باب تحريم وطء الحائض في الفرج وما يباح منها

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى".

ضيف اللِّقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللِّقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: وقف بنا الحديثُ سماحة الشيخ عند الحديث الثاني والثَّمانين بعد الأربعمئة.

- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ .. إلَى آخِر الْآيَة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ.

وَفِي لَفْظٍ: إلَّا الْجِمَاعَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

- وَعَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا أَرَادَ مِنَ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا شَيْئًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ مَسْرُوقِ بْنِ أَجْدَعَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ إذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ قَالَتْ: كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الْفَرْجَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ".

- وَعَنْ حرام بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ: أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: مَا يَحِلُّ مِنِ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إحْدَانَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَأْتَزِرَ بِإِزَارٍ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تدل على حكم مباشرة الرجل لامرأته وهي حائض، وهكذا النفساء، تدل كلها على أنه لا بأس أن يُباشرها، وأن ينام معها، وأن يتمتع بها في كل شيءٍ ما عدا الجماع، خلافًا لليهود، كان اليهودُ إذا حاضت فيهم المرأةُ لم يُؤاكلوها، ولم يُشاربوها، ولم يُجامعوها في البيت، فجاءت الشريعةُ الإسلامية بخلافهم، قال الله جلَّ وعلا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ الآية [البقرة:222]، فأمر الله باعتزالهنَّ في المحيض فقط، أما كونه ينام معها، أو يضمّها إليه، أو يُقبلها، أو غير ذلك من سائر الاستمتاع لا بأس، ما عدا الجماع؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح رواه مسلم. يعني: إلا الجماع.

وكان ﷺ يأمر الواحدةَ من نسائه إذا أراد الاستمتاعَ بها وهي حائض أن تتزر، هذا هو الأفضل: إذا اتَّزرت، أو من وراء القميص كان هذا أفضل، وإن باشرها حتى من غير إزارٍ فلا بأس، لكن لا يُجامعها، ولكن وجود الإزار أو السَّراويل أو القميص من وراء ذلك يكون أحوط وأبعد عن خطر ميل النفس إلى الجماع، فالسنة البُعد عن أسباب الجماع بأمرها بالاتزار، أو السراويل، أو تكون المباشرةُ من وراء القميص، هذا يكون أحوط وأولى وأفضل، وإن باشرها وهي مكشوفة الفرج ليس عليها إزار ولا سراويل فلا حرج في ذلك، لكن عليه أن يحذر الجماع؛ لقول الله جلَّ وعلا: قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، فأمر باعتزالهنَّ في المحيض، يعني: الجماع، فجماعها محرم ولا يجوز حتى تطهر من حيضها ومن نفاسها.

باب كفَّارة مَن أتى حائضًا

- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هَكَذَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ، قَالَ: دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ.

وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ: إذَا كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَدِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ دَمًا أَصْفَرَ فَنِصْفُ دِينَارٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَعَلَ فِي الْحَائِضِ تُصَابُ دِينَارًا، فَإِنْ أَصَابَهَا وَقَدْ أَدْبَرَ الدَّمُ عَنْهَا وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَنِصْفُ دِينَارٍ.

كُلُّ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

الشيخ: المحفوظ في هذا أنه يتصدق بدينارٍ أو نصفٍ، مُخيَّر، كما جاء التَّخيير في كفَّارة الوطء في رمضان: بين العتق، وبين الصيام، وبين الإطعام. وهكذا في كفَّارة اليمين: بين الإطعام، والكسوة، والعتق. فهكذا هنا إذا جامعها وهي حائض، سواء كان في أول الحيضة، أو في آخرها، فالواجب عليه دينار أو نصف دينارٍ، يعني: على سبيل الخيار، إن تصدَّق بدينارٍ فهو أفضل، وإن تصدَّق بنصف دينارٍ كفاه ذلك والحمد لله، ولا يُستغرب التَّخيير.

والدِّينار معروف، يعني: دينارًا من الذَّهب، مقداره مثقال من الذهب، الجنيه الموجود الآن ديناران إلا ربع، الجنيه السعودي يُعتبر دينارين إلا ربعًا.

 

بَابُ الْحَائِضِ لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي وَتَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ

- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي حَدِيثٍ لَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِلنِّسَاءِ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكُنَّ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكُنَّ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا مُخْتَصَرٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ.

- وَعَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

- وعن ابن عباسٍ أنه كان يقول: إذا طهرت الحائضُ بعد العصر صلَّت الظهر والعصر، وإذا طهرت بعد العشاء صلَّت المغرب والعشاء.

- وعن عبدالرحمن بن عوفٍ قال: إذا طهرت الحائضُ قبل أن تغرب الشمسُ صلَّت الظهر والعصر، وإذا طهرت قبل الفجر صلَّت المغرب والعشاء. رواهما سعيد بن منصور في "سننه"، والأثرم.

وقال أحمد: عامَّة التابعين يقولون بهذا القول إلا الحسن وحده.

الشيخ: هذه الأحاديث تدل على أنَّ الحائض والنُّفساء لا صلاةَ عليهما، ولا تقضيان الصلاة، أما الصوم فإنهما يُمنعان من الصوم، لكن يقضيانه، فإذا حاضت في رمضان أو نفست في رمضان فإنها لا تصوم، ولكن تقضي الصوم، أما الصلاة فلا تُقضَى، كما قالت عائشةُ رضي الله عنها: "كنا نُؤمر بقضاء الصوم، ولا نُؤمر بقضاء الصلاة".

وأما ما يتعلق بكون شهادتها نصف شهادة الرجل، وكونها ناقصة الدِّين من أجل عدم صومها وصلاتها في حال الحيض، فهذا شيء كتبه الله عليها، على بنات آدم، ليس عليهن فيه إثم، ليس عليهن في ذلك إثم، وإنما هو نقصٌ كتبه الله عليهنَّ لحكمةٍ بالغةٍ، وهو الحكيم العليم جلَّ وعلا.

شهادة المرأتين بشهادة الرجل، وإذا حاضت ليس لها أن تصوم، وليس لها أن تُصلي، لكنها تقضي الصوم الواجب كرمضان، ولا تقضي الصلاة، وهذا شيء لا يضرّها، ولا يكون عليها فيه بأس؛ لأنه شيء كتبه الله عليها لحكمةٍ بالغةٍ، وإنما الواجبُ عليها أن تُنفذ ما أمر الله، وأن تتَّقي الله في كل شيءٍ كغيرها، وأن تحذر ما حرَّم الله ، ومن ذلك أنها تقضي الصوم الواجب في رمضان إذا حاضت أو نفست، ولا تقضي الصلاة رحمة من الله فقد سامحها الله في قضاء الصلاة؛ لأنَّ الصلاة متكررة في اليوم والليلة خمس مرات، فمن رحمة الله للحائض والنُّفساء أنه لا قضاءَ عليهما؛ رحمةً من الله لهما، أما الصوم فهو شيء لا يشقّ: شهر في السنة، شهر في السنة لا يشقّ قضاؤه، فإذا نفست وأفطرت رمضان لا يشقّ القضاء، وهكذا الحائض إذا حاضت في رمضان لا يشقّ القضاء، فمن رحمة الله أن جمع لها الخير بقضاء الصوم، وسامحها [في] فعله في حال الحيض وفي حال النفاس، وأسقط عنها الصلاة فضلًا منه .

بَابُ سُؤْرِ الْحَائِضِ وَمُؤَاكَلَتِهَا

- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ ﷺ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِي فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ ﷺ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِي. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.

- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ مُؤَاكَلَةِ الْحَائِضِ، قَالَ: وَاكِلْهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

الشيخ: وهذا يدل على أنه لا بأس أن يُؤاكل الحائض والنفساء، وأن يشرب من الإناء الذي تشرب فيه، فإنها طاهرة، إنما النَّجاسة في الدَّم فقط الخارج من الفرج، أما عرقها وبدنها وريقها كله طاهر؛ ولهذا كانت تعرق العظم وتُناوله النبي ﷺ، ويضع فمه حيث وضعت فمها، وهذا يدل على تواضعه ﷺ، وهكذا الشرب من الإناء؛ يشرب من الإناء الذي تشرب فيه الحائض.

كل هذا يدل على أنها طاهرة، وأن عرقها طاهر، وأن ريقها طاهر، وأن ما مسَّ بدنها طاهر.

ويدل هذا أيضًا على تواضعه ﷺ، وحُسن رعايته لزوجاته، ورفقه بهن، ومُعاشرته لهن بالمعروف.

فينبغي التَّأسي به عليه الصلاة والسلام، المشروع لكل مؤمنٍ التَّأسي به: بتواضعه مع النساء، وإظهار الرفق بهن، والمحبَّة، والمواساة، وحُسن المعاشرة، وطيب الخلق، قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، هذه الدَّرجة لا تُوجب له أن يتكبر أو يُسيئ العشرة، لا، هذه الدَّرجة تُفيد أنه أفضل فقط، كما قال الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، فهذا الفضل الذي أعطاه الله إياه، وهذه الدَّرجة لا تجوز له أن يتكبر، أو أن يُسيئ الخلق، بل الواجب عليه التَّواضع وإحسان الخلق مع زوجته، ومع أولاده، ومع أهل بيته، ومع جلسائه.

هكذا يجب على المؤمن، حُسن الخلق من أهم القربات، ومن أفضل الأخلاق، يقول النبيُّ ﷺ: أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، ويقول: خياركم خياركم لنسائهم، وأنا خيركم لأهلي.

فالواجب على المؤمن الحذر من التَّكبر والتَّعاظم على زوجةٍ أو أولادٍ أو غير ذلك، والواجب التَّواضع مع الأهل والأولاد والجيران والجلساء.

رزق الله الجميع التوفيق والهداية.

بَابُ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ

- عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ: أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَ زَوْجُهَا يُجَامِعُهَا.

- وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ: كَانَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَ زَوْجُهَا يَغْشَاهَا. رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد.

وَكَانَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ تَحْتَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. كَذَا فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ"، وَكَانَتْ حَمْنَةُ تَحْتَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ.

الشيخ: وهذا يدل على جواز الاستمتاع بالمستحاضة، وأنه لا بأس، فدم الاستحاضة دم فاسدٍ، يغشى المرأة، ويُصيب المرأة في غير عادة الحيض، فعليها أن تصوم وتُصلي وتحلّ لزوجها بهذه الدِّماء الفاسدة التي تقع بين الحيضتين، فللزوج أن يطأها ويُباشرها، كما فعل عبدالرحمن مع زوجته أم حبيبة، وطلحة مع زوجته حمنة، كل هذا لا بأس به.

المقصود أنَّ المستحاضة لها حكم الطَّاهرات، وهي التي يأتيها الدم الفاسد بين الحيضتين: تُصلي وتصوم وتحلّ لزوجها، كما في هذه الأحاديث.

وتقدم أنَّ الحائض إذا طهرت آخر النهار فإنها تُصلي الظهر والعصر، وإذا طهرت في الليل فإنها تُصلي المغرب والعشاء، كما أفتى بذلك جماعةٌ من الصحابة: عن ابن عباسٍ، وعبدالرحمن بن عوف، فالسنة لها، بل الواجب عليها إذا طهرت في العصر من حيضها ونفاسها فإنها تُصلي الظهر والعصر، وإذا طهرت في الليل -ولو في آخر الليل- فإنها تُصلي المغرب والعشاء، كالمريض الذي يجمع بين الصَّلاتين، وكالمسافر.

 

كِتَابُ النِّفَاسِ

بَابُ أَكْثَرِ النِّفَاسِ

- عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِي سَهْلٍ -وَاسْمُهُ كَثِيرُ بْن زِيَادٍ- عَنْ مسَّةَ الْأَزْدِيَّةِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَتِ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَكُنَّا نَطْلِي وُجُوهَنَا بِالْوَرْسِ مِنَ الْكَلَفِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.

 

الشيخ: هذا هو الواجب على المرأة: إذا استمر معها الدمُ أن تجلس أربعين ليلةً في النفاس، وهذا أكثر النفاس، والحديث حسن، وعليه العملُ عند أكثر أهل العلم كما قال الإمامُ الترمذي رحمه الله.

فالسنة للنُّفساء أن تدع الصوم والصلاة أيام النفاس، فإن انقطع الدمُ قبل الأربعين اغتسلت وصلَّت وصامت، وإن استمر معها الدمُ فإنها تدع الصلاة والصوم مدة أربعين، وما زاد على الأربعين فإنه يُعتبر استحاضةً: تُصلي معه وتصوم، فأكثر المدة -مدة النفاس- أربعون ليلةً ويومًا، فإذا طهرت لثلاثين أو لعشرين اغتسلت وصلَّت وصامت والحمد لله، وإن لم تطهر حتى كملت الأربعين فإنها تغتسل وتُصلي بعد الأربعين، ولا تدع الصلاة بعد الأربعين؛ لأنَّ النفاس نهايته أربعون، هذا هو الصواب، هذا هو الراجح عند أكثر أهل العلم، وعليه الاعتماد، فليس لها أن تدع الصلاة فوق الأربعين، بعدما تمَّت الأربعون ليلةً ويومًا فإنها تُصلي وتصوم ولو كان معها دمٌ، ويُعتبر هذا الدَّم دم فسادٍ، دم استحاضةٍ؛ تُصلي معه وتصوم وتحل لزوجها وتوضأ لكل صلاةٍ كالمستحاضة سواء، هذا هو الصواب، وهذا الذي عليه أكثر أهل العلم.

وقال البخاري: علي بن عبد الأعلى ثقة، وأبو سهل ثقة.

بَابُ سُقُوطِ الصَّلَاةِ عَنِ النُّفَسَاءِ

391- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ تَقْعُدُ فِي النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَا يَأْمُرُهَا النَّبِيُّ ﷺ بِقَضَاءِ صَلَاةِ النِّفَاسِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

والحمد لله ربِّ العالمين.

الشيخ: النُّفساء كالحائض كما تقدم، ما تركته من الصَّلوات وقت النِّفاس فإنها لا تقضيه؛ رحمةً من الله ، فإذا استمر النِّفاس أربعين ليلةً وهي على حالها فإنها لا تقضي الصلاة، لكن تقضي الصوم، لو صادف رمضان فإنها تقضي الصوم كالحائض سواء: الصوم يُقضى، والصلاة لا تُقضى، لا من الحائض، ولا من النُّفساء.

والنُّفساء لها أن تدع الصلاةَ مدة النِّفاس، إذا استمر أربعين ليلةً لا تُصلي أربعين ليلة، لكن بعد الأربعين يُعتبر الدم دم استحاضةٍ: تُصلي معه وتصوم وتحل لزوجها، هذا هو الصواب، أما إن طهرت قبل الأربعين: طهرت بعد عشرين أو ثلاثين، فإنها تغتسل وتُصلي وتصوم بعد الطهر كالحائض، إذا طهرت وعادتها خمس أو ستّ وطهرت لثلاثٍ أو أربعٍ فإنها تُصلي وتصوم والحمد لله في مدة الطَّهارة.

المقدم: جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء، سماحة الشيخ بهذا نكون قد أنهينا باب الطَّهارة، ويسرنا أن ندخل في كتاب الصَّلاة.

 

كتاب الصَّلاة

بَابُ افْتِرَاضِهَا وَمَتَى كَانَ

- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ الصَّلَوَاتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ خَمْسِينَ، ثُمَّ نَقَصَتْ حَتَّى جُعِلَتْ خَمْسًا، ثُمَّ نُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ، إنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، وَإِنَّ لَكَ بِهَذِهِ الْخَمْسِ خَمْسِينَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ، فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، وَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْأَوَّلِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

- وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا، قَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ قَالَ: شَهْرُ رَمَضَانَ، إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا، قَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ كُلِّهَا، فَقَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَا أَطَّوَّعُ شَيْئًا، وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بالصلاة، والصلاة هي عمود الإسلام، وهي الركن الأعظم من أركان الإسلام بعد الشَّهادتين، وشأنها عظيم، قال النبيُّ ﷺ: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وقال عليه الصلاة والسلام: بين الرجل وبين الكفر والشِّرك: ترك الصلاة، وقال عليه الصلاة والسلام: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَن تركها فقد كفر، وقال عليه الصلاة والسلام: أول ما يُحاسَب عليه العبدُ من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر.

فالواجب على جميع المسلمين من الرجال والنساء المكلَّفين، الواجب عليهم أن يُعنوا بالصلاة والمحافظة عليها، كما أوجب الله على المرأة أن تُحافظ عليها في البيت، وتُصليها في وقتها كما أمرها الله، وعلى الرجل أن يُحافظ عليها، وأن يُصليها في المساجد مع الجماعة مع إخوانه؛ لأنها عمود الإسلام، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام؛ لقوله ﷺ: بُني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت متفق على صحَّته.

وكان أول فرضها ليلة الإسراء، لما عرج بالنبي ﷺ إلى السماء في آخر وجوده في مكة قبل الهجرة بثلاثة سنين، قبل أن يُهاجر إلى المدينة أُسري به إلى بيت المقدس، كما قال الله جلَّ وعلا: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء:1]، ثم عُرج به في تلك الليلة إلى السَّماء، فجاوز السبع الطباق، وانتهى إلى موضعٍ يسمع فيه صريف الأقلام، فوق سدرة المنتهى، وفرض الله عليه خمسين صلاة، فنزل بها، ومرَّ على موسى، فسأله موسى -وهو في السماء السادسة- ماذا فرض الله عليك وعلى أمتك؟ قال: خمسين صلاة، ومعه جبرائيل، والله جلَّ وعلا قد جعل في قلب موسى أن يسأل هذا السؤال؛ لما سبق في علمه سبحانه من أنه يُخفف عن أمته، عن أمة محمدٍ عليه الصلاة والسلام، فقال له الرسولُ ﷺ: فرض الله عليَّ خمسين، فقال له موسى: إنَّ أمتك لا تُطيق ذلك، وقد عالجتُ بني إسرائيل قبلك أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله أن يُخفف عن أمتك، فرجع النبيُّ ﷺ بعدما استشار جبرائيل، رجع وسأل ربَّه التَّخفيف، فخفف الله عنه حتى بلغت خمس صلوات، لم يزل يمر على موسى، ويقول له موسى: ارجع فاسأل ربك التَّخفيف حتى جعلها خمسًا.

فهذا من فضل الله ورحمته جلَّ وعلا: أن خفف عن عباده ويسَّر لهم، فهي خمسٌ في الفرض، وخمسون في الأجر؛ فضلًا من الله جعلها خمسين في الأجر، مَن أتى بالحسنة فله عشر أمثالها، فمَن حافظ على الخمس صلوات التي فرضها الله أعطاه الله أجر خمسين؛ فضلًا منه سبحانه وتعالى، وهي: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.

وكانت الظهرُ قبل الهجرة ركعتين، والعصر ركعتين، فلما هاجر ﷺ جعلها الله أربعًا: الظهر أربع، والعصر أربع، والعشاء أربع، أما قبل الهجرة فكانت الرباعية ثنتين: الظهر والعصر والعشاء، وبعد الهجرة جعلها الله أربعًا، إلا مَن سافر، المسافر له أن يقصر فيُصليها ثنتين، وهذا كله من فضل الله، وكله من تيسيره جلَّ وعلا ورحمته لعباده .

س: من المعلوم أنَّ الحسنة بعشر أمثالها، وفي هذا الحديث الشريف بيَّن أنَّ الصلوات المفروضة خمس، وهي في الميزان خمسين، فهل معنى هذا يا سماحة الشيخ أنَّ الحسنة بعشر أمثالها، أو الأمر مختلف هنا؟

الشيخ: الحسنة بعشر أمثالها، يُعطى أجر خمسين صلاة، فصلاة واحدة يُعطى عن كلِّ واحدةٍ عشر.

س: في رواية مسلم من حديث طلحة قوله ﷺ: أفلح وأبيه إن صدق، فهل هذا حلف بالآباء؟

الشيخ: في حديث الأعرابي الدَّلالة على أنَّ العبد إذا أدَّى الفرائض ولم يأتِ بالنَّوافل لا شيء عليه، وأنه من أهل الجنة؛ ولهذا قال: أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق، وهو يدل على أنَّ مَن أدَّى الفرائض وترك المحارم فهو من أهل الجنة وإن لم يأتِ بالنَّوافل، لكن النَّوافل تكون له زيادة الأجر، وزيادة الفضل والحسنات، وزيادة النعيم في الجنة، أما الاقتصار على الفرائض فقط كما قال الأعرابيُّ فإنه إذا صدق وأدَّى الفرائضَ، وابتعد عن المحارم، فإنه يكون من أهل الجنة؛ لكونه من أصحاب اليمين، وممن أدَّى فرائض الله، وترك محارم الله، وهو من المقتصدين.

أما بعض الروايات: أفلح وأبيه فهذه كانت في حال إباحة الحلف بغير الله، كانوا فيما سبق يحلف الرجلُ بأبيه، ثم نسخ الله ذلك، ونهى ﷺ عن الحلف بالآباء وغيرهم، وقال: مَن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت، وقال ﷺ: مَن حلف بغير الله فقد أشرك، فاستقرت الشريعةُ على تحريم الحلف بغير الله، وكانوا في أول الإسلام يحلفون بآبائهم، ثم نهوا عن ذلك.

المقدم: شكر الله لكم يا سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.