باب الشفاعة في وضع الدَّين
2405- حدثنا موسى: حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن عامر، عن جابرٍ قال: أُصيب عبدالله، وترك عيالًا ودَيْنًا، فطلبتُ إلى أصحاب الدَّين أن يضعوا بعضًا من دَينه، فأبوا، فأتيتُ النبي ﷺ فاستشفعتُ به عليهم، فأبوا، فقال: صنِّف تمرك كل شيءٍ منه على حدته: عذق ابن زيدٍ على حدةٍ، واللين على حدةٍ، والعجوة على حدةٍ، ثم أحضرهم حتى آتيك، ففعلتُ، ثم جاء ﷺ فقعد عليه، وكال لكل رجلٍ حتى استوفى، وبقي التمر كما هو، كأنه لم يُمسّ.
2406- وغزوتُ مع النبي ﷺ على ناضحٍ لنا، فأزحف الجمل، فتخلف عليَّ، فوكزه النبي ﷺ من خلفه، قال: بعنيه ولك ظهره إلى المدينة، فلما دنونا استأذنتُ، قلت: يا رسول الله، إني حديث عهدٍ بعُرسٍ. قال ﷺ: فما تزوجتَ: بكرًا أم ثَيِّبًا؟ قلت: ثَيِّبًا، أُصيب عبدالله، وترك جواري صغارًا، فتزوجتُ ثَيِّبًا تُعلِّمهن وتُؤدِّبهن. ثم قال: ائتِ أهلك، فقدمتُ، فأخبرتُ خالي ببيع الجمل، فلامني، فأخبرته بإعياء الجمل، وبالذي .....
الشيخ: جاء جابرٌ إلى النبي ﷺ يطلب منه الشفاعة إلى الغُرماء -وكانوا من اليهود- أن يضعوا عن أبيه ويقبلوا الثمرة، فشفع إليهم ﷺ فأبوا، وهذا فيه فوائد:
منها: طلب الشفاعة، وأنه لا بأس للإنسان أن يطلب من أخيه، أو من أميره، أو من كبير قومه، أو غيرهم ممن يظن أن لهم شفاعةً: أن يشفع في قضاء دَينٍ، أو في تخفيف الدَّين، أو في عفوٍ عن حقِّه للمشفوع إليه، أو شبه ذلك.
وفيه أيضًا: كرمه، وتواضعه، وشفاعته عليه الصلاة والسلام، وأنه شفع أيضًا، وهو القائل عليه الصلاة والسلام: اشفعوا تُؤجروا، وقد فعل عليه الصلاة السلام وأمر.
وفيه: لؤم اليهود، وعدم توفيقهم لمكارم الأخلاق، يشفع إليهم النبي ﷺ أن يضعوا بعض الشيء ويعتذروا، وهم يعلمون أنه رسول الله ﷺ، وإن جحدوا، هم يعلمون أنه رسول الله ﷺ، ويعلمون مكارم أخلاقه، وطيب سيرته، وأعماله العظيمة، ثم يعتذرون، فهذا يدل على قُبحٍ عظيمٍ، ولؤمٍ عظيمٍ، وخُبْثٍ عظيمٍ، وحقدٍ شديدٍ، فكان ذلك خيرًا لجابرٍ؛ أعني: هذا الاعتذار الذي وقع منهم، واستحقوا اللوم عليه، صار خيرًا لجابرٍ ولأهل جابر، قال تعالى: فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19].
جاء النبي ﷺ وأمر جابرًا أن يصرم النخل، وأن يجعل كل نوعٍ على حدةٍ من التمور: العجوة على حدةٍ، والنوع الثاني على حدةٍ، والثالث على حدةٍ، وهكذا، وقال: أحضرهم، فحضر النبي ﷺ وكال لهم، فقضاهم كل دَينهم، وبقي التمر كما كان، أنزل الله البركة فيه، فقضى الدَّين، وأنزل الله البركة في التمر، وهذا من فضل الله، ومن آياته البينات، من الآيات والمعجزات لهذا النبي العظيم، والدلائل على أنه رسول الله حقًّا.
ومن الدلائل أيضًا على كمال قُدرة الله، وأنه سبحانه القادر على كل شيءٍ، إذا أنزل البركة لا نهايةَ لها: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [يس:82]، هذا وقع للنبي ﷺ مراتٍ كثيرةً: البركة في الطعام، واللحوم، وغير ذلك.
ثم إنه ذكر قصة شرائه للبعير -بعير جابر- في السفر في بعض المغازي، فقد أعيا، وكان في آخر الجيش، وكان النبي ﷺ قد تأخر في آخر الجيش يُلاحظ القوم: يرفق بضعيفهم، ويُلاحظ أحوالهم، ويُحسن إليهم؛ حتى لا يعجلوا، فكان في آخر الجيش، فرأى جابرًا مُتأخرًا، فسأله، فأخبره أن هذا الجمل أعيا، فضربه النبي ﷺ حتى سار سيرًا جيدًا في أوائل القوم، وقال له النبي ﷺ: بعنيه، قال: هو لك يا رسول الله. قال: بعنيه بأوقيةٍ، فلم يزل يزده حتى أعطاه ما أرضاه، فباعه، ولك ظهره إلى المدينة، اشترط ظهره: أن يركب عليه حتى يصل المدينة.
ففيه جواز بيع الكبير وشرائه، والرئيس، وأنه لا بأس أن يبيع ويشتري ..... إذا لم يكن في هذا مضرَّةٌ على أحدٍ، ولا ظلمٌ لأحدٍ.
وفيه تواضع النبي ﷺ، وحُسن سيرته، وطيب أخلاقه مع رعيته وأصحابه عليه الصلاة والسلام.
وفيه جواز البيع مع الشرط، الشرط الشرعي، كونه يبيع دارًا أو جملًا أو أرضًا ويشترط أن له سكنى الدار مدةً معلومةً، أو استعمال الأرض مدةً معلومةً، أو أخذ البعير وقتًا معلومًا، أو إلى محلٍّ معلومٍ، فكل هذا لا بأس به، الشرط المعلوم لا بأس به.
ثم كرمٌ آخر: لما قدم جاءه جابرٌ بالبعير، وقد لامه خاله على بيع البعير، فجاءه بالبعير، فأعطاه النبي ﷺ الثمن وزاده، وردَّ عليه البعير، جمع له هذا كله: ردَّ عليه بعيره، وأعطاه الثمن، وزاده في الثمن.
هذه مكارم عظيمةٌ، وجودٌ، وإحسانٌ، وحُسن سيرةٍ، وطيب مُعاملةٍ، فينبغي لكل مسلمٍ أن يتأسى بنبيه ﷺ، كل مسلمٍ، وكل رئيسٍ، وكل أميرٍ، وكل شيخ قبيلةٍ، وكل مَن يُعنى بأمر الناس يتأسى بهذا النبي العظيم ﷺ، وهذه الأخلاق الكريمة.
وفي بعض رواياته: أنه لما جاء لأخذ البعير والنبي ﷺ في المسجد، قال: قم فصلِّ ركعتين، أناخ البعير وقال له: صلِّ ركعتين، ثم أعطاه حقَّه، نعم.
س: بشرطين، لو قال له: أبتاع منك هذا الحطب، مع حمله وتكسيره؟
ج: فيه خلافٌ بين العلماء، وفي حديثٍ: لا يحلّ سلفٌ وبيعٌ، ولا شرطان في بيعٍ، لا ينبغي الشرطان، حديث عبدالرحمن بن عوف لا بأس به، جيدٌ، وهذا الظاهر أنه لا يشرط شرطان في بيعٍ، فقط شرطٌ واحدٌ، وبعضهم حمله على الشروط غير الصحيحة، لكن ظاهر الحديث العموم: لا شرطان في بيعٍ، أما شرطٌ واحدٌ -مثلما شرطت عائشةُ أن لها الولاء، ومثلما شرط جابرٌ أن له الظهر- فلا بأس.
س: الجمهور على المنع؟
ج: ما أدري، لكن هو ظاهر الحديث، المنع هو ظاهر الحديث، وهو الأظهر، نعم.
س: شرطٌ واحدٌ؟
ج: شرطٌ واحدٌ لا بأس به إذا كان صحيحًا في نفسه، ما هو بمُحَرَّمٍ، إذا كان شرطًا لا بأس به شرعًا فلا بأس، مثل: أن يشرط ركوب البعير إلى محلٍّ مُعينٍ، أو السيارة، أو البقاء في البيت مدةً معلومةً، أو الأرض، نعم.
س: ونهى عن بيعٍ وشرطٍ؟
ج: هذا ضعيفٌ، "نهى عن بيعٍ وشرطٍ" ضعيفٌ.
باب ما يُنهى عن إضاعة المال
وقول الله تعالى: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205]، ولَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:81]، وقال في قوله: أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ [هود:87]، وقال: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5]، والحجر في ذلك، وما يُنهى عن الخداع.
2407- حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن عبدالله بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رجلٌ للنبي ﷺ: إني أُخدع في البيوع. فقال: إذا بايعتَ فقل: لا خلابة، فكان الرجل يقوله.
2408- حدثنا عثمان: حدثنا جرير، عن منصور، عن الشعبي، عن وراد -مولى المغيرة بن شعبة-، عن المغيرة بن شعبة قال: قال النبي ﷺ: إن الله حرَّم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات. وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال.
الشيخ: وهذا واضحٌ في النهي عن إضاعة المال؛ لأنه من الفساد: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ؛ ولأنه من السَّفه، والله يقول: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ، فلا يجوز إضاعة المال؛ ولهذا كره الله إضاعة المال، وفي اللفظ الآخر: وسخط لكم إضاعة المال، والخداع والخيانة والمكر بالناس والغشّ كله من إضاعة المال، من ظلم الناس، فلا يجوز: المسلم أخو المسلم، فالخداع والخيانة والغشّ كله من ظلم الإنسان، ومن الخيانة، ومن الغشِّ، ومن خلاف الأُخوة الإسلامية، ويترتب عليه إضاعة المال، يضيع المال في غير حقٍّ.
فالواجب على المسلمين حُسن المعاملة، والبُعد عن أسباب الخيانة، والخداع، والمكر، وإضاعة الأموال في غير حقٍّ، هذا الواجب عليهم في بيعهم وشرائهم وسائر مُعاملاتهم: أن يتحروا الحلال، ويبتعدوا عن أسباب الحرام؛ ولهذا قال النبي ﷺ لحبان بن منقذ -وكان يُخدع-: إذا بايعتَ فقل: لا خلابة، نبِّه، قل: لا خلابة، يعني: لا خديعة بيننا، أنا أخوكم، لا تخدعوني. فإذا خُدع فهو في الخيار، وهكذا كل إنسانٍ يُخدع لأنه ساذجٌ ما يُحسن البيع والشراء له الخيار، وتحرم خديعته، يحرم على إخوانه أن يخدعوه؛ لضعف بصيرته، نعم.
س: لهذا الحديث؟
ج: نعم؛ لهذا، ولعموم الأحاديث الدالة على وجوب احترام المسلم وعدم ظلمه في قليلٍ أو كثيرٍ، فالمسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يُسلمه، نعم.
س: إن الله كره لكم قيل وقال كراهة تحريمٍ؟
ج: هذه كراهة تحريمٍ، وفي اللفظ الآخر: يسخط لكم؛ لأن "قيل وقال" تُوقع في الكذب وإشاعة الفواحش والشرِّ؛ ولهذا قال ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه مسلمٌ في "الصحيح" في "المقدمة": كفى بالمرء كذبًا أن يُحدِّث بكل ما سمع، فكونه يعتاد "قيل وقال" فهذه وسيلةٌ إلى الكذب، ويقول عليه الصلاة والسلام: مَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، هذا يدل على الوجوب، وأنه من مُوجبات الإيمان، إما أن يقول خيرًا، وإما أن يصمت، نعم.
س: لا يظلمه، ولا يسلمه؟
ج: يخذله، يسلمه: يخذله، نعم.
س: منع؟
ج: كذا في القراءة، وفي الرواية الأخرى: منعًا وهات، ومنع يعني: على صيغة الحكاية، يعني: منع الشيء، أما منعًا يعني: ينهى أن يستعمل المنع وهات، يعني: منع الواجبات، وهات لما لا يستحق.
س: شكلها بالفتح: منعَ، أحسن الله إليك؟
ج: ما فيه شيءٌ، المقصود واضحٌ، المعروف في الرواية: منعًا وهات، لكن منع لها وجهٌ، يعني: حرم أن يكون من صفته أن يمنع الحقَّ، يعني: صيغة الماضي: منع، والمعنى واضحٌ.
س: كثرة السؤال في المال؟
ج: يحتمل هذا وهذا، فُسِّر بهذا وهذا، فُسِّر بكثرة سؤاله لما لا يستحق، وفُسِّر بكثرة سؤال أهل العلم إذا كان على سبيل المغالطة والإيذاء، يعني: على وجهٍ قد يضره، أو يضرّ المسؤول، فيُحمل على المحمل الحسن: كثرة السؤال سواء للدنيا وللعلم إذا كان على وجهٍ يُفضي إلى إعنات المسؤول وإيذائه، أو على وجه الخيلاء والرياء، أو كثرة السؤال للمال لما لا يستحقّ، ليس له أن يسأل إلا ما يستحق، ما تدعو له الضرورة، والزيادة تمنع.
ثم اعتياد الإنسان كثرة السؤال تُفضي إلى هذا الشيء، فإطلاق الحديث واضحٌ في الحكمة، مَن اعتاد كثرة السؤال وقع في الباطل، سواء كان سؤال العلم، أو سؤال المال؛ لأن سؤال العلم قد يسأل عمَّا لا ينبغي السؤال عنه؛ قد يدخله الرياء، وقد يدخله الإيذاء، لعل هذا المسؤول يغلط، لعله يُحرج، قد تكون كثرة السؤال تدخله أشياء كثيرة من جهة السائل، ومن جهة المسؤول، سواء كان عن المال، أو عن العلم، نعم.
ينبغي لهذا السائل أن يقتصر في الأسئلة، وإذا كان للمال أن يتحرى الشيء الذي يضطر إليه؛ لحديث قبيصة: إن المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثةٍ، يتحرى أنه من أهل السؤال.
باب: العبد راعٍ في مال سيده، ولا يعمل إلا بإذنه
2409- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سالم بن عبدالله، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: كلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، فالإمام راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيته، والرجل في أهله راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعيةٌ، وهي مسؤولةٌ عن رعيتها، والخادم في مال سيده راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيته، قال: فسمعتُ هؤلاء من رسول الله ﷺ، وأحسب النبي ﷺ قال: والرجل في مال أبيه راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيته، فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته.
الشيخ: وهذا حديثٌ عظيمٌ، له شأنٌ عامٌّ، من جوامع الكلم التي أُتيها النبي عليه الصلاة والسلام، وهو حديثٌ عظيمٌ: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، فيجب على كل إنسانٍ أن يتقي الله، وهو داخلٌ في العموم: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، فالسلطان راعٍ، وهو أعظم الناس مسؤوليةً، وهكذا الأمراء في البلدان والأطراف، وهكذا شيوخ القبائل، وهكذا المدرس، ومدير المدرسة، ومدير المؤسسة، ورئيس الشركة، إلى غير ذلك، كلهم مسؤولون.
والرجل في أهل بيته مسؤولٌ عن زوجته، وبناته، وأولاده، وخدمه، وماله، يتصرف فيه كما ينبغي، مسؤولٌ عن هذا البيت: عن دواب البيت: هل أدَّى حقَّها؟ مسؤولٌ عن هذا البيت وما فيه.
والمرأة مسؤولةٌ عن بيتها، وعن مال زوجها، وعن كل ما يتعلق بالبيت، حتى ولو كان ما عندها زوجٌ فهي مسؤولةٌ إذا كانت هي صاحبة البيت، وإذا كان عندها زوجٌ فهي مسؤولةٌ عما يتعلق بزوجها أيضًا.
وهكذا الخادم -سواء كان مملوكًا أو عاملًا- مسؤولٌ عن هذا البيت، وعما أُسند إليه.
وشكَّ ابن عمر في الولد أنه مسؤولٌ عن مال أبيه، ولا شكَّ أنه مسؤولٌ إذا أسند إليه، داخلٌ إذا أسنده إليه أبوه، أو غير أبيه، داخلٌ.
والوكيل مسؤولٌ، داخلٌ في العموم: كلكم راعٍ، إذا كان وكيلًا لأبيه، أو لأخيه، أو لزيدٍ، أو لعمرو، فهو مسؤولٌ، فعليه أن يتقي الله في هذه الوكالة: يُؤدي الأمانة، وينصح، سواء كانت وكالةً عامَّةً في شركةٍ، أو في شؤونٍ كثيرةٍ، أو خاصَّةٍ: في ولدٍ، أو بهائم، أو تأجير بيتٍ، أو تأجير دكانٍ، أو تأجير سيارةٍ، المقصود أن أيَّ وكالةٍ سواء كانت صغيرةً أو كبيرةً فهو مسؤولٌ.
ثم قال: ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ تأكيدٌ للجملة الأولى.
وبهذا تصلح أمور الناس، بهذه الرعاية، والخوف من الله، والمراقبة، والعناية بالرعية تصلح أمور الناس، وتستقيم الأحوال على السداد، والنصح، وأداء الواجب، وقلة الخيانة والفساد والشَّحناء بين الناس.
وعند الإخلال بهذه الوصية وبهذه الرعاية تكثر الفوضى، والشرور، والفساد، والخيانات، والشحناء، والخصومات بسبب الخيانة والكذب، وعدم الرعاية الصالحة كما هو الواقع، نسأل الله السلامة.
س: لو صلى رجلٌ في ملابس فيها مذيٌ؟
ج: ناسٍ أو جاهل؟
س: ناسٍ؟
ج: صلاته صحيحةٌ، إذا صلَّى في ثوب نجاسةٍ ولم يَدْرِ إلا عقب الصلاة فصلاته صحيحةٌ، فإن درى في أثناء الصلاة فيخلعه إن قدر، إن كانت غُترةً ينطلها، بشت ينطله ..... مثلما فعل النبي ﷺ لما نبّه وهو يُصلي أن في نعليه قذرًا خلعهما وأكمل صلاته عليه الصلاة والسلام.
44- كتاب الخصومات
باب ما يُذكر في الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهود
2410- حدثنا أبو الوليد: حدثنا شعبة: قال عبدالملك بن ميسرة: أخبرني، قال: سمعت النزال بن سبرة قال: سمعت عبدالله يقول: سمعت رجلًا قرأ آيةً، سمعتُ من النبي ﷺ خلافها، فأخذتُ بيده، فأتيتُ به رسول الله ﷺ، فقال: كلاكما مُحسنٌ.
قال شعبة: أظنه قال: لا تختلفوا، فإن مَن كان قبلكم اختلفوا فهلكوا.
الشيخ: عمَّن؟ حدثنا؟
الشيخ: ابن مسعودٍ، نعم.
سمعت رجلًا قرأ آيةً، سمعتُ من النبي ﷺ خلافها، فأخذتُ بيده، فأتيتُ به رسول الله ﷺ، فقال: كلاكما مُحسنٌ.
قال شعبة: أظنه قال: لا تختلفوا، فإن مَن كان قبلكم اختلفوا فهلكوا.
الشيخ: وهذا واضحٌ في تحريم الاختلاف، ومثل هذا جرى لعمر مع ..... أيضًا مثل هذا.
المقصود أن الواجب الحذر من الاختلاف، والتفاهم في المشكل دون نزاعٍ ووحشةٍ، يكون التفاهم بالكلام الطيب في المشكل، غلطةٌ غلطها القارئ، أو الداعية إلى الله، أو الواعظ، يكون بالتفاهم والأسلوب الحسن، لا بالنزاع والوحشة والكلام السيئ، والواجب الحرص على الائتلاف والالتئام، الحرص على الائتلاف وعدم الخلاف بين المسلمين، نعم.
الشيخ: وهذا واضحٌ في أنه ينبغي عدم المفاضلة التي تُفضي إلى الخصومات والنزاع والمضاربة، وإلا فهو أفضل الناس عليه الصلاة والسلام، هذا من باب التواضع، من باب التحذير من أسباب النزاع والخصومات التي تُفضي إلى المضاربات، وإلا فهو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، ولكن إذا كان من باب الخصومات ومن باب الأشياء التي تُفضي إلى الفتنة ينبغي تركها، ويُبين فضله ﷺ بدون الضرب، وبدون الشيء الذي يخرج إلى فتنةٍ.
وموسى مصطفى، ومحمدٌ مصطفى، كلاهما عليهما الصلاة والسلام، فالله اصطفى موسى على العالمين في زمانه، كما قال تعالى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ [الأعراف:144]، ومحمدٌ مصطفى أيضًا بعد ذلك على العالمين، على جميع الأمة عليه الصلاة والسلام.
ومعلومٌ حقد اليهود وكفرهم وضلالهم، فالمسلم ما صبر لما رأى كلام اليهودي، فالنبي ﷺ أمرهم وعلَّمهم ألا يكونوا هكذا، بل يُرشد اليهودي ويُعلمه بدون هذا، نعم.
س: أحسن الله إليك، في الحديث الذي قبل هذا قال شعبة: أظنه قال: لا تختلفوا، فإن مَن كان قبلكم اختلفوا فهلكوا، هل يكون له حكم الرفع؟
ج: هذا على سبيل الظن، وعلى سبيل الظن ما يكفي، لكن الأحاديث ثابتةٌ في النهي عن الاختلاف.
الشيخ: هذه منقبةٌ لموسى عليه الصلاة والسلام، وهو من خِيرة عباد الله، ومن أُولي العزم عليه الصلاة والسلام، لكن فيه التحذير من المفاضلات التي بهذا الطريق تُفضي إلى المنازعة والخصومات والضرب والفتنة، بل من باب بيان الحق من دون خصومةٍ.
س: في الرواية الأولى: فلا أدري: أكان فيمَن صُعِقَ فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله؟ هنا: أم حُوسِب بالصعقة الأولى؟.
ج: لعله قال هذا وهذا: ممن استثنى الله لأنه جُوزي، دخل في الاستثناء مُجازاةً له على صعقة الطور.
س: .............؟
ج: يعني: إلا مَن شاء الله.
س: صعقة التَّجلي يوم القيامة .....؟
ج: محتملٌ، أو أنها صعقة الفزع التي فيها يفزع الناس، والأقرب -والله أعلم- أن هذه الصَّعقة ..... إذا جاء يوم القيامة لفصل القضاء؛ لأن موسى مات مع الأموات، لا بد أن يُبعث، ليس ممن يحضر صعقة الفزع وقد مات، بل المراد بالصعقة هنا صعقة يوم القيامة.
وقوله: "انشقَّ عنه القبر" محل نظرٍ، لعله وهمٌ من بعض الرواة، والأقرب أن مُراده الصعقة التي تكون يوم القيامة حين مجيء الرب لفصل القضاء بين عباده.
س: إذا لطم المسلمُ اليهوديَّ هل يُؤخذ لليهودي اللَّطمة من المسلم؟
ج: ظاهر الحديث أن الرسول ﷺ ما اقتصَّ له؛ لأنه عذره بظلم اليهودي، وخُبث اليهودي، والمسلم حملته غيرته لله، فهذا يدل على أن مَن غار لله وفعل ما ينبغي تركه؛ ينبغي أن يُقدر له ذلك، وأن يُعفا عنه ويُنصح، فقد أوصاهم النبي ﷺ ونصحهم، ولم يذكر في الحديث أنه انتقم له، نعم.
س: في هذا الحديث دليلٌ على تحديد أرض المحشر، لما قال .....؟
ج: نعم، معروفٌ أنها هي أرض الشام، الناس يُساقون إليها في آخر الزمان، نعم.
الشيخ: وهذا فيه فوائد:
منها: خُبث اليهود، وعداوتهم للمسلمين، وظلمهم، وأن الواجب التَّحرز من شرِّهم، والحذر منهم.
ومنها: تواضعه ﷺ، وعنايته بحق الجارية المرضوض رأسها، حتى حكم فيها، اعتنى بحقِّها حتى حكم فيها عليه الصلاة والسلام، ولم يتساهل فيها، وهي جاريةٌ.
ومن الفوائد: أن العاجز عن الكلام يعمل بإشارته، فإنها مرضوضٌ رأسها، ولما أُحضر عندها المتهمون قيل لها: فلانٌ، فلانٌ، فلانٌ؟ فلما عُرض الذي فعل أشارت برأسها أن نعم، فدل على أن مَن عُقد لسانه يُعمل بإشارته فيما يُجيز الشرع ذلك.
فأُخذ المتهم، صارت إشارتها دعوى عليه، لم يعمل بها في إثبات الحق، لا، لكن في إثبات التهمة والدعوى، فلما أُخذ بالدعوى اعترف، وصار الحكم على اعترافه، أما أخذه فأُخذ بدعواها، ادَّعت عليه بالإشارة فأُخذ، فلما أقرَّ اقتصَّ منه النبي ﷺ، ورضّ رأسه بين حجرين.
فهذا فيه فوائد:
منها: أن قتل الغيلة ما فيه مشاورةٌ للورثة، يُقتل، إن قتل أحدًا يُقتل، يخدعه: تفضل قهوة، ثم يقتله، أو ما أشبه ذلك، يعني: يقتله على غير مكابرةٍ، بالخديعة، يُقتل مطلقًا، يُسمّى: قتل غِيلةٍ، هذا هو الصواب فيه، ولا يُشاور الورثة؛ سدًّا لباب التعدي على الناس وخديعتهم، فالرسول ﷺ ما استأذن ورثتها، بل قتله.
ومن الفوائد: أن الجاني يُقتصّ منه بمثل ما فعل، الجاني يُقتصّ منه بمثل ما فعل، ما قتله النبي ﷺ بالسيف، رضَّ رأسه مثلما ..... رضَّ رأسها، وأقدم على هذه الجريمة الشنيعة، اقتصَّ منه النبي ﷺ بمثل ذلك؛ رضَّ رأسه جزاءً وفاقًا: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179]، القصاص: المماثلة، فإذا رضَّ إنسانٌ رأسَ إنسانٍ يُرضّ رأسه، إذا خنقه يُخنق، وإذا قتله بالسيف يُقتل بالسيف، وإذا أغرقه بالماء يُغرق بالماء مثلما فعل، إلا إذا كان الفعل معصيةً لا يجوز: كاللواط ونحوه، أو الزنا، المقصود القصاص بمثل ما فعله به من الأمور الجائزة، يكون قصاصًا، نعم.
س: لو أحرقه يُحرق؟
ج: كذلك لا يُحرق؛ لأن النار لا يُعذِّب بها إلا الله، نعم.
س: إذا قتله بأمرٍ مُحرَّمٍ يُقتل بالسيف؟
ج: إذا قتله بالسيف، لكن إذا قتل بأمرٍ ما هو بمُحرَّمٍ مثل: الرضّ والخنق، يُقتل بالرضِّ والخنق أولى، مثلما فعل النبي ﷺ.
س: لكن إذا كان بمُحرَّمٍ يكون بالسيف؟
ج: بالسيف، نعم، مثل: إذا حرَّقه، نعم.
مداخلة: القارئ: في الترجمة السابقة: باب ما يُكره في الأشخاص ..... هل أشار في شيءٍ من الحديث .....؟
الشيخ: كأن مراده -والله أعلم- يعني: الأفراد المعينين، الشخص المعين، يعني: أفرادًا مُعينين، يعني: ليست من مسائل العموم، أيش قال الشارح عليه؟
القارئ: باب ما يُكره في الإشخاص.
الشيخ: الإشخاص؟ وأيش قال عليه؟
القارئ: قال: والإشخاص -بكسر الهمزة- إحضار الغريم من موضعٍ إلى موضعٍ.
الشيخ: إيه، يعني: نقله.
س: الأحاديث التي سبقت فيها إشارةٌ إلى الإشخاص؟
ج: إيه، مثل: لما طُلِبَ هذا الذي أشارت بأنه هو الذي تعدَّى عليها ..... قصاص اليهودي.
القارئ: قيل: مَن فعل هذا بكِ: أفلانٌ، أفلانٌ؟ .....
الشيخ: هذا هو، طُلِبَ وأُحضر.
س: قوله في الحديث السابق: قال: ادعوه؟
ج: يعني: أحضروه، واليهودي كذلك أحضروه، وأحضروا الأنصاري أيضًا.
باب مَن ردَّ أمر السَّفيه والضعيف العقل، وإن لم يكن حَجَر عليه الإمام
ويُذكر عن جابرٍ : أن النبي ﷺ ردَّ على المتصدِّق قبل النهي، ثم نهاه.
وقال مالكٌ: إذا كان لرجلٍ على رجلٍ مالٌ، وله عبدٌ.
الشيخ: قف على هذا.