﷺ قبل أن يأمرهم؟

ج: الهجرة يعني؟

س: ..............؟

ج: أيش قبل هذا الكلام؟

فكان عمر بن الخطاب يقول: لا يرث المؤمن الكافر.

قال ابن شهابٍ: وكانوا يتأوَّلون قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ الآية [الأنفال:72].

الشيخ: كان أولًا –يعني- ثم نُسخ هذا بقوله جلَّ وعلا: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأحزاب:6]. نعم.

س: لكن ما فيه أن النبي ﷺ أمرهم بالعمل بهذه الآية؟

ج: ما بلغني، ما فهمت معنى هذا الشيء الذي قاله الزهري، ما فهمته، أقول: ما فهمت كما ينبغي كلام الزهري هذا.

س: ألا تدل على أن التوارث خاصٌّ بين المؤمنين دون الكفَّار؟

ج: التوارث كان له حالان: كان بالولاء: ولاء الإسلام والهجرة، ثم نُسخ هذا، وبقي بالقرابة والعتق فقط.

وهكذا آية الأحزاب: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا [الأحزاب:6]، نعم .....

باب نزول النبي ﷺ مكة

1589- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني أبو سلمة: أن أبا هريرة قال: قال رسول الله ﷺ حين أراد قدوم مكة: منزلنا غدًا -إن شاء الله- بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر.

1590- حدثنا الحميدي: حدثنا الوليد: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ من الغد يوم النحر وهو بمنى: نحن نازلون غدًا بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر يعني: ذلك المحصب، وذلك أن قريشًا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبدالمطلب، أو بني المطلب: ألَّا يُناكحوهم ولا يُبايعوهم حتى يُسلموا إليهم النبي ﷺ.

الشيخ: وهذا لإظهار عزِّ الإسلام والحمد لله، المكان الذي تقاسموا فيه على الكفر نزله ﷺ منصورًا مُؤيَّدًا في حجة الوداع.

وقال سلامة: عن عقيل، ويحيى بن الضحاك، عن الأوزاعي: أخبرني ابن شهاب، وقالا: بني هاشم، وبني المطلب. قال أبو عبدالله: بني المطلب أشبه.

الشيخ: هو الصواب؛ لأنهم حاصروهم في الشعب، بنو المطلب مع بني هاشم شيءٌ واحدٌ في الجاهلية والإسلام .....

س: يدل على سنية نزول المحصب .....؟

ج: هذا حجة مَن قال: أنه مستحبٌّ؛ لإظهار نصر الله وعزِّ الإسلام وظهوره، أنه مقصودٌ، قالت عائشة: إنما نزله لأنه كان منزلًا أسمح لخروجه. ولم ترَ أنه ..... وقال آخرون: بل ..... لظاهر قوله ﷺ: نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر؛ لإظهار عزِّ الإسلام ونصر المسلمين. نعم.

س: .............؟

ج: بنو عبدالمطلب هم بنو هاشم، جدّ النبي عليه الصلاة والسلام، والمقصود أنهم حاصروا بني المطلب الذي هو أخو هاشم، ومنهم عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب الذي قُتل يوم بدر، نعم، قال فيهم النبي ﷺ: إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيءٌ واحدٌ في الجاهلية والإسلام. وقال بعض أهل العلم: تحرم الصدقة عليهم تبعًا لبني هاشم. نعم.

س: .............؟

ج: بنو المطلب، نعم.

باب قول الله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ۝ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۝ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ الآية [إبراهيم:35-37].

باب قول الله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المائدة:97].

1591- حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا سفيان: حدثنا زياد بن سعد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: يُخرب الكعبة ذو السّويقتين من الحبشة.

1592- حدثنا يحيى بن بُكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشةَ رضي الله عنها.

وحدثني محمد بن مقاتل قال: أخبرني عبدالله -هو ابن المبارك-، قال: أخبرنا محمد ابن أبي حفصة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يُفرض رمضان، وكان يومًا تُستر فيه الكعبة، فلما فرض الله رمضان قال رسول الله ﷺ: مَن شاء أن يصومه فليصمه، ومَن شاء أن يتركه فليتركه.

1593- حدثنا أحمد: حدثنا أبي: حدثنا إبراهيم، عن الحجاج بن حجاج، عن قتادة، عن عبدالله ابن أبي عتبة، عن أبي سعيدٍ الخدري ، عن النبي ﷺ قال: لَيُحَجَّنَّ البيت وَلَيُعْتَمَرْنَ بعد خروج يأجوج ومأجوج.

تابعه أبان وعمران، عن قتادة.

وقال عبدالرحمن: عن شعبة قال: لا تقوم الساعة حتى لا يُحَجَّ البيت. والأول أكثر، سمع قتادةُ عبدالله، وعبدُالله أبا سعيدٍ.

الشيخ: المقصود من هذا أن وجود أشراط الساعة لا يمنع بقاء الإسلام، بل هو باقٍ، والحج موجودٌ بعد خروج يأجوج ومأجوج، وبعد خروج الدَّجال، وإنما يكون قيام الساعة بعد موت أهل الإيمان وانتهائهم بخروج الريح اللينة التي تقبض روح كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ، ولا يبقى إلا الأشرار، فعليهم تقوم الساعة: لا تقوم الساعة حتى لا يُقال في الأرض: الله، الله، وفي اللفظ الآخر: حتى لا يُقال في الأرض: لا إله إلا الله.

أيش قال على "ذي السويقتين" أي: الشارح؟ لأن من أشراط الساعة هدم الكعبة، والذين يهدمونها الحبشة، غزوٌ من الحبشة، ومنهم ذو السويقتين.

س: مجوس؟

ج: نصارى. نعم.

قوله: "باب قول الله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ إلى قوله: عَلِيمٌ" كأنه يُشير إلى أن المراد بقوله: قِيَامًا أي: قوامًا، وأنها ما دامت موجودةً فالدين قائمٌ؛ ولهذه النكتة أورد في الباب قصة هدم الكعبة في آخر الزمان.

وقد روى ابن أبي حاتم بإسنادٍ صحيحٍ عن الحسن البصري أنه تلا هذه الآية فقال: لا يزال الناس على دينٍ ما حجّوا البيت واستقبلوا القبلة.

وعن عطاءٍ قال: قِيَامًا لِّلنَّاسِ لو تركوه عامًا لم ينظروا أن يهلكوا.

ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث.

الشيخ: ظاهر السياق أنه ما دام البيت يُحجّ ويُعتمر فأمر المسلمين قائمٌ، ولهم بقيةٌ، وعندما يُهدم البيت ويُقضى على الحج والعمرة فذلك علامات انقراض الإسلام وذهابه، وهذا قُرب إرسال الريح الطيبة التي يقبض الله بها أرواح المؤمنين والمؤمنات، ويبقى الأشرار، فعليهم تقوم الساعة.

ولا شك أن آخر الزمان ينتهي فيه أمر الإسلام، وقرب الساعة، ويبقى الناس في خِفَّة الطير وأحلام السباع، لا يعرفون معروفًا، ولا يُنكرون منكرًا، ويدعوهم الشيطان إلى عبادة الأوثان والأصنام، فيقرون عليها، ولا يبقى في الأرض حين تقوم الساعة أحدٌ يؤمن بالله واليوم الآخر، بل لا تقوم إلا على شرار الناس؛ ولهذا في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: لا تقوم الساعة حتى لا يُقال في الأرض: الله، الله، وفي لفظٍ: حتى لا يُقال في الأرض: لا إله إلا الله. نعم.

س: هدم الكعبة بعد نزول المسيح أو قبله؟

ج: بعد نزول المسيح، نعم. أول الأشراط: المهدي -على الصحيح-، ثم خروج الدجال، ثم نزول المسيح ابن مريم، ثم خروج يأجوج ومأجوج، ثم بعد ذلك الدخان وهدم الكعبة، ثم آخر شيءٍ: طلوع الشمس من مغربها، أو خروج الدابة، أيتهما وقعت فالأخرى على إثرها، وآخر الآيات: حشر النار. نعم.

قارئ المتن: ..... لا تقوم الساعة حتى لا يُحجّ البيت.

الشيخ: نعم.

قوله: لا تقوم الساعة حتى لا يُحج البيت وصله الحاكم من طريق أحمد بن حنبل عنه.

قال البخاري: والأول أكثر. أي: لاتفاق مَن تقدم ذكره على هذا اللفظ، وانفراد شعبة بما يُخالفهم، وإنما قال ذلك لأن ظاهرهما التعارض؛ لأن المفهوم من الأول أن البيت يُحجّ بعد أشراط الساعة، ومن الثاني أنه لا يُحجّ بعدها، ولكن يمكن الجمع بين الحديثين؛ فإنه لا يلزم من حج الناس بعد خروج يأجوج ومأجوج أن يمتنع الحج في وقتٍ ما عند قرب ظهور الساعة، ويظهر -والله أعلم- أن المراد بقوله: لَيُحَجَّنَّ البيت أي: مكان البيت؛ لما سيأتي بعد باب: أن الحبشة إذا خرَّبوه لم يعمر بعد ذلك.

الشيخ: نعم، ويدل على هذا أن الشمس إذا طلعت من مغربها تطلع والناس فيهم المؤمن والكافر، فالمؤمن يبقى على إيمانه، والكافر يبقى على كفره، لا تُقبل بعد ذلك من إنسانٍ توبةٌ، بعد طلوع الشمس من مغربها لا توبة. نعم.

س: بعد طلوعها من مغربها تكون هناك حياةٌ؟

ج: نعم.

س: تعود الشمس؟

ج: إيه، تعود على حالها.

س: ومَن يولد بعد طلوع الشمس من مغربها إذا كان .....؟

ج: بعد طلوع الشمس من مغربها كلٌّ على حاله: الكافر على كفره، والمؤمن على إيمانه، كما قال تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، هذه جاء تفسيرها في الأحاديث، يعني: طلوع الشمس من مغربها. نعم.

س: الأطفال الذين يُولدون بعد طلوع الشمس من مغربها؟

ج: حسب آبائهم، تبع آبائهم.

س: قول المؤلف: "سمع قتادةُ عبدالله، وعبدُالله أبا سعيدٍ" يعني: سمع عبدالله أبا سعيدٍ؟

ج: إي، نعم، عبدالله سمع أبا سعيدٍ؛ لأنه متصلٌ.

س: قتادة سمع من عبدالله ابن أبي عتبة، وعبدالله ابن أبي عتبة سمع من أبي سعيدٍ؟

ج: نعم.

باب كسوة الكعبة

1594- حدثنا عبدالله بن عبدالوهاب: حدثنا خالد بن الحارث: حدثنا سفيان: حدثنا واصل الأحدب، عن أبي وائلٍ قال: جئتُ إلى شيبة. ح، وحدثنا قبيصة: حدثنا سفيان، عن واصلٍ، عن أبي وائلٍ قال: جلستُ مع شيبة على الكرسي في الكعبة، فقال: لقد جلس هذا المجلس عمرُ ، فقال: لقد هممتُ ألا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمته. قلت: إن صاحبيك لم يفعلا؟! قال: هما المرآن أقتدي بهما.

الشيخ: يعني: النبي ﷺ والصديق.

س: حكم الذهب والفضة في الكعبة يُترك؟

ج: كأنه ذاك الوقت، كأنهما أبقياه لمصلحة الكعبة، لحاجات الكعبة.

س: والآن .......؟

ج: إذا التزم ولي الأمر بحاجاتها يأخذه، لا يعطل المال، إذا التزم بحاجاتها يُؤخذ، مثل: الكسوة، ومثل: الترميم.

س: يُصرف إلى بيت المال؟

ج: بيت المال، نعم.

.........

 

باب هدم الكعبة

قالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي ﷺ: يغزو جيشٌ الكعبة فيُخسف بهم.

1595- حدثنا عمرو بن علي: حدثنا يحيى بن سعيد: حدثنا عبيدالله بن الأخنس: حدثني ابن أبي مليكة، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ قال: كأني به أسود أفحج، يقلعها حجرًا حجرًا.

1596- حدثنا يحيى بن بُكير: حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهابٍ، عن سعيد بن المسيب: أن أبا هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: يُخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة.

 

الشيخ: انظر كلامه على هدم الكعبة.

قوله: "باب هدم الكعبة" أي: في آخر الزمان.

قوله: "وقالت عائشة" في رواية غير أبي ذر: "قالت" بحذف الواو، وهذا طرفٌ من حديثٍ وصله المصنف في "أوائل البيوع" من طريق نافع بن جبير عنها بلفظ: يغزو جيشٌ الكعبة، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسف بأولهم وآخرهم، ثم يُبعثون على نيَّاتهم، وسيأتي الكلام عليه هناك، ومناسبته لهذه الترجمة من جهة أن فيه إشارةً إلى أن غزو الكعبة سيقع، فمرةً يُهلكهم الله قبل الوصول إليها، وأخرى يُمكنهم، والظاهر أن غزو الذين يُخربونه متأخرٌ عن الأولين.

قوله: "عبيدالله بن الأخنس" بمُعجمةٍ ونونٍ ثم مهملة، وزن الأحمر، وعبيدالله بالتصغير كوفيٌّ يكنى: أبا مالك.

قوله: كأني به كذا في جميع الروايات عن ابن عباسٍ في هذا الحديث، والذي يظهر أن في الحديث شيئًا حُذف، ويحتمل أن يكون هو ما وقع في حديث عليٍّ عند أبي عبيدٍ في "غريب الحديث" من طريق أبي العالية، عن عليٍّ قال: استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يُحال بينكم وبينه، فكأني برجلٍ من الحبشة أصلع -أو قال: أصمع- حمش الساقين، قاعد عليها وهي تُهدم.

ورواه الفاكهي من هذا الوجه، ولفظه: "أصعل" بدل "أصلع"، وقال: "قائمًا عليها يهدمها بمسحاته".

ورواه يحيى الحماني في "مسنده" من وجهٍ آخر عن عليٍّ مرفوعًا.

قوله: كأني به أسود أفحج بوزن أفعل، بفاء ثم حاء ثم جيم، والفحج: تباعد ما بين الساقين.

قال الطيبي: وفي إعرابه أوجهٌ؛ قيل: هو حالٌ من خبر كان، وهو باعتبار المعنى الذي أشبه الفعل.

وقيل: هما حالان من خبر كان، وذو الحال إما المستقر المرفوع أو المجرور، والثاني أشبه، أو هما بدلان من الضمير المجرور.

وعلى كل حالٍ يلزم إضمار قبل الذكر، وهو مُبهمٌ يُفسره ما بعده، كقولك: رأيته رجلًا. وقيل: هما منصوبان على التمييز.

وقوله: حجرًا حجرًا حالٌ، كقولك: بوبته بابًا بابًا.

وقوله في حديث عليٍّ: "أصلع، أو أصعل، أو أصمع" الأصلع: مَن ذهب شعر مقدم رأسه، والأصعل: الصغير الرأس. والأصمع: الصغير الأذنين.

وقوله: "حمش الساقين" بحاءٍ مهملةٍ، وميمٍ ساكنةٍ، ثم معجمة، أي: دقيق الساقين، وهو موافقٌ لقوله في رواية أبي هريرة: "ذو السويقتين" كما سيأتي في الحديث الذي بعده.

قوله: يقلعها حجرًا حجرًا زاد الإسماعيلي والفاكهي في آخره: يعني: الكعبة.

قوله: "عن ابن شهاب" كذا رواه الليث، عن يونس. وتابعه عبدالله بن وهب، عن يونس عند أبي نعيمٍ في "المستخرج"، وخالفهما ابن المبارك فرواه عن يونس، عن الزهري، فقال: عن سحيم -مولى بني زهرة-، عن أبي هريرة. رواه الفاكهي من طريق نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، فإن كان محفوظًا فيكون للزهري فيه شيخان عن أبي هريرة.

قوله: ذو السويقتين تثنية سويقة، وهي تصغير ساقٍ، أي: له ساقان دقيقان.

قوله: من الحبشة أي: رجلٌ من الحبشة.

ووقع هذا الحديث عند أحمد من طريق سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة بأتم من هذا السياق، ولفظه: يُبايع للرجل بين الركن والمقام، ولن يستحلّ هذا البيت إلا أهله، فإذا استحلّوه فلا تسأل عن هلكة العرب، ثم تجيء الحبشة فيُخربونه خرابًا لا يُعمر بعده أبدًا، وهم الذين يستخرجون كنزه.

ولأبي قرة في السنن من وجهٍ آخر عن أبي هريرة مرفوعًا: لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة.

ونحوه لأبي داود من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص.

وزاد أحمد والطبراني من طريق مجاهد عنه: فيسلبها حليتها، ويُجردها من كسوتها، كأني أنظر إليه أصيلع، أفيدع، يضرب عليها بمسحاته، أو بمعوله.

وللفاكهي من طريق مجاهد نحوه، وزاد: قال مجاهد: فلما هدم ابن الزبير الكعبة جئتُ أنظر إليه: هل أرى الصفة التي قال عبدالله بن عمرو؟ فلم أرها.

قيل: هذا الحديث يُخالف قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا [العنكبوت:67]؛ ولأن الله حبس عن مكة الفيل، ولم يُمكن أصحابه من تخريب الكعبة، ولم تكن إذ ذاك قبلةٌ، فكيف يُسلط عليها الحبشة بعد أن صارت قبلةً للمسلمين؟

وأُجيب: بأن ذلك محمولٌ على أنه يقع في آخر الزمان قرب قيام الساعة، حيث لا يبقى في الأرض أحدٌ يقول: الله، الله. كما ثبت في "صحيح مسلم": لا تقوم الساعة حتى لا يُقال في الأرض: الله، الله؛ ولهذا وقع في رواية سعيد بن سمعان: لا يُعمر بعده أبدًا، وقد وقع قبل ذلك فيه من القتال وغزو أهل الشام له في زمن يزيد بن معاوية، ثم من بعده في وقائع كثيرةٍ من أعظمها: وقعة القرامطة بعد الثلاثمئة، فقتلوا من المسلمين في المطاف مَن لا يُحصى كثرةً، وقلعوا الحجر الأسود فحوَّلوه إلى بلادهم، ثم أعادوه بعد مدةٍ طويلةٍ، ثم غُزي مرارًا بعد ذلك، وكل ذلك لا يُعارض قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا؛ لأن ذلك إنما وقع بأيدي المسلمين.

الشيخ: المقصود من هذا أن الله جلَّ وعلا يحفظه ويصونه في وقتٍ معينٍ، فإذا انتهى الأمدُ الذي أراده الله ودنا قيام الساعة سلَّط عليه الحبشة؛ لأن الأمر قد دنا، وقيام الساعة قد دنا، وعمر الدنيا قد قرب؛ فلهذا قدر ما قدر ، فالأمور كلها مُحكمةٌ بقدره جلَّ وعلا، فإذا دنا أمر الدنيا وانتهاء عمرها وقرب الآخرة ذهبت الكعبة، ومات المسلمون: قُبضت أرواحهم، ويبقى الأشرار، فعليهم تقوم الساعة، لكن سيُحجّ بعد هدم الكعبة، يُحجّ ويُعتمر ويُصلَّى بعد طلوع الشمس من مغربها، ويُصام، ولا يكون ذهاب المسلمين إلا بعد ذلك؛ بعد طلوع الشمس من مغربها، وبعد خروج الدابة، عند قرب قيام الساعة ما يبقى إلا الشرط الأخير، وهو قيامها، وخروج النار التي تسوقهم إلى المحشر.

ومعنى: حتى يأتي أمر الله يعني: حتى تأتي الريح التي يقبض الله بها روح كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ، وسمَّاه: قيام الساعة؛ لأنه قرب قيام الساعة. نعم.

س: يعني: حتى يقرب قيام الساعة؟

ج: نعم، يعني: عندما تأتي الريح، وتُقبض أرواح المؤمنين، معناها: ما بقي إلا المدة اليسيرة التي يعلمها الله جلَّ وعلا.

س: المقصود بكنز الكعبة؟

ج: يعني: كنزًا يوجد في ذاك الوقت، قد يكون ..... لمصلحتها وحاجاتها.

لأن ذلك إنما وقع بأيدي المسلمين، فهو مطابقٌ لقوله ﷺ: ولن يستحلّ هذا البيت إلا أهله، فوقع ما أخبر به النبي ﷺ، وهو من علامات نبوته، وليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن المذكور فيها، والله أعلم.

الشيخ: الله المستعان سبحانه.

س: يُطاف على علاماتها بعد هدمها؟

ج: يُطاف على محل الكعبة، يُطاف على محلِّها؛ لأن العبرة بمحلها، ما هو بالحجر، العبرة بمحل الكعبة.