باب آكل الربا وشاهده وكاتبه وقوله تعالى

باب آكل الربا وشاهده وكاتبه

وقوله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275].

2084- حدثنا محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروقٍ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزلت آخر البقرة قرأهن النبي ﷺ عليهم في المسجد، ثم حرَّم التجارة في الخمر.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فهذه الآية الكريمة تُوضح بيان شدة حُرمة الربا؛ ولهذا قال : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ يعني: من قبورهم إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ يعني: يقوم المرابي ..... كالمجنون، وهذا تشنيعٌ على أخذ المرابين، وتحذيرٌ لهم من هذا العمل القبيح، وبين أنه أحلَّ البيع وحرَّم الربا.

فالواجب على أهل الإيمان الأخذ بما أحلَّ الله، والحذر مما حرَّم الله، وأن يتواصوا بهذا، وأن يتعاونوا عليه؛ لأن الدين هو النَّصيحة والتعاون على البرِّ والتقوى والتواصي بالحقِّ، فلما نزلت هذه الآيات –آيات الربا- تلاهنَّ النبي ﷺ على الناس كما قالت عائشةُ رضي الله عنها، ثم حرم التجارة في الخمر.

المناسبة أن هذه المعصية -معصية الربا- شنيعةٌ، وتُفسد القلوب، والخمر تُفسد العقول، وهذه كبيرةٌ، وهذه كبيرةٌ، فكان من المناسب أن يُبين تحريم الخمر التي هي فسادٌ للعقول واغتيالٌ لها، ومن أعظم الأسباب في إضاعة ما أوجب الله، وإتيان ما حرَّم الله، وهكذا الربا، فإن تعاطيه ..... من أعظم الأسباب في وقوع محاذير كثيرةٍ؛ حبًّا للمال، وإيثارًا للمال.

والواجب على المؤمن والمؤمنة التقيد بأوامر الله، والوقوف عند حدود الله قولًا وعملًا، فعلًا وتركًا، نعم.

2085- حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا جرير بن حازم: حدثنا أبو رجاء، عن سمرة بن جندب قال: قال النبي ﷺ: رأيت الليلة رجلين أتياني، فأخرجاني إلى أرضٍ مُقدسةٍ، فانطلقنا حتى أتينا على نهرٍ من دمٍ فيه رجلٌ قائمٌ، وعلى وسط النهر رجلٌ بين يديه حجارةٌ، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجرٍ في فيه، فردَّه حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجرٍ، فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا.

الشيخ: وهذا فيه تحذيرٌ من الربا وترهيبٌ منه، وأن صاحب الربا يُعذَّب بهذا؛ كونه في نهرٍ من دمٍ يسبح فيه، وكلما أراد الخروج أُلقم حجرًا، وقد تقدم هذا الحديث بطوله في الجنائز: حديث سمرة، وهو حديثٌ عظيمٌ، حديث الرؤيا، ينبغي أن يُحفظ؛ لما فيه من العِظة والعِبرة، نعم.

باب موكل الربا؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إلى قوله: وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [البقرة:278- 281].

وقال ابن عباسٍ: هذه آخر آيةٍ نزلت على النبي ﷺ.

2086- حدثنا أبو الوليد: حدثنا شعبة، عن عون ابن أبي جحيفة قال: رأيتُ أبي اشترى عبدًا حجَّامًا، فسألته، فقال: نهى النبي ﷺ عن ثمن الكلب وثمن الدم، ونهى عن الواشمة والموشومة، وآكل الربا ومُوكله، ولعن المصور.

الشيخ: وهذا يُفيد أنه لا يجوز بيع الدم، وإذا دعت الحاجةُ إليه يكون تبرعًا، ولا يُباع الدم: إما لخُبثه -كما هو ظاهر-، وإما لأنه من الأمور التي ينبغي فيها التسامح والتعاون بين المسلمين عند الحاجة.

وفي هذا التحذير من أكل الربا وإيكاله الناس، والوشم.

والوشم: غرز الجلد بالإبرة أو نحوها، فإذا خرج الدم جعل فيه شيئًا من النيل أو غيره من الأصباغ.

وكانت الجاهلية تعتاد الوشم، فجاء الإسلام بالنهي عن ذلك، ولعن الواشمة والمستوشمة، وهو من الكبائر، كما أن أكل الربا من الكبائر، وهكذا لعن المصور، وهذا وعيدٌ شديدٌ يدل على عِظم جريمة التصوير، وأنه من الكبائر؛ ولهذا في الحديث الآخر يقول ﷺ: أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون، فالتصوير يكون باليد، ويكون بالآلة (الكاميرا)، ويكون بأي نوعٍ، فالتصوير يعمّ أنواع التصوير لذوات الأرواح، أما التصوير للجمادات فلا بأس به: للشجر، والحجر، والسيارة، والطائرة، ونحو ذلك، نعم.

س: أحسن الله إليك، نُقل عنك في بعض الجرائد أنك لا تُحرم التصوير مطلقًا لذوات الأرواح: كتصوير المجاهدين وبعض المحاضرات؟

ج: التصوير مُحرَّمٌ، لا يجوز إلا لضرورةٍ، مثل: قد يقع لأصحاب التابعيات، ما يُعطون تابعية إلا بصورةٍ، أو شهادة علمية يُحرم إياها إلا بصورةٍ، فهذه الأشياء تدخل في قوله جلَّ وعلا: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119].

أما ما يتعلق بتصوير المحاضرات والندوات: فهذا محل نظرٍ، وقد يقال: إنه يجوز بجامع تحصيل أعلى المصلحتين، ودرء كُبرى المفسدتين، وأن نشر الندوات والمحاضرات قد ينفع الله به الناس؛ لأنهم إذا شاهدوا أصحاب الندوة والمحاضرة، وسمعوا صوت المحاضر، ورأوا صورته، وتأكدوا منه؛ كان أبلغ في التأثير في قلوبهم، هذا له وجهٌ.

وقد أجازه بعض أهل العلم من أجل المصلحة العامَّة، وهو قولٌ قويٌّ لأجل المصلحة العامَّة، على قاعدة: تحصيل أعلى المصلحتين أو المصالح ولو بتفويت الدنيا منهما أو منها، ودرء كُبرى المفسدتين أو كُبرى المفاسد ولو بارتكاب الدنيا منهما أو منها، هو من هذا الباب.

أما جنس التصوير فهو مُحرَّمٌ؛ كبيرةٌ من كبائر الذنوب بنص الرسول ﷺ؛ فقد لعن المصور، قال: أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون، فلا شك أن التصوير كبيرةٌ، فتصوير ذوات الأرواح من كبائر الذنوب، وإنما البحث في أي صورةٍ تجوز بأدلةٍ أخرى من هذه الصور التي ابتُلي بها الناس، نعم.

.............. ما يكفي الأولين يكفي الآخرين، المجاهدون الأولون تكفي الأخبار عنهم، وجهادهم، وأعمالهم، من غير حاجةٍ إلى صورةٍ، والآخرون كذلك، لا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.

س: ...............؟

ج: ما يظهر لي هذا الوجه، ما يجوز التصوير أبدًا، يُخبر عن المجاهدين، وعن فضل الجهاد، وما جرى على المجاهدين، من دون حاجةٍ إلى أخذ صورةٍ.

س: هل يأثم المصوَّر إن كان لا يعلم؟

ج: لا، ما عليه شيءٌ، الإثم على مَن صوَّره، نعم.

س: لكن العمل بصورة التابعية أو البطاقة، لو عمل إنسانٌ في تصوير الناس للبطاقة هل يأثم؟

ج: إذا جاز هذا جاز هذا.

س: في هذا ألا يُقال: ما يكفي الأولين يكفي الآخرين؟

ج: هذا ما هو بهواه، فهم لا يُعطونه بطاقةً ولا شيئًا إلا بهذا، ما هو باختياره، فهمت؟

س: حضور الصورة في (التلفاز) أو تسجيل بعض المحاضرات في (الفيديو) نفس .....؟

ج: الظاهر أن هذا ما هو بتصويرٍ ..... مثل: المرآة، المقصود الصورة التي يُرى بها في خرقةٍ، أو في جريدةٍ، أو كتابٍ، هذا هو، تبقى صورته، أما هذه فليست ثابتةً، مثل: وجودها في المرآة.

س: بعض الصور فيها فتنٌ، أحسن الله عملك؟

ج: ..... ما يجوز: النساء المتكشِّفات، أو تصوير اللواط وأهل اللواط، مُنكرات.

س: بعض الكتب العلمية توجد فيها بعض الصور؟

ج: خذ فائدتها، وامحُ الرأس، امحُ الرأس، وخذ الفائدة.

باب: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:276]

2087- حدثنا يحيى بن بُكير: حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهابٍ. قال ابن المسيب: إن أبا هريرة قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: الحلف مَنْفَقَةٌ للسلعة، مَمْحَقَةٌ للبركة.

الشيخ: يعني: حلف البيع والشراء ممحقةٌ للكسب والبركة، مَنْفَقَةٌ للسلعة: والله إنها لي بكذا، والله إني شريتُها بكذا. وهو يكذب، وهكذا الإكثار من ذلك وسيلةٌ للكذب؛ ولهذا في الحديث الصحيح في "الصحيحين": ثلاثٌ لا يُكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يُزكيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ، وذكر منهم رجلًا باع سلعةً لرجلٍ بعد العصر، فحلف له بالله لقد أُعطي بها كذا وكذا، فصدَّقه، والأمر على غير ذلك.

وفي الحديث الآخر لما ذكر الثلاثة قال: ورجلٌ جعل الله بضاعته؛ لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه.

فالأيمان الكاذبة من المنكرات، اليمين الغموس من الكبائر، وهي مَنْفَقَةٌ للسلعة، يعني: تدرج السلعة ليغترَّ بها الناس؛ لكنها تمحق البركة، تمحق الكسب: والله إني شريتُها بكذا. إن كان كاذبًا فالأمر واضحٌ، وأنه قد أتى مُنكرًا ويمينًا غموسًا، وتغريرٌ، وخيانةٌ، وغشٌّ، فإن كان صادقًا فإن كثرة الأيمان وسيلةٌ للكذب، مَن كثرت أيمانه وقع في الكذب، والله قال: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89]، نعم.

باب ما يُكره من الحلف في البيع

2088- حدثنا عمرو بن محمد: حدثنا هشيم: أخبرنا العوام، عن إبراهيم بن عبدالرحمن، عن عبدالله ابن أبي أوفى : أن رجلًا أقام سلعةً وهو في السوق، فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يُعط.

الشيخ: أعطى، أو أُعطي؟

قارئ المتن: لقد أعطى بها ما لم يُعط؛ ليُوقع فيها رجلًا من المسلمين.

الشيخ: ما لم يُعط، إما أعطى ما لم يُعط، أو أُعطي ما لم يُعط، أعطى يعني: اشتراها، ما لم يُعط، أو أُعطي يعني: سِيمت له. ضبطها الشارح؟

الطالب: مشكولةٌ .....

الشيخ: التشكيل فيه أغلاطٌ كثيرةٌ، لا بد من ضبط القلم للشارح.

المقصود أنه يجوز فيها الوجهان: "لقد أعطى ما لم يُعط" يعني: قال: إني شريتها بمئةٍ. وهو ما شراها إلا بثمانين أو سبعين، هذا أعطى ما لم يُعط، أو "أُعطي ما لم يُعط" يعني: سِيمت منه بكذا وكذا، ولم تُسم منه، كذب حتى يغرَّ الناس، وحتى يبذلوا مثلما قال، أو قريبًا مما قال، نعم.

س: لقد أُعطي بها ما لم يُعط .....؟

ج: ما لم يُعط، "قد أُعطي بها" يعني: سِيمت منه، "ما لم يُعط" ما لم تُسم منه، نعم.

والحاصل من هذا هو التحذير من الغش، والمسلم أخو المسلم: لا يغشّه، ولا يقل: سِميت بكذا، وهو يكذب، ولا يقل: اشتريتها بكذا، وهو يكذب؛ لأن بعض الناس قد يُقلد، فإذا قال له: إني شريتها بمئةٍ، وهو يكذب، قال: أنا آخذها منك برأس مالك، أو يزيده قليلًا، فيكون غرَّه، وهكذا إذا قال له: إنها سِيمت مني بمئةٍ. وما سِيمت بهذا، قد يُقلده أخوه المخاطب، قد يُقلده ويُصدقه ويأخذ، نعم.

والقاعدة في هذا: أن له الخيار، متى علم أنه غشَّه فله الخيار.

س: إن كان صادقًا هل يدخل في هذا؟

ج: لا، إن كان صادقًا لا بأس، ما في حرج، قصده من هذا أن يُبين ما وقع في الواقع؛ حتى يكون المشتري على بصيرةٍ، نعم.

باب ما قيل في الصّواغ

وقال طاوس: عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: قال النبي ﷺ: لا يُختلى خلاها، وقال العباس: إلا الإذخر؛ فإنه لقينهم وبيوتهم. فقال: إلا الإذخر.

2089- حدثنا عبدان: أخبرنا عبدالله: أخبرنا يونس، عن ابن شهابٍ قال: أخبرني علي بن حسين: أن حسين بن عليٍّ رضي الله عنهما أخبره: أن عليًّا قال: كانت لي شارفٌ من نصيبي من المغنم، وكان النبي ﷺ أعطاني شارفًا من الخمس، فلما أردتُ أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله ﷺ واعدتُ رجلًا صوَّاغًا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخرٍ أردتُ أن أبيعه من الصوَّاغين، وأستعين به في وليمة عُرسي.

الشيخ: هذا يُبين جواز صنعة الصياغة والحدادة، وأنها لا بأس بها.

وقول العباس: "يا رسول الله، إلا الإذخر؛ فإنه لقينهم" يعني: الحداد، مقصود المؤلف أن هذا يدل على الجواز، وأن هذا شيءٌ معروفٌ من وقت النبي ﷺ في المدينة، أيضًا الصوَّاغون يصوغون الحُلي والخواتم والقلائد وغير ذلك، فالحداد الذي يصنع السيوف والسكاكين والآلات الحديدية والقدور، لا بأس بها، كل كسبٍ مُباحٍ، والناس في حاجةٍ إليه، إذا نصح ولم يغشّ فهو كسبٌ لا بأس به، ولا نقص فيه، كما يظن بعض العامة ..... الكسب.

وفي الحديث يقول ﷺ لما سُئل: أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيعٍ مبرورٍ، فعمل الرجل بيده تدخل فيه الصياغة، والحدادة، والنجارة، والخرازة.

وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: إن خير ما أكل العبد من عمل يده، وكان نبي الله داود يأكل من عمل يده، فأحسن الأكساب وأطيبها ما كان من عمل اليد، وهكذا البيع السليم المبرور، السليم من الغشِّ، والخيانة، والأيمان الكاذبة.

س: مناسبة الترجمة .....؟

ج: إشارة إلى الحديث، أشارت للحديث؛ لأنه لما قال: لا يُختلى خلاها كما في الرواية الأخرى، قال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر؛ فإنه لقينهم. على عادته رحمه الله قد يقتصر على إشارةٍ فقط.

س: إذا كانت الصياغة تتعرض لفتنة النساء والتَّبرج .....؟

ج: يتركها، ويبحث عن صنعةٍ أخرى، إذا كان يخشى من الصياغة أنه يتعرض لفتنةٍ مع النساء، فالحمد لله يلتمس صنعةً أخرى، الصناعات كثيرةٌ، وإلا فليتَّقِ الله وليحذر: لا يخلو، ولا ينظر.

س: حديث: أكذب الناس الصبَّاغون والصوَّاغون؟

ج: يغلب على ظني أن ابن القيم ذكره في كتابه "المنار المنيف" من الموضوعات، وقال عنده: ومما يدل على وضعه نكارة متنه. فمتنه غير صحيحٍ، فليس الصوَّاغون أكذب الناس، بل أكذب الناس الرافضة، قال الشافعي رحمه الله: ما رأيتُ أشهد للزور من الرافضة. فليُراجع في "المنار المنيف"، ويُراجع في "كشف الخفاء" .....

مداخلة: أشار إليه يا شيخ؟

الشيخ: أيش قال عليه؟

الطالب: قوله: "أبتني بفاطمة" أي: أدخل بها. وسيأتي الكلام على هذا الحديث في فرض الخمس، والغرض منه.

قوله: "واعدتُ رجلًا صوَّاغًا من بني قينقاع" وقد قدمنا أنهم رهطٌ من اليهود، فيُؤخذ منه جواز معاملة الصائغ ولو كان غير مسلمٍ، ويُؤخذ منه أنه لا يلزم من دخول الفساد في صنعةٍ أن تُترك معاملة صاحبها، ولو تعاطاها أراذل الناس مثلًا، ولعل المصنف أشار إلى حديث: أكذب الناس الصبَّاغون والصوَّاغون، وهو حديثٌ مُضطرب الإسناد، أخرجه أحمد وغيره.

الشيخ: يحتاج إلى مزيد كلامٍ، يعني: أشار إلى أنه مُضطربٌ، وابن القيم رحمه الله -كما أظن، وأنا بعيد العهد به- بسط الكلام فيه.

س: إذا كان ما يحتاج إليه المسلمون من الأصباغ؟

ج: حتى لو ثبت: أكذب الناس الصبَّاغون والصوَّاغون ما يضرّ الصادقين، الصادقون ما يدخلون في هذا، إذا تحرى في صياغته وعمله الصدق والأمانة خرج من الحديث لو صحَّ، فإن الكذب في الصباغة والصياغة وفي جميع المعاملات مُحرَّمٌ، نعم.

س: الحاجات التي يحتاجها المسلمون للباسهم إذا تركوها بأجمعهم، ولم يوجد مَن يصنعها لهم، هل يكون ذلك من فروض الكفاية؟

ج: القاعدة: أن كل ما يحتاجه المسلمون فهو من فروض الكفاية، والناس في حاجةٍ إلى الصياغة: الصوَّاغ، والحداد، والنجار، هم في حاجةٍ إلى ذلك؛ ولهذا جمعٌ من أهل العلم يقولون في مثل هذا: إن هذه من فروض الكفايات؛ لحاجة الناس إليها، فالناس في حاجةٍ للنجار: يُصلح الأبواب، ويُصلح حاجاتٍ أخرى، وللحداد: لسيوفهم، وسكاكينهم، وقدورهم، وهكذا .....، لكن المهم الحذر من الكذب، والحذر من الخيانة والغش في جميع الصناعات.

س: في "المسند" أحاديث موضوعةٌ؟

ج: هذا مما أنكره الحافظ رحمه الله في كتابه "القول المسدد في الذبِّ عن مسند أحمد"، ذكر أنه ليس فيه موضوعٌ، وإنما قصاراه أن فيه حديثًا ضعيفًا، وهذا يحتاج إلى عنايةٍ وتتبعٍ، وأظن أن ابن الجوزي ذكر جملةً من أحاديث "المسند" في الموضوعات، لكن هذا يحتاج إلى عنايةٍ بأسانيد ما قيل: إنه موضوعٌ، نعم.

س: ابن الجوزي ما عنده شكٌّ في هذا؟

ج: بلى، عنده بعض الشيء؛ ولهذا أنكر عليه بعض الناس جملة أحاديث، قالوا فيها أنه أخطأ في جعلها موضوعةً.

2090- حدثنا إسحاق: حدثنا خالد بن عبدالله، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: إن الله حرَّم مكة، ولم تحلّ لأحدٍ قبلي، ولا لأحدٍ بعدي، وإنما حلَّت لي ساعةً من نهارٍ، لا يُختلى خلاها، ولا يُعضد شجرها، ولا يُنفر صيدها، ولا يُلتقط لُقطتها إلا لـمُعَرِّفٍ.

وقال عباس بن عبدالمطلب: إلا الإذخر؛ لصاغتنا ولسقف بيوتنا. فقال: إلا الإذخر.

فقال عكرمة: هل تدري ما ينفر صيدها؟ هو أن تُنحيه من الظلِّ وتنزل مكانه.

قال عبدالوهاب: عن خالدٍ: لصاغتنا وقبورنا.

باب ذكر القَين والحداد

2091- حدثنا محمد بن بشار: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن خبابٍ قال: كنت قينًا في الجاهلية، وكان لي على العاص بن وائل دَينٌ، فأتيتُه أتقاضاه، قال: لا أُعطيك حتى تكفر بمحمدٍ ﷺ. فقلت: لا أكفر حتى يُميتك الله، ثم تُبعث. قال: دعني حتى أموت وأُبعث، فسأُوتى مالًا وولدًا فأقضيك. فنزلت: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ۝ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم:77، 78].

الشيخ: والمقصود في هذا أنه دليلٌ على أنه لا حرج في هذه الصناعات، ولا عيبَ فيها، ولا يليق بأحدٍ أن يبيعهم إذا صدقوا، سواء كان حدادًا، أو نجارًا، أو خيَّاطًا، فالناس في حاجةٍ إلى هذه، إذا اتَّقى الله فلا عيبَ عليه، ولا نقصَ عليه، ولو اشتغل فيها بعض الناس الذين ليس لهم أهميةٌ، المهم أنها صنعةٌ مباحةٌ، والناس في حاجةٍ إليها، فإذا نصح وصدق فلا شيء عليه، سواء كان صائغًا، أو حدادًا، أو نجارًا، أو لحَّامًا –قَصَّابًا- أو غير ذلك، نعم.

..............

باب الخياط

2092- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن إسحاق بن عبدالله ابن أبي طلحة: أنه سمع أنس بن مالكٍ يقول: إن خيَّاطًا دعا رسول الله ﷺ لطعامٍ صنعه. قال أنس بن مالك: فذهبتُ مع رسول الله ﷺ إلى ذلك الطعام، فقرب إلى رسول الله ﷺ خبزًا ومَرَقًا فيه دُبَّاء وقَدِيد، فرأيت النبي ﷺ يتتبع الدُّبَّاء من حوالَي القصعة. قال: فلم أزل أُحبّ الدُّبَّاء من يومئذٍ.

الشيخ: وهذا دليلٌ على أن الخياطة لا بأسَ بها، وأنها كسبٌ حلالٌ، يعني: إذا نصح واتَّقى الله؛ ولهذا أجاب النبي ﷺ دعوته، وذهب إليه، وقدَّم له خبزًا ومَرَقًا فيه دُبَّاء وقَدِيد، والقديد معروفٌ، وهو اللحم الذي يُقدَّد: ييبس، يُسمَّى: قديدًا، هذا من عادة العرب أن يستعملوه، وأهل نجدٍ هنا في الأوقات الأخيرة يستعملون هذه .....

وفي هذا تواضعه ﷺ، وأنه يُجيب دعوة عامَّة الناس: كالخياط، والصوَّاغ، واللَّحام، ولا بأس بذلك.

وفيه أيضًا من الفوائد: عدم التَّكلف، ولو كان المدعو كبيرًا يجعل وليمته على قُدرته، ما يلزم أن يتكلف، هذا الرجل ما تكلَّف: خبزٌ ومَرَقٌ فيه قَدِيدٌ ودُبَّاء –قرع-، ما فيه تكلفٌ، فالمؤمن الداعي لا يتكلف، يفعل ما يستطيع، وما يُناسب المقام، ولا حرجَ عليه، نعم.

س: إذا كان يخيط (البناطيل) الطويلة أسفل الكعبين؟

ج: إذا كان يعلم أنهم يُسَبِّلونها ينصحهم، يقول: ما يجوز هذا، لا يصلح لهم، الشيء الذي يعرف أنه طويلٌ عليه ويجرُّه لا يُعينه على المنكر، أما إذا كان ما يعلم ما عليه شيءٌ.

س: يأثم إذا كان يعلم؟

ج: الظاهر أنه يأثم؛ لأن فيه التعاون على الإثم والعدوان، إذا كان يعلم أنه يلبس هذا الثوب الحرير ويخيطه له، أو هذا الثوب المسْبَل، أو الثوب المحرَّم.

س: بعضهم يُفرق بين (البنطلون) والثياب في الإسبال؟

ج: ما في فرق، أقول: ما في فرق. كل الملابس يحرم إسبالها عن حدِّ الكعب، سواء سميتها: (بنطلونًا)، أو سميتها: إزارًا، أو سراويل، أو قميصًا، أو سَمِّه ما شئتَ، الواجب حدّه الكعب، مثلما قال ﷺ: ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار رواه البخاري في "الصحيح".

س: بعض أهل العلم يُفرق بين الإزار والثوب، يقول: إن الإزار كان معروفًا عند العرب .....، وأن الثياب .....؟

ج: الثوب: القطعة، يُطلق على الرداء وعلى الإزار: ثوبٌ. ويُطلق على القميص: ثوبٌ. والثوب المصنوع يُسمى: قميصًا، المصنوع على قدر البدن يُسمى: قميصًا. وعلى النصف الأسفل يُسمى: إزارًا، أو سراويل إذا كانت لها كمامٌ، ويُسمّى الآن إذا كان على الصدر: (الفنيلة).

ولا عبرةَ بالأسماء، المهم أنه لا يجوز الإسبال مطلقًا، لا يُسْبِل، وسَمِّه ما شئتَ، الرسول ﷺ قال: ثلاثةٌ لا يُكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يُزكيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ: المسْبِل إزاره، وفي اللَّفظ الآخر: المسْبِل من غير ذكر الـمُسْبَل، المسْبِل، والمنان فيما أعطى، والـمُنَفِّق سلعته بالحلف الكاذب، نعم.

س: كيف يكون الإسبال في العمامة؟

ج: ما يُوضع على الرأس يُسمى: عمامةً، من اللباس، جائزةٌ، سواء كانت مثل العرب: يُديرها على الرأس هكذا، أو مثل لباسنا الآن يُسمّى: عمامةً؛ ما كان على الرأس.

س: كيف يكون إسبالها؟

ج: إذا جرَّها وصارت طويلةً، يُسَبِّل أطرافها في الأرض.

.............

مداخلة: حديث: يأتي على الناس زمانٌ يأكلون الربا، فمَن لم يأكله أصابه من غُباره، الأخ عبدالله جمع بعض طرقه.

الشيخ: الذي رواه النسائي؟

الطالب: رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.

الشيخ: مَن معه؟

الطالب: الأخ عبدالله العُتيبي.

الشيخ: نعم، اقرأه.

الطالب: يقول -أحسن الله إليك-: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ.

حديث: يأتي على الناس زمانٌ يأكلون الربا، فمَن لم يأكله أصابه من غباره.

رواه أحمد في "مسنده" قال: حدثنا هشيم، عن عباد بن راشد، عن سعيد ابن أبي خيرة قال: حدثنا الحسن منذ نحوٍ من أربعين أو خمسين سنةً، عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال ... وذكره.

ورواه أبو داود في "سننه" قال: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا هشيم، به، نحوه.

ورواه النسائي في ..... قال: أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن داود ابن أبي هند، عن سعيد ابن أبي خيرة، به.

ورواه أبو داود قال: حدثنا وهب بن بقية، قال: أخبرنا خالد، عن داود، يعني: ابن أبي هند، به، نحوه، وفيه: أصابه من بُخاره.

ورواه ابن ماجه في "سننه" قال: حدثنا عبدالله بن سعيد: حدثنا إسماعيل بن عُلية: حدثنا داود ابن أبي هند، به.

ورواه الحاكم في "مستدركه" من طريق خالد بن عبدالله، عن داود ابن أبي هند، عن الحسن، عن أبي هريرة. وقال عقبه: وقد اختلف أئمتنا في سماع الحسن عن أبي هريرة، فيصح سماعه منه، فهذا حديثٌ صحيحٌ.

ورواه البيهقي في "سننه" من طريق هشيم، قال: أنبأنا عباد بن راشد، قال: سمعت سعيد ابن أبي خيرة يُحدِّث داود ابن أبي هند، قال: حدثنا الحسن ابن أبي الحسن منذ أربعين سنةً، أو نحو ذلك، عن أبي هريرة. فذكره.

ورواه كذلك من طريق أبي داود الثانية بإسناده ومتنه سواء.

ورواه ابن عدي في "الكامل" من طريق المسيب بن ..... قال: حدثنا ابن المبارك، عن عباد بن راشد، عن سعيد ابن أبي خيرة، عن أنسٍ، به.

ومدار هذا الحديث على الحسن، وهو البصري، الزاهد، المشهور، وسماعه من أبي هريرة مُختلفٌ فيه، والمنقول عن أكثر الأئمة نفي سماعه كما قال ابن معين، وابن المديني، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والبزار، والنسائي، والترمذي.

كذلك قاله أيوب ..... ويونس بن عبيد، وعلي بن زيد.

ولهذا قال المنذري في "الترغيب والترهيب": والجمهور على أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، فالحديث مُنقطعٌ.

الشيخ: نعم، بارك الله فيك، العلة هي هذه، العلة فيه مسألة الحسن؛ لأنه ما صرح بالسماع، وقد يُصرح ويتجوز أيضًا يقول: حدثنا. يعني: أهل بلدنا.

المقصود أن فيه عِلَّةً، ولكن المعنى صحيحٌ؛ لأن انتشار الربا الآن بين الناس عظيمٌ، فمَن لم يأكله ناله من غباره؛ لكثرة الشُّبَه الآن، وقلَّ مَن يسلم من شرِّه.

س: أحسن الله عملك يا شيخ، إذا كان الخياط طلب منه صاحب الثوب أن يُطيل ثوبه إلى ما يتعدى الكعبين، ونصحه ولم يقبل؟

ج: لا يخيطه، الله يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].