باب فضل مَن أدَّب جاريته وعلَّمها
2544- حدثنا إسحاق بن إبراهيم، سمع محمد بن فضيل، عن مطرف، عن الشعبي، عن أبي بُردة، عن أبي موسى قال: قال رسول الله ﷺ: مَن كانت له جاريةٌ فعلَّمها، فأحسن إليها، ثم أعتقها وتزوَّجها؛ كان له أجران.
باب قول النبي ﷺ: العبيد إخوانكم، فأطعموهم مما تأكلون
وقول الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].
قال أبو عبدالله: ذِي الْقُرْبَى القريب، والجنب: الغريب، الجار الجنب يعني: الصاحب في السفر.
2545- حدثنا آدم بن أبي إياس: حدثنا شعبة: حدثنا واصل الأحدب، قال: سمعتُ المعرور بن سويد قال: رأيتُ أبا ذرٍّ الغفاري وعليه حُلَّةٌ، وعلى غلامه حُلَّةٌ، فسألناه عن ذلك، فقال: إني ساببتُ رجلًا، فشكاني إلى النبي ﷺ، فقال لي النبي ﷺ: أَعَيَّرتَه بأمه؟! ثم قال: إن إخوانكم خَوَلُكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمَن كان أخوه تحت يده فليُطْعمه مما يأكل، وليُلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتُموهم ما يغلبهم فأعينوهم.
الشيخ: هذا الحديث وما جاء في معناه من الأحاديث كلها دالة على شرعية تعليم الخدم وتوجيههم وتأديبهم وإرشادهم إلى ما فيه صلاحهم، سواء كانوا مماليك أو غير مماليك، فالمؤمن كما يعتني بأولاده ويُؤدبهم ويُوجههم إلى الخير، هكذا مماليكه وخدمه وعُمَّاله يُوجِّههم إلى الخير ويُرشدهم، فالمسلمون إخوةٌ، يُحسن بعضُهم إلى بعضٍ، وينصح بعضهم بعضًا، كما قال الرب : إِنَّما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، ويقول النبي ﷺ: مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحُمَّى، ويقول عليه الصلاة والسلام: المؤمن للمؤمن كالبُنيان يشدّ بعضه بعضًا وشبَّك بين أصابعه؛ ولهذا قال ﷺ: مَن كانت له أمةٌ فعلَّمها وأحسن تعليمها، وأدَّبها وأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها؛ كان له أجران أجرٌ على تأديبها وتوجيهها وتعليمها، وأجرٌ على عتقه لها، ثم تواضع وتزوَّجها.
هكذا ما يتعلق بالخدم، وهم الخول: إخوانكم خَوَلكم يعني: خُدَّامكم، قال النبي ﷺ لأبي ذرٍّ: إخوانكم خَوَلكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمَن كان أخوه تحت يده فليُطعمه مما يطعم، وليُلبسه مما يلبس، ولا يُكلفه ما يغلبه، قال: ولا تُكلِّفوهم ما يغلبهم يعني: مما يشق عليهم، فإن كلَّفتُموهم فأعينوهم توجيهٌ ورحمةٌ وإحسانٌ، يجمع بين الأمرين: بين التوجيه والإرشاد والتعليم، وبين الرحمة والعطف والإحسان والتَّواضع.
وهذا على سبيل الاستحباب؛ كونه يُطعمه مما يطعم، ويُلبسه مما يلبس هذا على الاستحباب، وإلا فالواجب له طعامه وكسوته، كما في الحديث الآخر في مسلم: للمملوك طعامه وكسوته، ولا يُكلَّف من العمل إلا ما يُطيق، لكن إذا ساواه به، وجعل طعامهم ولباسهم واحدًا؛ كان هذا أشمل وأطيب وأقرب للتواضع والمواساة والرحمة.
وفيه التحذير من ازدرائه وتنقُّصه وتعييره؛ ولهذا قال: أعيَّرتَه بأمه؟! لما قال: يا ابن السَّوداء. قال: أعيَّرته بأمه؟! وفي اللفظ الآخر: إنك امرؤٌ فيك جاهليةٌ، ما يُعيَّر بأمه، ولا بخاله، ولا بأبيه: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]؛ ولأن هذا يُحزنه ويشقُّ عليه، والمسلمون عندهم الآداب الشرعية، والتعاطف، والتعاون، وتحري الكلمات الطيبة التي تجمع القلوب ولا تُنفرها، فالكلام الطيب يجمع القلوب، ويُسبب المحبة، والكلام السيئ يُنفر القلوب، ويُسبب الشَّحناء، وهذا يُطابق قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
فكونه خادمًا أو عاملًا لا يقتضي أن تتكبر عليه، وأن تُخاطبه بما لا يليق، فحاجته إليك أوجبت أن يكون خادمًا أو عاملًا، أو نحو ذلك، فلا ينبغي التَّكبر والتَّرفع والازدراء لخادمٍ أو عاملٍ أو ما شابه ذلك مما قد تدعو الحاجة إلى أن يكون تحت يدك، ويكون عندك الكلام الطيب، والتواضع، واحترام أخيك وإن كان مملوكًا، نعم.
باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده
2546- حدثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: العبد إذا نصح سيده، وأحسن عبادة ربه، كان له أجره مرتين.
الشيخ: وهذا يرجع أيضًا للعامل إذا نصح في عمله، وأدَّى حقَّ ربه، يُرجى له الأجران والخير العظيم بنصيحته وأدائه الأمانة، وأداء حقِّ ربه .
فالواجب على العُمَّال والخدم النُّصح وأداء الأمانة لمن استرعاهم واستخدمهم، مع أداء حقِّ الله والعناية بما أوجب الله عليهم، نعم.
2547- حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا سفيان، عن صالح، عن الشعبي، عن أبي بُردة، عن أبي موسى الأشعري : قال النبي ﷺ: أيُّما رجلٍ كانت له جاريةٌ فأدَّبها فأحسن تعليمها، وأعتقها وتزوجها، فله أجران، وأيُّما عبدٍ أدَّى حقَّ الله وحقَّ مواليه فله أجران.
2548- حدثنا بشر بن محمد: أخبرنا عبدالله: أخبرنا يونس، عن الزهري: سمعتُ سعيد بن المسيب يقول: قال أبو هريرة : قال رسول الله ﷺ: للعبد المملوك الصالح أجران، والذي نفسي بيده، لولا الجهاد في سبيل الله، والحج، وبِرُّ أمي لأحببتُ أن أموت وأنا مملوكٌ.
2549- حدثنا إسحاق بن نصر: حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش: حدثنا أبو صالح، عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: نِعم ما لأحدهم: يُحسن عبادة ربه، وينصح لسيده.
باب كراهية التطاول على الرَّقيق، وقوله: عبدي أو أمتي
وقال الله تعالى: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32]، وقال: عَبْدًا مَّمْلُوكًا [النحل:75]، وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ [يوسف:25]، وقال: مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25].
وقال النبي ﷺ: قوموا إلى سيدكم، واذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ [يوسف:42] سيدك، ومَن سيدكم؟.
2550- حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن عبيدالله: حدثني نافع، عن عبدالله ، عن النبي ﷺ قال: إذا نصح العبدُ سيدَه، وأحسن عبادة ربه، كان له أجره مرتين.
2551- حدثنا محمد بن العلاء: حدثنا أبو أسامة، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى ، عن النبي ﷺ قال: المملوك الذي يُحسن عبادة ربه، ويُؤدي إلى سيده الذي له عليه من الحق والنصيحة والطاعة له أجران.
2552- حدثنا محمد: حدثنا عبدالرزاق: أخبرنا معمر، عن همام بن مُنبه: أنه سمع أبا هريرة يُحدِّث عن النبي ﷺ أنه قال: لا يقلّ أحدكم: أطعم ربك، وضِّئ ربك. وليقل: سيدي، مولاي. ولا يقل أحدكم: عبدي، أمتي. وليقل: فتاي، وفتاتي، وغلامي.
2553- حدثنا أبو النعمان: حدثنا جرير بن حازم، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي ﷺ: مَن أعتق نصيبًا له من العبد، فكان له من المال ما يبلغ قيمته، قوّم عليه قيمة عدلٍ، وأعتق من ماله، وإلا فقد أعتق منه ما عتق.
2554- حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن عبيدالله قال: حدثني نافع، عن عبدالله : أن رسول الله ﷺ قال: كلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، فالأمير الذي على الناس فهو راعٍ عليهم، وهو مسؤولٌ عنهم، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولةٌ عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده، وهو مسؤولٌ عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته.
الشيخ: هذا حديثٌ عظيمٌ، من جوامع الكلم، وهو قوله ﷺ: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، فكلٌّ يُحاسِب نفسه، ويُؤدي الأمانة التي ائتُمن عليها، فالأمير على الناس والسلطان راعٍ، ومسؤولٌ عن رعيته، وهكذا أُمراؤه في الأطراف كلهم مسؤولون، وهكذا الرجل في أهل بيته راعٍ، ومسؤولٌ عن رعيته في تعليمهم، وتوجيههم، ونصيحتهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، إلى غير هذا من وجوه الخير.
وهكذا المرأة مسؤولةٌ في بيت بعلها (زوجها)، ومسؤولةٌ عن رعيته في ماله وولده، وما قامت به من النصح.
وهكذا العبد أو المملوك، ومثله الخادم (العامل) مسؤولٌ، راعٍ بما جُعل إليه، ومسؤولٌ عن رعيته.
وفي اللفظ الآخر: ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته.
فالواجب على المؤمن أن يجتهد في هذه الرعاية، وأن يتقي الله فيها، وأن ينصح ويُؤدي الأمانة.
ومن مقاصد المؤلف: أنه يجوز أن يُسمّى المملوك "عبدًا"، يُقال: عبد، ويُقال: أمة، ويُقال للمالك: سيد، ويقال: مولى، ويقال: سيدي، ومولاي، ويقال للرئيس: مَن سيدكم؟ رئيس القوم سيدهم، يعني: كبيرهم.
وإنما كره النبي ﷺ أن يُواجه الإنسان بقول: يا سيدي، لما قيل له: أنت سيدنا. قال: السيد الله خشية التَّكبر والتَّعاظم، أما إذا قال العبد: سيدي، أو مولاي، فلا حرج، أو قيل: مَن سيد بني فلان؟ يعني: مَن رئيسهم؟ أو قيل: هذا سيدٌ في العلم والفضل، وسيدٌ في قومه بجوده وكرمه، أو عمله المتعدي، مثل: قوله ﷺ للحسن: إن ابني هذا سيدٌ يعني: كريم السَّجايا، وحسن الخلق، يقع على يديه خيرٌ كثيرٌ، وجرى على يده الصلح العظيم، ومن هذا: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32].
المقصود أن مثل هذا لا بأس به، لكن لا يُقال: أطعم ربك، وضِّئ ربك. هذا من الأدب الشرعي، وليقل: سيدي، ومولاي؛ لأن رب الجميع هو الله ؛ ولهذا لا يقل: عبدي، ومولاي، ينسبه إلى نفسه؛ لئلا يجرّه إلى التعاظم والتَّكبر، بل يُقال: غلامي، فتاي، فتاتي، خادمي.
أما أن يقال: هذا عبد بني فلان، هذه أمة بني فلان، هذا عبد فلان، لا بأس بهذا، فهناك فرقٌ بين الإضافة إلى ياء المتكلم، وبين إضافته إلى الاسم الظاهر والاسم الغائب لا حرج؛ ولهذا لما قالوا: يا رسول الله، أنت سيدنا. قال: السيد الله تبارك وتعالى، ففرق بين الأمرين، "فأنت سيدي" قد يُكسب شيئًا من التعاظم والتكبر، إلا إذا قال ..... فقط: سيدي، ومولاي، نعم.
س: النَّهي هنا للتحريم في قوله ﷺ: ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي؟
ج: هذا الأصل في النهي، نعم، وكأن المؤلف يميل إلى أنه للكراهة؛ لأنه استشهد بقوله: "عبدي وأمتي"، وبالآية: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32]، وقوله في الأحاديث الأخرى: والعبد راعٍ في مال سيده، كأنه يرى أن مثل هذا على سبيل النَّدب، والنهي على سبيل الكراهة، نعم؛ جمعًا بين النصوص.
س: ما رأيكم أنتم؟
ج: هذا هو الأصل، بخلاف ما إذا أُضيف العبد إلى غيره: عبد فلان، فهذا لا بأس به، أما "عبدي" بياء المتكلم فهو محل البحث.
القارئ: قال: واتَّفق العلماء على أن النهي الوارد في ذلك للتنزيه، حتى أهل الظاهر.
الشيخ: هذا الشارح؟
القارئ: الشارح، نعم.
الشيخ: أخذًا بما ذكر المؤلف في: عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ، والعبد راعٍ في مال سيده، والنصوص الأخرى؛ جمعًا بين النصوص. نعم.
س: هل يجوز أن يُقال للفاسق أو للكافر: سيد، أحيانًا يُخاطب ببعض الرسائل فيُقال له: مستر فلان، ومعناها: السيد فلان؟
ج: جاء في بعض النصوص -وإن كان فيها ضعفٌ- النهي عنه، لا يقال للمنافق: سيد، ولكن إذا قيل له من باب التأليف، مثلما قال: مَن سيد بني فلان؟ فهذا يعمُّ الكفار والمسلمين: مَن سيدهم؟ يعني: رئيسهم، إذا وُجد الرئيس، نعم.
س: وقول يوسف: اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ [يوسف:42]؟
ج: هو من هذا الباب، يعني: الملك، نعم.
الشيخ: لأن تكرار الزنا منها يدل على خُبثٍ كثيرٍ؛ فلهذا تُباع، لعل السيد الثاني يكون أقوى عليها، أو لعلها تتأثر بالبيع وتستقيم، يُقيم عليها الحد مرةً، أو مرتين، أو ثلاثًا، فإذا لم يجد فيها ذلك باعها، لعل في بيعها خيرًا لها، ويسلم هو من شرِّها.
ومما يدل على الندب في: أطعم ربك، وضِّئ ربك حديث: تلد الأمةُ ربَّتها، وتلد الأمةُ ربَّها أيضًا في الرواية الأخرى. نعم.
س: لفظ "الخبيث" يُطلق على الزاني فقط؟
ج: الله قال: وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ [النور:26]، يُطلق على الزاني، ويُطلق على الكافر، وقد يُطلق على العاصي من بعض الوجوه؛ لمراعاة المعصية التي أقدم عليها وتساهل، لكن إطلاقه على العموم على الكفرة والزناة، نعم.
باب إذا أتاه خادمه بطعامه
2557- حدثنا حجاج بن منهال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني محمد بن زياد: سمعتُ أبا هريرة ، عن النبي ﷺ: إذا أتى أحدَكم خادمُه بطعامه فإن لم يُجلسه معه فليُناوله لقمةً أو لقمتين، أو أكلةً أو أكلتين، فإنه وَلِيَ علاجه.
الشيخ: وهذا يدل على أن ما تقدم: وليُلبسه ... إلى آخره من باب الاستحباب أو الأفضلية. نعم.
باب: العبد راعٍ في مال سيده
ونسب النبي ﷺ المال إلى السيد.
2558- حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سالم بن عبدالله، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: كلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، والرجل في أهله راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعيةٌ، وهي مسؤولةٌ عن رعيتها، والخادم في مال سيده راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيته، قال: فسمعتُ هؤلاء من النبي ﷺ، وأحسب النبي ﷺ قال: والرجل في مال أبيه راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته.
الشيخ: وهذا لا يُنافي أن مَن ولي شيئًا فهو راعٍ عليه، فكل مَن ولي شيئًا فهو راعٍ عليه، فعليه أن يتقي الله فيه، سواء كان من هؤلاء المذكورين، أو من غيرهم: كالأخ، أو العم، أو ابن العم، أو أجنبيٍّ، أو عاملٍ من العُمَّال، كل واحدٍ يُسند إليه شيءٌ يجب أن يتَّقي الله فيه، كما يجب على العبد والزوجة كذلك، فهكذا العُمَّال الآخرون، والوكلاء الآخرون.
فالوكيل الذي جُعل إليه أمر البيت –سواء كان أجنبيًّا، أو عمًّا، أو خالًا، أو أخًا- مسؤول ٌعن رعيته: كالمرأة والعبد، والعامل الذي أُسند إليه عملٌ -أيّ عملٍ- مثل: المشتريات، يجيء بالمشتريات، ويتقي الله، فهو مسؤولٌ عن خيانته، وعن نُصحه، أو لإمارة سكن، أو غرفة، أو إصلاح خللٍ، فهو مسؤولٌ عن هذه الأمانة، أو مزرعة، فالأمثلة التي ذكرها النبي ﷺ ليست خاصةً بهؤلاء، بل هم وأمثالهم، كل مَن كان على شيءٍ من أمور المسلمين، أو من الأمور الخاصة، فهو مسؤولٌ؛ لأن الله يقول جلَّ وعلا: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، ويقول سبحانه: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8]، ويقول جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27]، سواء كان قريبًا أو أجنبيًّا، فعليه أن يُؤدي الأمانة التي جُعلت إليه، ويتقي الله في ذلك، ويحذر الخيانة.
باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه
2559- حدثنا محمد بن عبيدالله: حدثنا ابن وهبٍ، قال: حدثني مالك بن أنس، قال: وأخبرني ابن فلان، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ. ح، وحدثنا عبدالله بن محمد: حدثنا عبدالرزاق: أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: إذا قاتل أحدُكم فليجتنب الوجه.
الشيخ: وهذا يعم الحدود والتأديب، فالواجب اجتناب الوجه، فيكون الضرب في غير الوجه، سواء كان حدًّا، أو تعزيرًا، أو تأديب الرجل لزوجته، أو لأولاده، أو لخدمه، لا يكون في الوجه، فالوجه يجب أن يُجتنب، ولا يكون فيه وَسْمٌ أيضًا، لا تأديبَ، ولا وَسْمَ. نعم.
س: الضرب على الرأس؟
ج: الرأس لا بأس، لكن إذا كان يخشى الخطر فمواضع الخطر يجتنبها، مثل: الشاكلة التي قد يقطع ..... الرأس إذا كان ضربًا شديدًا قد يضره، وليس كالظهر والكتفين والفخذين، مواضع تتحمل، يتباعد عن مواضع الخطر، نعم.
س: قول: أن ضرب التلميذ أو الولد على الخد ليس من الوجه؟
ج: لا، ما يجوز، لا التلميذ، ولا غير التلميذ، لا يضرب الخد فهو من الوجه، لا يضرب في الوجه، لا في خدِّه، ولا في جبهته، ولا في أنفه، ولا فمه، نعم.
س: هل يضرب الإبل على الخد؟
ج: ما يجوز، ما يجوز، بارك الله فيك، الخد من الوجه.
س: حديث: إن الله خلق آدم على صورته؟
ج: هذا حديثٌ صحيحٌ، يعني: يتكلم، فهو سميعٌ، مُتكلمٌ، له سمعٌ، وله وجهٌ، وله كلامٌ، وله بصرٌ، وليس معناه التَّشبيه، فصورة الله تليق به، لا يُشابه خلقه، وصورة العبد تليق به، لكن معنى: على صورته يعني: سميعًا، بصيرًا، مُتكلِّمًا، ذا وجهٍ، وذا يدٍ، نعم.
س: في الحرب لا بأس أن يضرب في الوجه؟
ج: في القتال مهما قدر من العدو ضربه، في الحرب ما في استثناء.
س: الراجح فيمَن مرَّ بين القبور أن يمشي حافيًا أو مُنتعلًا؟
ج: حافيًا، السنة أن يكون حافيًا إلا للضرورة: من شوكٍ، أو من شدة الحرِّ في الرَّمضاء.
س: وعند النزول في القبر إذا لم يكن هناك ما يُؤذي؟
ج: لا، لا، لا يكون عليه نعالٌ بين القبور، ما يكون عليه نعالٌ، نعم.
وقد يحتمل أنه في الجهاد إذا تمكن من غير الوجه: إذا قاتل أحدُكم فليتَّقِ الوجه، قد يعمُّه، لكن لا يتعمد الوجه بطعنه بالرمح، يطعنه في صدره، في ظهره: إذا قاتل أحدُكم فليتَّق الوجه ظاهره العموم.
س: لكن إذا اضطر إلى ذلك؟
ج: الله أعلم.
س: لكن حديث: إذا قاتل أحدُكم يُحمل على قتال الكفار؟
ج: في بعضها الإطلاق: إذا قاتل أحدُكم فليتق الوجه، وإذا ضرب أحدُكم فليتق الوجه، لكن في الحرب قد لا يتمكن، لكن هنا مقابل، يمكن ضربه في غير الوجه، قد يقال: أن الضرب في غير الوجه أولى للعمومات، فيتعمد ضربه في رأسه، أو في ظهره، أو في جنبه، أو في صدره إذا تيسر، نعم.
س: ولو كان مازحًا؟
ج: ولو كان مازحًا لا يضربه في الوجه.