باب: وكالة الشاهد والغائب جائزةٌ
وكتب عبدالله بن عمرو إلى قهرمانه وهو غائبٌ عنه: أن يُزكِّي عن أهله: الصغير والكبير.
2305- حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن سلمة بن كُهيل، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: كان لرجلٍ على النبي ﷺ سنٌّ من الإبل، فجاءه يتقاضاه، فقال: أعطوه، فطلبوا سِنَّه، فلم يجدوا له إلا سِنًّا فوقها، فقال: أعطوه، فقال: أوفيتني أوفى الله بك. قال النبي ﷺ: إن خياركم أحسنُكم قضاءً.
الشيخ: يريد المؤلف البخاري رحمه الله أن الوكالات سائرةٌ وجائزةٌ للحاضر والغائب؛ الحاضر بالمشافهة، والغائب بالمكاتبة، أو بإبلاغه بواسطة الثقات، كما أمر النبي ﷺ الذي يُطالبه سنًّا أن يُعطى مثل سِنِّه، فقالوا: لم نجد إلا سِنًّا أعلى من سِنِّه. فقال: أعطوه إياه ولو كان أعلى من سِنِّه، ثم قال: إن خيار الناس أحسنُهم قضاءً.
وهكذا عبدالله بن عمرو كتب إلى وكيله بإخراج الزكاة.
المقصود أن الوكالة جائزةٌ عند أهل العلم، والأدلة قائمةٌ عليها فيما تدخله النيابة يُوكل مَن يُزكِّي عنه، يُخرج زكاته ممن يقوم بالنفقة على عياله، على بهائمه، على مزرعته، مَن يقضي دَينه، إلى غير هذا، نعم.
وفي هذا من الفوائد: أن الإنسان إذا قضى أكثر وأحسن كان أفضل، فإن الرجل كان له سِنٌّ صغيرٌ، فلم يجدوا إلا خيارًا رباعيًّا، قال: أعطوه إياه، فإن خيار الناس أحسنهم قضاءً، فإذا كان يطلب ابن مخاضٍ أو ابن لبونٍ وأعطاه الموفي أعلى تفضُّلًا منه كان أفضل، وله أجر ذلك، أو أعطاه اثنين بدل واحدٍ، أو كان يطلب مئة ريالٍ وأعطاه مئةً وعشرةً، أو مئةً وعشرين، أكثر: إن خيار الناس أحسنُهم قضاءً، مالم يكن مشروطًا، أما إذا شرط في القرض فلا، لكن إذا كان مجرد تبرعٍ، عند القضاء أعطاه زيادةً من دون شرطٍ ولا مُواطأةٍ، أما إذا شرط: أُقرضك مئةً وتُعطيني مئةً وعشرةً. هذا ربًا، أو تواطآ على هذا، فهذا ربًا، لكن إذا أعطاه سِنًّا أعلى أو عددًا أكثر تبرعًا من غير تواطؤٍ ولا مُشارطةٍ في القرض فلا بأس.
وهكذا في قضاء الدَّين إذا زاده ثمن البعير أو ثمن البيت لا حرج، أعطاه زيادةً لأنه أمهله كثيرًا، وعرف فضله وإحسانه، وأعطاه زيادةً من أجل مُكافأته على إنظاره وطيب إمهاله، نعم.
باب الوكالة في قضاء الدُّيون
2306- حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا شعبة، عن سلمة بن كُهيل: سمعتُ أبا سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة : أن رجلًا أتى النبي ﷺ يتقاضاه، فأغلظ، فهمَّ به أصحابه، فقال رسول الله ﷺ: دعوه، فإنَّ لصاحب الحقِّ مقالًا، ثم قال: أعطوه سِنًّا مثل سِنِّه، قالوا: يا رسول الله، إلا أمثل من سِنِّه. فقال: أعطوه، فإن من خيركم أحسنكم قضاءً.
الشيخ: وهذا فيه من الفوائد الزائدة: أن صاحب الحقِّ قد يشتد في الكلام عند طلب القضاء، قد يشتد في القضاء، فينبغي الرِّفق به، والتَّغاضي عن شدَّته؛ ولهذا هذا الرجل الذي جاء يقتضي النبي ﷺ في البعير أغلظ وشدَّد، فهمَّ به الصحابة، فقال النبي ﷺ: دعوه، فإن لصاحب الحقِّ مقالًا، سامحه النبيُّ ﷺ وقال: إن لصاحب الحقِّ مقالًا يعني: قد يزيد في الكلام، وقد يشتد، فينبغي لمن عليه الدَّين أن يحلم ويتحمل، وهكذا جُلساؤه، ثم أمر أن يُعطى سِنًّا أعلى من سِنِّه، وقال: إن خياركم أحسنكم قضاءً.
باب إذا وهب شيئًا لوكيل أو شفيع قومٍ جاز
لقول النبي ﷺ لوفد هوازن حين سألوه المغانم، فقال النبي ﷺ: نصيبي لكم.
2307- حدثنا سعيد بن عُفير، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهابٍ قال: وزعم عروة أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه: أن رسول الله ﷺ قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يردَّ إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسولُ الله ﷺ: أحبُّ الحديث إليَّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي، وإما المال، وقد كنتُ استأنيتُ بهم، وقد كان رسولُ الله ﷺ انتظرهم بضع عشرة ليلةً حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن رسول الله ﷺ غير رادٍّ إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا: فإنا نختار سبينا. فقام رسول الله ﷺ في المسلمين، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءونا تائبين، وإني قد رأيتُ أن أردَّ إليهم سبيَهم، فمَن أحبَّ منكم أن يطيب بذلك فليفعل، ومَن أحبَّ منكم أن يكون على حظِّه حتى نُعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل، فقال الناس: قد طيبنا ذلك لرسول الله ﷺ لهم. فقال رسول الله ﷺ: إنا لا ندري مَن أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفعوا إلينا عُرَفاؤكم أمرَكم، فرجع الناس، فكلَّمهم عُرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول الله ﷺ فأخبروه: أنهم قد طيَّبوا وأذنوا.
الشيخ: وهذا فيه فوائد: ففي قصة هوازن أن النبي ﷺ لما حاربهم هزمهم الله، ونصر الله رسوله والمسلمين عليهم في غزوة الطائف بعد فتح مكة، وسبى منهم المسلمون مالًا كثيرًا ونساءً، وأمهل النبي ﷺ في قسم الأموال والنساء –السبي- حتى جاءوا مسلمين، جاء وفد هوازن مسلمين تائبين، وطلبوا من النبي ﷺ أن يردَّ إليهم سبيَهم وأموالهم، فقال النبي ﷺ: أحب الحديث إليَّ أصدقه، ولا شك أن هذا هو أحب الحديث: الصدق.
وفي روايةٍ أنه قال: معي الناس، ما يمكن أن أردَّ عليكم الأموال والسَّبي جميعًا؛ لأن الناس ينتظرون هذه الأموال وهذا السَّبي، جاهدوا، وصبروا، وهم بحاجةٍ إلى ما ينفعهم، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما المال، وإما السبي، فاختاروا السَّبي؛ لأن السبي أعزُّ، ففيه نساؤهم: زوجاتهم، وبناتهم، وهن أعزُّ عليهم من المال، فلما اختاروا السَّبي خطب النبي ﷺ الناس وأخبرهم أنه رادٌّ سبيهم إليهم يتألفهم على الإسلام، فمَن طيَّب فجزاه الله خيرًا، لا بأس، ومَن أحبَّ أن يُعطيه بدل ذلك من أول ما يفيض الله علينا فلا بأس، فقال الناس: طيبنا. يعني: وافقنا، فقال: إني لا أعرف مَن طيَّب ممن لم يُطيب. يعني: مَن وافق ومَن لم يُوافق، ولكن ارجعوا، وليرفع إلينا عُرفاؤكم الحقيقة. فرفع إليه العُرفاء أنهم قد طيَّبوا جميعًا ، وردَّ إلى هوازن سبيهم.
فهذا فيه أنه يجوز لولي الأمر أن يُؤخر قسم الفيء -قسم الغنائم- إذا رأى المصلحة في التأخير؛ لانتظار إسلام المهزومين، أو لأسبابٍ أخرى.
وفيه جواز ردِّ السبي إذا رأى ولي الأمر ردَّ السبي على الذين أسلموا بعدما هُزموا.
وفيه تعريف العُرفاء على الناس ..... رؤساء يُقدمون حوائجهم، ويرفعون شؤونهم.
وفيه أيضًا أنه لا بأس أن يردَّ ولي الأمر السبي على أهله إذا أسلموا، فمَن طيَّب نفسه من المغانم فلا بأس، وإلا يُعوِّضه من بيت المال، أو من الغنائم الجديدة، يُعوِّضه عما طابت به نفسه؛ لأنه قد ملكه، قد ملكوا هذا السبي، ولكن ردَّه من باب الرحمة والعطف والتأليف للذين أسلموا من جديدٍ؛ لما في قلوب الناس من العطف على نسائهم وذُرياتهم، وشدة الألم العظيم إذ أُخذوا منهم، فكان في هذا رحمةٌ من الله لأولئك بواسطة نبيه عليه الصلاة والسلام، وتشريعٌ للأمة بمثل هذا، وقد غنموا غنائم كثيرةً من الغنم والإبل، ووزعها في الناس عليه الصلاة والسلام، وأعطى المؤلَّفة قلوبهم شيئًا كثيرًا من الخُمس: من مُسلمة الفتح، ومن مسلمة هوازن؛ تأليفًا للقلوب، وجمعًا للكلمة، وحرصًا على أن يزيد الإيمان، وأن يقوى الإيمان ويثبت. نعم.
باب إذا وكَّل رجلٌ رجلًا أن يُعطي شيئًا، ولم يُبين كم يُعطي؟ فأعطى على ما يتعارفه الناس
2309- حدثنا المكي بن إبراهيم: حدثنا ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، وغيره. يزيد بعضُهم على بعضٍ، ولم يبلغه كله رجلٌ واحدٌ منهم.
مداخلة: ولم يبلغه كلهم رجلٌ.
الشيخ: أيش قال الشارح على قوله: ولم يبلغه؟
القارئ: قال: قوله: "عن عطاء بن أبي رباح، وغيره. يزيد بعضُهم على بعضٍ، ولم يبلغه كله رجلٌ منهم" كذا للأكثر، وكذا وقع عند الإسماعيلي، أي: ليس جميع الحديث عند واحدٍ منهم بعينه، وإنما عند بعضهم منه ما ليس عند الآخر، ووقع لبعضهم، لم يبلغه كلهم رجلٌ واحدٌ منهم، وعليه شرح ابن التين.
الشيخ: والذي عندك الأول أيش هو؟
القارئ: "ولم يبلغه كله"، ووقع لبعضهم: "كلهم".
الشيخ: ..... يعني: ولا يبلغ كل الخبر واحدٌ منهم، هذا المراد، يعني: أنهم اجتمعوا على الحديث، هذا عنده بعض، وهذا عنده بعض، ولم يبلغه واحدٌ منهم كله، بل بمجموع الكلام، هذا مقصده، نعم.
الشيخ: ثفال يعني: رديء.
قال: أمعك قضيبٌ؟ قلت: نعم. قال: أعطنيه، فأعطيته، فضربه، فزجره، فكان من ذلك المكان من أول القوم، قال: بعنيه، فقلت: بل هو لك يا رسول الله. قال: بل بعنيه، قد أخذتُه بأربعة دنانير، ولك ظهره إلى المدينة، فلما دنونا من المدينة أخذتُ أرتحل، قال: أين تريد؟ قلت: تزوَّجتُ امرأةً قد خلا منها. قال: فهلا جاريةً تُلاعبها وتُلاعبك، قلت: إن أبي تُوفي وترك بناتٍ، فأردتُ أن أنكح امرأةً قد جربت خلا منها. قال: فذلك، فلما قدمنا المدينة قال: يا بلال، اقضِه وزده، فأعطاه أربعة دنانير، وزاده قيراطًا.
قال جابر: لا تُفارقني زيادة رسول الله ﷺ. فلم يكن القيراط يُفارق جراب جابر بن عبدالله.
الشيخ: وفي الرواية الأخرى: أنه ردَّ عليه البعير أيضًا، أعطاه البعير، وأعطاه الثمن، لما وصلوا المدينة جاء بالبعير إلى النبي ﷺ، فأعطاه الثمن، وأعطاه البعير جميعًا، وقال: خُذْ جملك ودراهمك.
وهذا فيه فوائد:
منها: تواضع النبي ﷺ، فقد أخذ القضيبَ من جابرٍ وضرب البعير وزجره حتى سار سيرًا حسنًا، وكان ﷺ في آخر القوم ينظر أحوالهم، وينظر مَن تخلَّف منهم، فهذا من تواضعه وعنايته بالجيش عليه الصلاة والسلام، وعنايته بالضعيف، وأيضًا اشترى بنفسه البعير وقال: بعنيه، قال: هو لك يا رسول الله. قال: بل بعنيه؛ لأن الإنسان إذا أُعطي شيئًا قد يكون المعطي ما سمحت نفسه بالعطاء، أو يخشى أن المعطى ما يحتاج، ما يقبل العطية، يأخذه بالثمن أحسن من العطية، فما قبل عطية جابرٍ، قال: لا، بل بعنيه، فالإنسان قد يُعطي حياءً، لكن إذا كان المعطى يعرف أن العطية ما تُناسب، وأن الأولى أنه يُعوض يُعوض؛ ولهذا قال النبي ﷺ: بل بعنيه، فاشتراه منه ﷺ، وقال: لك ظهره إلى المدينة، وفي اللفظ الآخر: أن جابرًا اشترط ظهره إلى المدينة، فدلَّ على جواز البيع والشرط، وجواز كون ولي الأمر يبيع ويشتري بنفسه، لا بأس، إذا كان ما فيه حرجٌ ولا أخذٌ من أموال الناس بغير حقٍّ.
وفيه علمٌ من أعلام النبوة: كون هذا البعير الضعيف الثَّفَال صار من أسبق الناس بعد ذلك، ومن أقوى الجمال حتى وصل المدينة.
وفيه الجود والكرم، وأن المؤمن ينبغي أن يكون جوادًا كريمًا، فالرسول ﷺ أعطاه الجمل، وأعطاه الدنانير جميعًا، وزاده أيضًا في الثمن.
وفي روايةٍ أخرى: أنه لما جاء وأناخ البعير قال: ادخل وصلِّ ركعتين، فدخل المسجد وصلَّى ركعتين تحية المسجد، ثم جرى ما جرى بعد ذلك.
المقصود أن هذا فيه فوائد، منها ما ذُكر، نعم.
س: الروايات كلها في البخاري أنه أعطاه البعير والثمن؟
ج: أو في "الصحيحين" جميعًا، نعم.
س: القيراط جزءٌ من ...؟
ج: جزءٌ من الدينار.
باب وكالة المرأة الإمام في النكاح
2310- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله، إني قد وهبتُ لك من نفسي. فقال رجلٌ: زوِّجنيها. قال: قد زوجناكها بما معك من القرآن.
الشيخ: هذا فيه أن السلطان وليُّ مَن لا وليَّ له، كالمرأة ما لها أقارب، فالسلطان يُزوجها، كالوكيل، كالمحكمة، أو غيره؛ ولهذا زوَّج النبي ﷺ هذه المرأة الطالب بما معه من القرآن، وفي روايةٍ أخرى قال: فعلِّمها من القرآن، فإذا كان الزوج ما عنده مالٌ فلا بأس أن يتزوج بأن يُعلمها شيئًا من القرآن، أو جزءًا من القرآن، أو من الأحاديث، أو صنعةً من الصناعات، يعني: يُعلمها شيئًا ينفعها، يكون مهرًا لها إذا لم يتيسر المال، فإن تيسر المال فهو المقدَّم: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24]، فإذا لم يتيسر المال -ولو القليل- تزوجها بأي صنعةٍ، أو علمٍ ينفعها، أو بجزءٍ من القرآن، أو آياتٍ يُحفِّظها إياها، نعم.
س: لو حفَّظها أحاديث؟
ج: أو أحاديث، نعم.
س: الحديث محمولٌ على أنه ليس لها وليٌّ؟
ج: هذا الظاهر؛ لأن في الحديث الآخر: السلطان ولي مَن لا وليَّ له.
س: إطلاق الترجمة؟
ج: الظاهر أن المراد إذا لم يكن لها وليٌّ، أيش قال في الترجمة عندك؟
القارئ: باب وكالة المرأة الإمام في النكاح.
الشيخ: هو ..... أنها إذا وكلته يكفي، كما يقول أبو حنيفة وجماعةٌ، ولكن ليس بجيدٍ؛ لأن النبي ﷺ قال: لا نكاحَ إلا بوليٍّ، وقال: السلطان ولي مَن لا وليَّ له، أيش قال الشارح؟
القارئ: قوله: "باب وكالة المرأة الإمام في النكاح" أي: توكيل المرأة، و"الإمام" بالنصب على المفعولية، وأورد فيه حديث سهل بن سعد في قصة الواهبة نفسها، وسيأتي الكلام عليه مُستوفًى في "كتاب النكاح".
وقد تعقبه الداودي بأنه ليس فيه أنه ﷺ استأذنها، ولا أنها وكلته، وإنما زوَّجها الرجل بقول الله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب:6]. انتهى.
وكأن المصنف أخذ ذلك من قولها: "قد وهبتُ لك نفسي"، ففوَّضت أمرها إليه، وقال الذي خطبها: "زوِّجنيها"، فلم تُنكر هي ذلك، بل استمرت على الرضا، فكأنها فوَّضت أمرها إليه ليتزوجها أو يُزوجها لمن رأى.
ووقع في هذه الرواية: "إني وهبتُ لك من نفسي"، وخلت أكثر الروايات عن لفظ: "من"، فقال النووي: قول الفقهاء: "وهبت من فلانٍ كذا" مما يُنكر عليهم. وتُعقب بأن الإنكار مردودٌ؛ لاحتمال أن تكون زائدةً على مذهب مَن يرى زيادتها في الإثبات من النحاة، ويحتمل أن تكون ابتدائيةً، وهناك حذفٌ تقديره: طيبة، مثلًا.
الشيخ: نعم.
الشيخ: بركة، سمِّ.
س: المرأة هذه ما كان لها وليٌّ؟
ج: الظاهر أنها ما كان لها شيءٌ؛ لأن الرسول ﷺ ما ذكر شيئًا، فهو محمولٌ على أنها ما لها أحدٌ؛ لقول النبي ﷺ: لا نكاحَ إلا بوليٍّ، والسلطان ولي مَن لا وليَّ له، نعم.
س: لو كان لها وليٌّ ورفض تزويجها؟
ج: ولي الأمر ينظر في الأمر؛ إن رفض بحجةٍ شرعيةٍ لا بأس، وإلا يلزمه أن يُزوجها، إذا توفرت الشروط يلزم الولي أن يُزوجها، إذا ادَّعت أن وليها لم يُزوجها ينظر ولي الأمر في ذلك: لماذا منع؟ هل بحقٍّ أو بباطلٍ؟