الشيخ: وهذا من باب الترهيب، الحديث الأخير هذا ضعيف، ولو صح فالمراد الترهيب، والتحذير؛ لأن القتل من جنس بقية الكبائر، صاحبها تحت مشيئة الله، وإن كان تعرض لخطر عظيم ووعيد شديد لكنه تحت مشيئة الله، كما قال الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] فالقتل، وما دونه كله تحت مشيئة الله ما لم يستحله العبد، أما إذا استحل ما حرم الله صار كافرًا، نسأل الله العافية.
فالمقصود أن القتل والزنا وسائر المعاصي الكبيرة كلها تحت مشيئة الله عند أهل السنة، وإذا قدر الله جل وعلا عليه دخول النار فهو دخول له نهاية، يعذب فيها تعذيبًا له نهاية، ثم يخرجه الله منها إذا كان مات على التوحيد، وعلى الإسلام، ولا يخلد فيها إلا من كان كافرًا، نسأل الله العافية.
والخلود خلودان: خلود الكفار، وهذا خلود ليس له نهاية، بل هم فيها أبد الآباد -نعوذ بالله-، وهناك خلود له نهاية، وهو خلود العاصي كالزاني، والقاتل، قال: وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:69] يعني خلودًا له نهاية، يعني يقيم فيها مدة طويلة التي قدر الله عليه جل وعلا بحكمته سبحانه وتعالى، ثم بعد انتهاء المدة يخرجه الله من النار إلى الجنة؛ لكونه مات على التوحيد والإسلام.
والحاصل أن هذا هو قول أهل السنة والجماعة خلافًا للخوارج والمعتزلة، الخوارج قالوا: من عصى كفر، وخلد في النار؛ ولو كان مسلمًا يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، قالوا: هذه المعصية تخرجه عن دائرة الإسلام، فإذا زنا عندهم كفر، وإذا سرق كفر، وإذا عق والديه كفر، وهكذا، وإذا مات على هذا خلد في النار.
والمعتزلة وافقوهم في حكم الآخرة، وقالوا: في الدنيا إنه في منزلة بين منزلتين لا كافر ولا مسلم، بل بين ذلك، ولكنه إذا مات على المعصية خلد في النار كقول الخوارج، وهذا قول باطل كالذي قبله، فالقولان باطلان، ومخالفان لما دلت عليه السنة الصحيحة المتواترة، وهو أن العاصي تحت مشيئة الله، إن شاء ربنا سبحانه عفا عنه لحسنات قدمها، وأعمال صالحة قدمها، وإن شاء سبحانه عذبه على قدر المعصية التي مات عليها، أو المعاصي التي مات عليها، ثم منتهاه إلى الجنة، لكونه مات على التوحيد والإسلام.
س: معنى مهانًا؟
الشيخ: على ظاهره، الإهانة ضد العزة والكرامة.
س: المعنق، لا يزال معنقا؟
الشيخ: يعني على طريق نجاة، على طريق سلامة.
الطالب: تكلم عليه قال: معنقًا أي: مسرعًا في سيره.
س: حديث شارب الخمر أنه لا يشربها في الآخرة؟
الشيخ: من باب الوعيد أيضًا، قد يدخل الجنة ولا يشربها، وقد يكون من باب الوعيد يعني للتحذير والترهيب، وإذا عفا الله عنه شربها إذا دخل الجنة؛ لأن أحاديث الوعيد عند أهل السنة تروى على ظاهرها للتحذير والترهيب، نسأل الله السلامة.
الطالب: يقول: «بلح» بالتخفيف والتشديد، أي انقطع الإعياء..
الشيخ: نسأل الله العافية، نعم، ومنها حديث: (كان يسير العنق) يعني سيرًا حسنًا، فالمعنى أنه لا يزال في عافية وخير وعلى سبيل النجاة ما لم يصب الدم الحرام، فإذا أصاب الدم الحرام، وقع في الهلكة، نسأل الله العافية.
س: حديث: لو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل مسلم.. هل في السماوات من يكون عونًا على قتل مسلم؟
الشيخ: لو قدر هذا لكان هذا مثل ما قال في قوله جل وعلا: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ [الأنبياء:29]، وإن كانت الملائكة في طاعة الله، لكن لو فرض أنهم فعلوا هذا لكان هذا جزاؤهم.
وقد كان ابن عباس يرى أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمدًا ...... وقال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا المغيرة بن النعمان، قال: سمعت ابن جبير قال: اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلت إلى ابن عباس فسألته عنها، فقال: نزلت هذه الآية وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء، وكذا رواه هو أيضا، ومسلم، والنسائي من طرق عن شعبة به.
ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن ابن مهدي، عن سفيان الثوري، عن مغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ فقال: ما نسخها شيء.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا ابن عون، حدثنا شعبة عن سعيد بن جبير، قال: قال عبدالرحمن بن أبزا سئل ابن عباس عن قوله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا الآية، قال: لم ينسخها شيء، وقال في هذه الآية وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [الفرقان:68] إلى آخرها، قال: نزلت في أهل الشرك.
وقال ابن جرير عنها أيضًا حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير عن منصور، حدثني سعيد بن جبير، أو حدثني الحكم، عن سعيد بن جبير، قال: سألت ابن عباس عن قوله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ قال: إن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام ثم قتل مؤمنا متعمدًا فجزاؤه جهنم، ولا توبة له، فذكرت ذلك لمجاهد، فقال: إلا من ندم.
حدثنا ابن حميد، وابن وكيع قالا: حدثنا جرير، عن يحيى الجابري، عن سالم بن أبي الجعد، قال: كنا عند ابن عباس بعد ما كف بصره، فأتاه رجل فناداه: يا عبدالله بن عباس، ما ترى في رجل قتل مؤمنًا متعمدا؟ فقال: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا. قال: أفرأيت إن تاب، وعمل صالحًا ثم اهتدى؟ قال ابن عباس: ثكلته أمه، وأنى له التوبة، والهدى؟
والذي نفسي بيده لقد سمعت نبيكم ﷺ يقول: ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدًا جاء يوم القيامة آخذه بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه من قبل عرش الرحمن، يلزم قاتله بشماله، وبيده الأخرى رأسه، يقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني، وايم الذي نفس عبدالله بيده، لقد أنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتى قبض نبيكم ﷺ، وما نزل بعدها من قرآن.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعت يحيى بن المجيز
الشيخ: كذا عندكم؟
الطالب: ابن المجبر.
الشيخ: شف التقريب.
سمعت يحيى بن المجيز يحدث عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس أن رجلًا أتى إليه فقال: أرأيت رجلًا قتل رجلًا عمدا؟ فقال: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا الآية، قال: لقد نزلت من آخر ما نزل، ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله ﷺ، وما نزل وحي بعد رسول الله ﷺ قال: أرأيت إن تاب، وآمن، وعمل صالحًا ثم اهتدى؟ قال: وأنى له بالتوبة، وقد سمعت رسول الله ﷺ يقول: ثكلته أمه، رجل قتل رجلًا متعمدًا يجيء يوم القيامة آخذًا قاتله بيمينه أو بيساره -أو آخذًا رأسه بيمينه أو بشماله- تشخب أوداجه دمًا من قبل العرش، يقول: يا رب، سل عبدك فيم قتلني.
وقد رواه النسائي عن قتيبة، وابن ماجه عن محمد بن الصباح عن سفيان بن عيينة، عن عمار الذهبي.
الشيخ: عن عمار الدهني.
عن عمار الدهني، ويحيى الجابر، وثابت الثمالي عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عباس فذكره، وقد روي هذا عن ابن عباس من طرق كثيرة.
وممن ذهب إلى أنه لا توبة له من السلف زيد بن ثابت، وأبو هريرة، وعبدالله بن عمر، وأبو سلمة بن عبدالرحمن، وعبيد بن عمير، والحسن، وقتادة، والضحاك بن مزاحم نقله ابن أبي حاتم.
وفي الباب أحاديث كثيرة، فمن ذلك ما رواه أبو بكر بن مردويه الحافظ في تفسيره: حدثنا دعلج بن أحمد، حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي، وحدثنا عبدالله بن جعفر، وحدثنا إبراهيم بن فهد، قالا: حدثنا عبيد بن عبيدة، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الأعمش، عن أبي عمرو بن شرحبيل ....... بإسناده عن عبدالله بن مسعود عن النبي ﷺ قال: يجيء المقتول متعلقًا بقاتله يوم القيامة آخذًا رأسه بيده الأخرى فيقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني؟ قال: فيقول: قتلته لتكون العزة لك، فيقول: فإنها لي، قال: ويجيء آخر متعلقًا بقاتله فيقول: رب سل هذا فيم قتلني. قال فيقول: قتلته لتكون العزة لفلان، قال: فإنها ليست له بوء بإثمه، قال: فيهوي في النار سبعين خريفًا، وقد رواه النسائي عن إبراهيم بن المستمر العوفي، عن عمرو بن عاصم، عن معتمر بن سليمان به.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا صفوان بن عيسى، حدثنا ثور بن يزيد عن أبي عون، عن أبي إدريس، قال: سمعت معاوية يقول: سمعت النبي ﷺ يقول: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرًا، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا، وكذا رواه النسائي عن محمد بن المثنى، عن صفوان بن عيسى به، وقال ابن مردويه: حدثنا عبدالله بن جعفر، حدثنا سمويه، حدثنا عبدالأعلى بن مسهر، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا خالد بن دهقان، حدثنا ابن زكريا، قال سمعت أم الدرداء تقول: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركًا، أو من قتل مؤمنًا متعمدًا، وهذا غريب جدًا من هذا الوجه، والمحفوظ حديث معاوية المتقدم، فالله أعلم.
ثم روى ابن مردويه من طريق بقية بن الوليد عن نافع بن يزيد: حدثني ابن جبير الأنصاري، عن داود بن الحصين، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ قال: من قتل مؤمنًا متعمدًا فقد كفر بالله ، وهذا حديث منكر أيضا، فإسناده متكلم فيه جدًا.
قال الإمام أحمد: حدثنا النضر، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد، قال: أتاني أبو العالية أنا وصاحب لي، فقال لنا: هلما فأنتما أشب سنا مني، وأوعى للحديث مني، فانطلق بنا إلى بشر بن عاصم، فقال له أبو العالية: حدث هؤلاء بحديثك، فقال: حدثنا عقبة بن مالك الليثي قال: بعث رسول الله ﷺ سرية فأغارت على قوم، فشد مع القوم رجل فاتبعه رجل من السرية شاهرًا سيفه، فقال الشاد من القوم: إني مسلم فلم ينظر فيما قال، قال: فضربه فقتله، فنمى الحديث إلى رسول الله ﷺ، فقال فيه قولًا شديدًا، فبلغ القاتل، فبينا رسول الله ﷺ يخطب إذ قال القاتل: والله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل، قال: فأعرض رسول الله ﷺ عنه، وعمن قبله من الناس، وأخذ في خطبته، ثم قال أيضا: يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل، فأعرض عنه، وعمن قبله من الناس، وأخذ في خطبته، ثم لم يصبر حتى قال الثالثة: والله يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل، فأقبل عليه رسول الله ﷺ تعرف المساءة في وجهه، فقال: إن الله أبى على من قتل مؤمنًا ثلاثًا، ورواه النسائي من حديث سليمان بن المغيرة.
والذي عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله ، فإن تاب وأناب وخشع وخضع وعمل عملًا صالحًا بدل الله سيئاته حسنات، وعوض المقتول من ظلامته، وأرضاه عن ظلامته، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [الفرقان:68] إلى قوله إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا [الفرقان:70]، وهذا خبر لا يجوز نسخه، وحمله على المشركين، وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظاهر، ويحتاج حمله إلى دليل، والله أعلم.
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53]، وهذا عام في جميع الذنوب من كفر، وشرك، وشك، ونفاق، وقتل، وفسق، وغير ذلك، كل من تاب أي من أي ذلك تاب الله عليه، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فهذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك، وهي مذكورة في هذه السورة الكريمة بعد هذه الآية، وقبلها لتقوية الرجاء، والله أعلم.
وثبت في الصحيحين خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس ثم سأل عالمًا هل لي من توبة؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ثم أرشده إلى بلد يعبد الله فيه، فهاجر إليه فمات في الطريق، فقبضته ملائكة الرحمة كما ذكرناه غير مرة. وإذا كان هذا في بني إسرائيل فلأن يكون في هذه الأمة التوبة مقبولة بطريق الأولى، والأحرى؛ لأن الله وضع عنا الآصار والأغلال التي كانت عليهم، وبعث نبينا بالحنيفية المسحة.
فأما الآية الكريمة وهي قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا الآية، فقد قال أبو هريرة، وجماعة من السلف: هذا جزاؤه إن جازاه، وقد رواه ابن مردويه بإسناده مرفوعًا من طريق محمد بن جامع العطار، عن العلاء بن ميمون العنبري، عن حجاج الأسود، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا، ولكن لا يصح، ومعنى هذه الصيغة أن هذا جزاؤه إن جوزي عليه، وكذا كل وعيد على ذنب، لكن قد يكون كذلك معارض من أعمال صالحة تمنع، وصول ذلك الجزاء إليه على قولي أصحاب الموازنة والإحباط، وهذا أحسن ما يسلك في باب الوعيد، والله أعلم بالصواب.
وبتقدير دخول القاتل في النار، أما على قول ابن عباس، ومن وافقه أنه لا توبة له، أو على قول الجمهور حيث لا عمل له صالحًا ينجو به فليس بمخلد فيها أبدًا، بل الخلود هو المكث الطويل، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله ﷺ: أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان، وأما حديث معاوية: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرًا، أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا فعسى للترجي، فإذا انتفى الترجي في هاتين الصورتين لا ينتفي.
..........
وقوع ذلك في أحدهما، وهو القتل، لما ذكرنا من الأدلة، وأما من مات كافرًا فالنص أن الله لا يغفر له البتة، وأما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة فإنه حق من حقوق الآدميين، وهي لا تسقط بالتوبة، ولكن لا بد من ردها إليهم، ولا فرق بين المقتول، والمسروق منه، والمغصوب منه، والمقذوف، وسائر حقوق الآدميين، فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة، ولكنه لا بد من ردها إليهم في صحة التوبة، فإن تعذر ذلك فلا بد من المطالبة يوم القيامة، لكن لا يلزم من وقوع المطالبة وقوع المجازاة، إذ قد يكون للقاتل أعمال صالحة تصرف إلى المقتول أو بعضها، ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة، أو يعوض الله المقتول بما يشاء من فضله من قصور الجنة، ونعيمها، ورفع درجته فيها، ونحو ذلك، والله أعلم.
الشيخ: وقد أجاد المؤلف في هذا رحمه الله، أجاد وأحسن، وهذا الذي قاله المؤلف من صحة توبة القاتل هو الصواب، وهو الحق، وهو قول جمهور أهل العلم خلافًا لابن عباس، ومن قال بقوله، فالصواب الذي عليه جمهور أهل العلم هو الحق الذي قامت عليه الأدلة أن القاتل كغيره متى تاب توبة صادقة تاب الله عليه، وأرضى عنه القاتل، إما بما يعطى من حسنات القاتل، وأعماله الصالحة، وإما بما يشاؤه الله من فضله وإحسانه جل وعلا.
وأما أولياء المقتول فلهم حقوقهم من القصاص، والدية فإذا أعطيت حقوقهم سقطت حقوقهم.
فالحاصل أن الصواب أن القاتل له توبة، فليس القتل أعظم من الشرك، الشرك أعظم وأكبر، ومتى تاب المشرك تاب الله عليه، فالقاتل والزاني وشارب المسكر وغير ذلك كلهم من باب أولى، من تاب توبة صادقة تضمنت: الندم على ما مضى منه، والعزيمة على أن لا يعود في ذلك، والإقلاع عن ذلك، تاب الله عليه ، وحق القتيل لا يضيع، حقه محفوظ، الله يعطيه حقه جل وعلا يوم القيامة، إما من حسنات القاتل، وأعماله الصالحة، وإما من فضله وجوده وكرمه مما يشاء سبحانه من أنواع النعيم، وهذا نص الآية الكريمة: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وآمَنَ، وعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، والآية في سورة فرقان: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ [الفرقان:68-70]، ثم قال بعدها: إِلَّا مَنْ تَابَ هذا صريح إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا [الفرقان:70]، وحملها على المشركين لا يجوز؛ لأن الآية عامة، والقتل يكون من المشرك ويكون من غيره، يكون من المسلم ويكون من غيره، وهكذا الزنا، فالحاصل أن ما قاله الجمهور هو الصواب، وهو ما قاله المؤلف هنا، ونصره المؤلف هنا، وأن القاتل له توبة، ولو فرض أنه دخل النار ولم يتب فإنه لا يخلد في النار، الخلود الذي يخلده الكفار هو الذي قاله الله : وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:69] هذا خلود خاص، وهو طول المكث في النار، فإن العرب عندهم الخلود خلودان: خلود مؤبد، وهذا للكفار، وخلود له نهاية، وهو الإقامة الطويلة، فالقاتل ونحوه وإن وقع في النار ودخل النار بسبب ذنبه العظيم وإن طال مكثه لكن له نهاية، لا بدّ أن يخرج إلى الجنة؛ لأنه موحد مسلم، وفي هذا يعلم أن جميع أهل المعاصي عند أهل السنة والجماعة لا يخلدون خلود الكفار، وإنما يخلد من يخلد منهم خلودًا خاصًا، يعني بمعنى طول الإقامة، كما يقول العرب: أقاموا فأخلدوا يعني طولوا، وهذا هو قول أهل السنة، خلافًا للخوارج، الخوارج والمعتزلة هاتان الطائفتان تخلدان أهل المعاصي، نعوذ بالله، وأن من دخل النار لا يخرج منها، وهاتان الطائفتان ضالتان، وقد حادتا عن طريق الهدى، وخالفتا الأحاديث المتواترة عن رسول الله ﷺ في خروج العصاة من النار، وقد تواترت الأخبار عن رسول الله ﷺ في الصحيحين وغيرهما أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، مثقال ذرة من إيمان، وأن النبي يشفع، والأنبياء يشفعون، والملائكة يشفعون، والأفراط يشفعون، والمؤمنون يشفعون.
هؤلاء الفجرة الخوارج والمعتزلة ضيعوا هذه الشفاعة، وقالوا من دخلها لا يخرج منها أبدًا، نسأل الله العافية. وقولهم من أبطل الباطل، وأضل الضلال، فلا يجوز الالتفات إليهم، ولا التعلق بقولهم، أما أهل السنة والجماعة فهم مجموعون على أن العاصي وإن دخل النار لا يخلد خلود الكفار؛ ما عدا ما جاء عن ابن عباس، ومن معه في القاتل خاصة، وأنه لا بدّ من دخوله النار، لكن ليس معناه أنه يخلد، معناه أنه لا بدّ من تعذيبه، ثم بعد ذلك يخرجه الله منها بعدما يشاء .
س: الدين -رعاك الله- الذي هو في ذمة المسلم لحقوق الآخرين؟
الشيخ: الدين لا يضيع، إن أوفاه، وإلا أوفى الله عنه، لقوله ﷺ: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه رواه البخاري في الصحيح، الدين إذا كان... ما عليه شيء يخرجه إذا أحب إذا كانت نيته الوفاء بقصد الوفاء، أما إذا كان قصده اللعب بأموال الناس فهذا مثل بقية أهل المعاصي، ولهذا في الحديث: ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله يكون معرضًا للوعيد، وعلى خطر من دخول النار، إلا إذا عفا الله عنه ....... أو بأسباب أعمال صالحة رجحت بسيئاته.
س: كذا يفسر الوعيد الذي لا يغفر ذنب قاعد الدين؟
الشيخ: لهذا ما له صلة بذنبه، وإنما الذي لا يغفر الدين، وإنما هو يغفر له، لكن بدينه يبقى معلقا.
س: قوله مُهَانًا [الفرقان:69] أيش معنى مهانًا؟
الشيخ: الإهانة ضد العزة.
س: الإهانة دائمًا؟
الشيخ: مدة دخوله النار.
س: تخليد؟
الشيخ: لا، خلود خاص، وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا يعني ذليلًا حقيرًا إلى أن تنتهي المدة التي كتبها الله، ثم يخرجه الله من النار، يعني الزاني، والقاتل، أما المشرك لا، يبقى دائمًا ذليلاً فيها إلى أبد الآباد، لا خروج له، نسأل الله العافية، كما قال سبحانه في الكفرة: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]، نسأل الله العافية، وقال في سورة المائدة: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:37].
ثم لقاتل العمد أحكام في الدنيا، وأحكام في الآخرة، فأما في الدنيا فتسلط أولياء المقتول عليه، قال الله تعالى: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا [الإسراء:33]، ثم هم مخيرون بين أن يقتلوا، أو يعفوا، أو يأخذوا دية مغلظة أثلاثًا، ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، كما هو مقرر في كتاب الأحكام.
واختلف الأئمة هل تجب عليه كفارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام، على أحد القولين كما تقدم في كفارة الخطأ، على قولين:
فالشافعي، وأصحابه، وطائفة من العلماء يقولون: نعم، يجب عليه؛ لأنه إذا وجبت عليه الكفارة في الخطأ فلأن تجب عليه في العمد أولى، فطردوا هذا في كفارة اليمين الغموس، واعتذروا بقضاء الصلاة المتروكة عمدًا كما أجمعوا على ذلك في الخطأ.
وقال أصحابه، الإمام أحمد
الشيخ: كذا؟
الطالب: قال أصحاب الإمام أحمد.
الشيخ: هذا الصواب
وقال أصحاب الإمام أحمد، وآخرون: قتل العمد أعظم من أن يكفر، فلا كفارة فيه، وكذا اليمين الغموس، ولا سبيل لهم إلى الفرق بين هاتين الصورتين، وبين الصلاة المتروكة عمدًا، فإنهم يقولون بوجوب قضائها إذا تركت عمدًا.
الشيخ: وهذا فيه فصال أيضًا، فإن من قال إنه يكفر لا قضاء عليه، عليه التوبة، فإنه إذا ترك الصلاة عمدًا كفر، ولا قضاء على الصحيح، وإنما عليه التوبة إلى الله ، خلافًا لمن تركها نسيانًا أو نومًا فإنه يقضي، ولهذا قال ﷺ: من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك، وأما في العمد قال: من ترك صلاة العصر عمدًا متعمدًا حبط عمله، وقال: بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة، وقال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر فرق بين هذا وهذا.
وهكذا اليمين الغموس ليس فيها كفارة، وهي التي يحلف فيها كاذبًا عامدًا -نعوذ بالله- أنه ما فعل كذا، وأنه فعل كذا، وهو يكذب؛ لأن إثمها أعظم، والكفارات إنما يدخل في الذنوب، وتدخل في الأعمال إذا خفت، أما إذا عظمت فليس فيها كفارة، ولهذا قتل العمد ليس فيه كفارة، فيه قصاص، النفس بالنفس، فإن عفو فلهم الدية، فإن عفو عن كل شيء فلهم الأجر، وليس في ذلك كفارة، وإنما الكفارة في الخطأ، كما بين الله في كتابه العظيم، فرق بين هذا وهذا، ولا يلزم أن يقاس الأعلى على الأدنى، فإن القتل عمدًا جريمة عظمى لا تقاس على الخطأ، فالخطأ أخف، قد يكون فيه تساهل قد يقع من إنسان تفريط جبر الله ذلك بالكفارة مع الدية؛ تعظيمًا لقتل النفس، وتحذيرًا من الإقدام عليها بحجة الخطأ، فكان في ذلك ما في الدية نوع من التعزير، والمنع من أسباب الخطأ، وأما إن كان القتل عمدًا عدوانًا فهذا فيه القصاص، وهو القتل، فإن عفا أهل القود فلهم الحق أن يعفو إلى الدية أو إلى المجان طلبًا للأجر.
س: متى ما تنازل أولياء الدين، هل هناك حق عام؟
الشيخ: الحق له، إذا تنازل ما في شيء. إذا تنازل سقط الحق، لأنه حق آدمي ما هو حق محض.
س: ليس فيه حق عام؟
الشيخ: لا، ذاك في قطع الطريق.
س: إذا اقتص منه هل تكفر عنه القصاص؟
الشيخ: نعم، القصاص كفارة، يبقى حق القتيل، الله جل وعلا يتولى أمره، لكنها كفارة ما بينه وبين.....
س: وإذا سلم من القصاص فهل له توبة؟
الشيخ: نعم، الصحيح له توبة، وإلا الشرك أعظم من ذلك، والكفر أعظم من ذلك، وفيه توبة، فإذا كان الكفر فيه توبة، وهو أعظم الذنوب فالقتل كذلك فيه توبة على الصحيح عند جمهور أهل العلم.
س: المقتول ما يأخذ حقه يوم القيامة؟
الشيخ: لا يضيع الحق، له حق عند الله ، الله يتولى أمره، النبي ﷺ أخبر أن القتل كفارة، قال: من أدركه الله في الدنيا كان كفارة له.
وقد احتج من ذهب إلى وجوب الكفارة في قتل العمد بما رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا عارم بن الفضل، حدثنا عبدالله بن المبارك، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن الغريف بن عياش، عن واثلة بن الأسقع، قال: أتى النبي ﷺ نفر من بني سليم فقالوا: إن صاحبًا لنا قد أوجب، قال: فليعتق رقبة يفدي الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار، وقال أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا ضمرة بن ربيعة عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن الغريف الديلمي، قال: أتينا واثلة بن الأسقع الليثي فقلنا له: حدثنا حديثًا سمعته من رسول الله ﷺ، قال: أتينا رسول الله ﷺ في صاحب لنا قد أوجب، فقال: أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوًا منه من النار، وكذا رواه أبو داود، والنسائي من حديث إبراهيم بن أبي عبلة به، ولفظ أبي داود عن الغريف الديلمي قال: أتينا واثلة بن الأسقع فقلنا له: حدثنا حديثا ليس فيه زيادة ولا نقصان، فغضب فقال: إن أحدكم ليقرأ ومصحفه معلق في بيته فيزيد وينقص، قلنا: إنما أردنا حديثا سمعته من رسول الله ﷺ قال: أتينا رسول الله ﷺ في صاحب لنا قد أوجب، يعني النار، بالقتل فقال: أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوًا منه من النار .
الطالب: الغريف بفتح أوله اسمه عياش، بتحتانية، ومعجمة، ابن فيروز الديلمي، وقد ينسب إلى جده، مقبول من الخامسة، أبو داود، والنسائي.
الشيخ: نعم، وهذا لو صح من باب الفضل، وأن إعتاق الرقاب من أعظم الأسباب للتكفير إعتاق الرقاب، يقول النبي ﷺ: من أعتق رجلًا مسلمًا أعتق الله بكل عضو منه عضوًا من النار، حتى فرجه بفرجه فالإعتاق من أسباب العتق من النار، ولكن لا يدل على أن فيه كفارة كما في قتل الخطأ هذا لو صح، لكن ما دام مداره على الغريف فالغريف مقبول، ومعنى المقبول هو الذي لم يثبت فيه جرح، وقد وثقه بعض أهل العلم إلا إذا تابعه غيره يكون حسنًا. وظاهر هذه الرواية إن مداره عليه ليس له متابع.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:94].
قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن أبي بكير، وخلف بن الوليد، وحسين بن محمد قالوا: حدثنا إسرائيل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي ﷺ يرعى غنمًا له فسلم عليهم، فقالوا: لا يسلم علينا إلا ليتعوذ منا، فعمدوا إليه فقتلوه، وأتوا بغنمه النبي ﷺ، فنزلت هذه الآية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلى آخرها.
ورواه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد، عن عبدالعزيز بن أبي رزمة، عن إسرائيل به، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أسامة بن زيد، ورواه الحاكم من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل به، ثم قال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ورواه ابن جرير من حديث عبيد الله بن موسى، وعبدالرحيم بن سليمان، كلاهما عن إسرائيل به، وقال في بعض كتبه غير التفسير: وقد رواه من طريق عبدالرحمن فقط، وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيمًا لعلل منها: أنه لا يعرف له مخرج عن سماك إلا من هذا الوجه، ومنها أن عكرمة في روايته عندهم نظر، ومنها أن الذي نزلت فيه هذه الآية عندهم مختلف فيه، فقال بعضهم: نزلت في محلم بن جثامة، وقال بعضهم: أسامة بن زيد، وقيل غير ذلك.
قلت: وهذا كلام غريب، وهو مردود من وجوه:
أحدها: أنه ثابت عن سماك حدث به عنه غير واحد من الأئمة الكبار.
الثاني: أن عكرمة محتج به في الصحيح.
الثالث: أنه مروي من غير هذا الوجه عن ابن عباس، كما قال البخاري: حدثنا علي بن عبدالله، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس، وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا قال: قال ابن عباس: كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه، وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا قال ابن عباس: عرض الدنيا تلك الغنيمة، وقرأ ابن عباس: السلام.
وقال سعيد بن منصور: حدثنا منصور، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، قال: لحق المسلمون رجلًا في غنيمة له، فقال: السلام عليكم، فقتلوه، وأخذوا غنيمته، فنزلت: وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا، وقد رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق سفيان بن عيينة به، وقد....
الطالب: يقول: بياض في الأصل، ومن هنا إلى قوله: وأما قصة محلم إلى آخره ......
الشيخ: وهذا يدل على وجوب التثبت في القتل، وأن من أظهر الإسلام وجب الكف عنه، وأن لا يتعرض له بقتل حتى يتبين ما يوجب ردته، ولهذا قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا يعني تثبتوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ الآية، المقصود من هذا هو الأمر بالتثبت، وعدم العجلة في الحكم على من أظهر الإسلام بأنه منافق أو بأنه قاله تعوذًا، بل يجب التثبت حتى ينظر في أمره، ويجب الكف عنه، ولهذا أنكر النبي ﷺ على أسامة كما في الصحيحين لما لحق بإنسان من المشركين فقال: لا إله إلا الله، وكان مع أسامة رجل من الأنصار فكف الأنصاري، ولم يقتله، وأما أسامة فأقدم، وقتله، فأخبر النبي ﷺ بذلك، فقال: أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟! قال: إنما قالها تعوذًا لما رآني استل السلاح، قال: هلا شققت عن قلبه، أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله، فلم يزل يقل له ذلك حتى قال أسامة: فتمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ.
المقصود أنه من أظهر الإسلام وترك الكفر يجب التثبت في أمره، والكف عنه، وأن لا يعجل عليه إلا إذا رئي منه بعد ذلك ما يوجب الردة، وهذا في حق من كان لا يقول لا إله إلا الله ينكرها مثل كفار قريش، وأشباههم من العرب، ومن كان يقول: لا إله إلا الله ولكنه قد كفر بأمر آخر بعبادة الأوثان بسب الدين بأشياء أخرى فهذا لا يكف عنه بقول لا إله إلا الله، إذا كان عنده مكفرات أخرى لم يسلم منها ولم يقبل الحق بل يستتاب فإن تاب وإلا قتل، ولو قال: لا إله إلا الله، ولو صلى وصام، إذا حصل منه ما يوجب الردة، وسب الدين، وسب الرسول، وسب الله جل وعلا أو الاستهزاء بالدين أو ما أشبه ذلك أو جحد شيء أوجبه الله من الأمور الظاهرة العظيمة المعروفة من الدين بالضرورة كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ونحو ذلك، أو جحد شيئًا مما حرمه الله، وقال: إنه حلال، مما هو معروف من الدين بالضرورة كالربا، والسرقة، ونحو ذلك، فهذا يقتل، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، ولو قال: لا إله إلا الله، أنما الكف عمن قال: لا إله إلا الله، وإذا كان لا يقولها في كفره، ثم قالها فهذا معناها أنه أظهر الإسلام، ويكف عنه، فينظر في أمره، فإن استمر فهو أخونا له ما لنا، وعليه ما علينا، وإن ظهر منه بعد ذلك ما يدل على الردة جوزي على ذلك، يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
س: هل تجب استتابته في هذا الحال؟
الشيخ: إذا أظهر خلاف الإسلام، نعم.
وقال البخاري: قال حبيب بن أبي عمرة عن سعيد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ للمقداد: إذا كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار فقتلته، فكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة من قبل هكذا ذكره البخاري معلقًا مختصرًا، وقد روي مطولًا موصولًا، فقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا حماد بن علي البغدادي، حدثنا جعفر بن سلمة، حدثنا أبو بكر بن علي بن مقدم، حدثنا حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال بعث رسول الله ﷺ سرية فيها المقداد بن الأسود، فلما أتوا القوم، وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأهوى عليه المقداد فقتله، فقال له رجل من أصحابه: أقتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله؟ والله لأذكرن ذلك للنبي ﷺ، فلما قدموا على رسول الله ﷺ قالوا: يا رسول الله، إن رجلا شهد أن لا إله إلا الله، فقتله المقداد، فقال: ادعوا لي المقداد، يا مقداد: أقتلت رجلا يقول: لا إله إلا الله، فكيف لك بلا إله إلا الله غدًا؟ قال: فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا، فقال رسول الله ﷺ للمقداد: كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته، وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة قبل .
وقوله: فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ أي: خير مما رغبتم فيه عرض الحياة الدنيا الذي حملكم على قتل مثل هذا الذي ألقى إليكم السلام، وأظهر لكم الإيمان، فتغافلتم عنه، واتهمتموه بالمصانعة والتقية؛ لتبتغوا عرض الحياة الدنيا، فما عند الله من الرزق الحلال خير لكم من مال هذا.
وقوله: كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أي: قد كنتم من قبل هذه الحال كهذا الذي يسر إيمانه، ويخفيه من قومه، كما تقدم في الحديث المرفوع آنفًا، وكما قال تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ [الأنفال:26] الآية، وهذا مذهب سعيد بن جبير لما رواه الثوري، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير في قوله: كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ تخفون إيمانكم في المشركين، ورواه عبدالرزاق عن ابن جريج، أخبرني عبدالله بن كثير، عن سعيد بن جبير في قوله: كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ تستخفون بإيمانكم كما استخفى هذا الراعي بإيمانه، وهذا اختيار ابن جرير، وقال ابن أبي حاتم، وذكر عن قيس، عن سالم، عن سعيد بن جبير قوله: كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ لم تكونوا مؤمنين فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أي: تاب عليكم، فحلف أسامة لا يقتل رجلًا يقول: لا إله إلا الله بعد ذلك الرجل، وما لقي من رسول الله ﷺ فيه.
وقوله: فَتَبَيَّنُوا تأكيد لما تقدم، وقوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا قال سعيد بن جبير: هذا تهديد، ووعيد.
الشيخ: يعني احذروا فإن الله يعلم كل شيء، فاحذروا أن تقترفوا معصيته، أو تتساهلوا في أمره، أو تقدموا عرض الدنيا على ما أوجب الله عليكم، فالواجب الحذر، ولهذا قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71]، وقال تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28].
س: ما رأيك شيخ، فلفظته الأرض؟
الشيخ: لفظته الأرض يعني أطلعته الأرض على وجهها للعظة والذكرى، ليتعظ الناس لشدة جريمته، وقال الرسول ﷺ كما جاء في هذا الحديث إن الأرض تقبل من هو شر منه من الكفرة، ولكن الله فعل هذا ليعظكم، يعني لتحذروا القتل بغير حق.
س: الدليل هذا ثابت؟
الشيخ: فيه نظر .
........
س: ما جاء في البخاري في الصحيح في رجل لفظته الأرض؟
الشيخ: ما أتذكر.
س: وهذا في سنده دعا النبي ﷺ ؟
الشيخ: لو صح، لكان من باب التعزير والتحذير، وأنه يجوز أن يدعى على من أتى جريمة عظيمة للتنفير منها، مثل ما قال النبي ﷺ: قاتل الله اليهود والنصارى، قاتل الله فلانًا.
س: إذا حصل قصة مثل هذه في بلد من البلدان يكون موعظة لأهلها؟
الشيخ: كونه لفظته الأرض من باب العظة، وأنه أتى جريمة عظيمة.
س: الحكم الشرعي فيمن لفظته الأرض؟
الشيخ: يحط عليه حجارة، ويحط في محل بعيد عن طريق الناس، مثل ما فعلوا.
س: ولا يغطى؟
الشيخ: يغطى بالحجارة.